• أصل المشكلة: الجهات التي تمثل العالم الإسلامي هي تحت الاحتلال

    د.ياسين أقطاي

    لقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أخيرًا تلك الخطة التي تسمى “صفقة القرن” بعد أن كان الحديث عنها يدور منذ وقت طويل، أعلنها وقد أخذ لجانبه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو. إن صفقة القرن في الحقيقة ما هي إلا نتاج لممارسات النفاق والظلم والغدر، ولسياسة الاحتلال والمجازر والعنصرية، التي طالما ساقها النظام العالمي في القرن الماضي. إنها ليست سوى إلحاق بالأراضي التي كانت محتلة أصلًا منذ وقت طويل.

    إن متن تلك الصفقة يكشف في الواقع عن أن العالم الغربي الذي كان يبيعنا العلمانية ويصدّع رؤوسنا بها، بلغته وخطاباته وفلسفته؛ ما هو إلا عالَم متدين ومتطرف وعنصري وفاشي.

    صفقة القرن

    صفقة القرن هي إعلان صريح عن إفلاس كل ما ينادي به الغرب من الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية الدينية والعلمانية والتسامح. إنها صورة تعرض السعي وراء كهانة سخيفة للغاية عمرها 2500 عام من المدنية الغربية، وما يتفرع عنها من جنون، يحاول تصوير المسلم الذي ينطلق من دافع ديني على أنه الشخص الأكثر تعصبًا في العالم.

    إن السبب الوحيد اليوم الذي يجعل من هذه الكهانة تحاول فرض نفسها بنفسها، هو أن الولايات المتحدة هي القوة العظمى في هذا العالم، والتي قد حولت الحلم التبشيري-الصهيوني إلى كابوس يحدّق بالسلم العالمي.

    إن رغبتهم في جعل القدس عاصمة لهم، ليس لأنهم يحبّون القدس ذلك الحب المفرط. حيث لا يمكن أن يعشق القدس، أولئك الذين لا يفهمونها ولا يعرفونها. الولايات المتحدة وإسرائيل واعلام الصليبي بأكلمه بعيدون كلّ البعد عن إدراك كنه القدس.

    إن القدس قبل كل شيء هي ذلك المكان الذي فيه يكون فيد دم الإنسان مقدّسًا ومكرمًا. لا يتم تقديس القدس من خلال سفك دماء الأبرياء، بل يتم هدمها وهدمها، حتى تجدون إنسانيتكم باكلمها تحت الأنقاض. أولئك الذين يريدون أن يجعلوا من القدس عاصمة لهم، لا يمكن لهم على الإطلاق أن يكونوا قريبين من أي معنى من معاني القدس، وهم على وشك سفك دماء الملايين من الناس، وكسر سلام ونظام واستقرار العالم بأسره.

    ليست القدس مكانًا للتغطية على الخطايا، بل مكان إدراك تلك الخطايا والتوبة عنها. إن ترامب وبجانبه نتنياهو وهما يقدمان على هذه الخطوة الوقحة المتعجرفة، يبحثان من خلالها على طريق لغسيل خطاياهم والهروب من اتهامات الفساد التي تلاحقهم.

    كما ذكرنا هذا دائمًا؛ القدس هي مرآة عالمنا. في الواقع وعلى مر التاريخ، تكون القدس انعكاسًا لواقع العالم والإنسانية معًا على مر التاريخ. إن الغطرسة والخيانة والاحتيال والظلم الذي تتم ممارسته في القدس، ما هو إلا انعكاس لما يجري في العالم.

    لقد قال الرئيس أردوغان خلال اجتماعه الذي عقده أخيرًا بعد إعلان ترامب عن صفقة القرن، أن “القدس هي مفتاح السلام العالمي”. لكن ذلك المفتاح له أيضًا تأثير في عرقلة السلام العالمي، حينما يتم استخدامه بطريقة سيئة وضارة، وبالطبع العكس هو الصحيح. نجد انعكاسًا هنا للاضطراب الكائن في النظام العالمي. في الحقيقة، حينما عرّج أردوغان خلال كلمته، نحو الوضع في إدلب وليبيا، قد أوضح بشكل لافت أن ما يجري هو انعكاس للخيانة والاحتلال والاضطهاد الذي يتعرض له القدس.

    في ليبيا، هناك انقلابي ومجرم حرب ومحتل اسمه حفتر، ومن ورائه قوى قد جمعها تعتمد على أسلحتها الفتاكة، ويحاول معهم الوصول إلى السلطة من خلال سحق الشرعية، والمدنيين. إن الذين يدعمونه وجميع أسبابهم وحججهم وصفاتهم، تتماهي تمامًا مع أسباب وحجج وصفات من يحتلون القدس. حينما يمتلك القوة، فإنه يمكن أن يرى عبر فرض الأمر الواقع، أن احتلاله الخسيس حق مشروع.

    ما يتم هناك في ليبيا من احتلال وجرائم وغصب، يتم دعمه وتمويله من زعماء عرب-مسلمين، تمامًا كما هو الحال في القدس. من يمكنه أن يتوقع صدور صوت عن العالم الإسلامي حول القدس؟ أصلًا إن أساس المشكلة أن تلك الجهات التي تمثل العالم الإسلامي محتلة.

    أليس منطق وشكل تعاون روسيا وإيران والنظام السوري في إدلب يتماهى تمامًا مع ما مرّ من المشاهد؟ هناك في إدلب يوميًّا يتم قتل العشرات من المدنيين والأطفال فضلًا عن قصف المدن والمشافي والأفران، باسم الحرب ضد الإرهاب. كم عدد الإرهابيين الذين يموتون حقًّا يا ترى؟ أو بالأحرى من هم الإرهابيون حقيقة هناك؟ هانك العديد من الأسئلة التي تكفي لتفسير كيف تفقد الإنسانية معناها من وراء التبرير باسم الإرهاب. تستطيع روسيا فعل أي شيء فقط لأنها عضو دائم بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولأنها تمتلك ما يكفي من القوة. لا يوجد قوة لمنعها على أي حال. حتى القوى التي يمكن لها أن تمنع روسيا عن إجرامها، لا يتمتعون بسيرة ذاتية أفضل من روسيا. جميعهم دون تفاوت تتقاطر من أيديهم دماء الأبرياء.

    أليس هذا أيضًا انعكاسًا مباشرًا للنظام القائم في القدس؟

    ألا نرى خيانة أولئك الذين يحتلون مقام تمثيل الدول المسلمة، قبل أي شيء من سفك دماء المسلمين هناك، وأراضي المسلمين التي تم احتلالها، وشرف المسلمين وناموسهم المهان؟

    لذلك السبب، يعتبر حال القدس تلخيص لأحوالنا. القدس مرآة العالم. يبدأ الخلاص في القدس أو يكتمل فيها.

    لا يمكن تحرير القدس من خلال الإبقاء على القسوة والتضاد الذين يحكمان العالم الإسلامي. من أجل تحرير القدس ينبغي وضع حد لهذا الظلم في عالمنا. لن يتغير شيء في القدس ما لم يتغير النظام القائم في العالم..

  • ثنائية "المحو والإنشاء".. سياسة "إسرائيل" بالقدس

    د. إياد أبو زنيط

    الباحث في مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية

    مقدمة

    منذ أن نشأت إسرائيل كدولة احتلال، استخدمت ثنائية "المحو والإنشاء" والمشتقة من عقلية الإحلال الاحتلالية، ومن الصهيونية الدينية التي ترى في فلسطين مكاناً مقدساً لها، يُشترط إبعاد الغريب منه حتى يَطهر، واستهدفت تلك الثنائية المكون الديمغرافي الأصيل، فرحلته من المكان وأحلت بدلاً منه آخر دخيل، في محاولةٍ لإقامة علاقة سردية بين الدخيل الجديد والمكان، تُصبح أمراً واقعاً مع الجيل الثاني والثالث من نسل ذلك الدخيل، المولود على أرض يعتبرها يهودية لا فلسطينية مسلوبةً من قبل أجداده، مبنية على ترحيل أجداد الآخرين من أقرانه في الجيل.

    في إطار السعي الإسرائيلي الدائم لتعزيز الرواية الإسرائيلية في الأحقية بالأرض، كان التشريد والهدم والتضييق والمصادرة وسائل تغيير جغرافي وديمغرافي على أولويات دولة الاحتلال يُوجه ضد الفلسطيني في كل منطقة تُستهدف بالاستيطان، فكانت مناطق العام 1948م على سلم الأولويات التي أُخرج منها ما يقرب من 800 ألف فلسطيني، واستهدفت أمكان سكانهم، ومن ثم استهدف الاستيطان مناطق العام 1967م حتى صارت أشبه بكنتوناتٍ مقطعة الأوصال يُقيم فيها الفلسطيني، يًسهل حصارها والتضييق عليها، وفيها تُصادر الأراضي وتُهدم المباني تحت ذرائع عدة.

    تُشكل القدس اليوم أكثر المناطق الفلسطينية المستهدفة استيطانياً، وتُعاني من استخدام كافة الوسائل الإحتلالية لتهويدها وعزلها، وجعلها منطقة تبدو إسرائيلية الطراز والمنشأ، بحيث يحتاج إصلاح بيتٍ فلسطيني أو ترميمه إلى سنواتٍ طوال من تتابعٍ في الإجراءات وتعقيد لها، وغالباً لا ينجح الفلسطيني في ذلك، ولا يخفى كون القدس مستهدفة نابعٌ من قدسيتها واهتمام المتدينين اليهود بها، الذين يعتبرونها مبرر وجودهم في أرض فلسطين.

