• Türkçe
  • English
مجموعة التفكير الاستراتيجي مجموعة التفكير الاستراتيجي
  • الرئيسية
  • تقدير موقف
  • تقارير
  • كتب وإصدارات
  • أبحاث
  • دراسات
  • ندوات
  • ورش عمل
  • دورات تدريبية
  • من نحن؟

Sidebar

القائمة الرئيسية

  • الرئيسية
  • تقدير موقف
  • تقارير
  • كتب وإصدارات
  • أبحاث
  • دراسات
  • ندوات
  • ورش عمل
  • دورات تدريبية
  • من نحن؟
  • التقدير الاستراتيجي (96): سيناريوهات ترامب لنقل السفارة الأمريكية للقدس

    ملخص:

    يظهر أن تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة سيعطي مسألة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس زخماً جديداً، بالنظر إلى وعوده الانتخابية ووجود ميول قوية لدى قيادات في إدارته لتنفيذ هذه الوعود.

    غير أن السياسة الرسمية الأمريكية طوال السنوات الماضية، وحتى تلك التي مارسها رؤساء سابقون وعدوا بنقل السفارة، كان يميل إلى مراعاة الجوانب القانونية والدستورية والقرارات الدولية التي لا تُقر الضمَّ الإسرائيلي لشرقي القدس، وتعدها من قضايا الحل النهائي؛ وتحاول تجنب إغضاب الأطراف الفلسطينية والعربية والإسلامية، وبالتالي احتمال إفشال مسار التسوية.

    وتتضمن السيناريوهات أن يقوم ترامب بنقل السفارة في بداية ولايته أو في وقت لاحق خلالها، أو أن يُحوّل أحد مكاتب خدمات السفارة في غربي القدس (وليس شرقي القدس) إلى سفارة، أو تبقى السفارة في تل أبيب وينتقل السفير إلى القدس، أو يقوم بخطوة مزدوجة بنقل السفارة للقدس مع الإعلان في المقابل عن الاعتراف بدولة فلسطين لامتصاص ردات الفعل. وفي كل الأحوال فإن هذا التقدير يميل إلى أن ترامب سيأخذ خطوة متقدمة في هذا المجال، مما يستدعي تحركاً فلسطينياً وعربياً وإسلامياً استباقياً ومكثفاً، لإفشال أو تعويق هذه الخطوة.

    مقدمة:

    يُجمعُ المتابعون للشأن الشرق أوسطي بشكل عام، والشأن الفلسطيني بشكل خاص، أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب هو صاحب الموقف الأكثر وضوحاً وقوة بخصوص موضوع نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. فقد سبقه رؤساء أمريكيون -جمهوريون وديموقراطيون-أعلنوا عن عزمهم على نقل السفارة، لكنهم لم ينفذوا هذه الوعود، فهل تعكس التزامات ترامب استناداً لتصريحاته -خلال الحملة الانتخابية وبعد الفوز-وتصريحات مساعديه، وعلى رأسهم سفيره الجديد في ”إسرائيل“ ديفيد فريدمان تغيّراً في الموقف الأمريكي، واحتمالاً بتنفيذ الوعد، خلافاً لسابقيه من الرؤساء خصوصاً بيل كلينتون وجورج بوش؟

    لتحديد السيناريوهات المختلفة لهذا الموضوع لا بدّ من رسم ملامح بيئة القرار المحتمل على النحو التالي:

    أولاً: البعد الدستوري والقانوني في القرار الأمريكي في موضوع القدس:

    تُقرُّ الولايات المتحدة من الناحية القانونية، وعبر مواقفها المعلنة في المنظمات الدولية، وخصوصاً مجلس الأمن الدولي، وفي بيانات اللجنة الرباعية المختلفة، وفي تأييدها لما ورد في المعاهدات العربية الإسرائيلية (مع الأردن ومع مصر)، وفي اتفاق أوسلو على:

    1. عدم الاعتراف بقرار الضمّ الإسرائيلي لمدينة القدس، وهو ما تجلى في امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على القرار رقم 478 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بموافقة 144 دولة، وهو القرار الذي يُعدُّ الضم الإسرائيلي مخالفاً للقانون الدولي.

    2. أن التصريحات الأمريكية المختلفة تؤكد أن موضوع القدس هو من ضمن مواضيع الحل النهائي، مما يعني أنه ليس لأحد الأطراف أن يقرر فيه  منفرداً.

    لكن المشهد القانوني ينطوي على بعد آخر، وهو ما صدر في 23/10/1995 عن الكونجرس الأمريكي من قانون عُرف باسم ”قانون سفارة القدس لسنة 1995“ ”Jerusalem Embassy Act“ والذي نصّ وبأغلبية كبيرة (93 مقابل 5 في الشيوخ، 374 مقابل 37 في النواب) على الشروع بتمويل عملية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس على أن يتم ذلك في حدّ أقصى هو 31/5/1999، والتأكيد على بقاء القدس مدينة موحدة كعاصمة لـ”إسرائيل“، مع الإشارة أن الأمر متروك للرئيس لتقدير ما إذا كان ذلك يضر المصالح العليا للولايات المتحدة أم لا، إذ إن الأمر يقع ضمن صلاحيات الرئيس كأعلى سلطة تنفيذية.

    لكن هذا القانون لم ينتقل إلى حيّز التنفيذ لسببين، هما أن المستشار القانوني لوزارة العدل الأمريكية رأى أن هذا القانون غير دستوري، وينتهك صلاحيات الرئيس في مجال السياسة الخارجية من ناحية، وأن الرؤساء الأمريكيين منذ تلك الفترة وحتى الآن رفضوا ”التخلي“ (waiver) عن مسؤوليتهم الدستورية في هذا الجانب من ناحية ثانية، وامتنع كل من الرئيسين بيل كلينتون وجورج بوش عن تنفيذه، وعمل باراك أوباما على تناسيه، على الرغم من أن الأول والثاني وعدا بذلك خلال الحملات الانتخابية.

    ثانياً: البعد الدولي والإقليمي في موضوع القدس:

    بعد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 478 المشار له سابقاً، قامت 13 دولة أغلبها من أمريكيا اللاتينية، بنقل سفاراتها من القدس إلى تل أبيب، وعلى الرغم من أن هناك الآن 86 سفارة في ”إسرائيل“، لا يوجد أي منها في القدس، وهو ما يشكل ”نوعاً من الحرج“ للديبلوماسية الأمريكية، خصوصاً أن كافة دول الاتحاد الأوروبي، وروسيا، والصين، واليابان، واللجنة الرباعية، لا تميل لقرار النقل دون تسوية الموضوع الفلسطيني.

    ويحذر العديد من الخبراء والديبلوماسيين الأمريكيين من أن نقل السفارة سيقود لردات فعل عربية وإسلامية نظراً للقيمة الدينية للقدس، ناهيك عن أن البعض يرى أن القرار سيعزز ”أدبيات“ التيارات السياسية العربية والإسلامية المشككة في النوايا الأمريكية وجديتها في مساعي التسوية السلمية. وهو أمر قد يضر بالمصالح الأمريكية من زاوية إضعاف مواقف حلفائها في المنطقة، وإضعاف موقفها كوسيط في محاولات التسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيلي، ويعزز ما يصفه هؤلاء الخبراء بالتيارات المتطرفة، وستجد فيه قوى مثل حماس والجهاد الإسلامي وإيران تأكيداً لمواقفها في الشارع العربي والإسلامي. ولعل تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من أن نقل السفارة سيقود إلى ”انفجار على مستوى الإقليم“ مؤشر على مثل هذه التوجهات المحذرة من النتائج.

    ويستدل هؤلاء على هذه الهواجس بما أعلنته الحكومة الأردنية عن طريق الناطق بلسانها في كانون الثاني/ يناير 2017 من التحذير من نتائج ”كارثية“ في حال الإقدام على نقل السفارة، وبأن الأردن ستستخدم كل إمكانياتها السياسية والديبلوماسية لمنع تنفيذ القرار، لا سيّما تأكيد الأردن على ما ورد في الاتفاقية الأردنية الإسرائيلية من دور للأردن في رعاية المقدسات في القدس.

    مقابل هذه الصورة، هناك من يرى أن مجموعة من العوامل المقابلة تسير في اتجاه دعم احتمالات نقل السفارة وأهمها:

    1. أن الفريق السياسي الذي اختاره ترامب لإدارته القادمة يتبنى في معظمه قرار النقل، فوزير خارجيته ريكس تيليرسون يَعدُّ ”إسرائيل“ ”الحليف  الأكثر أهمية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط“، على الرغم من إشارات حول علاقاته بجماعات المصالح البترولية. أما السفير المقترح للإدارة الجديدة في ”إسرائيل“ وهو ديفيد فريدمان فهو الأكثر انحيازاً لـ”إسرائيل“، وهو من أكثر الشخصيات الأمريكية المساندة لنقل السفارة، بل وله صلات طويلة بالمستوطنين. وهو من الداعين لضم الضفة الغربية لـ”إسرائيل“ ناهيك عن عدم اقتناعه بحل الدولتين. وقد قال في أحد تصريحاته بعد ترشيحه للسفارة، إن ترامب ”سينفذ النقل“، وإنه يأمل أن يقوم بمهمته ”من سفارة الولايات المتحدة في عاصمة إسرائيل الأبدية“.

    لكن يمكن تلمس بعض البون بين مواقف السفير المرشح (فريدمان) وبين مواقف تيليرسون ووزير الدفاع المرشح جيمس ماتيس؛ وخصوصاً حذرهما من الإدلاء بمواقف واضحة في هذا السياق، لا سيّما أن لهما خبرة واسعة في الشرق الأوسط ويدركان التعقيدات أكثر من السفير المرشح.

    2. أن الظروف العربية بشكل خاص، وظروف الدول الإسلامية لا تشير إلى أن لديها القدرة على التأثير على القرار خارج نطاق الاحتجاجات اللفظية  أو اللجوء للمنظمات الدولية للحصول على قرارات جديدة، خصوصاً أن أغلب هذه الدول منغمسة في مشكلات دولية أو داخلية تضعف من استدارتها نحو الشأن الفلسطيني، وبالذات في ظلّ ظروف الاضطرابات الداخلية، أو الاختناق الاقتصادي المتزايد بعد انهيار أسعار النفط الذي يشكل العمود الفقري لاقتصاديات الكثير من الدول العربية أو الإسلامية الأهم.

    ثالثاً: السيناريوهات المحتملة:

    1. السيناريو الإسرائيلي:

    وهو أن يقوم ترامب بتنفيذ وعده باعتبار نقل السفارة أولوية قصوى كما ردد بعض مستشاريه، لكن هذا السيناريو قد يأخذ مسارين: أحدهما تنفيذ الوعد خلال فترة قصيرة بعد توليه المسؤولية، والآخر أن يؤكد على قرار النقل تاركاً موضوع الموعد ”إلى حين الوقت المناسب“، وقد قال جاسون ميللر الناطق بلسان الرئيس المنتخب في منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2016 إن تحديد موعد تنفيذ النقل هو ”أمر سابق لأوانه“.

    2. السيناريو المراوغ: ويتمثل هذا السيناريو في أشكال مراوغة عديدة منها:

    ‌أ. لما كان للولايات المتحدة الآن ثلاثة مكاتب تؤدي خدمات ديبلوماسية في مدينة القدس، أحدها في غربي القدس، والآخر في شرقي القدس، وثالث في  منطقة وسطى بين شرقيها وغربيها، فإن ترامب يمكنه نقل السفارة لغربي القدس أو تحويل المكتب الموجود فعلاً لسفارة، مدعياً أن العرب والعالم يعترفون بأن غربي القدس جزء غير متنازع عليه، وأن من حقّ الولايات المتحدة أن تضع سفارتها هناك، متجاهلاً موضوع الضمّ الإسرائيلي للقدس واعتبارها عاصمة موحدة.