    وفي الآونة الأخيرة تصاعدت وزادت وتيرة هدم المباني في القدس، وبدت دولة الاحتلال ممثلة ببلديتها فيها، وكأنها تدخل في سباقٍ مع الزمن من اجل استكمال تهويد المدينة، فلم تكد تُصدر محكمة الاحتلال العليا قراراً نهائياً بهدم ستة عشر مبنىً سكنياً تضم مائة شقة، في حي وادي الحمص من أراضي صور باهر جنوب المنطقة المحتلة والمصنفة ضمن المنطقة (أ)، وترد بذلك التماساً قدمه أصحاب تلك المباني مطالبين بتجميد العملية حتى شرعت في الشهر الفائت طواقم ضخمة من الجرافات ومئات الجنود في تنفيذ عملية الهدم، في وقتٍ شكلت فيه عملية الهدم إحدى كبرى العلميات التي استهدفت الجغرافيا الفلسطينية منذ عام 1967م، بعد العملية التي استهدفت 35 منزلاً في قلنديا قبل ثلاث سنوات. وكانت ذريعة الهدم هذه المرة قرب المنازل المهدومة من جدار الفصل العنصري، الأمر الذي تعتبره دولة الاحتلال مخالفة أمنية لقرارٍ عسكريٍ يحظر البناء على مسافة 250 متراً من الجدار، الذي أصلاً شطر أراضي صور باهر إلى نصفين، الأول يقع داخل الحدود البلدية المصطنعة للاحتلال ويخضع إدارياً لإشرافها، فيما يقع النصف الثاني في منطقة تتمتع السلطة الفلسطينية فيها بالصلاحيات المدنية، وبحق إصدار رخص البناء،

    ومن خلال التقديم السابق يتضح أنّ هناك دلالات عدة، لعملية الهدم الإسرائيلية الأخيرة، تتجاوز الهدم المادي للمبنى والذي يُمثل هدفاً أولاً، ومن أهم تلك الدلالات:

    أولاً: جريمة معقدة

    هدم المساكن الفلسطينية يُمكن اعتبارها جريمة معقدة تمس الروح والعقل والكرامة الإنسانية، وتمس فلسفة الوجود الإنساني برمته، ويتجلى ذلك من خلال وقوف الفلسطيني عاجزاً أمام أطفاله عن حماية منزله، وأنياب جرافات الاحتلال تهدم مأوى الأحلام والأفراح، والأصعب من ذلك عندما يُطلب من الفلسطيني نفسه هدم مسكنهِ أو جزء منه بيديه من خلال سياسة الهدم الذاتي التي تتبعها سلطات الاحتلال، في مشهدٍ يُضاعف القهر والألم، يُحاول من خلاله تعذيب الفلسطيني بأبشع الطرق المتجلية في إفقاده للمأوى بالقوة، وجعله يُعيد التفكير ألاف المرات، قبل بناء منزلٍ له ولإطفاله، في مسعىً لتهجيره، وجعله يرى نفسه دائماً أمام تهديدٍ ماثل بخطر فقدان المأوى في أي لحظة، مما قد يدفعه في النهاية إلى البناء خارج القدس لحفظ رأس المال الذي وضعه في مبنىً يضمن له الإقامة وعائلته.

    ثانياً: قفزات متسارعة

    حسب ما أشارت له منظمة "بيت سيلم" المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، فإن عدد المباني التي تمَّ هدمها في شرقي القدس منذ العام 2004م بلغَ 915، ويمكن المقارنة حين معرفة عدد المنازل التي تمَّ هدمها عام 2004 والبالغ 53 منزلاً، ومقارنتها برقم المنازل التي تم هدمها عام 2019م حيث وصل الرَّقم إلى 112، وبلغَ عدد المباني التي هُدمت بأيدي ساكنيها عام 2004 خمسة منازل بينما قفز الرقم في العام 2019 إلى 25 منزلاً.[1] وحسب تقريرٍ لصحيفة هآرتس فقد حصل ارتفاع في معدل الهدم بنسبة وصلت إلى 230% في العام الحالي عن العام الذي سبقه فقط.

    ثالثاً: تحدي قانوني

    عمليات الهدم في الآونة الأخيرة في القدس تجاوزت خطوط الاتفاقيات الدولية، وخاصة اتفاقية أوسلو الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية حيث طالت تلك العمليات منازل واقعة في مناطق (أ) و (ب)، والتي حسب ما ذكر للسلطة الفلسطينية حق التصرف فيها، مما أثار حفيظة الاتحاد الأوربي الذي أعلن على لسان ناطقيه إدانته لتلك العمليات والذي اعتبره غير قانوني بموجب القانون الدولي، خاصة وأن بعض المبني التي صودرت أو هُدمت قد أقيمت لفلسطينيين بتمويلٍ أوروبي، وأدانت دول متفرقة من ضمنها فرنسا عمليات الهدم، من هنا يتبين أنَّ إسرائيل أصبحت غير آبهةٍ بما يقع على عاتقها من التزامات فُرضت عليها من خلال الاتفاقيات التي وقعتها، حيث زادت تلك الاختراقات في السنوات الأخيرة، وهذا ينبع من تقوقع الاتحاد الأوروبي على نفسه، وضعف الحالة العربية، والمناصرة الأمريكية لإسرائيل.

    رابعاً: امتداد الصراع الديمغرافي

    في إطار عمليات الهدم الأخيرة المتسارعة تُعيد إسرائيل التأكيد على أنَّ الصراع الديمغرافي على سلم أولوياتها، فعمليات الهدم الأخيرة استهدفت مساكن مأهولة لعائلاتٍ فلسطينية، ووصل عدد المهجرين منها في العشر سنوات الأخيرة إلى 5000 ألاف شخص، ورغم اعتبار البعض أنَّ العدد يُمكن اعتباره صغيراً، إلاَّ أن إسرائيل تنظر بأهمية كبيرة لأيّ ساكنٍ عربي في القدس وتعتبر تهجيره أو إبعاده إنجازاً إسرائيلياً كونه يمنح مساحة لساكن إسرائيليٍ جديد، ويُشكل فرصة لضرب التوازن الديمغرافي الذي حافظ عليه الفلسطينيون لسنوات طوال من خلال متغير زيادةٍ سكانية طبيعي تمثل في التكاثر الطبيعي بينما لم تستطع إسرائيل تحقيق توازنٍ ديمغرافي واضح من خلال متغيرين تمثلا في التكاثر الطبيعي والهجرة، وفي ظلِّ نضوب أو تراجع مؤشرات الهجرة الوافدة لإسرائيل، بشكلٍ كبير، بات إنجاز التغيير الديمغرافي لصالح إسرائيل أمراً مُلحاً، وتحقيقه مطلوب بأي وسيلة.

    خامساً: تطبيق فعلي لصفقة القرن

    رغم عدم وجود معطيات حقيقية عن صفقة القرن التي طرحتها الإدارة الأمريكية منذ فترة للسلام في الشرق الأوسط، إلاّ أن النظر للمعلومات المتسربة عن وضع القدس والتي أشارت إلى أنَّه وفي حال تم الاتفاق على تطبيق حقيقي لصفقة القرن فإن بعض البنود قد تمنع إسرائيل من هدم المباني العربية في القدس أو شراءها، رغم أنّها تُعطيها الأحقية في إدارة المدينة والسيطرة عليها، فإنَّ إسرائيل باتت فعلياً تُسارع الزمن في إحداث التطبيق الفعلي لصفقة القرن على الأرض، ومن المدينة المقدسة بدايةً.

    سادساً: احتلالٌ لا يخرج عن طوره

    تؤكد إسرائيل ضمن المعطيات السابقة على أنّها ما زالت وستبقى دولة احتلالٍ عُنصريٍ يستهدف الإنسان الفلسطيني بكل تفاصيله، ولا تلبث أن تستغل أي لحظةٍ في سبيل إخراجه أو تهجيره، وهذا يُخالف ما تطرحه إسرائيل من كونها واحة الديمقراطية والسلام في الشرق الأوسط، بل هي تزداد تكشيراً عن أدواتها الاحتلالية التي تجاوزت حدود المنطق في تكريس سياسية الإحلال، حيث طوعت إسرائيل في الفترة الأخيرة المنظومة الدينية لخدمة أهدافها الإحلالية، وكان من بين تلك التدخلات أن أجازت بعض المرجعيات الدينية تعدد الزوجات كوسيلة لمحاربة الديمغرافيا الفلسطينية.

    خاتمة

    قد يتساءل البعض عن الإجراءات الفلسطينية التي تقف عاجزة أمامَ تَغولٍ إسرائيلي غير مسبوق في استهداف الجغرافيا الفلسطينية بما فيها هدم المباني، وتحديداً في القدس، وهنا تَجدر الإشارة إلى أنَّ السلطة الفلسطينية قد هددت في الفترة الأخيرة بقطعِ العلاقات مع إسرائيل وإعادة النظر في الاتفاقيات التي وُقعت معها، ولكن يبدو أنَّ إسرائيل لم تعد تسمع فعلياً لتلك التهديدات والتي جاءت فعلياً بعد تحالف ودعم أمريكي كبير للساسة في إسرائيل، وحصول تشظٍ واضح في الحالة الفلسطينية استطاعت إسرائيل من خلاله تكريس حالة الانقسام الحاصلة، إذا ما أضفنا لذلك العامل العربي المتردي والتشتت الحاصل فيه، والذي أزاح كفة القوة لإسرائيل.

    ومن هنا فإنَّ الحل الأمثل لا يَكمن في التهديدات بقدر ما يتطلب تنفيذاً فعلياً لها، وإعادة اجتماع لحالة الافتراق الفلسطينية الحاصلة، وتعزيز وسائل صمودٍ جديدة للفلسطينيين، يتمثل أولها في الصمود الاقتصادي الذي استطاعت إسرائيل ضربه.

  • ما جديَّةُ قرار وقف العمل بالاتفاقات مع الكيان الإسرائيلي؟

    د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    عادت إلى واجهة الأحداث أخبار قرار قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي. ويشير القرار الذي أعلنه الرئيس عباس في 25 تموز/ يوليو 2019 إلى تشكيل لجنة لتنفيذ القرار.

    تشي اللغة القوية التي تحدث بها عباس بمدى الإحباط، الذي وصل إليه وفريقه، من مسار التسوية ومن الأمريكان والإسرائيليين، وبمحاولة التأكيد على جدية القيادة الفلسطينية الرسمية في رفض ما يسمى “صفقة القرن”، ورفض الإملاءات الإسرائيلية الأمريكية وسياسة الأمر الواقع وبناء الحقائق على الأرض، والتي أدت عملياً إلى انهيار “حلّ الدولتين” وتفريغه من مضامينه الأساسية. ويرتبط خطاب عباس كذلك بتأكيد أن الموقف الفلسطيني لا يمكن تجاوزه أو الالتفاف عليه عبر مسارات التطبيع، ومحاولة عزل الفلسطينيين والاستفراد بهم؛ وتأكيد قدرة الفلسطينيين على إفشال أي مخطط يستهدف “تسوية” أو “تصفية” قضيتهم على حسابهم، ودون تطلعاتهم، حتى لو كان “المتعهدون” حكومات وأنظمة عربية.

    وبحسب عباس فـ”فلسطين ليست للبيع”، و”لن نرضخ للإملاءات”، و”لا سلام ولا استقرار في منطقتنا والعالم، دون أن ينعم شعبنا بحقوقه كاملة”.

    إذا كان ثمة وقفات مع هذا القرار، فيمكن أن نلخصها فيما يلي:

    الوقفة الأولى: أن القرارات الرسمية الفلسطينية المتعلقة بوقف التنسيق الأمني وتجميد الاعتراف بـ”إسرائيل” هي قرارات عديدة. وقد أحصى بعض الباحثين حسبما نقل الأستاذ معين الطاهر 58 قراراً وتصريحاً رسمياً فلسطينياً في هذا الشأن، خلال السنوات الماضية. وكان من أوائلها قرار المجلس المركزي الفلسطيني المنعقد في آذار/ مارس 2015 بوقف التنسيق الأمني. وكان من المحطات البارزة قرار المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في رام الله في الفترة 30/4 حتى 3/5/2018، والذي قرر تكليف اللجنة التنفيذية بتعليق الاعتراف بـ”إسرائيل” إلى حين اعترافها بالدولة الفلسطينية، ووقف التنسيق الأمني، والتحرر من بروتوكول باريس الاقتصادي. وبالتالي فالقرار ليس جديداً، وينضم إلى “أرشيف” كبير من القرارات المشابهة، التي لم تجد طريقها للتنفيذ، وتم توظيفها إعلامياً وسياسياً بصورة مؤقتة.

    الوقفة الثانية: هي أن القرار يفتقر إلى آلية تنفيذ محددة، واللجنة التي تمّ الحديث عنها لم يحدد رئيسها ولا أعضاؤها ولا صلاحياتها ولا مداها الزمني.

    الوقفة الثالثة: أن هذا القرار وكل القرارات السابقة، لم تُتبع بإجراءات عملية على الأرض. فبالرغم من أن عُمر قرار وقف التنسيق الأمني يزيد عن أربع سنوات، وتكرر عدة مرات، إلا أنه لم يُنفذ منه شيء على الأرض. وما زال الطرف الإسرائيلي ينعم بخدمات تنسيق أمني “خمس نجوم”، وما زال يعلن أن تعاون السلطة معه في مطاردة المقاومة أدى إلى إحباط عشرات العمليات والقبض على كثير من الخلايا… ثم إن قيادة المنظمة والسلطة التي تُحال إليها هذه القرارات “المُلزمة” لا تفسر لنا سبب تجاهلها لها على مدى أربع سنوات. وهو وضع يجعلها في مكان المساءلة عن أسباب تقصيرها وضعفها وترددها وتجاوزها لقرارات “المؤسسات التشريعية السيادية”، وليس في موقف تسويق “الأداء الوطني”…. بعد “خراب مالطة”!!

    الوقفة الرابعة: دعا عباس في كلمته مرة أخرى لإنهاء الانقسام، وطالب بتنفيذ اتفاق القاهرة الموقع في تشرين الأول/ أكتوبر 2017. وهي دعوة يجب تشجيعها طالما تصب بشكل جاد في إعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية في مواجهة المشروع الصهيوني. غير أن هذه الدعوة لم تخلُ من مغالطات ومن تعريض سلبي بحماس؛ حيث ادعى عباس أن حماس رفضت في لقاء موسكو في شباط/ فبراير 2019 الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، مضيفاً أن ذلك كان تساوقاً مع “إسرائيل” وأمريكا!!

    فمن ناحية أولى يعلم عباس أن سبب عدم توقيع حماس على البيان الختامي للقاء موسكو مرتبط أساساً بتغيير نصوص البيان التي قام بها ممثلو فتح دون علم باقي الوفود. ومن ناحية ثانية يعلم أن حماس موافقة منذ سنوات طويلة على دخول منظمة التحرير والمشاركة في مؤسساتها بشكل “ديموقراطي تمثيلي” يعكس إرادة الشعب الفلسطيني، وأن الكرة في ملعب عباس وحركة فتح منذ إعلان القاهرة في آذار/ مارس 2005 مروراً بوثيقة الوفاق الوطني في حزيران/ يونيو 2006، واتفاق المصالحة في أيار/ مايو 2011. وأن عباس لم يأخذ إجراءً حقيقياً واحداً لشراكة فاعلة لحماس والجهاد الإسلامي وغيرها في منظمة التحرير ومؤسساتها. كما يعلم من ناحية ثالثة أن “التساوق” مع الإسرائيليين والأمريكان هو في الأساس تساوق من خاض مسار التسوية واعترف لـ”إسرائيل” بمعظم فلسطين، وأوقف العمل المقاوم وطارده، وألغى الميثاق الوطني الفلسطيني؛ وليس تساوق المقاومة المسلحة “المغضوب عليها” و”المحاصرة” والموصوفة بـ”الإرهاب” من الإسرائيليين والأمريكان وحلفاؤهم. وأن سبباً رئيسياً لتعطيل المشاركة الفاعلة لحماس والجهاد في المنظمة هو أن سقفها أعلى بكثير من سقف قيادة السلطة وفتح، وأن هناك فيتو أمريكي إسرائيلي عليها.

    الوقفة الخامسة: إذا كان ثمة جدية من طرف عباس وقيادة المنظمة والسلطة في مواجهة “صفقة القرن” وتحقيق وحدة وطنية فلسطينية فعالة، فإنهم المطالبون أولاً (ما دامت القيادة الرسمية بأيديهم) أن يقوموا بعدد من الإجراءات، أولاها التوقف عن مجموعة القرارات والإجراءات التي اتخذوها على مدار العامين الماضيين، والتي زادت من توتير وانقسام الساحة الفلسطينية، وأدت حتى إلى انفضاض فصائل منظمة التحرير عن فتح وسياساتها. ويدخل في ذلك العقوبات على قطاع غزة، وحل المجلس التشريعي الفلسطيني، وتشكيل حكومة فتحاوية حزبية، بالإضافة إلى متابعة سياسة الهيمنة والاستئثار بصناعة القرار الفلسطيني، والإصرار على الاستمرار في التحكم بمؤسساته التشريعية والتنفيذية، فضلاً عن توظيف الصندوق القومي الفلسطيني لأغراض الضغط والابتزاز السياسي.

    وعلى الرئيس عباس وقيادة السلطة أن تتوقف عن “إدارة” المصالحة وعن “الانتقائية” في اختيار ما تريد تنفيذه وما لا تريد تنفيذه. فالمصالحة الموقع عليها منذ 2011 ليست مجرد تسليم المقاومة لقطاع غزة؛ بل هي أوسع وأشمل من ذلك بكثير، وفيها مجموعة من الخطوط المتوازية التي يجب أن تُنفذ كرزمة واحدة… وعلى رأسها مسار منظمة التحرير، التي يُصر عباس على الحديث عن شرعيتها وتمثيلها، دون أن ينظر إلى حالتها البئيسة التي تسبب هو وقيادته في وصول المنظمة إليها، سواء في مؤسساتها المهترئة، وانزوائها الشعبي، وغيابها عن صناعة الأحداث، ووجودها في غرفة الإنعاش، مع تعطيل أي إجراءات حقيقية لإعادة بنائها وتفعيل مؤسساتها.

    أما إذا كان ثمة حديث جاد عن وقف العمل بالاتفاقيات مع العدو الإسرائيلي، ووقف التنسيق الأمني، وسحب الاعتراف بـ”إسرائيل”؛ فإن هذا يعني مجموعة من الاستحقاقات الكبرى أبرزها إعادة تعريف (أو إنهاء) السلطة الفلسطينية، وبناء استراتيجية فلسطينية جديدة على برنامج سياسي جديد، يتجاوز مسار التسوية واتفاقات أوسلو السابقة. وهذا قد يفتح فرصاً كبيرة لترتيب البيت الفلسطيني ولانضمام حماس والجهاد وقوى المقاومة لمنظمة التحرير وإعادة بنائها على أساس العودة للثوابت. وهو ما يفتح في الوقت نفسه مجموعة من التحديات والمخاطر نتيجة التموضع الجديد المحتمل. وهذا يستدعي مجموعة من ورش العمل والخطط التي يشارك في إعدادها خبراء ومختصون أَكْفاء، لوضع البدائل والمسارات الأنسب لإدارة المرحلة، ومتابعة استراتيجية المقاومة والتحرير.

    أما متابعة التصريحات والتعبير عن “القهر” وتفريغ المشاعر، والتهديدات الكلامية… فلا تفيد إلا في مزيد من الإحباط… وفي مزيد من انهيار الثقة بالقيادة السياسية الفلسطينية، والشعور بضعف كفاءتها، وعدم ارتقائها إلى مستوى المرحلة. كما سيصب أكثر في لا مبالاة وسخرية واستخفاف الأمريكان والصهاينة بهكذا قيادة فلسطينية.

  • مقال: دلالة ترتيب ”إسرائيل“ في نماذج القياس الدولية

    بقلم: أ.د. وليد عبد الحي.
    (مقال خاص بمركز الزيتونة).

    في سنة 1863، ظهر أول نموذج لترتيب الجامعات التقنية في أوروبا، [1] ثم تزايدت ظاهرة ترتيب Ranking الدول في معظم مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والتقنية والرياضية…إلخ، وأصبحت الدول تتنافس في هذه المجالات لتحسين مواقعها في سلم الترتيب هذا.