    ‌ب. أن تبقى السفارة الأمريكية في تل أبيب، بينما يقيم السفير في القنصلية الأمريكية في القدس ويبدأ بممارسة أعماله تدريجياً في القدس، وهو حلّ قد  يقبله الإسرائيليون في المرحلة الأولى، على أمل تطويره لاحقاً لنقل كامل.

    ‌ج. قد يقوم ترامب بخطوة مزدوجة، فيعلن عن نقل السفارة الأمريكية للقدس من ناحية، ويعلن عن اعتراف أمريكي بدولة فلسطين في الوقت نفسه  كترضية للطرف الفلسطيني وامتصاص لردات الفعل العربية والفلسطينية.

    رابعاً: الخلاصة:

    إن الظروف العربية والإسلامية، وطبيعة القوى الدافعة في المؤسسات السياسية الأمريكية تجاه نقل السفارة، وفريق العمل الذي اختاره ترامب لإدارته، ستدفعه نحو خطوة متقدمة عن الرؤساء الأمريكيين السابقين في اتجاه النقل بكيفية أو أخرى، وقد تكون أحد جوانب السيناريو المرواغ ضمن مكونات القرار.

    خامساً: التوصيات والمقترحات:

    من الضروري أن تتكثف الجهود الفلسطينية لمنع القرار قبل صدوره، وفي حالة صدوره العمل على عرقلة تنفيذه، ومع الإقرار بالخلل الكبير في موازين القوى لصالح الطرف الصهيوني، فإن الأدوات السياسية والديبلوماسية هي الأدوات المتاحة، بقدرٍ ما، في الظروف الحالية لمنع صدور القرار أو وقف تنفيذه، هو ما يستدعي:

    1. العمل على انعقاد الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وحركة عدم الانحياز لإصدار بيانات تحذر من خطورة الإقدام على قرار نقل السفارة  الأمريكية للقدس، وذلك بهدف التأثير على صانع القرار الأمريكي.

    2. العمل على التواصل مع الاتحاد الأوروبي، لا سيّما البرلمان الأوروبي، لإصدار بيان يدعو فيه للامتناع عن نقل السفارة، لما في ذلك من مخاطر  على أمن منطقة البحر المتوسط، بشكل خاص والعالم بشكل عام، وأن تتعهد الدول الأوروبية بالامتناع عن الإقدام على الخطوة الأمريكية.

    3. العمل مع الأمم المتحدة بوكالاتها المختلفة للتحذير من خطورة الخطوة.

    4. مطالبة اللجنة الرباعية بعقد اجتماع طارئ لاتخاذ موقف ينذر بأن نقل السفارة سيقود إلى نتائج خطيرة على جهود اللجنة في نطاق مساعي التسوية  السلمية.

    وعلى الجانب الفلسطيني، من الضروري أن تصدر المنظمات الفلسطينية، خصوصاً منظمة التحرير، بياناً واضحاً بأن نقل السفارة سيقود لسحب السلطة الفلسطينية كافة تعهداتها السابقة باعتبار نقل السفارة خروجاً على الالتزامات المتفق عليها في اتفاقات السلام.

    كما أن الفعاليات الشعبية لا سيّما في الدول العربية وفلسطين يمكن أن توجد جواً ضاغطاً لإعادة النظر في احتمالات أخذ قرار النقل للسفارة.

    ذلك يعني أن على الطرف الفلسطيني أن يستخدم الديبلوماسية الوقائية؛ بأن يعمل على منع صدور القرار، فإذا صدر عمل على منع تنفيذه، فإن جرى تنفيذه يتم على أن لا تحذو الدول الأخرى حذو الولايات المتحدة.

    يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ الدكتور وليد عبد الحي بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

     

    لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

    >> التقدير الاستراتيجي (96): سيناريوهات ترامب لنقل السفارة الأمريكية للقدس Word (16 صفحة، 112 KB)

    >> التقدير الاستراتيجي (96): سيناريوهات ترامب لنقل السفارة الأمريكية للقدس  (16 صفحة، 612 KB)

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 17/1/2017

  • التقرير الإستراتيجي لشهر شباط/فبراير 2020

    المقدمة

    حمل شباط/فبراير2020، مجموعةً من التطورات المتعلقة بالشأن الفلسطيني، وبالقضية الفلسطينية برمتها، من حيث متابعة ما جرى من إعلان عن صفقة القرن في الشهر الذي سبقه، والآليات التي باتت تستخدمها إسرائيل لتحقيق تنفيذٍ فعلي على الأرض، كما شهد الشهر تواصلاً وتنامياً للاعتداءات على الفلسطينيين، وفي هذا التقرير يتم الحديث عن أبرز الأحداث التي حملها شهر شباط.

    أولاً: الاقتصاد عنصر التأثير الأول في صفقة القرن

    بعد الإعلان عن صفقة القرن الشهر الماضي، بدأت تفاصيل آلية تنفيذها تتكشف تباعاً على أرض الواقع، وتقترح "صفقة القرن" إقامة دولة فلسطينية بلا جيش أو سيادة، على مساحة 70% من الضفة الغربية، من ضمنها 30% من أراضي المنطقة "ج"، مع إمكانية مواصلة "إسرائيل" النشاط الاستيطاني داخل المستوطنات القائمة دون توسيعها، ويمكن أن تكون عاصمتها بلدة "شعفاط" شمال شرقي القدس المحتلة، وفق الصحيفة العبرية نقلاً عن مصادر إسرائيلية لم تسمها.

    وتتضمن الخطة ضم "إسرائيل" ما بين 30% إلى 40% من أراضي المنطقة "ج"، التي تشكّل 61% من مساحة الضفة، كما أنها تخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية، ما يستلزم موافقة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على أي مشاريع أو إجراءات فلسطينية بها.

    ويبدو حسب ما أوردت صحيفة الخليج، أنّ دولاً خليجية حملت القسم الأكبر من المسؤوليات المالية ضمن إطار الصفقة؛ حيث تشير البنود التي أعلنها جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال افتتاح مؤتمر المنامة، في 25 يونيو 2019، إلى أنه سيتم رصد مبلغ 50 مليار دولار على مدى 5 سنوات لـ"فلسطين الجديدة".

    وفيما يخص الأموال المدفوعة ستسدد الولايات المتحدة من المبلغ المعلن نحو 20%، والاتحاد الأوروبي 10%، في حين يقع على عاتق دول الخليج العربي النسبة المتبقية؛ وهي 70%، في حين لا تتكفل فلسطين و"إسرائيل" بأي مبالغ. وكشف الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين، عن صفقة غير معلنة ستدفع من خلالها دول خليجية نحو 100 مليار دولار؛ في إطار تنفيذ الصفقة التي اهتمت بالجانب الاقتصادي، على أن يدفع كل من الإمارات والسعودية 70 مليار دولار بالمناصفة.[2]

    وتعتبر قوى وفصائل فلسطينية، بما فيها المنضوية تحت منظمة التحرير، اللجنة أداة من أدوات التطبيع ولا تنفك المطالبات بحلها.وسبق أن قالت لجنة التواصل، إنه "يجب التفريق بين التطبيع مع الاحتلال وأدواته، وهو أمر مرفوضٌ ومدانٌ فلسطينيا، وبين العمل على الجبهة الإسرائيلية الداخلية من خلال الحوار والتواصل والنقاش مع المجتمع الإسرائيلي وشرائحه المتعددة".، خاصة بعدما تم الكشف مؤخراً عن لقاء تم بين مكلفين من اللجنة فيما يسمى برلمان السلام للقاء إسرائيليين من اجل بحث صفقة القرن وتداعياتها.[4]

    رابعاً: تحرك أوروبي مدني ضد صفقة القرن

    وقّع 50 قيادياً أوروبياً سابقاً، بمبادرة من وزير الخارجية الدنماركي السابق وأمين عام الجمعية العامة للأمم المتحدة سابقاً، موينز لوكاتوفت، رسالة مفتوحة تشبّه خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية والمعروفة باسم ‘صفقة القرن’ بأنها أقرب إلى نظام الفصل العنصري وشبيهة بالجبنة السويسرية.

    وبادر لوكاتوفت، بعد تواصله مع كلّ من وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا الأسبقين، جاك سترو وهربرت فيدرين، إلى الطلب من قادة أوروبيين التوقيع على الرسالة التي احتوت في مقدمتها على الآتي: ‘كأوروبيين ملتزمين بتعزيز القانون الدولي والسلام والأمن في جميع العالم، نعرب عن قلقنا العميق إزاء خطة الرئيس (الأميركي دونالد) ترامب للمنطقة. ومن بين المشاركين في الرسالة، مفوضون ووزراء سابقون وأمين عام حلف شمال الأطلسي الأسبق، ووجّهها الموقعون عليها إلى زملائهم في مناصبهم الحالية، كردّ على مشروع ترامب (صفقة القرن).

    ويرى الساسة الأوروبيون السابقون، أن الخطة الأميركية ‘تقدم للفلسطينيين وضعاً يكونون فيه تحت الاحتلال’، وفقاً لما قاله لوكاتوفت اليوم الخميس، والذي استطاع أيضاً أن يجعل 4 من وزراء الخارجية السابقين لبلده الدنمارك، يوقعون الرسالة، وهم بيير ستي موللر، ومارتن ليدغورد، وأوفه إلمان يانسن، وهولغر نيلسن، وينتمي الساسة الأربعة إلى تيارات مختلفة من اليسار إلى المحافظين.

    ويذكر الموقعون على الرسالة الأوروبية، أن خطة ترامب ‘السلام من أجل الازدهار’، تتناقض مع المعايير المتفق عليها دولياً لعملية السلام في المنطقة، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما فيها القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 2334’. ويشدد هؤلاء على أهمية القانون الدولي، لافتين إلى أن الخطة، بدل ‘تعزيز السلام، فهي تزيد المخاطر بتأجيج الصراع، على حساب المدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتترتب على الأردن وعموم المنطقة آثار خطيرة’، مذكرين أيضاً بأنها خطة ‘قوبلت بمعارضة واسعة النطاق في المنطقة، وأوروبا، والولايات المتحدة الأميركية

    واعتبر الموقعون على الرسالة أنها بدل أن تؤدي إلى حلّ دولتين، ستقود إلى أبرتهايد.

    ويرى هؤلاء الساسة الموقعون على الرسالة أنّ ‘صفقة القرن’ ‘لن تسحب المستوطنين وتلغي استعمار الضفة الغربية، بل على العكس، يريدون الإبقاء عليها، وهذا سيؤدي إلى أن نكون، بعبارة أخرى، أمام دويلة محلية صغيرة، تخالف كل القرارات الدولية التي جرى تبنيها، وتتحدث عن دولة فلسطينية، والتي نرى اليوم أنها عبارة عن قطعة جبن سويسرية مليئة بالثقوب، ولا يوجد أي ترابط بين جغرافيا هذه الدولة مطلقاً، وبشكل عملي، ذلك سيعني أنها ستبقى تحت الاحتلال’.

    ويشدد موينز لوكاتوفت على أن الهدف من الرسالة هو جعل أوروبا تقف بحزم كصف واحد، ولهذا جمعنا تواقيع 50 قيادياً أوروبياً سابقاً، بمن فيهم مسؤولو السياسة الخارجية السابقون في الاتحاد الأوروبي، الذين انتقدوا بداية الشهر الحالي، فبراير/شباط، السياسات الإسرائيلية، ووقفوا ضد ضم مناطق فلسطينية.

    وكان مسؤول السياسات الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، اعتبر أنه ‘لا يجب، مهما يحصل، أن يجري هذا الضم’. ورحبت الرسالة بكلام بوريل عن أن الحلّ يقوم على القرارات الدولية وإقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلت عام 1967.