    ترتيب الدول كأحد مقومات القوة الناعمة:

    منذ أن روَج جوزيف ناي Joseph Nye مفهوم القوة الناعمة سنة 1990، أدركت الدول أن موقع الدولة في ترتيب نماذج القياس الدولية هو من ضمن مؤشرات القوة الناعمة، لأنه يشكل قوة جذب من ناحية، وتهذيب لصورة الدولة في ذهن المجتمع الدولي شعوباً وحكاماً من ناحية ثانية، وهو أمر توليه “إسرائيل” اهتماماً كبيراً. ولكن ما هي أهمية ترتيب الدولة في هذه النماذج: [2]

    1. تعزيز فرص جذب الاستثمارات الخارجية وتشجيع التجارة معها، بل والموافقة على تقديم القروض لها، إلى جانب جذب الطلاب للدراسة في جامعاتها؛ وهو ما يتضح في التنافس مثلاً على المراكز المتقدمة في ترتيب الجامعات من ناحية، وما يتضح مثلاً في نتائج نموذج “تنفيذ العمل Business Doing” لتعزيز العلاقات التجارية مع الدول المتقدمة في المرتبة من ناحية ثانية. [3]

    2. تحسين فرص السياحة نتيجة قوة الجذب التي تصنعها المكانة المتقدمة للدولة، فكلما كان معدل الاستقرار السياسي أعلى كانت نسبة السياحة أعلى، وكلما ارتفعت مكانة الدولة في سلم الترتيب في هذا المجال تزايدت نسبة إسهام السياحة في هذه الدولة. [4]

    3. تزايد التقارب من قبل وحدات المجتمع الدولي مع الدولة التي تحتل مراتب عليا، مما يعزز القوة التفاوضية لهذه الدولة.

    4. توسيع دائرة التأييد في أوساط الرأي العام الدولية للدولة التي تحتل مرتبة متقدمة، وهو ما يحولها لنقطة جذب للمقار الرئيسية للمنظمات الدولية، أو الإقليمية، أو المنظمات غير الحكومية، أو الفعاليات الفكرية والأدبية والرياضية…إلخ.

    5. إن رصد ترتيب دولة معينة في نماذج القياس المختلفة يساعد على تحديد الاتجاهات الكبرى في هذه الدولة، وتحديد القطاعات التي تتقدم فيها وتلك التي تتخلف فيها.

    6. تصبح الدولة ذات المركز المتقدم في الترتيب في قطاعات معينة نموذجاً جاذباً للدول الأخرى، وهو ما يجعل الدول الأخرى تحذو حذو هذه الدولة، وهو ما يعطي “قيمة مضافة” لهذه الدولة في نطاق رصيدها من القوة الناعمة.

    نماذج ومناهج قياس ترتيب الدول: [5]

    يمثل الإنجاز بمعناه العام أداة لقياس الفروق في ميدان معين بين الأفراد أو الجماعات أو الدول أو التنظيمات المختلفة، فكما يتم ترتيب الطلاب طبقاً لعلاماتهم، أو ترتيب الشركات طبقاً لأرباحها أو حجم إنتاجها، أو ترتيب الأحزاب طبقاً لعدد مقاعدها، فإن عدداً كبيراً من المؤسسات الدولية العلمية بدأت تعتمد نماذج للقياس وترتيب الدول تقوم على الخطوات التالية: [6]

    1. تحديد ميدان القياس (سياسي، أو اجتماعي، أو اقتصادي، أو عسكري،…إلخ) أو كلي.

    2. تحديد المؤشرات الرئيسية للميدان المراد قياسه Indices، فمثلاً إذا كان الميدان اقتصادياً يتم تحديد مؤشرات مثل إجمالي الناتج المحلي أو الدخل الفردي أو حجم التجارة أو الاحتياطي النقدي…إلخ، وهكذا مع بقية الميادين السياسية والاجتماعية وغيرها.

    3. تحديد المؤشرات الفرعية sub-indices، وهي التي تشكل في مجموعها قيمة المؤشر الرئيسي؛ مثلاً في قياس الديموقراطية يتم تجزئة المؤشر إلى مؤشرات فرعية مثل نزاهة الانتخابات، الرقابة، تداول السلطة، حرية الرأي، حرية التنظيم،…إلخ، ويتم جمع قيمة المؤشرات الفرعية للحصول على قيمة المؤشر الرئيسي.

    4. يتم تحديد قيمة أو نسبة مئوية لما يسمى وزن المؤشر الرئيسي، وتحديد قيمة لكل مؤشر فرعي من مكونات المؤشر الرئيسي طبقاً لأهميته، ويتم ذلك إما طبقاً لخطوات إحصائية مثل معادلة التأثير المتبادل Cross impact، أو معامل الارتباط Correlation coefficient، أو الانحدار Regression لمعرفة الاتجاه العام للمؤشر، أو من خلال استطلاع آراء الخبراء…إلخ.

    5. يتم جمع قيمة كل المؤشرات الفرعية لتحديد قيمة المؤشر الرئيسي، ثم جمع قيمة كل المؤشرات الرئيسية.

    6. تحديد ترتيب الدولة طبقاً لمجموع مؤشراتها، مع ملاحظة ما يلي:

    ‌أ. أن عدد الدول تتباين بين نماذج القياس المختلفة.

    ‌ب. أن الفروق بين النماذج ليس كبيراً نظراً لاعتمادها في الغالب على مصادر معلومات إما متشابهة أو ذات قدر كافٍ من المصداقية.

    وهناك حوالي 85 مؤسسة تقوم بعمليات القياس طبقاً لنماذج مختلفة، ويصل المعدل العام لمجموع المؤشرات لهذه النماذج حوالي 165 مؤشراً رئيسياً وفرعياً.

    تحديد موقع “إسرائيل” في هذه النماذج: [8]

    يحاول الإعلام الإسرائيلي التركيز على لفت الانتباه لترتيب “إسرائيل” في نماذج القياس الدولية، مع العمل على التركيز على الميادين التي تحقق فيها “إسرائيل” نتائج أفضل مثل النفوذ الدولي، أو التعليم والجامعات وبراءات الاختراع…إلخ. [9]

    ولتبيان اهتمام “إسرائيل” بدلالات الترتيب لها في مختلف الميادين، يكفي العودة الى دراسة ردود الفعل الإسرائيلية على ترتيبها عسكرياً في مكانة دون المكانة الإيرانية، ومحاولة نقد منهجية القياس من حيث عدد المؤشرات (55 مؤشراً فرعياً)، [10] أو أوزان المؤشرات، بينما لا يتم نقد نماذج القياس التي تعطي “إسرائيل” مكانة متقدمة. فمثلاً نماذج القياس الخاصة بالديموقراطية بعضها لا يغطي مؤشر الاحتلال، وعدد المعتقلين من الخاضعين للاحتلال ضمن مؤشرات الديموقراطية أو حقوق الانسان، بل حتى في قياس العولمة يجري التشكيك بها إذا كانت نتائج “إسرائيل” ليست كما تريد. [11]

    ولتحديد ترتيب “إسرائيل” الكلي في المجالات الكبرى، قمنا برصد أربعة قطاعات أساسية، واستخدمنا أهم النماذج المتداولة لكل قطاع مع مقارنتها مع النماذج الأخرى من باب الاستئناس بدرجة الدقة في القياس، وأخذ الفروق بين نماذج القياس المختلفة في الاعتبار.

    1. القطاع الاقتصادي: وقد شمل 11 مؤشراً رئيسياً لكل منها مؤشرات فرعية (مثل إجمالي الناتج المحلي، والدخل الفردي، ومؤشر التنمية، ورأس المال البشري، وحجم التجارة، والعولمة…إلخ)، وكل مؤشر رئيسي قد يكون له مؤشرات فرعية مختلفة في عددها وأوزانها. مثلاً مؤشر العولمة له 14 مؤشراً فرعياً في نموذج كيرني Kearney، بينما هناك 9 مؤشرات فرعية في نموذج المعهد الاقتصادي السويسري KOF.ر[12]

    2. المؤشر الاجتماعي: وضم 9 مؤشرات؛ التعليم، وبراءات الاختراع في التكنولوجيا، والترفيه، والعنف الاجتماعي…إلخ.

    3. المؤشر السياسي: ويشمل 10 مؤشرات مثل الديموقراطية، والاستقرار السياسي، والعلاقات الدولية، والاعتقالات، وحرية الرأي، والإعلام،…إلخ.

    4. المؤشر العسكري: ويشمل 6 مؤشرات رئيسية، مثل نسبة الإنفاق العسكري من الناتج المحلي، والقوة النارية، ومبيعات الأسلحة، ومؤشر العسكرة Militarization…إلخ.

    وبعد الرصد كانت النتائج كما يلي:

    1. كان الترتيب العام لـ”إسرائيل” هو المرتبة 42 من بين 160 دولة.

    2. عند تقسيم القطاعات ورصد نتائج كل منها، ظهرت لنا النتائج التالية:

    ‌أ. في الميدان الاقتصادي: احتلت المرتبة 24 عالمياً.

    ‌ب. في الميدان السياسي: كان ترتيبها 60 عالمياً.

    ‌ج. في الميدان الاجتماعي: حصلت على المرتبة 62 عالمياً.

    ‌د. في الميدان العسكري: جاءت في المرتبة 23 عالمياً.

    تحليل النتائج:

    لو قسمنا المستويات لمراتب الدول إلى أربعة (عالي، ومتوسط، ومتدني، وضعيف)، فإن “إسرائيل” تقع في المرتبة العالية في ميدانين هما العسكري والاقتصادي، لكنها تقع في المرتبة المتوسطة في كل من الميدان السياسي والميدان الاجتماعي، وهو ما يعني ان “إسرائيل” دولة قوية ومتقدمة تقنياً لكنها دولة أقل بمسافة كبيرة في الأبعاد ذات الصلة بالإنسان (السياسي، والاجتماعي).

    تشير النتيجة السابقة إلى أنها تستوجب من المخطط العربي والفلسطيني التفكير في كيفية تعميق هذا الخلل في البنية الإسرائيلية، ونعتقد أن ذلك يتم من خلال المقاومة بأشكالها المختلفة، وتتضح جوانب هذه المسألة في توضيح بعض المؤشرات الفرعية التالية:

    1. مكانة “إسرائيل” في حرية الإعلام هي 101 من بين 180 دولة.

    2. مكانة “إسرائيل” في الاستقرار السياسي هي 144 من بين 163 دولة.

    3. مكانتها في الجريمة (المخدرات، وغسيل الأموال، وتجارة الأعضاء، وتجارة الرقيق الأبيض) هي 129 من بين 245 دولة أو كيان سياسي (يتم حساب بعض الجزر وأقاليم الحكم الذاتي لا سيّما أن هذه الأماكن كثيراً ما كانت ملجأ لفروع البنوك والشركات العملاقة لغسيل الأموال عبر ما يسمى البنوك الحرة أو الخارجية Offshore Banking Units.ر[13] علماً أن “إسرائيل” كانت سنة 2003 ضمن القائمة السوداء عالمياً للدول التي تمارس غسيل الأموال والتي تضعها فرقة العمل المالي The Financial Action Task Force.ر[14]

    4. تراجعت “إسرائيل” 7 مراتب من سنة 2016 إلى (المرتبة 28 إلى المرتبة 35 بين الدول الصناعية والمرتبة 50 من 180 دولة عالمياً). [15]

    خطورة التطبيع:

    ولو نظرنا في المؤشرات الفرعية لكل من المؤشرين الرئيسيين الاجتماعي والسياسي الخارجي، فإن مؤشر العولمة يوضح خطورة الانفتاح العربي في تعزيز المكانة الإسرائيلية في العالم، فمؤشرات العولمة السياسية ستتحسن لـ”إسرائيل” مع كل خطوة انفتاح عربي، ناهيك عن التحسن أكثر في المؤشرات الاقتصادية، ويكفي النظر في المؤشرات التالية: [16]

    1. تزايد حجم التبادل التجاري بين “إسرائيل” ودول الخليج ليصل إلى قرابة مليار دولار.

    2. تزايد الزيارات الرسمية والرياضية والاستخبارية والسياحية العربية لـ”إسرائيل”.

    3. تزايد استئجار شركات إسرائيلية أو المشاركة معها من قبل أطراف عربية (خصوصاً في ميدان الاتصالات على سبيل المثال).

    4. الضعف الشديد لرد الفعل العربي على “صفقة القرن” التي طرحها ترامب، وهو ما يعزز الإحساس العالمي باحتمال التنفيذ للخطة، فتتعزز الوفود القادمة لـ”إسرائيل” على أمل الإسهام في مشروعات ما سمي بـ”صفقة القرن”.

    5. تغير مضامين الإعلام العربي من حيث المفاهيم وشروط المقاطعة ومضمون الأخبار الخاص بـ”إسرائيل”.

    6. العمل على إنشاء هيئات مجتمع مدني تضم شرائح من النخب العربية والإسرائيلية.

    وعند تحويل هذه المتغيرات إلى مؤشرات كمية، فإنها وبحسب أوزان المؤشرات الفرعية التي لها صلة بهذه الجوانب، ستعزز المكانة الإسرائيلية بشكل متواصل، وهو ما سيزيد العبء على الطرف الفلسطيني.

    إن “إسرائيل” تسعى إلى تعزيز ترتيبها الدولي لتوسع الفضاء الدولي من حولها، لكنها أيضاً تعمل على تحويل الصراع العربي الصهيوني من صراع صفري Zero Sum Game إلى صراع غير صفري Non Zero Sum Game، ففي النمط الأول فإن كل ما يخسره طرف (-1) هو مكسب للطرف الآخر (+1) فتكون الحصيلة الرياضية صفراً. أما في النموذج الثاني غير الصفري، فإن الهدف هو الجمع بين الصراع والتعاون بهدف العمل من منظور مستقبلي على توسيع دائرة التعاون العربي الصهيوني تدريجياً، مما يجعل الوزن النوعي للتناقض أقل أهمية، فكلما اتسعت دائرة المصالح المشتركة العربية الإسرائيلية تضعف أهمية المصالح المتناقضة خصوصاً في البعد الفلسطيني، وعليه فإن توسيع الروابط العربية الإسرائيلية يستهدف جعل الموضوع الفلسطيني يفقد وزنه تدريجياً، وهو ما تسعى له “إسرائيل” مدعومة باستراتيجية تعزيز رتبتها الإقليمية والدولية في نماذج القياس الدولية وتوظيف ذلك على كل الأصعدة.

    تعزيز المقاومة:

    الجانب الآخر في هذا الموضوع هو تعزيز المقاومة بكافة أشكالها، لأن ذلك سيؤثر بشكل كبير على كل مؤشرات القياس الرئيسية والفرعية، وهو ما يؤثر سلبياً على ترتيبها ويفقدها الآثار المترتبة على ترتيبها المتقدم. لأن المقاومة تؤثر وبشكل مباشر على المؤشرات الرئيسية ذات الوزن النسبي الأعلى والتي تظهر أوزانها في أغلب المقاييس الدولية على النحو التالي: [17]

    1. المؤشرات الاقتصادية والتقنية: 37%.

    2. المؤشرات الاجتماعية: 39%.

    3. المؤشرات السياسية: 24%.

    مثالان تطبيقيان:

    يكفي أن نأخذ مثالين تطبيقيين على نماذج القياس:

    أولاً: النموذج الخاص بـ”مؤشر الدول الهشة Fragile States Index”:

    تنجز هذا النموذج مؤسسة “دعم السلام” Fund for Peace الأمريكية منذ 15 عاماً والذي يتم القياس فيه لثلاثة مؤشرات رئيسية (سياسية واقتصادية واجتماعية)، وتشتمل على 14 مؤشراً فرعياً مجموع أوزانها 120 نقطة، حيث يكشف هذا النموذج بخصوص ترتيب “إسرائيل” ما يلي:

    1. تحتل “إسرائيل” المرتبة 67 من بين 178 دولة، وبمعدل نقاط 76.5 نقطة خلال الفترة من 2013-2019، وهو ما يعني أن نسبة الهشاشة في “إسرائيل” هي 63.75%، وهو متطابق بقدر كافٍ مع نتائج نموذج قياس “الاقتصاد العالمي” The Global Economy الخاص بمستوى الاستقرار السياسي في دول العالم، حيث حصلت “إسرائيل” في هذا النموذج الذي يعتمد على 300 مؤشر، تغطي الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية، على المرتبة 163 من بين 195 دولة، وحصلت على نقطة هي -0.93 على مقياس يمتد من +2.5 (الأكثر استقراراً سياسياً) إلى -2.5 نقطة (الأقل استقراراً سياسياً)، أي أن “إسرائيل” غير مستقرة بنسبة حوالي 63%. [18] وهي نسبة متطابقة مع نسبة النموذج السابق.

    2. خلال الفترة 2013-2019 تحسنت نقاط “إسرائيل” بمعدل 7.8 نقاط، وسبب ذلك هو سياسات السلطة الفلسطينية، خصوصاً في مجال التنسيق الأمني من ناحية، وترهل الديبلوماسية الفلسطينية والعربية في مجال النشاط الديبلوماسي مع القوى الدولية المختلفة، على الرغم من أن الرأي العام الشعبي الدولي بكل مؤشراته هو لصالح الطرف الفلسطيني.

    ثانياً: النموذج الخاص بالطلاب الأجانب في الجامعات الإسرائيلية: [19]

    طبقاً لمقياس شنغهاي Shanghai Jiao Tong University Ranking لسنة 2019، وقَّعت ست جامعات إسرائيلية ضمن الـ 500 جامعة الأعلى في العالم، واحتلت المراتب بين الـ 85 والـ 401، وهو أمر يعزز القوة الناعمة لـ”إسرائيل”، وهو ما يظهر من خلال عدد الطلاب الأجانب في هذه الجامعات، حيث بلغ عدد الطلاب الأجانب في “إسرائيل” حوالي 12 ألف طالب سنة 2019 بزيادة ألف طالب عن عددهم في سنة 2017، وتسعى “إسرائيل” لرفع عدد الطلاب إلى 24 ألف طالب أجنبي حتى سنة 2022، فإذا وضعنا في الاعتبار عدد السكان مقارنة بعدد الطلاب الأجانب فإن “إسرائيل” تقع في مركز متقدم في الترتيب الدولي لعدد الطلاب الأجانب، مع ملاحظة أن التركيز الإسرائيلي يتوجه إلى ثلاث مناطق هي أمريكا الشمالية والصين والهند، بهدف، كما ورد في تقارير إسرائيلية، تعزيز مكانة “إسرائيل” من خلال الترابط مع هؤلاء الخريجين لاحقاً وتعزيز العلاقات مع بلادهم. وتشير التقارير الإسرائيلية إلى أن العوامل السياسية تلعب دوراً سلبياً أمام تحقيق الأهداف الإسرائيلية في هذا الجانب.

    الخلاصة:

    تمثل المرتبة المتقدمة لـ”إسرائيل” على سلم نماذج القياس الدولي جزءاً من قوتها الناعمة، وهي تحاول الترويج لهذه المرتبة لتحصد سلسلة من المكاسب المترتبة على ذلك، ولكن القياس يشير الى أن الفترات التي تتصاعد فيها أعمال المقاومة تؤثر سلباً على سلم ترتيب “إسرائيل” في القطاعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لكن السياسات والتصريحات العربية والفلسطينية غير المنضبطة من قبل بعض القوى والشخصيات العربية والفلسطينية تنعكس إيجابياً على مراتب “إسرائيل” في نماذج القياس، وهو أمر لا بد من التنبه لخطورته على فرص التفاعل الإيجابي الدولي مع الحقوق الفلسطينية.