    ويرى وزير الخارجية الدنماركي الأسبق، والقيادي في يسار الوسط الحاكم، أن الرسالة ‘هي أولاً نداء للدول الأوروبية بألا تحيد عن السياق الذي يعبّر عنه مسؤول السياسات الخارجية جوزيف بوريل، في رفضه للضم، وتمسكه باسم الاتحاد الأوروبي، والدول التي هي خارجه، كالنرويج وبريطانيا، بالحفاظ على السياسات الثابتة لأوروبا، وبنفس الوقت هي رسالة تودّ أن ترى الاتحاد الأوروبي يخطو خطوة أخرى’.

    وعن تلك الخطوة، يقول لوكاتوفت، في حديث للتلفزيون الرسمي الدنماركي، اليوم الخميس: ‘بحسب رأيي، يمكن لأوروبا عمل الكثير، وأكثر مما تقوم به، وبشكل خاص في النواحي الاقتصادية، حتى تستطيع الدولة الفلسطينية الوقوف على قدميها، وبالطبع أن تقوم أوروبا بالتفاعل وإشراك الجزء المتمسك بالسلام في المجتمع الإسرائيلي.

    ولوكاتوفت واحد من الشخصيات الإسكندينافية التي تناصر القضية الفلسطينية منذ سنوات عدة، وهو ما عرضه مراراً وتكراراً لهجوم من اللوبيات الصهيونية، بما فيها "آيباك"، وجرى اتهام الرجل في مناسبات مختلفة بأنه "معادٍ للسامية" و"يساري متعصب"، بسبب تمسكه بمواقفه المنتقدة لدولة الاحتلال.

    خامساً: تعاظم إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية

    شهدت العام الماضي 2019، ارتفاعا حادًا في جرائم منظمات "الإرهاب اليهودي"، وعنف المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، في الضفة الغربية المحتلة، مقارنة مع السنوات الأخيرة الماضية، وسط تحذيرات أمنية إسرائيلية من جنوح عصابات فتية اليمين الاستيطاني المتطرف إلى أيديولوجيا أكثر تطرفًا، وبالتالي، تترجم إلى أعمال عنف إرهابية واسعة النطاق.

    ونقلت صحيفة "يسرائيل هيوم"، عن مسؤول في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وصفه لهذه التنظيمات بأن "لديهم شعور قوي بأنهم قادرون على الدولة، وأنه من المستحيل الفوز عليهم"، وتابع "هذا سينتهي بالدم وسيقلب كل شيء هنا".

    وبحسب معطيات جهاز الأمن العام الإسرائيلي (شاباك)، ارتفعت وتيرة الاعتداءات الإرهابية اليهودية في الضفة الغربية المحتلة بنسبة 50% خلال عام 2019، حيث ارتكبت منظمات "الإرهاب اليهودي" 295 اعتداء عنيفًا في العام الماضي مقارنة مع 197 اعتداء خلال العام 2018.

    وقد أضحى عنف المستوطنين (وأحياناً عنف المواطنين الإسرائيليّين الذين ليسوا مستوطنين) ضدّ الفلسطينيين منذ فترة طويلة جزءاً لا يتجزأ من روتين الاحتلال في الضفة الغربيّة. تشمل أعمال العنف هذه - التي ينتج عنها انتهاك لحياة الفلسطينيّين وسلامة أجسادهم وممتلكاتهم وأراضيهم - مجموعة واسعة من الممارسات، بدءًا بإغلاق الطّرقات ورشق الحجارة على السيارات والمنازل، مرورًا بمداهمة القرى والأراضي وإحراق حقول الزيتون والمحاصيل وتدمير وإتلاف الممتلكات وصولاً إلى الاعتداءات الجسدية وأحياناً الزجاجات الحارقة (المولوتوف) وإطلاق النار.

    يقع على عاتق إسرائيل واجب حماية سكّان الضّفة الغربيّة من أعمال العنف هذه لكن قوّات الأمن وأجهزة تطبيق القانون لا تقوم بواجبها، حتى في الحالات التي يمكن فيها التكهّن بحدوث مثل هذه الاعتداءات. تشير آلاف الإفادات وأشرطة الفيديو والتّقارير والمتابعة طويلة الأمد التي قامت بها منظمة "بتسيلم" ومؤسسات أخرى حول هذا الموضوع، تشير إلى أنّ قوّات الأمن تسمح للمستوطنين على نحوٍ روتينيّ بإلحاق الأذى بالفلسطينيّين بل إنها ترافق المستوطنين لدى تنفيذ اعتداءاتهم وتدعمهم وتؤمّن لهم الحماية، وأحيانًا تنضمّ إلى صفوفهم كمعتدية. وفي بعض الحالات تفضّل قوّات الأمن إبعاد الفلسطينيّين تحديدًا من أجل تجنّب الإصابات.

    إنّ النتيجة بعيدة المدى لأعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون هي سلب مناطق آخذة بالازدياد من أيدي الفلسطينيّين في جميع أنحاء الضفّة الغربيّة وهو الأمر الذي يسهّل على الدولة السّيطرة على الضفّة الغربيّة ومواردها.

    نادراً ما يضطرّ المستوطنون إلى دفع ثمن الأذى الذي يُلحقونه بالفلسطينيّين وفي الغالبية العظمى من الحالات تُغلق ملفّات التّحقيق (إذا فُتحت أصلاً) دون التوصّل إلى شيء. لقد تمّ توثيق هذا الواقع في سلسلة طويلة من تقارير مؤسسات حقوق الإنسان وتقارير رسميّة (مثل تقرير لجنة كارب الذي صدر عام 1982 وتقرير لجنة شامغار الذي صدر عام 1994) أكّدت جميعها أنّ السّلطات الإسرائيليّة تتبنّى سياسة غير معلنة من التسامح والتهاون وعدم تنفيذ القانون بحقّ الجناة.

    وقد أكّدت منظمة "بتسيلم" أنّ من واجب قوّات الأمن حماية الفلسطينيّين وممتلكاتهم من عنف المستوطنين. كذلك أكّدت أنّ من واجب السّلطات إعداد وتخصيص قوّات تعمل على منع اعتداءات المستوطنين المتوقع حدوثها علنًا، عبر التدخّل في الوقت المناسب للقبض على المعتدين. إضافة إلى ذلك أكّدت "بتسيلم" على واجب التّحقيق بسرعة وفعاليّة بالاعتداءات بعد وقوعها. وثّقت "بتسيلم" أحداثًا هاجم فيها المستوطنون

    إنّ لأعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون إسقاطات بعيدة المدى على الواقع في الأراضي المحتلّة ولها تأثير رادع ومثير للتهديد حتى بعد وقوعها. أفاد العديد من الفلسطينيّين عن هجمات المستوطنين كأحداث صادمة طُبعت في الذاكرة الفرديّة والجماعيّة ومنعت الكثيرين من الاقتراب من "مناطق الخطر" المحاذية للمستوطنات. لا يجرؤ الفلسطينيّون على الوصول إلى أراضيهم الواقعة في هذه المناطق دون مرافقة مدنيّين إسرائيليّين أو الجيش. نتيجة لهذا هناك مناطق زراعية أُهملت وتضررت بصورة بالغة حتّى باتت محاصيلها شحيحة جدّاً بحيث تخلّى أصحابها عن مجرّد الوصول إليها. وهكذا نشأت في جميع أنحاء الضّفة الغربيّة "جدران شفافة" يعرف الفلسطينيّون أنهم إذا عبروها سيتعرّضون للعنف إلى حدّ يعرّض حياتهم للخطر.

    إنّ أعمال العنف التي يقوم بها المستوطنون ليست "استثناءات" وإنّما هي جزء من نشاط استراتيجي تسمح به الدولة وتشارك فيه وتستفيد من تبعاته. النّتيجة البعيدة المدى لهذه الأعمال هي سلب المزيد والمزيد من الأراضي من أيدي الفلسطينيّين في جميع أنحاء الضفّة الغربيّة وهو الأمر الذي يسهّل على الدولة السّيطرة على الضفّة الغربيّة ومواردها.

    في المقابل، أكد تقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة (أوتشا)، نهاية العام المنصرم، أن "عنف المستوطنين شهد ارتفاعًا مطّردًا منذ مطلع العام 2019، حيث بلغ المتوسط الأسبوعي لهجمات المستوطنين التي أفضت إلى إصابات بين صفوف الفلسطينيين أو إلحاق الضرر بالممتلكات الفلسطينية خمس هجمات.

    وبحسب صحيفة "يسرائيل هيوم"، كشفت تحقيقات وبيانات "الشاباك" عن قيام كبار حاخامات مستوطنة "يتسهار" والمرجعيات الدينية والروحية، بإصدار فتوى تجيز "لشبان من المستوطنة" السفر يوم السبت، وكسر "حرمة اليوم المقدس"، للوصول إلى الفتية اليهود وإرشادهم إلى كيفية التعامل مع تحقيقات "الشاباك"، ما يؤكد معرفة قادة المستوطنة وحاخاماتها بدور هؤلاء الفتية في تنفيذ الجرائم.

    وأشارت الصحيفة إلى مخاوف المسؤولين في "الشاباك" من تآكل حالة الردع ضد نشطاء المنظمات الاستيطانية اليمينية، فيما وجه المسؤول الأمني الانتقادات إلى لرؤساء المجالس الاستيطانية ومسؤولين في أجهزة الأمن على الدعم المفتوح الذي يقدمونه لهؤلاء الفتية، في ظل الفتاوى التي يطلقها كبار الحاخامات في صفوف المستوطنين، تجيز قتل الفلسطينيين خصوصا خلال دروس السبت الدينية.

    ووفقًا لتقديرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فإن هذا الدعم المعنوي والتأييد الذين يحظون به في البيئة الاستيطانية، يحفزهم على مواصلة العمل؛ "إنهم يشعرون بأنهم لا يقهرون، وأنه من غير المجدي التعامل معهم"، وأضاف المسؤول الأمني أنهم "لا يدخلون بالصدفة في اشتباكات عن عمد مع قوات الأمن، ويعتدون عليهم بالضرب العنيف ويكسرون أيدي رجال الشرطة في عمونا أو يهاجمون الجنود، يأتي ذلك في سياق محاولتهم لردع أجهزة الأمن من التعامل معهم".

    وبيّنت معطيات "الشاباك"، حجم تأثير المستوطنات وما يروجه حاخاماتها على توفير خلفية فكرية ودينية تجيز إنتاج هذه التنظيمات الإرهابية في المستوطنات الإسرائيلية، كما حذر المسؤول الأمني من الحماية التي يوفرها سياسيون لهؤلاء الشبان، ما قد يدفهم إلى تصعيد هجماتهم الإرهابية بصورة أكثر تطرفًا، والذي قد يصل إلى استخدام الأسلحة النارية.

  • التقرير الإستراتيجي لشهر كانون الثاني/يناير 2020

    حمل الشهر الأول من العام الحالي، مجموعةً من التطورات المتعلقة بالشأن الفلسطيني، وبالقضية الفلسطينية برمتها، حيث طغى الإعلان عن صفقة القرن على الأحداث الأخرى، ومن هنا سيكون هذا التقرير برمته، متعرضاً لهذه الصفقة بكل أبعادها، وشارحاً لتداعياتها، نظراً لخطورتها، واستحواذها على صدارة الأحداث في هذا الشهر.

    الإعلان عن الصفقة

    في تاريخ السابع والعشرين من الشهر الأول من العام 2020م، أعلن الرئيس الأمريكي، ورئيس دولة الاحتلال عما أسموه "رؤية من أجل السلام"، أو ما عُرف بصفقة القرن، وهو مسمىً ليس جديداًبل تردد سنة 2006م، عندما تمّ الحديث عن عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أولمرت، أو ما عُرف بـتفاهمات أولمرت/عباس”؛ وما تسرب حينها من أنها اتفاقات تنتظر الانتخابات الإسرائيلية ونتائجها، وهي الانتخابات التي لم تأت بما يشتهي أولمرت. وفي 20 سبتمبر/أيلول 2017م

  • السلطة الفلسطينية وصفقة القرن.. الخيارات المتاحة

    في الثامن والعشرين من كانون ثاني/ يناير 2020، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبحضور رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وعدد من سفراء الدول، منهم سفراء ثلاث دول عربية، صفقته التي طالما روج لها بأنها صفقة القرن. تباينت ردود الفعل العالمية حيال هذه الصفقة، بين مواقف مؤيدة، ومواقف معارضة، وأخرى متأرجحة. إلا أن ما برز في هذا السياق، هو الإجماع الفلسطيني على رفض الصفقة، وارتفاع الأصوات المنادية بضرورة الوحدة الفلسطينية لمواجهتها.