    [1] Péter Érdi, Ranking: The Unwritten Rules of the Social Game We All Play (U.K: Oxford University Press, 2020), p. 130.
    [2] Malaka Gharib, Countries Are Ranked On Everything From Health To Happiness. What’s The Point?, site of npr, 14/6/2019, https://www.npr.org/sections/goatsandsoda/2019/06/14/730257541/countries-are-ranked-on-everything-from-health-to-happiness-whats-the-point
    [3] Bjorn Hoyland, Karl Moene and Fredrik Willumsen, “The Tyranny of International Index Rankings,” site of Universitetet i Oslos, April 2009, http://folk.uio.no/carlhk/tirsdagssem/TyrannyIndexRankings.pdf
    [4] Institute for Economics and peace, Global Peace Index: Measuring Peace in a Complex World, Global Peace Index 2019, site of Vision of Humanity, June 2019, http://visionofhumanity.org/app/uploads/2019/06/GPI-2019-web003.pdf
    [5] Romina Bandura and Carlos Martin del Campo, “A Survey of Composite Indices Measuring Country Performance: 2006 Update,” A UNDP/ODS Working Paper, United Nations Development Programme (UNDP), 17/11/2006, https://www.undp.org/content/dam/undp/library/corporate/Development%20Studies/measuring_country_performance_2006update.pdf
    [6] Chang Zhang and Ruiqin Wu, “Battlefield of global ranking: How do power rivalries shape soft power index building?,” SAGE Journals, 18/6/2019, https://journals.sagepub.com/doi/full/10.1177/2059436419855876
    [7] http://www.dataworldwide.org
    [8] https://www.knowyourcountry.com/country-ratings-table
    [9] Ilanit Chernick, Annual report ranks Israel as 8th most influential country in the world, The Jerusalem Post newspaper, 22/4/2019, https://www.jpost.com/Israel-News/Israel-ranked-as-8th-most-influential-country-in-the-world-annual-report-587493; Study in Israel, site of Top Universities, https://www.topuniversities.com/where-to-study/asia/israel/guide; and Michael Birnhack, Oren Perez, Ronen Perry and Doron Teichman, “Ranking Legal Publications: The Israeli Inter-University Committee Report,” Bar Ilan University Faculty of Law, Research Paper, no. 19-17, 18/7/2019, https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=3422168
    [10] https://nationalinterest.org/blog/buzz/forget-those-f-35s-could-iran-crush-israel-war-80846
    [11] Charles D. Freilich, Israel National Security: A New Strategy for An Era of Change (U.K: Oxford University Press, 2018), chp. 4.
    [12] Indicators of Globalization, https://www.google.com/search?q=indicators+of+globalisation&tbm=isch&source=iu&ictx=1&fir=TgtsvqblTa7I_M%253A%252Cm3zK1iv8F2RsMM%252C_&vet=1&usg=AI4_-kTOAFN6vmfgX5LQJpHFGbMg4IVwrQ&sa=X&ved=2ahUKEwiSzJnNloboAhWPGBQKHcQsBLEQ9QEwAXoECAcQAw&biw=1366&bih=657#imgrc=TgtsvqblTa7I_M:
    [13] Yonah Jeremy Bob, Israel falls close to redline in corruption index, The Jerusalem Post, 23/1/2020, https://www.jpost.com/Israel-News/Israel-falls-close-to-redline-in-corruption-index-615043
    [14] Simona Weinglass, Now a member of anti-money-laundering body, has Israel truly cleaned up its act?, site of The Times of Israel, 13/1/2019, https://www.timesofisrael.com/now-a-member-of-anti-money-laundering-body-has-israel-truly-cleaned-up-its-act
    [15] Yonah Jeremy Bob, Israel falls close to redline in corruption index, The Jerusalem Post, 23/1/2020,https://www.jpost.com/Israel-News/Israel-falls-close-to-redline-in-corruption-index-615043
    [16] “Assessing Israel’s Trade With Its Arab Neighbours,” site of Tony Blair Institute for Global Change, 14/8/2018, https://institute.global/advisory/assessing-israels-trade-its-arab-neighbours; and Ksenia Svetlova, A new type of peace in the Middle East, The Jerusalem Post, 23/2/2020, https://www.jpost.com/Opinion/A-new-type-of-peace-in-the-Middle-East-618535
    [17] Israel: Country Risk, site of Societe Generale, https://import-export.societegenerale.fr/en/country/israel/economy-country-risk
    [18] Fragile States Index 2019, The Fund for Peace, 10/3/2019; and Political stability – Country rankings, site of The Global Economy, https://www.theglobaleconomy.com/rankings/wb_political_stability/
    [19] Site of Study International, https://www.studyinternational.com/news/israel-international-student; Best 8 Universities & Colleges in Israel, site of Study Portals Masters, https://www.mastersportal.com/ranking-country/112/israel.html; and Top 10 Study Abroad Countries in the World – 2019 Rankings, 28/1/2020, https://www.educations.com/top-10-lists/top-10-study-abroad-countries-global-2019-14340
  • مقال: ”إسرائيل“ وشركات الأمن الخاصة

    بقلم: أ.د.وليد عبد الحي.

    مع أن بواكير شركات الأمن الخاصة بدأت عقب الحرب العالمية الثانية مباشرة، إلا أن الحركة الصهيونية كانت سباقة في هذا المجال عندما أنشأت أول شركة أمنية خاصة وهي شركة هاشميراHashmira سنة 1937.[1] إلا أن ازدهار هذه الشركات على المستوى الدولي جاء مع نهاية الحرب الباردة في مطلع التسعينيات، على الرغم من أن الولايات المتحدة بدأت وبشكل رسمي في التعاقد مع هذه الشركات في حملاتها ضد مهربي المخدرات في أمريكا اللاتينية قبل هذه الفترة، ثم توسعت في التعاقد معها في الصراع الذي جرى في البلقان مع تفتت يوغسلافيا، ثم تصاعد عدد العقود مع اشتعال حروب الخليج وأفغانستان. لكن النشاط الأكبر قفز بشكل كبير مع ظهور توجهات الرئيس الأمريكي باراك أوباماBarack Obama بتخفيض قواته في العراق وأفغانستان وفي تخفيض الميزانية الدفاعية. [2]

    وتؤدي سياسة الاعتماد على شركات الأمن الخاصة منافع كثيرة للدول الغربية خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث تتمركز المقار الرئيسية لهذه الشركات، ومن هذه المنافع تخفيض النفقات عن كاهل وزارات الدفاع، وتخفيض الخسائر البشرية في القوات المسلحة من خلال الاعتماد على تجنيد المرتزقة من مختلف مناطق العالم، ثم تجنب الإحراج الديبلوماسي ومناقشات القانون الدولي الناجمة عن التدخلات العسكرية من خلال التستر وراء شركات الأمن الخاصة، وأخيراً جذب التأييد الداخلي بالظهور بمظهر النزعة السلمية وعدم الانخراط المباشر، بقدر ما، في النزاعات الدولية المسلحة. [3]

    أما في الدول العربية فإن الرئيس المصري السابق أنور السادات، كان أول من وافق سنة 1979 على إنشاء شركة أمنية خاصة وهي شركة كير سيرفيسCare Services، وكان أول عقد تم توقيعه مع هذه الشركة هو العقد الخاص بتأمين السفارة الأمريكية، حيث طالبت السفارة الأمريكية بطاقم حراسات خاصة للمشاركة في عملية تأمين السفارة بالمشاركة مع قوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينزMarines) بسبب المظاهرات ضد اتفاقية كامب ديفيدCamp David Accords مع "إسرائيل". [4]

    وفي "إسرائيل"، تم إنشاء شركة هاشميرا الأمنية الخاصة التي أشرنا لها، والتي يعمل بها حالياً 15 ألف موظف، ثم أصبحت هذه الشركة فرعاً للشركة الأمنية العملاقة جي فور أسG4S، مقرها لندن، والتي لها فروع في دول عربية منها مصر؛ هي كير سيرفيس والتي ذكر رئيس فرعها السابق اللواء سامح سيف اليزل أن الجيش المصري "مول أحزاب وقوى سياسية لإفشال الإخوان المسلمين في مصر". [5]

    وهناك مستويان من العلاقات الإسرائيلية مع الشركات الأمنية الخاصة: [6]

    المستوى الأول: يتمثل في شركات إسرائيلية أمنية خاصة: وتشير التقارير المتوفرة عن شركات الأمن الخاصة التي تديرها جهات رسمية وشبه رسمية إسرائيلية إلى وجود حوالي 300 شركة إسرائيلية موزعة في عدد كبير من دول العالم، وتسهم بالعمل الأمني بالتعاون مع تنظيمات سياسية، خصوصاً اليمينية، في أكثر من سبعين دولة، من بينها دول عربية، ويتمثل الإسهام في التدريب، ونقل الأسلحة، وجمع المعلومات، والاختطاف، والتعذيب، وإدارة السجون، وحراسة المستوطنات، والإشراف على نقاط التفتيش الـ 96 في الأراضي المحتلة، منها 57 نقطة ثابتة داخل الضفة الغربية، و39 نقطة عبور بين أراضي 1967 والخط الأخضر، وقد بدأت الحكومة الإسرائيلية بخصخصة نقاط التفتيش الأمنية منذ سنة 2005. ومن أبرز الشركات الإسرائيلية الامنية الخاصة: [7]

    1. موديعين ازراخModi’in Ezrach

    2. تي أند إمT&M

    3. موكِد متاراMoked Matara

    4. نوف يامNof Yam

    5. جلشان للتسويق، موارد بشرية، حراسة وأمنGalshan Marketing Human Resources Guarding &Security

    6. أفيدار للأمنAvidar Security

    7. بَن للأمنBen Security

    8. رِشِف للأمنReshef Security

    9. بني تال للأمنBeni Tal Security

    10. آي أس سي استشارات أمنية دوليةISC International security consulting

    11. مجموعة ميكودMikud group

    المستوى الثاني: يتمثل في شبكة العلاقات بين الجهات الرسمية الإسرائيلية، وشركات أمنية متعددة الجنسية، إذ تتعاون "إسرائيل" في هذا المستوى مع شركات أمنية خاصة متعددة الجنسية، ومن أبرز هذه الشركات التي تتعاون معها "إسرائيل": [8]

    1. شركة أكاديميACADEMI ؛ وهي التي كانت تعرف باسم شركة بلاك ووترBlackwater المعروفة بنشاطاتها في العراق وسورية، وتم إنشاؤها سنة 1997، وفي سنة 2014 اندمجت مع مجموعة جديدة هي كونستيليس القابضةConstellis Holdings. وتتعاون هذه الشركة مع "إسرائيل" في مجال الإليكترونيات والاستخبارات. [9]

    2. شركة آي سي تي أس العالميةICTS International؛ وهي شركة هولندية انشأتها أجهزة الأمن الإسرائيلية بالتعاون مع أمن الخطوط الجوية الإسرائيلية سنة 1982، وهي تعمل في مجال حماية الملاحة الجوية ويصل دخلها السنوي حوالي 100 مليون دولار. [10]

    3. شركة مجموعة نورث بريدج للخدماتNorthbridge Services Group؛ لها علاقات مع الخارجية الإسرائيلية، وتقوم بتجنيد مرتزقة للقيام بعمليات خاصة. [11]

    4. شركة تريبل كانوبيTriple Canopy؛ مقرها في فرجينيا، وتقوم بعمليات أمنية لصالح "إسرائيل" منذ 2005. ازداد نشاطها في "إسرائيل" في فترة الرئيس الأمريكي السابق أوباما. تجند مرتزقتها من مختلف دول العالم وخصوصاً من أمريكا اللاتينية، وتبلغ أرباحها 1.5 مليار. [12]

    5. شركة بروسيغورProsegur؛ تضم 150 ألف موظف، تأسست سنة 1967، مقرها مدريد، ازدهر نشاطها في أمريكا اللاتينية في فترة الثمانينيات عندما كانت عمليات الخطف والقتل والتفجيرات تتسع في البيرو، وهو ما أكدته التقارير البيروفية، ولها نشاطات في "إسرائيل" خصوصاً في نطاق تقديم الخدمات الأمنية. [13]

    6. شركة أيجيس لخدمات الدفاعAegis Defence Services؛ وهي شركة بريطانية تأسست سنة 2002، تتلقى حالياً 293 مليون دولار لحماية منشآت أمريكية في العراق، ولها نشاطات في "إسرائيل" لا سيّما في مجال جمع المعلومات. [14]

    7. شركة جي كاي سييراGK Sierra؛ تأسست سنة 2007 ومقرها في واشنطن، متخصصة في العمل الاستخباراتي خصوصاً بعد سنة 2009، أغلب المسؤولين الكبار فيها ممن كانوا ضباطاً أو ما زالوا في جهاز الموسادMossad، ولها مقر في تل أبيب وتعمل أيضاً في الأراضي الفلسطينية، والاتهام الرئيسي لها بأنها "غطاء للموساد". [12]

    8. شركة كاي بي آرKBR؛ مقرها في هيوستن، ومن أبرز العاملين فيها مارك زيلMarc Zell، وهو من الليكود ومن المقربين لبنيامين نتنياهوBenjamin Netanyahu، وهو من دعاة الاستيطان، ومن دعاة ربط النفط العراقي بـ"إسرائيل". يعمل في الشركة 27 ألف موظف، ويبلغ دخلها حوالي 540 مليون دولار سنوياً. [16]

    9. شركة كور سيكيوريتيCorps Security؛ حسب موقع هذه الشركة البريطانية التي تأسست سنة 1859، هناك حوالي 2% من موظفيها البالغين حوالي 3 آلاف موظف هم من الذين كانوا في الجيش الإسرائيلي.

    10. شركة جي فور أس؛ يعمل في هذه الشركة 650 ألف موظف، وتتوزع فروع نشاطاتها في 120 دولة، ولها 14 فرعاً في الدول العربية منها 9 فروع في الخليج العربي، وقد أنشأت هذه الشركة 1,500 مجمع من مجمعات النظم الأمنية الإليكترونية في دول العالم، وتصل أرباحها السنوية الصافية إلى 20 مليار دولار، وتتمثل أهم نشاطاتها في الأراضي المحتلة بالمهام التالية: [17]

    أ‌. تدير مرافق السجون الإسرائيلية الخاصة بعمليات التعذيب التي فيها المعتقلون الفلسطينيون.

    ب‌. تشرف على أجهزة الرقابة الإليكترونية المزود بها جدار الفصل العنصري.

    ج‌. تقديم الخدمات الأمنية للمستوطنات.

    د‌. تقديم الخدمات الأمنية لمقرات الشرطة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.

    كما يتبين من تقارير الباحث الأمني الإسرائيلي يوسي ميلمانYossi Melman، أن عشر شركات أمنية إسرائيلية خاصة ومنها شركة أي جي تيAGT الأمنية الخاصة ومقرها سويسرا، تعمل في دول عربية هي العراق، والكويت، والبحرين، وقطر، والإمارات العربية، وعُمان، ولبنان، والأردن، والسعودية، واليمن. [18]

    وتشير دراسة جون دي مايكلزJon D. Michaels ، أستاذ القانون الدولي في جامعة ستانفوردStanford University الأمريكية، إلى الترابط بين ما يجري في المنطقة العربية وبين شركات الأمن الخاصة، والسيرة الذاتية لبعض مؤسسي هذه الشركات مثل إريك برينسErik Prince صاحب شركة بلاك ووتر المشهور، قبل تغيير اسمها، يكشف عن القدرة على اقتناص فرص "الاضطرابات"، أو حالات التغيُّر وعدم الاستقرار، كما حدث فيما عُرف بـ"الربيع العربي"، بل والترويج لها من خلال تجنيد خبراء الإعلام وبقدر من الحرفية "السينمائية"، واستغلال التباينات التاريخية في المنطقة لإضفاء صفة "الشرعية" على الممارسات الميدانية. [19]

    دور الشركات الأمنية في "الاضطرابات" في المنطقة العربية:

    من الضروري قبل الدخول في تفاصيل فاعليات هذه الشركات الأمنية في العالم العربي التوقف عند الملاحظات التالية: [20]

    1. ارتفع دخل شركات الأمن الخاصة العاملة في الدول العربية من 5 مليار دولار سنة 2011، إلى 12 مليار سنة 2012، إلى 14 مليار سنة 2013، و14 مليار سنة 2014...، أي أن مجموع أرباح هذه الشركات في الوطن العربي هو 45 مليار دولار خلال أربع سنوات. وتقدر وزارة الخارجية الفرنسية قيمة عائدات شركات الأمن الخاصة بحوالي 400 مليار دولار، علماً أن معدل دخل هذه الشركات الأمنية الدولية، التي تسهم "إسرائيل" في معظمها، ارتفع من حوالي 55 مليار دولار سنة 1990 إلى 202 مليار سنة 2010. [21]

    2. ما معنى مقتل أحد قادة شركة بلاك ووتر (أكاديمي) وهو العقيد نيكولاس بيتروسNicholas Petros في قاعدة العند اليمنية؟

    3. ماذا يفعل حوالي 244 ألف موظف مع شركة جي فور أس الأمنية في الشرق الأوسط وآسيا فقط؟ ويتواجدون بشكل كبير في دول الخليج وخصوصاً في دولة الإمارات العربية المتحدة.

    من الضروري التنبيه إلى أن انفجار التغيرات والثورات وما رافقها من أحداث واضطرابات في الدول العربية (الربيع العربي) مع نهاية 2010، هو في جوهره نتيجة لأسباب موضوعية تتمثل في الطغيان السياسي، والفقر، والأمية، والفساد، والتبعية، والهزائم العسكرية، والبنية القبلية والطائفية والمذهبية...إلخ، وهي موضوعات ليس هنا مجال تناولها بل سيتم التركيز هنا على كيف استغلت شركات الأمن الخاصة الدولية هذه الظروف لتعميق حالات الاضطراب السياسي والأمني وبالتالي الاقتصادي، وهو هدف يخدم في نتائجه الأهداف الإسرائيلية.

    إن شركات الأمن الخاصة وخصوصاً المرتبطة عضويا بـ"إسرائيل"، وجدت فرصة في هذه المنطقة لاستثمار هذه الأوضاع لصالحها، لا سيّما أنها منطقة تتوفر فيها دول على قدر كافٍ من القدرة المالية للدفع لهذه الشركات (وهو أحد أهداف الشركات)، فاستغلت التناحر الداخلي وبدأت بالتجنيد والنقل للعناصر والسلاح لتعميق الاضطراب العام (وهو هدف إسرائيلي).

    ويمكن تحديد أبرز نشاطات هذه الشركات في المنطقة العربية طبقاً للمهام التي عرضتها دراسة للاتحاد الأوروبي حول المهام المنوطة بشركات الأمن الخاصة، وهي 23 مهمة وتشمل: العمليات القتالية، وحماية القواعد العسكرية، وتقديم اللوجستيات (السوقية) العسكرية، وإدارة القواعد العسكرية، وإدارة العقود العسكرية، والتدريب العسكري، وإصلاح الهياكل الأمنية، وجمع المعلومات العسكرية وتحليلها، وتقديم الاستشارات العسكرية، والحماية المسلحة، والحماية غير المسلحة، وعمليات الاستطلاع، وإدارة السجون، والسيطرة على المظاهرات، وجمع المعلومات الأمنية وتحليلها، وعمليات مقاومة "الإرهاب"، وعمليات مقاومة القرصنة، وعمليات مقاومة الخطف والرهائن، وإدارة الأزمات، وتقديم المشورة الأمنية، والقيام بالتحقيقات مع المشبوهين، والحروب الإليكترونية. [22]

    ***

    ويمكن رصد أبرز نشاطات الشركات الأمنية في الدول العربية في الفترة 2010 وحتى الوقت الحالي (نهاية 2019) في الجوانب التالية: [23]

    1. عمليات القتل: لعل دور بلاك ووتر في العراق لا يحتاج لمزيد من التفاصيل، لكن الملفت أن هذه الشركة غيَّرت اسمها: من بلاك ووتر خلال المرحلة الأولى في العراق إلى زي سيرفيسزXe Services LLC، بعد تزايد الانتقادات لبلاك ووتر في عمليات القتل، ثم تحولت في سنة 2010 (بداية التغيرات و"الاضطراب" السياسي المعاصر في المنطقة العربية) إلى أكاديمي. والملفت للنظر هو ثبوت دور هذه الشركة في اختفاء 500 كلاشينكوف من أحد مخازن السلاح الأمريكية في آذار/ مارس 2010، وهو ما تمّ إثباته قضائياً في أيلول/ سبتمبر 2010، أي قبيل بدء الأحداث والتغيرات في المنطقة العربية مباشرة. [24]

    2. الإسهام في حماية الديبلوماسيين كما هو الحال في "إسرائيل"، والعراق، وغيرها من الدول العربية. وعلى الرغم من أعمال العنف التي تمارسها بلاك ووتر (أكاديمي)، فإنها محمية من الحكومة الأمريكية بدليل عدم تقديم أي عضو من أعضائها للمحاكم على الرغم من أن القانون الدولي يمنع تجنيد المرتزقة.