    لا يوجد في الصفقة أي سبب يدعو الفلسطينيين لقبولها، أو حتى للتعامل معها بأي شكل، فهي تؤكد على أنّ القدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال، وتتنكر لحقوق اللاجئين الفلسطينيين وعودتهم، وتؤسس لبقاء المستوطنات الصهيونية في الأراضي المحتلة، ولا تعارض ضم بعض الأراضي الفلسطينية لدولة الاحتلال، وتحصر الأمن بيد الاحتلال، وتدعو إلى نزع سلاح المقاومة، وتضع المعابر والحدود تحت سيطرة الاحتلال، وكذلك المقدسات الدينية، وغير ذلك من البنود التي لا تمنح الفلسطينيين، إلا حكما محدودا على 11% من أرض فلسطين التاريخية.

    ومن أجل قراءة هذه الصفقة، وانعكاساتها، والخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين، استطلع مركز رؤية للتنمية السياسية، رأي عدد من النخب السياسية والأكاديمية الفلسطينية، ورؤيتهم لمجمل ما يتعلق بالصفقة، وذلك من خلال إجاباتهم على الأسئلة التالية: ما هي الخيارات المتاحة أمام السلطة الفلسطينية لمواجهة صفقة القرن على المستويين الداخلي والخارجي؟ ما المقصود من خطاب الرئيس أبو مازن حول تحويل الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية؟ ما مدى قدرة السلطة على خلق استراتيجيات فعالة لمواجهة صفقة القرن؟ وهل ستقود السلطة احتجاجاتٍ سلمية؟ هل يمكن أن يؤسس توجه وفد إلى قطاع غزة، خطوة أساسية لإنهاء الانقسام وتوحد الفلسطينيين؟ وما هو موقف الفصائل الأخرى، وماذا تستطيع أن تفعل، وهل هناك دور منوط بقطاع غزة؟

    تلخصت آراء الخبراء في هذا الموضوع، فيما يلي:

    • الإجماع الفلسطيني على رفض صفقة القرن بشكل مطلق، والدعوة إلى اتخاذ خطوات عملية تدعم هذا الرفض، وفي مقدمتها وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وإعادة النظر في الدور الوظيفي للسلطة الوطنية، بحيث ينسجم مع المشروع الوطني، وليس مع الاتفاقيات السابقة.
    • الدعوة إلى ترتيب البيت الفلسطيني كآلية ضرورية لمواجهة الصفقة، على أن يتضمن ذلك عقد الإطار القيادي المتفق عليه بين الأمناء العامين للفصائل، وتحديد موعد لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية.
    • وضع رؤية شاملة، واستراتيجيات فعالة لمواجهة الصفقة، على المستويات الوطنية والعربية والعالمية، تشمل تعزيز الصمود على الأرض، وتفعيل المقاومة الشعبية والاحتجاجات السلمية، واستنهاض العالم العربي حكوماتٍ وشعوبًا، وتفعيل مواقف المنظمات الإقليمية والدولية، والدول والشعوب الصديقة، بما في ذلك دعم المقاطعة الدولية للاحتلال.

    د. أيمن دراغمة، النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني

    بتقديري أن خطاب الرئيس أبو مازن عقب الإعلان عن صفقة القرن، يعتبر بادرة جيدة للتأسيس لموقف فلسطيني وطني. الخطاب في مضمونه هو بمثابة إعلان عن البدء بإصلاح البيت الفلسطيني، خاصة وأنه جرى اتصال هاتفي قبل الخطاب، بين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والرئيس عباس. كما أن اجتماع الأطياف السياسية كافة برام الله، والمناقشات التي جرت في مقر المقاطعة، كانت بمثابة رسالة من طرف الرئيس لجميع الأطياف، بأنه سوف يبدأ صفحة جديدة.

    عقب الخطاب، شاركنا باجتماعات مع أعضاء في اللجنة المركزية لحركة فتح، وكان هناك شبه إجماع على كيف نتوحد جميعا في رفض صفقة القرن. الآن، وإذا ما ذهب الوفد إلى قطاع غزة فعلًا، فسيكون ذلك بمثابة محطة ثانية، تؤكد على وحدة الموقف الفلسطيني، ووحدة البيت الفلسطيني.

    وأمام ذلك كله، لا بد من خطوات عملية من قبل الرئيس، بحيث يتم وضع خطة ولجنة لمتابعة هذه الملفات، حيث يمكن الانتظار بعض الوقت لمواجهة صفقة القرن، ثم نبدأ بالخطوة التالية، وهي البدء بتنفيذ بنود الاتفاقيات الموقعة ما بين الفصائل الفلسطينية؛ بهدف إنهاء الانقسام. طبيعة الخطوات التي يمكن الذهاب إليها، تتمثل أولا في وضع برنامج ورؤية وطنية، يمكن الانطلاق فيها من وثيقة الوفاق الوطني، ووثيقة الأسرى، وهي تتضمن الحدود الدنيا المتوافق عليها بين الكل الفلسطيني. ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية، ثم عقد اجتماع الإطار القيادي الموحد للقوى الفلسطينية؛ للبدء فعلا بتنفيذ ما تم التوافق عليه في بيروت عام 2017، بهدف إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل مجلس وطني جديد، وما يتبع ذلك من انتخاب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وإعادة تفعيل المؤسسات الوطنية، وفي مقدمة ذلك كله، الإعلان عن موعد محدد للانتخابات التشريعية والرئاسية.

    على الصعيد الخارجي، يجب أن تكون هناك حالة استنهاض للمواقف العربية، لأن بعض الدول العربية والدول الصديقة، لم تكن مواقفها متقدمة في رفض صفقة القرن. كما يجب الضغط على الدول التي حضرت الإعلان، لإصدار موقف رافض لصفقة القرن، لأن هناك قرارات عربية سابقة تؤكد ذلك. ومن ناحية ثانية، يمكن العمل على تفعيل العديد من المحاور، مثل دول عدم الانحياز، والبرلمان الإفريقي. وبالتالي، من المفترض أن يكون هناك جهد دبلوماسي فلسطيني كبير، لمناهضة هذه الصفقة.

    على صعيد الدور الوظيفي للسلطة، فإن هذا يتحقق من خلال وقف التنسيق الأمني، لذا فالمطلوب أن يكون هناك بيان واضح، وتعليمات واضحة من قبل الرئيس للأجهزة الأمنية، لوقف التنسيق الأمني، وهذا هو الذي يفهمه الشارع من تحويل الدور الوظيفي. ومن ناحية أخرى، يجب إعادة السلطة الفلسطينية كمؤسسة تحت جناح منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا يتطلب أيضا إعادة بناء المنظمة.

    وعلى صعيد خلق استراتيجيات فعالة لمواجهة صفقة القرن، فإن أهم أداة هي عدم المشاركة في أي لقاء له علاقة بمفاوضات مع الاحتلال، لأن أي مفاوضات في هذه المرحلة، معناها القبول بتطبيق صفقة القرن. والأداة الثانية هي مواصلة جهود الإصلاح الداخلي، وردم الهوة ما بين السلطة والشارع، بحيث يتم جسر المسافة التي وُجدت على الأرض خلال السنوات السابقة، وأن تترك السلطة الشعب لاختيار أدوات المقاومة ضد الاحتلال، وأن لا تكون عائقا أمام ذلك.

    ليس مطلوبًا من السلطة أن تقوم باحتجاجات، فهذا هو دور شعبي، ودور مؤسسات المجتمع المدني، لكن المهم أن لا تقوم السلطة بمنع الحراك الشعبي ضد الصفقة، وأن تسمح للتيارات والأحزاب بالعمل، وإطلاق الحريات للعمل التنظيمي.

    وبخصوص توجه وفد من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، فهي خطوة هامة جدا على جميع المستويات، لأن الفترة التي سبقت إعلان صفقة القرن، تخللها تصعيد إعلامي، ومناكفات، وعدم ثقة، وبالتالي فإن زيارة الوفد إلى غزة، هي بمثابة إعلان عن وحدة الموقف السياسي الفلسطيني.

    إن من يتحمل المسؤولية الأساسية الآن، هما الفصيلان الكبيران على الساحة الفلسطينية، فتح وحماس، والفصائل الأخرى مواقفها منسجمة مع مواقف الفصيلين الكبيرين، وبالتالي يمكن أن تُفرض الرؤية الوطنية على الجميع، إذا كانت هناك حالة توافقية، من منطلق الحرص على الوطن.

    د. بكر أبو بكر، رئيس أكاديمية فتح الفكرية (أكاديمية الشهيد عثمان أبو غربية)

    هناك ثلاثة أمور رئيسة، يجب التركيز عليها كخيارات متاحة أمام السلطة الفلسطينية والفلسطينيين، وهي:

    1. تعزيز مقومات الصمود على الأرض بأشكاله كافة، حيث أصبح الصمود ركنًا أساسيًا في المواجهة مع الاحتلال، والمحافظة عليه يعني بقاء الوجود الفلسطيني.
    2. تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، من خلال استراتيجية عمل مشتركة، تقضي على كل مبررات التشتت، حيث بات الحديث عن عدم الوحدة أمرًا خطيرًا على القضية الفلسطينية.
    3. التركيز على إعادة بناء منظمة التحرير، باعتبارها العنصر الأساس الجامع للفلسطينيين، بغض النظر عن حالة التشرذم الموجودة فيها، لأن العالم ينظر لها كجامع للكيانية الفلسطينية.

    وبالنسبة للخيارات الخارجية، لا بد من إعادة صياغة رواية جديدة، تقوم على أسس الإسلام والعروبة والنضال، لكن ضمن منطلقات تستطيع الأجيال الحالية من العرب والمسلمين وغيرهم، استيعابها، وبما يضمن مراعاة التغيرات الحضارية الحاصلة، خاصة في الوقت الذي باتت فيه القضية الفلسطينية، تفقد ألقها الإسلامي والعربي، نتيجة انشغال المجتمعات العربية والإسلامية بصراعات داخلية. وفضلًا عن الخيارات القانونية، من المفروض أن يكون هناك عنصر ربط مع العالم، من خلال إيجاد زخم عربي، وعقد مؤتمرات دولية ، وإعادة بناء أحلاف جديدة، وخلق اهتمام عالمي جديد بالقضية الفلسطينية.

    لا شك أن السلطة قادرة على إيجاد استراتيجيات فعالة لمواجهة صفقة القرن، وبشكل جيد، لكن الأمر يتطلب تغييرًا في الرؤى والأشخاص القادرين على الفعل. نعم هنالك قيادات لها ماضيها النضالي والسياسي، ولكن هناك اليوم قيادات شابة، قادرة على الفعل والتأثير في الناس، يجب استغلالها وإشراكها في خلق هذه الاستراتيجيات، لأن لها تصورات وأدوات تفكير مؤثرة، ولا يمكن الاستهانة بها.

    من المفترض أن تقود السلطة احتجاجات سلمية، وقد أشار الرئيس إلى ذلك، ولكن الأمر يتعلق بالأشخاص القادرين على قيادة تلك الاحتجاجات. من الواجب أن يكون هناك امتداد جغرافي وديمغرافي للاحتجاجات، ويجب أن تتوسع رقعتها، ومداها الزمني، ولا تكون مجرد ردات فعل.

    وعلى صعيد إنهاء الانقسام، هناك توجه حقيقي لإنهائه، ولكن الملف ليس مرهونًا فقط بالفلسطينيين، فهنالك محاور إقليمية لا يروق لها أن تكون هناك وحدة فلسطينية، وهذا ما يهدد الوحدة الوطنية فعليًا.