    3. تصنيع المعدات الحربية، وخصوصاً أجهزة التجسس والمراقبة وبرامجها الإليكترونية، وتعد شركة دينكورDynCorp واحدة من الأكثر نشاطاً في مجال التجسس، وقد بدأت برامجها المهمة في هذا المجال في سنة 2010، وفي هذا العام كان لها حوالي 300 من خبراء التجسس والتجسس المضاد وفي تنفيذ العمليات الخاصة، وهناك اتهامات لهذه الشركة بأنها تمارس تجارة الأطفال والتهريب وتجارة المخدرات.

    4. حماية وسائط النقل من سفن وطائرات وقطارات ونقل البري، وتعد شركة فورت ديفنسFort Defense Group Corporation التي تأسست سنة 1996 هي الأبرز في هذا المجال، وتعمل هذه الشركة في الصومال، وخليج عدن، والعراق، و"إسرائيل"، وفي الضفة الغربية، وأسهمت هذه الشركة في العمليات القتالية في العراق وفي حراسة ناقلات النفط من ميناء أم قصر العراقي وحماية الوفود الأمريكية التي تتجه لغزة.

    5. التدخل وتقديم المشورة في عمليات إعادة التنظيم والهيكلة الإدارية للمؤسسات العسكرية في الدول النامية، خصوصاً بعد انتهاء النزاعات في هذه الدول، وتعد شركة أم بي آر آيMPRI هي الأبرز في هذا المجال، وهي الأكثر نشاطاً في هذا الجانب في العراق، وهي تعمل بالتنسيق مع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)Pentagon، ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي ايه)Central Intelligence Agency (CIA).

    6. توفير المقاتلين من المرتزقة؛ وتعد شركة أيجيس لخدمات الدفاع هي الأبرز في هذا المجال، ولها نشاطات في عدد من الدول من بينها العراق، والبحرين، والسودان، منذ سنة 2002، ويديرها ضابط بريطاني سابق، ولديها حوالي 20 ألف من المرتزقة الذين يتم إرسالهم من قبل الشركة عند الطلب. وقد جرى تداول نشاطات هذه الشركة في العراق، بعد انكشاف دور عناصرها في عمليات إطلاق النار على المتظاهرين السلميين في العراق سنة 2005. [25]

    7. حماية المناطق النفطية التي تسيطر عليها أطراف غير الدولة المعنية، ومن أبرز الشركات في هذا المجال شركة أرينيس العالميةErinys International التي أرسلت حوالي 6,500 عنصر لحماية مرافق النفط العراقية خلال الاحتلال.

    ***

    إن الإعلانات المتتالية عن عمليات باسم تنظيمات متطرفة في مناطق عربية متباعدة ومتفرقة "قد" يكون فيه محاولة لإيجاد انطباعات بإنجازات تحفز المزيد من المجندين على الالتحاق، وعلى مزيد من الاضطراب والإرهاق المعنوي للمجتمع العربي، ويبدو لكاتب هذه السطور أن حلف شركات الأمن الخاصة هو الذي يقف وراء هذه العمليات النوعية التي تخدم كل أطراف الحلف من شركات ودول، ولكل من هذه الأطراف دوافعه المختلفة.

    خلاصة:

    إن تزايد أرباح هذه الشركات في المنطقة العربية، كما أشرنا، وتزايد فروعها، وتنامي النزعات العسكرية لدول صغيرة أو تفتقر للخبرات العسكرية (كبعض دول الخليج)، يجعلها تزيد من اعتمادها على هذه الشركات، ناهيك عن ضغوط العولمة والقوى الكبرى التي تقف وراء هذه الشركات وترعاها وتحميها من القوانين الدولية، خصوصاً في ظل النفوذ الكبير لهذه الدول الكبرى في المنطقة العربية، تشير كلها بشكل أولي إلى أن المستقبل ينطوي على "عسكرة موازية" تمثلها الشركات الأمنية مقابل المؤسسات العسكرية التقليدية، وهو ما سيزيد المشهد ارتباكاً ويجعل الاختراق الخارجي أكثر يسراً.

    (مقال خاص بمركز الزيتونة).
     


    [1] Counter Terror Expo Take Two: G4S Technology, site of Corporate Occupation 5/1/2010, https://corporateoccupation.wordpress.com/2010/01/05/counter-terror-expo-take-two-g4s-technology/
    [2] حول تفاصيل تطور شركات الأمن الخاصة، انظر:Christopher Kinsey, Corporate Soldiers and International Security: The Rise of Private Military Companies (UK: Routledge, 2006), pp. 34-58; and Tea Cimini, The Invisible Army: Explaining Private Military and Security Companies, site of E-International Relations (E-IR), 2/8/2018, https://www.e-ir.info/2018/08/02/the-invisible-army-explaining-private-military-and-security-companies/

    [3] Elizabeth Umlas, “Protected but Exposed: Multinationals and Private Security,” in Small Arms Survey 2011: States of Security (UK: Cambridge University Press, 2011).

    [4]شركات الأمن.. "وزارة الداخلية الخاصة"، موقع المصري اليوم، 13/5/2015، انظر : https://www.almasryalyoum.com/news/details/731105؛ وانظر أيضاً: 7 أسئلة عن شركة فالكون المكلفة بحراسة الجامعات المصرية، موقع ساسة بوست، 11/10/2014، انظر:https://www.sasapost.com/questions-about-falcon-group/

    [5] انظر: نبذة عن سامح سيف اليزل، موقع بي بي سي، 4/4/2016، في: https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/04/160404_sameh_seif_elyazal_egypt_parliament؛ ولواء مصري: الجيش موّل أحزاباً كثيرة لمواجهة الإخوان، موقع عربي 21، 12/2/2014، في: اضغط هنا

    [6] https://www.crunchbase.com/hub/israel-security-companies

    [7] “Private Security Companies and the Israeli Occupation,” Report by Who Profits Research Center, January 2016, https://whoprofits.org/wp-content/uploads/2018/06/old/private_security_companies_final_for_web.pdf

    [8] Jeremy Scahill, Blackwater: The Rise of the World's Most Powerful Mercenary Army (US: Nation Books, 2007); and “Private Security Companies and the Israeli Occupation,” Report by Who Profits Research Center, January 2016.

    [9] Jon Swinn, Deeper Than Blackwater, site of Expose the Enemy, 10/6/2019, https://www.exposetheenemy.com/deeper-than-blackwater

    [10] https://en.wikipedia.org/wiki/ICTS_International

    [11] Sam Schaffer, Lord Have Mercenary: Military Contracting and the Global Armies of Today, site of Georgia Political Review, 16/3/2015, http://georgiapoliticalreview.com/lord-have-mercenary-military-contracting-and-the-global-armies-of-today/

    [12] https://bbsradio.com/cgi-bin/webbbs/webbbs_config.pl?md=read;id=9481

    [13] https://www.gigabitmagazine.com/company/prosegur-digital-transformation-integrated-security

    [14] Herbert Wulf, Internationalizing and Privatizing War and Peace (UK: Palgrave Macmillan, 2005), pp. 157-160.

    [15] https://www.securitydegreehub.com/most-powerful-private-security-companies-in-the-world/

    [16] https://www.globalpolicy.org/pmscs/50208-contractor-misconduct-and-abuse.html

    [17] Shir Hever, The Privatization of Israeli Security (London: Pluto Press, 2018), chapters 3 and 4; “Private Security Companies and the Israeli Occupation,” Report by Who Profits Research Center, January 2016; and https://whoprofits.org/company/g4s-israel-hashmira/

    [18] Israeli Companies Operate in the Gulf, site of Middle East Monitor (MEMO), 9/3/2015, https://www.middleeastmonitor.com/20150309-israeli-companies-operate-in-the-gulf/

    [19] Ibid.

    [20] Christopher Wood, Private Military Companies and International Security, site of E-IR, 21/3/2013, https://www.e-ir.info/2013/03/21/private-military-companies-and-international-security/; Berenike Prem and Elke Krahmann, Private Military and Security Companies (Oxford University Press, 2010); Elke Krahmann et. al., The Role of Private Security Companies (PSCS) in CSDP Missions and Operations, European Parliament, Directorate-General For External Policies Of The Union, Policy Department, April 2011, http://www.europarl.europa.eu/meetdocs/2009_2014/documents/droi/dv/803_sedestudy_/803_sedestudy_en.pdf; and Nikolaos Tzifakis, “Contracting out to Private Military and Security Companies,” Centre for European Studies (CES) Research Paper, 2012, pp. 13-14.

    [21] Deborah D. Avant, The Market for Force: The Consequences of Privatizing Security (Cambridge University Press, 2005), p. 8.

    [22] Krahmann et. al., The Role of Private Security Companies (PSCS) in CSDP Missions and Operations, pp. 39-40.

    [23] Jon D. Michaels, “Private Military Firms, the American Precedent, and the Arab Spring,”

    [24] Stanford Journal of International Law, June 2012; Kirsten J. Fisher and Robert Stewart (editors), Transitional Justice and the Arab Spring (London: Routledge, 2014), p. 123; and Mark Mazzetti and Emily B. Hager, Secret Desert Force Set Up by Blackwater’s Founder, The New York Times newspaper, 14/5/2011. https://medium.com/smartaim-tech/war-for-money-leading-private-military-companies-of-the-world-eab9f9fe2de8

    [25] حول موضوع التدريب للمرتزقة والمعارضات المسلحة في الدول العربية، انظر:
    Kim Sengupta, Inside the 'Blackwater of Jihad': The private security company training extremists in Syria, The Independent newspaper, 13/3/2017.