    باختصار، المطلوب هو العودة إلى منظمة التحرير فورًا، وعدم ادعاء التوازن بين الأطراف الفلسطينية، وإمساك العصا من المنتصف، فالأصل أن نعيد الروح والزخم للمنظمة.

    د. علاء أبو عامر، باحث مختص في العلاقات الدولية والقانون الدولي

    بشكلٍ عام، يجب وضع استراتيجية فلسطينية بديلة لمواجهة صفقة القرن. فما قبل الإعلان عنها شيء، وما بعدها شيء آخر، فقد أثبت الإعلان عن الصفقة، أن الإسرائيليين لا يريدون سلامًا، وأزال الإعلان عنها الغباش عن العيون، التي حمّلت الفلسطينيين مسؤولية فشل عملية السلام سابقا، وهذا أمرٌ لا بدّ من الاستثمار فيه، كأحد الخيارات المتاحة أمام السلطة الفلسطينية.

    استراتيجية حل الدولتين، في ضوء ما تمارسه “إسرائيل” على أرض الواقع، وبعد الإعلان عن صفقة القرن، أثبتت فشلها، لذا لا بد من الحديث عن خيارات أخرى، كحل الدولة الواحدة، التي يتمتع فيها الفلسطينيون بتساوي الحقوق السياسية والمدنية، الأمر الذي قد يمكنهم من السيطرة مستقبلًا، في ضوء الديمغرافيا الفلسطينية الحالية. إضافة إلى ذلك، من الممكن الاستثمار في تعزيز حملات المقاطعة عمليًا، ودعم حركات مختصة في هذا المجال، مثل حركة BDS.

    على صعيد المحافل الدولية، يُفترض أن يتحرك الفلسطينيون نحوها بقوة، حيث كشف أحد بنود صفقة القرن، خوف “إسرائيل” من التوجه للمحافل الدولية، واشترط على الفلسطينيين في حال التوقيع على الصفقة، التعهد بعدم التوجه لأي محفل دولي، يمكن من خلاله محاكمة “إسرائيل”. أعتقد أنّ الوقت قد حان لتنفيذ التوجه نحو أي شيء دولي، بإمكانه أن يُلحق الضرر بـ “إسرائيل”، ويزيد من الضغط عليها.

    وبخصوص تغيير الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية، كما أشار الرئيس أبو مازن في خطابه، أنَّ بإمكان السلطة الفلسطينية التحلل من الاتفاقيات الموقعة مع “إسرائيل”، نتيجة تغير دورها من الاتفاقيات الموقعة معها، كالانفكاك الاقتصادي، والتنسيق الأمني، والذي أعلن الرئيس صراحة أنَّه بصدد وقفه. وفي هذه الحالة، قد تواجه السلطة الفلسطينية المزيد من الضغوط إسرائيليًا وأمريكيًا، ولكنها حتما ستكون أكثر مساندة من الشارع الفلسطيني، الذي سيعزز صمودها. وهذا مرتبط بالسؤال التالي، والذي يتعلق بقدرة السلطة على خلق استراتيجيات فعالة في مواجهة الصفقة، حيث سيُتيح لها تحويل الدور الوظيفي، مزيدًا من القدرة على الفعل، والتأثير على الأرض، وعندها سيكون الشارع أكثر صمودًا في تحمل أي أعباء مالية، قد تترتب على ذلك، بالشراكة مع نظامه السياسي.

    لم يعد بإمكان الفلسطيني أن يقبل باستمرار الرهان على أوسلو، فالناس غير مقتنعة، وأي شيء جديد يجب أن يتم من خلال إصلاح المنظمة، وإعادة ترتيب مؤسسات السلطة، بما يتناسب مع تحول دورها.

    أعلنت السلطة الفلسطينية دائمًا، أنّها مع الاحتجاجات السلمية، والفلسطيني هو من يقرر. فهو قَدَر هذه المنطقة، ورأس الحربة فيها، ولن يتوانى عن أي احتجاج للدفاع عن أرضه. ولكن ما قد يخفف حدة هذه الاحتجاجات، هو ردة الفعل العربية، فإذا ما تم تبني الموقف الرسمي الفلسطيني عربيًا، فإن ذلك قد يمنح السلطة الفلسطينية، مجالًا أوسع للحركة.

    بإمكان الفصائل الفلسطينية أن تصنع المستقبل، وحسن النوايا واضح هذه المرة، وهذه فرصة حقيقية لكل الأطراف لإنهاء الانقسام كخطوة أولى للانتصار، وفرصة لحماس أن تحمل الهم الوطني الداخلي، بعيدًا عن أي بعد تنظيمي خارجي ودولي. وبالنسبة لغزة، لا يمكن أن تنفصل عن المشروع الوطني الفلسطيني، وستكون رديف القدس في كل الأزمنة، وهذا ما على حماس أن تدركه، وأعتقد أن إنهاء الانقسام، سيكون فرصة للخروج من المأزق الحقيقي للفصائل الفلسطينية.

    د. يوسف ارشيد، أستاذ العلاقات الدولة في الجامعة العربية الأمريكية

    باعتقادي أن تطبيق ما يسمى بصفقة القرن، يجري على قدم وساق منذ فترة من الزمن. فالإدارة الأمريكية نقلت سفارتها إلى القدس، وتتعامل معها رسميًا كعاصمة دولة “إسرائيل”، وتشجع الاستيطان، وتدعم القوانين الإسرائيلية المتعلقة بضم الأراضي المحتلة. لكن الجديد، أنهم يريدون منا كفلسطينيين، أن نوقع على قرار ذبحنا، وشطب قضيتنا، والتنازل عن القدس بأيدينا. ومن المؤكد أن هذه الصفقة لن تمر دون موافقة القيادة الفلسطينية. ومن الواضح أن هناك معارضة شعبية ورسمية واسعة ضد هذه الصفقة، ولكن في المقابل، سيدفع الشعب الفلسطيني ثمنًا لهذا الموقف، من تضييق وحصار، وغيره.

    على الصعيد الداخلي، يجب العمل على إعادة لحمة الصف الفلسطيني، وإنهاء الانقسام الداخلي، وتوحيد كل الجهود والطاقات، من أجل مواجهة الخطر الداهم، الذي يهدد القضية الفلسطينية برمتها، وتغليب المصالح الوطنية العليا، على المصلحة الحزبية الضيقة، وتشكيل طاقم من جميع الفصائل والأحزاب الوطنية والإسلامية، لبناء استراتيجية فاعلة، تستطيع الصمود في وجه هذه المؤامرة.

    وعلى الصعيد الخارجي، كان يُفترض من السلطة منذ زمن، إعادة ترتيب معسكر الأصدقاء والأعداء، لذا يجب التوجه إلى كل الدول الصديقة والداعمة للقضية الفلسطينية، وكفى متاجرة بأنظمة تساوقت مع المشاريع الصهيونية. يجب التحرك بشكل فوري وفاعل على الصعيد الدولي، والذي طالما رفضته “إسرائيل” جملةً وتفصيلًا، وذلك لأن جميع القرارات الدولية، تؤكد أن القدس والأغوار والضفة الغربية وقطاع غزة، هي مناطق محتلة يجب الانسحاب منها. وقد يعتقد البعض أن مثل تلك التحركات، لا تؤتي أكلها، لكن يجب إحراج “إسرائيل” والولايات المتحدة، وعزلهما دوليًا.

    من ضمن الخيارات المطروحة، تحويل الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية، دون أي توضيح لماهية هذا المفهوم، علمًا أن الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية، هو دور خدماتي من ناحية، ولا أعتقد أن الرئيس كان يقصد ذلك، ودور آخر يتمثل في العلاقة مع الاحتلال، كالتنسيق الأمني وغيره. والدور الوظيفي للسطلة الفلسطينية، حسب اتفاق أوسلو، هو قيام حكم ذاتي مؤقت لمدة زمنية محددة، وبعد ذلك قيام دولة فلسطينية، وبالتالي، فإن تحويل، أو إلغاء الدور الوظيفي للسلطة، يعني إلغاء اتفاق أوسلو، وكل ما نتج عنه. وإذا كان هذا هو المقصود، فهو بحاجة إلى ثبات وتضحيات وصبر، لأن كثيرًا من أمورنا الحياتية، مرتبطة بالاحتلال، حيث جميع المعابر والمنافذ بيده.

    قد تكون الخيارات الاستراتيجية لدى السلطة الفلسطينية صعبة. لكن باعتقادي، يجب أن تكون كل الخيارات في هذه المرحلة، مفتوحة وممكنة، من اعتصامات واحتجاجات، وتحريك الرأي العام، إضافة إلى خيار المقاومة. لذلك، يجب العودة إلى الشارع الفلسطيني، الذي غُيب منذ سنوات تحت واقع اتفاق أوسلو. يجب عدم الحديث عن إمكانيات السلطة في المواجهة، بل إمكانيات الشعب الفلسطيني. مع أنني لست متفائلًا فيما يتعلق بإنهاء الانقسام، وذلك لأن الأجندات الفصائلية والحزبية والشخصية، ما زالت مسيطرة، والإرث الثقيل من الحقد والعداوة، ليس من السهل أن يتم تجاوزه بهذه السرعة.

    موقف الفصائل السياسية الأخرى، معارض بشكل حازم لصفقة القرن، وقد يكون لها دور مهم في المرحلة المقبلة، وتحديدًا في حالة تصعيد أعمال المقاومة ضد الاحتلال. فهذه الفصائل، تمتلك الكثير من الخبرات النضالية، لذلك يجب العمل على توحيد كل الجهود في ساحة الفعل النضالي.

    تضمنت صفقة القرن، نزع سلاح المقاومة، وطرح مشاريع اقتصادية عملاقة، تمول من دول الخليج النفطية، مع مساهمة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. تحاول “إسرائيل”، مدعومة من الولايات المتحدة، أن تستغل حال الفقر والجوع والحصار على قطاع غزة، لتحول القضية الفلسطينية إلى مجرد قضية إنسانية، وإعطاء حلول وامتيازات اقتصادية، على حساب سلب الحقوق السياسية. لكني أعتقد أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم، رغم كل محاولات التركيع من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

    سامر عنبتاوي، كاتب ومحلل سياسي، وعضو الهيئة القيادية للمبادرة الوطنية الفلسطينية

    رغم كبر الهجمة، وحالة الانقسام الداخلي، وفقدان بعض عناصر القوة، كفقدان جزء هام من العمق العربي، والتغيرات الحاصلة في الإقليم، إلا أن عناصر القوة الكامنة، موجودة، وتتمحور في إعادة بلورة الاستراتيجية الوطنية الشاملة، المعتمدة على إنهاء الانقسام، وبناء برنامج وطني شامل وموحد، وبناء الاقتصاد الوطني المقاوم، وإعادة الانسجام الوطني لمواجهة الاحتلال، وإعادة تعريف وظائف السلطة، بالتخلص من جميع الاتفاقات المبرمة مع الاحتلال.

    كان تغيير الدور الوظيفي للسلطة، مطلبًا للقوى السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، وذلك عبر تحويل السلطة من العلاقة المباشرة مع الاحتلال، على المستويات الأمنية والاقتصادية، إلى قيادة وطنية موحدة، تعبر عن تطلعات الشعب الفلسطيني، وقواه الوطنية. بهذا التغيير، فإن السلطة ترتبط بإجماع وطني، لتتحول لقيادة شعب تحت الاحتلال، وترتبط بالتوجه الوطني العام، وتتخلى تماما عن العلاقة مع الاحتلال، وارتباطاتها به.

    وبخصوص الاستراتيجيات الفعّالة للمواجهة، فإن الأمر يرتبط بالتوجه لبحث تشكيل شبكة أمان على المستوى الإقليمي، وتحقيق نوع من الترشيد الإداري، وصيانة الاقتصاد المقاوم، وتحقيق الانفكاك الاقتصادي، واستجلاب الدعم من المغتربين الفلسطينيين الأغنياء، وذلك كله ضمن برنامج اقتصادي مدروس، ومتنوع الخيارات.

    وبخصوص الاحتجاجات السلمية، فإن السلطة لا تتوجه لقيادة الفعاليات المطلوبة ضمن الوضع القائم، ولكن سوف تتغير الأمور عندما تتغير وظائف السلطة، وتوجهاتها، لتعبر عن الكل الوطني، فيحدث انسجام بين الشعب وسلطته، وقواه السياسية.

    أما توجه وفد من الضفة إلى قطاع غزة، فإنه يجب أن لا يكون من أجل الحوار المستنفذ سابقا، وإنما لإرساء قواعد إنهاء الانقسام، وتحقيق الوحدة، والبدء بالإجراءات الفورية لتحقيق ذلك، كسلاح قوي لمواجهة الصفقة. وموقف الفصائل يجب أن يقوم على الشراكة الكاملة بين مكونات الشعب وقواه الوطنية، وفعالياته، من أجل صياغة البرنامج الوطني، وإعاد بناء منظمة التحرير على أسس نضالية وديموقراطية، ودعم صمود الناس، والتوعية بمخاطر المرحلة القادمة، والتعاون لبناء مجتمع متماسك وقوي.

  • ثنائية "المحو والإنشاء".. سياسة "إسرائيل" بالقدس

    د. إياد أبو زنيط

    الباحث في مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية

    مقدمة

    منذ أن نشأت إسرائيل كدولة احتلال، استخدمت ثنائية "المحو والإنشاء" والمشتقة من عقلية الإحلال الاحتلالية، ومن الصهيونية الدينية التي ترى في فلسطين مكاناً مقدساً لها، يُشترط إبعاد الغريب منه حتى يَطهر، واستهدفت تلك الثنائية المكون الديمغرافي الأصيل، فرحلته من المكان وأحلت بدلاً منه آخر دخيل، في محاولةٍ لإقامة علاقة سردية بين الدخيل الجديد والمكان، تُصبح أمراً واقعاً مع الجيل الثاني والثالث من نسل ذلك الدخيل، المولود على أرض يعتبرها يهودية لا فلسطينية مسلوبةً من قبل أجداده، مبنية على ترحيل أجداد الآخرين من أقرانه في الجيل.

    في إطار السعي الإسرائيلي الدائم لتعزيز الرواية الإسرائيلية في الأحقية بالأرض، كان التشريد والهدم والتضييق والمصادرة وسائل تغيير جغرافي وديمغرافي على أولويات دولة الاحتلال يُوجه ضد الفلسطيني في كل منطقة تُستهدف بالاستيطان، فكانت مناطق العام 1948م على سلم الأولويات التي أُخرج منها ما يقرب من 800 ألف فلسطيني، واستهدفت أمكان سكانهم، ومن ثم استهدف الاستيطان مناطق العام 1967م حتى صارت أشبه بكنتوناتٍ مقطعة الأوصال يُقيم فيها الفلسطيني، يًسهل حصارها والتضييق عليها، وفيها تُصادر الأراضي وتُهدم المباني تحت ذرائع عدة.

    تُشكل القدس اليوم أكثر المناطق الفلسطينية المستهدفة استيطانياً، وتُعاني من استخدام كافة الوسائل الإحتلالية لتهويدها وعزلها، وجعلها منطقة تبدو إسرائيلية الطراز والمنشأ، بحيث يحتاج إصلاح بيتٍ فلسطيني أو ترميمه إلى سنواتٍ طوال من تتابعٍ في الإجراءات وتعقيد لها، وغالباً لا ينجح الفلسطيني في ذلك، ولا يخفى كون القدس مستهدفة نابعٌ من قدسيتها واهتمام المتدينين اليهود بها، الذين يعتبرونها مبرر وجودهم في أرض فلسطين.

    وفي الآونة الأخيرة تصاعدت وزادت وتيرة هدم المباني في القدس، وبدت دولة الاحتلال ممثلة ببلديتها فيها، وكأنها تدخل في سباقٍ مع الزمن من اجل استكمال تهويد المدينة، فلم تكد تُصدر محكمة الاحتلال العليا قراراً نهائياً بهدم ستة عشر مبنىً سكنياً تضم مائة شقة، في حي وادي الحمص من أراضي صور باهر جنوب المنطقة المحتلة والمصنفة ضمن المنطقة (أ)، وترد بذلك التماساً قدمه أصحاب تلك المباني مطالبين بتجميد العملية حتى شرعت في الشهر الفائت طواقم ضخمة من الجرافات ومئات الجنود في تنفيذ عملية الهدم، في وقتٍ شكلت فيه عملية الهدم إحدى كبرى العلميات التي استهدفت الجغرافيا الفلسطينية منذ عام 1967م، بعد العملية التي استهدفت 35 منزلاً في قلنديا قبل ثلاث سنوات. وكانت ذريعة الهدم هذه المرة قرب المنازل المهدومة من جدار الفصل العنصري، الأمر الذي تعتبره دولة الاحتلال مخالفة أمنية لقرارٍ عسكريٍ يحظر البناء على مسافة 250 متراً من الجدار، الذي أصلاً شطر أراضي صور باهر إلى نصفين، الأول يقع داخل الحدود البلدية المصطنعة للاحتلال ويخضع إدارياً لإشرافها، فيما يقع النصف الثاني في منطقة تتمتع السلطة الفلسطينية فيها بالصلاحيات المدنية، وبحق إصدار رخص البناء،

    ومن خلال التقديم السابق يتضح أنّ هناك دلالات عدة، لعملية الهدم الإسرائيلية الأخيرة، تتجاوز الهدم المادي للمبنى والذي يُمثل هدفاً أولاً، ومن أهم تلك الدلالات:

    أولاً: جريمة معقدة

    هدم المساكن الفلسطينية يُمكن اعتبارها جريمة معقدة تمس الروح والعقل والكرامة الإنسانية، وتمس فلسفة الوجود الإنساني برمته، ويتجلى ذلك من خلال وقوف الفلسطيني عاجزاً أمام أطفاله عن حماية منزله، وأنياب جرافات الاحتلال تهدم مأوى الأحلام والأفراح، والأصعب من ذلك عندما يُطلب من الفلسطيني نفسه هدم مسكنهِ أو جزء منه بيديه من خلال سياسة الهدم الذاتي التي تتبعها سلطات الاحتلال، في مشهدٍ يُضاعف القهر والألم، يُحاول من خلاله تعذيب الفلسطيني بأبشع الطرق المتجلية في إفقاده للمأوى بالقوة، وجعله يُعيد التفكير ألاف المرات، قبل بناء منزلٍ له ولإطفاله، في مسعىً لتهجيره، وجعله يرى نفسه دائماً أمام تهديدٍ ماثل بخطر فقدان المأوى في أي لحظة، مما قد يدفعه في النهاية إلى البناء خارج القدس لحفظ رأس المال الذي وضعه في مبنىً يضمن له الإقامة وعائلته.

    ثانياً: قفزات متسارعة

    حسب ما أشارت له منظمة "بيت سيلم" المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، فإن عدد المباني التي تمَّ هدمها في شرقي القدس منذ العام 2004م بلغَ 915، ويمكن المقارنة حين معرفة عدد المنازل التي تمَّ هدمها عام 2004 والبالغ 53 منزلاً، ومقارنتها برقم المنازل التي تم هدمها عام 2019م حيث وصل الرَّقم إلى 112، وبلغَ عدد المباني التي هُدمت بأيدي ساكنيها عام 2004 خمسة منازل بينما قفز الرقم في العام 2019 إلى 25 منزلاً.[1] وحسب تقريرٍ لصحيفة هآرتس فقد حصل ارتفاع في معدل الهدم بنسبة وصلت إلى 230% في العام الحالي عن العام الذي سبقه فقط.

    ثالثاً: تحدي قانوني

    عمليات الهدم في الآونة الأخيرة في القدس تجاوزت خطوط الاتفاقيات الدولية، وخاصة اتفاقية أوسلو الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية حيث طالت تلك العمليات منازل واقعة في مناطق (أ) و (ب)، والتي حسب ما ذكر للسلطة الفلسطينية حق التصرف فيها، مما أثار حفيظة الاتحاد الأوربي الذي أعلن على لسان ناطقيه إدانته لتلك العمليات والذي اعتبره غير قانوني بموجب القانون الدولي، خاصة وأن بعض المبني التي صودرت أو هُدمت قد أقيمت لفلسطينيين بتمويلٍ أوروبي، وأدانت دول متفرقة من ضمنها فرنسا عمليات الهدم، من هنا يتبين أنَّ إسرائيل أصبحت غير آبهةٍ بما يقع على عاتقها من التزامات فُرضت عليها من خلال الاتفاقيات التي وقعتها، حيث زادت تلك الاختراقات في السنوات الأخيرة، وهذا ينبع من تقوقع الاتحاد الأوروبي على نفسه، وضعف الحالة العربية، والمناصرة الأمريكية لإسرائيل.

    رابعاً: امتداد الصراع الديمغرافي

    في إطار عمليات الهدم الأخيرة المتسارعة تُعيد إسرائيل التأكيد على أنَّ الصراع الديمغرافي على سلم أولوياتها، فعمليات الهدم الأخيرة استهدفت مساكن مأهولة لعائلاتٍ فلسطينية، ووصل عدد المهجرين منها في العشر سنوات الأخيرة إلى 5000 ألاف شخص، ورغم اعتبار البعض أنَّ العدد يُمكن اعتباره صغيراً، إلاَّ أن إسرائيل تنظر بأهمية كبيرة لأيّ ساكنٍ عربي في القدس وتعتبر تهجيره أو إبعاده إنجازاً إسرائيلياً كونه يمنح مساحة لساكن إسرائيليٍ جديد، ويُشكل فرصة لضرب التوازن الديمغرافي الذي حافظ عليه الفلسطينيون لسنوات طوال من خلال متغير زيادةٍ سكانية طبيعي تمثل في التكاثر الطبيعي بينما لم تستطع إسرائيل تحقيق توازنٍ ديمغرافي واضح من خلال متغيرين تمثلا في التكاثر الطبيعي والهجرة، وفي ظلِّ نضوب أو تراجع مؤشرات الهجرة الوافدة لإسرائيل، بشكلٍ كبير، بات إنجاز التغيير الديمغرافي لصالح إسرائيل أمراً مُلحاً، وتحقيقه مطلوب بأي وسيلة.

    خامساً: تطبيق فعلي لصفقة القرن

    رغم عدم وجود معطيات حقيقية عن صفقة القرن التي طرحتها الإدارة الأمريكية منذ فترة للسلام في الشرق الأوسط، إلاّ أن النظر للمعلومات المتسربة عن وضع القدس والتي أشارت إلى أنَّه وفي حال تم الاتفاق على تطبيق حقيقي لصفقة القرن فإن بعض البنود قد تمنع إسرائيل من هدم المباني العربية في القدس أو شراءها، رغم أنّها تُعطيها الأحقية في إدارة المدينة والسيطرة عليها، فإنَّ إسرائيل باتت فعلياً تُسارع الزمن في إحداث التطبيق الفعلي لصفقة القرن على الأرض، ومن المدينة المقدسة بدايةً.

    سادساً: احتلالٌ لا يخرج عن طوره

    تؤكد إسرائيل ضمن المعطيات السابقة على أنّها ما زالت وستبقى دولة احتلالٍ عُنصريٍ يستهدف الإنسان الفلسطيني بكل تفاصيله، ولا تلبث أن تستغل أي لحظةٍ في سبيل إخراجه أو تهجيره، وهذا يُخالف ما تطرحه إسرائيل من كونها واحة الديمقراطية والسلام في الشرق الأوسط، بل هي تزداد تكشيراً عن أدواتها الاحتلالية التي تجاوزت حدود المنطق في تكريس سياسية الإحلال، حيث طوعت إسرائيل في الفترة الأخيرة المنظومة الدينية لخدمة أهدافها الإحلالية، وكان من بين تلك التدخلات أن أجازت بعض المرجعيات الدينية تعدد الزوجات كوسيلة لمحاربة الديمغرافيا الفلسطينية.

    خاتمة

    قد يتساءل البعض عن الإجراءات الفلسطينية التي تقف عاجزة أمامَ تَغولٍ إسرائيلي غير مسبوق في استهداف الجغرافيا الفلسطينية بما فيها هدم المباني، وتحديداً في القدس، وهنا تَجدر الإشارة إلى أنَّ السلطة الفلسطينية قد هددت في الفترة الأخيرة بقطعِ العلاقات مع إسرائيل وإعادة النظر في الاتفاقيات التي وُقعت معها، ولكن يبدو أنَّ إسرائيل لم تعد تسمع فعلياً لتلك التهديدات والتي جاءت فعلياً بعد تحالف ودعم أمريكي كبير للساسة في إسرائيل، وحصول تشظٍ واضح في الحالة الفلسطينية استطاعت إسرائيل من خلاله تكريس حالة الانقسام الحاصلة، إذا ما أضفنا لذلك العامل العربي المتردي والتشتت الحاصل فيه، والذي أزاح كفة القوة لإسرائيل.

    ومن هنا فإنَّ الحل الأمثل لا يَكمن في التهديدات بقدر ما يتطلب تنفيذاً فعلياً لها، وإعادة اجتماع لحالة الافتراق الفلسطينية الحاصلة، وتعزيز وسائل صمودٍ جديدة للفلسطينيين، يتمثل أولها في الصمود الاقتصادي الذي استطاعت إسرائيل ضربه.

  • قضية باب الرحمة.. بين أهداف الاحتلال وهبّة الفلسطينيين

    مقدمة:

    نجح الفلسطينيون في مدينة القدس المحتلة من فتح مصلّى وباب الرحمة، بالمسجد الأقصى، بعدما أغلقه الاحتلال في العام 2003 متذرعًا باستخدامه من مؤسسة غير قانونية، هي مؤسسة التراث الإسلامي، وبقي الإغلاق قائمًا منذ ذلك الحين، وقد ثارت مخاوف الفلسطينيين من حينه بأنّ الهدف من هذا الإغلاق هو تأسيس كنيس يهودي في الموقع، وبالفعل فقد تجددت الاعتداءات ومحاولات إحكام السيطرة النهائية على هذا الموقع منذ مطلع العام 2019.

    نجاح الفلسطينيين في كسر الهجمة الإسرائيلية الاستيطانية والحكومية على حدّ سواء على باب الرحمة، يذكّر بالإنجاز الفلسطيني فيما عرف بـ "هبة باب الأسباط" في تموز/ يوليو 2017، التي ثارت رفضًا لقرار حكومة الاحتلال تركيب بوابات إلكترونية تجبر المصلين على المرور منها إلى المسجد الأقصى، بهدف تعزيز سيطرة الاحتلال على المسجد، إذ كسر الفلسطينيون ساعتها قرار الاحتلال كذلك.

    وبالرغم من ذلك الإنجاز، إلا أنّ هجمات الاحتلال المتعددة، بلا توقف، حتى بعد هبّة باب الأسباط، التي باتت تأخذ أشكالاً أكثر كشفًا عن الرغبة اللحوحة في فرض التقسيم المكاني على المسجد، كما أنّ المخاوف ما تزال قائمة من عودة الاحتلال لمحاولة إغلاق مصلّى باب الرحمة من جديد.

    تعرض هذه الورقة لمجريات الاعتداء على باب الرحمة، وتصدي المقدسيين له، منذ بداية القضية، وما رافق ذلك من أحداث ومواقف وتصريحات، وتقرأ هذا الاعتداء في سياقاته السياسية العامّة، وفي السياق الخاص بقضية المسجد الأقصى.

    هبة باب الرحمة.. مجريات العدوان ومواجهته

    بدأت هجمات الاحتلال الجديدة على باب الرحمة؛ منذ مطلع العام 2019، فعلى سبيل المثال، قامت مجموعات من المستوطنين في 2 كانون الثاني/ يناير بأداء رقصات في مقبرة باب الرحمة1، كما تواصلت الاعتداءات بكثافة منذ مطلع شباط/ فبراير، سواء من جهات رسمية أو استيطانية، فقد أبعدت قوات الاحتلال سبع مقدسيات عن المسجد الأقصى بتهمة جلوسهن في منطقة باب الرحمة2، وتكررت بعد ذلك اقتحامات المستوطنين لمنطقة باب الرحمة، ضمن برنامج التقسيم الزماني3 الذي يحاول الاحتلال تكريسه، فعلى سبيل المثال، وفي الرابع من شباط/ فبراير، اقتحمت مجموعات من المستوطنين ساحات المسجد الأقصى من باب المغاربة لينتهي اقتحامها بأداء صلوات في باب الرحمة4، وقد تكرر المشهد تمامًا في السادس من الشهر نفسه5.

    في الثالث عشر من شباط/ فبراير 2019 بدأت أوساط فلسطينية في الحديث عن نية الاحتلال إقامة كنيس يهودي في منطقة باب الرحمة، بعدما ضاعف الاحتلال من إجراءاته تجاه كلّ من يقترب من منطقة الباب، بما في ذلك موظفو دائرة الأوقاف6، ويبدو أن البداية الفعلية للمواجهة في باب الرحمة كانت حينما قام في الرابع عشر من شباط/ فبرايرالماضي، أعضاء من مجلس الأوقاف الإسلامية7، بالصلاة داخل مبنى باب الرحمة8، وعلى إثر ذلك، وفي السابع عشر من الشهر نفسه، أغلقت قوات الاحتلال الباب الحديدي القائم على رأس الدرج المؤدّي إلى باب الرحمة بالسلاسل الحديدية9، وهو ما ردّ عليه الفلسطينيون عمليًّا، في اليوم التالي لإجراء الاحتلال، بصلاة العشرات منهم الظهر قرب باب الرحمة10، لتنتهي صلاتهم بتحطيم المصلين للباب الحديدي11.

    وفيما يبدو وكأنه اختزال –في حينه- للأزمة في السلاسل الحديدية، لا في قضية إغلاق باب الرحمة، قامت دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس بإعادة تركيب الباب الحديدي، في التاسع عشر من الشهر نفسه12، في حين أعلن الاحتلال عن إزالته للأقفال الحديدية عن باب الرحمة13، وهو ما عدّه بعض المسؤولين في الأوقاف الإسلامية في القدس انتهاء للأزمة كما في تصريحات الشيخ واصف البكري، نائب قاضي القضاة في القدس وعضو مجلس الأوقاف الإسلاميّة، الذي قال إنّ الأزمة حلّت بفضل اتصالات مكثفة أجراها "الملك عبد الله الثاني وكافة السلطات الأردنية ووزارة الأوقاف ووزارة الخارجية والسفارة الأردنية ودائرة الأوقاف الإسلامية في القدس ومجلس الأوقاف الإٍسلامي، لحل أزمة باب الرحمة"14.

    بيد أنّ الأزمة لم تنته بالنسبة للمقدسيين الذين رأوا أن القضية في إغلاق مصلّى باب الرحمة ومنع الفلسطينيين من الوصول إليه لا في مجرد إغلاق الباب الحديدي بالسلاسل الحديدية.

    وبناء على ذلك قرّر شبّان مقدسيون استمرار التوافد على باب الرحمة و إداء الصلاة عنده، الأمر الذي واجهته قوات الاحتلال بتحويل ساحات المسجد الأقصى إلى ثكنة عسكرية15، بالإضافة لسلسلة إجراءات أخرى، رافقت القضية منذ بدايتها، منها اعتقال عدد من المعتصمين والمصلين بالقرب من باب الرحمة، وقد استمرت الصلوات قرب بالرحمة إلى أن تمكن الفلسطينيون، وبعد الدعوة إلى نفير عام، من افتتاح المصلى والصلاة فيه يوم الجمعة، وسط الهتافات، وكان من بين المصلين، المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين، وأعضاء مجلس الأوقاف الإسلامية ومشايخ القدس، بما فيهم رئيس المجلس الأعلى للأوقاف الإسلامية في القدس، الشيخ عبد العظيم سلهب16.

    و لتثبيت الإنجاز الفلسطيني، ورفض قرار إغلاق منطقة باب الرحمة، قرّر مجلس الأوقاف الإسلامية في القدس الإبقاء على مصلى باب الرحمة مفتوحًا، وتعيين إمام له، وعدم الاعتراف بأي قرار يصدره الاحتلال بخصوص المسجد الأقصى17.

    استمرار المواجهة

    في أثناء الهبّة، وبعد تمكّن الفلسطينيين من افتتاح المصلى والصلاة فيه، كان الاحتلال قد اعتقل كلاً من رئيس مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في القدس الشيخ عبد العظيم سلهب، ونائب المدير العام لدائرة الأوقاف الاسلامية الشيخ ناجح بكيرات، لساعات، وسلّمهما، بعد ذلك، قرارات بالإبعاد عن المسجد الأقصى لمدة ثمانية أيام، قابلة للتجديد، في حين أكّد سلهب أنه لا عودة عن قرار فتح المصلى وترميمه، وبحسب كل من سلهب وبكيرات، فإنّ ساعات التحقيق معهما كلها تمحورت حول افتتاح المصلى، وبما ينمّ عن إرادة الاحتلال في العودة لإغلاقه18.

    وفي حين تتواصل الاتصالات بين الأردن و"إسرائيل" للوصول إلى تسوية بخصوص باب الرحمة19، فإنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كان قد أصدر أوامره بإنفاذ قرار محكمة الاحتلال الصادر بشأن مصلى باب الرحمة التابع للمسجد الأقصى المبارك، وإعادة إغلاقه من جديد وإخلائه من محتوياته، ودون أي تسويات مع مجلس الأوقاف الإسلامية بالقدس، وهي الأوامر التي نقلها وزير الأمن الداخلي غلعاد أردان للشرطة الإسرائيلية، ولكن دون تحديد جدول زمني للشروع في تنفيذ هذه الأوامر، علمًا بأنّ محكمة إسرائيلية كانت قد أصدرت في العام 2017، قرارًا تؤيّد فيه قرار إغلاق الشرطة الإسرائيلية لمصلّى باب الرحمة20.

    وكانت قوات الاحتلال في سياق هذه المواجهة قد اعتقلت أكثر من 100 مقدسي من بينهم محافظ القدس عدنان غيث، والذي أفرجت عنه لاحقًا21، ومن بينهم كذلك رائد دعنا، مدير الوعظ والإرشاد في المسجد الأقصى، وأول من أم المصلين في صلاتهم أمام مصلى باب الرحمة، كما أبعدت عن المسجد الأقصى أكثر من 120 مقدسيًّا22.

    والحال هذه، فإنّ الاحتلال، وفي سياق سعيه للعودة بباب الرحمة إلى ما قبل افتتاحه من المصلين رغمًا عنه، دفع ببعض قادته الأمنيين، وتحديدًا قائد شرطة القدس ومسؤول كبير في جهاز "الشاباك" لاقتحام باب الرحمة23، كما أنّ اعتداءات المستوطنين لم تتوقف، إذ أقدم بعضهم على كتابة شعارات معادية للعرب والمسلمين على مدخل باب الرحمة من الجهة الخارجية الملاصق لسور المدينة الشرقي24.

    في إطار المواجهة، دار جدل، حول التوجه القانوني للمحاكم الإسرائيلية بخصوص قانونية إغلاق باب الرحمة25، ولاسيما أنّ هذا الإغلاق مقرّ من محكمة إسرائيلية في آب/ أغسطس 2017، بيد أنّ طاقم المحامين الذي ترافع عن معتقلي باب الرحمة، بيّن أنّه يؤكد على موقف دائرة الأوقاف وشؤون المقدسات الإسلامية بالقدس بعدم ولاية القانون والقضاء الإسرائيلي في كل ما يتعلق بالمسجد الأقصى، إلا أنّ الطاقم بيّن، أن مرافعته كانت في الأساس عن عدد من المعتقلين الذي اتهموا بفتح باب الرحمة، مستندًا في مرافعته على كون قرار المحكمة في آب/ أغسطس 2017، غير قانوني وغير ساري المفعول، وأنّ القرار تعلق بـ "لجنة التراث" فقط، وأنّه غير ساري المفعول على المستوى الإجرائي الشكلي كون الأمر انتهى في أواخر العام 2017، وهي المرافعة التي أخذت بها محكمة الصلح الإسرائيلية، ثم المحكمة المركزية التي استأنفت لديها الشرطة الإسرائيلية26.

    المواقف والتصريحات

    أصدرت الرئاسة الفلسطينية عدّة تصريحات بخصوص اعتداءات الاحتلال على المسجد الأقصى وباب الرحمة، محذرة من مساعي الاحتلال لتقسيم المسجد الأقصى زمانيًّا ومكانيًّا، قائلة إنها تقوم بالاتصالات اللازمة للضغط على الاحتلال لوقف اعتداءاته على المسجد الأقصى والمصلين فيه، مطالبة بالحفاظ على الوضع القائم منذ العام 196727. وفي إطار دعم "صمود أبناء الشعب الفلسطيني المرابطين في ساحات المسجد الأقصى المبارك أمام الانتهاكات الإسرائيلية"، قالت الرئاسة إنّ الرئيس الفلسطيني هاتف مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين، لأجل الاطلاع على ما يجري في المسجد الأقصى28.

    وقد دانت الحكومة الفلسطينية، كذلك، استهداف الاحتلال للمسجد الأقصى، ولمصلّى باب الرحمة، محذّرة من أن يكون ذلك جزءًا من مخططات تهدف إلى فرض التقسيم على المسجد تمهيدًا للاستيلاء على المسجد الأقصى، مؤكّدة على أنّ المسجد بمساحته البالغة 144 دونمًا، وتضم 200 معلم، منها المسجد القبلي المسقوف ومصلى قبة الصخرة والمدارس والقباب والمصاطب وغيرها، وما يتصل بالسور من الخارج هي مسجد خالص للمسلمين متعارف عليه عالميًّا وضمن الوضع التاريخي القائم29، وفي تصريحات لاحقة حيّت الحكومة صمود الفلسطينيين في القدس وكسرهم الحصار عن باب الرحمة30، ودانت حملة الاعتقالات التي نفّذتها سلطات الاحتلال بحقّ عدد من المسؤولين في القدس والمعتصمين في باب الرحمة31.

    وقد شكّلت هبّة باب الرحمة قضية جامعة لكل الفلسطينيين، بكل فصائلهم وقواهم السياسية، فقد أبدت حركة فتح اعتزازها بالإنجاز "الذي حققته المقاومة الشعبية في القدس بإجبارها سلطات الاحتلال على الرضوخ لإرادة المقدسيين وفتح باب الرحمة"32، وهو الموقف ذاته الذي عبّرت عنه حركة حماس، والتي نوّهت كذلك إلى مخططات الاحتلال لتقسيم المسجد الأقصى زمانيًّا ومكانيًّا مؤكدة أن "المسجد الأقصى هو خط أحمر لن يسمح شعبنا لأي كان بالعبث بهويته الإسلامية"33، وقد رأت حركة الجهاد الإسلامي في هبّة باب الرحمة مرحلة جديدة في مواجهة "المشروع الصهيوني"، تتوحد عليها كل الفصائل والفعاليات بحيث لن يسمح الفلسطينيون بأن تكون المقدسات مادة انتخابية للمتطرفين والمستوطنين34، وقد قرأت الجبهة الشعبية الموقف من الزاوية نفسها، إذ وفي حين تندرج هجمة الاحتلال في سياق مساعيه لفرض التقسيمين المكاني والزماني على المسجد الأقصى، فإنّها تأتي أيضًا في سياق الدعاية الانتخابية وكسب أصوات الشارع الإسرائيلي35.

    عربيًّا وإقليميًّا، تأتي الأردن في صدارة الدول المعنية بهذا الملف، على اعتبار أنّ الأردن هي التي تملك حق الوصاية على المقدسات الإسلامية في القدس، ويتبع لها مجلس الأوقاف الإسلامية في القدس، فقد أكد وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردني عبد الناصر أبو البصل، أنّ باب الرحمة وقف مملوكي له حمايته كسائر الأوقاف التي تشرف الأردن على حمايتها، مؤكّدًا في جانب الخطوات العملية أنه يجري بحث برنامج لصيانة باب الرحمة وتعيين إمام ثابت له، وأنه سيجري نقل مكتب وقفية إلى باب الرحمة، وكرسي الإمام الغزالي، مع إبقائه مفتوحًا، منوّهًا إلى أنّ جهود الأردن هي التي أدت إلى الإفراج عن الشيخين سلهب وبكيرات36.

    وبينما تبنى البرلمان الأردني، بيان لجنة فلسطين، بطرد السفير الإسرائيلي من عمان، واستدعاء السفير الأردني من تل أبيب، ردًّا على الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى وغلق أبوابه37، فقد قالت بعض المصادر أن الأردن رفض طلبًا إسرائيليًّا بالتدخل لتهدئة "أزمة باب الرحمة"، وأنّ الطلب الإسرائيلي تضمن تهديدًا بأن الشرطة الإسرائيلية ستنفذ الأمر الموجه إليها بإغلاق باب الرحمة في حال لم يجر التوصل إلى اتفاق بخصوص الأزمة38.

    وسوى ما سبق من مواقف، فقد دانت الخارجية القطرية سياسات الاحتلال "القمعية والعنجهية" التي تمارسها في القدس المحتلة والحرم القدسي والتي كان آخرها إغلاق باب الرحمة، محذرة من مساعي الاحتلال لتغيير هوية القدس وتقسيم المسجد الأقصى39 وقد دانت الجامعة العربية كذلك إجراءات الاحتلال في المسجد الأقصى وباب الرحمة40، كما وانطلقت مسيرة داعمة في مدينة إسطنبول بتركيا بالتزامن مع إغلاق الاحتلال لباب الرحمة41.

    الحدث في سياقاته

    لم يكن إغلاق باب الرحمة منفصلاً عن الهجمة الإسرائيلية المتصاعدة على المسجد الأقصى عمومًا، ولكن زيادة وتيرتها في الآونة الأخيرة، تكشف عن مساعي محمومة لفرض وقائع جديدة في المسجد الأقصى، في سياق الحركة السياسية الجارية، حيث يتصاعد الحديث عن إطلاق الإدارة الأمريكية لخطتها المشهورة إعلاميًّا بـ "صفقة القرن" والتي أخذت مفاعيل واقعية ضمن جملة خطوات تخصّ قضايا القدس واللاجئين وسوى ذلك، فقد زادت نسبة الاعتداءات على المسجد الأقصى في العام 2018 بنسبة 17٪ عن العام الذي قبله، وبلغ عدد المستوطنين الذين اقتحموا المسجد خلال العام 2018 أكثر من 29800 مستوطن42، بواقع 376 اقتحامًا، بالإضافة لإبعاد 176 شخصًا عنه طوال ذلك العام43.

    ولم يخل شهر من العام 2018، من اقتحام لمنطقة باب الرحمة أو الاعتداء عليها44، كما أنّ النوايا الإسرائيلية تجاه باب الرحمة، لم تبدأ مع إغلاقه في العام 2003، ففي الخامس من كانون الثاني/ يناير 2001، اقترحت لجنة منبثقة عن مجلس الحاخامات الرئيسية في دولة الاحتلال إقامة كنيس داخل المسجد الأقصى المبارك، وجعلت من بين الأماكن المقترحة لهذا الكنيس، باب الرحمة، أو مبنى المحكمة، أو المدرسة العمرية، أو المصلى المرواني، وفي سياق محاولات فرض هذه الوقائع، أُطلقت النار على غرفة حراس المسجد الأقصى الموجودة قرب باب الرحمة أيار/ مايو 200145، هذا فضلاً عن الاعتداءات المستمرة على مقبرة الرحمة التي تلاصق السور الشرقي للمسجد الأقصى.

    منذ ذلك التاريخ، ومنطقة باب الرحمة تتعرض للاقتحامات والاعتداءات المستمرة طوال السنوات الماضية، وقد استشعر الفلسطينيون، ولاسيما في السنوات الأخيرة، الأهداف الإسرائيلية الكامنة من الحرص الشديد في السيطرة على باب الرحمة، وتقنين إغلاقه، وتغطيته بستار قانوني، وجرّ الفلسطينيين إلى الملعب القانوني الإسرائيلي46، وفي مواجهة هذه المساعي الإسرائيلية، سبق للفلسطينيين أن حاولوا تخليص باب الرحمة من السيطرة الإسرائيلية، كما فعل بعض المعتكفين في المسجد الأقصى في العشر الأواخر في رمضان من العام 201847.

    وبهذا يمكن القول إنّ الإجراء الإسرائيلي الأخير بخصوص باب الرحمة، يأتي في سياق عام متصل بالمسجد الأقصى يهدف لفرض التقسيم المكاني، بجانب الاعتداءات المتواصلة عليه، بهدف فرض التقسيم الزماني، والذي يتمثل حاليًّا في الاقتحامات اليومية المحميّة من الشرطة الإسرائيلية، وبالرغم من ذلك فإنّ الاقتحامات لم تصل بعد إلى غايتها من تطبيع التقسيم الزماني، أو من البلوغ به إلى درجة اقتسام الأوقات مع المسلمين، أو تخصيص المسجد الأقصى بالكامل لليهود في أيام أعيادهم، وهو ما يدفع الإسرائيليين لمحاولة فرض التقسيم المكاني48، أي اقتسام جزء من المسجد الأقصى وتحويله إلي كنيس يهودي، وقد سبقت الإشارة إلى أنّ باب الرحمة مقترح لهذا الغرض منذ العام 2001، وإصرار الاحتلال على السيطرة على هذه المنطقة دليل واضح على ذلك.

    وفي المجريات الراهنة، يمكن ربط الإجراء الإسرائيلي، بالانتخابات الإسرائيلية، وتصاعد المزايدات بين أقطاب اليمين الإسرائيلي، ففي دعايته الانتخابية، أخذ وزير الأمن الداخلي غلعاد أردان، يعدد إنجازاته، والتي جعل في طليعتها إخراج الحركة الإسلامية عن القانون، وإخراج المرابطين والمرابطات من المسجد الأقصى، ومضاعفة أعداد المقتحمين للمسجد الأقصى ثلاثة أضعاف، كما أن الأحزاب اليمينية الإسرائيلية تطالب نتنياهو بإغلاق باب الرحمة، جاعلة من الانتخابات القريبة القادمة ورقة ابتزاز بهذا الخصوص49، وعلى أيّ حال فإنّ فرض الوقائع في المسجد الأقصى، قد يكون مطلبًا إسرائيليًّا لتثبيتها في خطة التسوية القادمة التي يقال إنّ الإدارة الأمريكية الحالية بصدد الإعلان عنها50.

    وتأتي قضية باب الرحمة، ضمن جملة من التعقيدات، فالقضية متصلة بالعلاقات الأردنية الإسرائيلية، ويبدو أنّه من الصعب على الأردن الرجوع بما أنجزه المقدسيون إلى الوراء، كما أنّ "إسرائيل" على أبواب انتخابات، فإذا كان نتنياهو بحاجة لأصوات اليمين الإسرائيلي، فإنّه في المقابل يخشى من احتمالية انفلات الأوضاع من بين يديه51، ولاسيما مع التحذيرات الأمنية من إمكانية اتساع الهبّة في القدس والضفة الغربية بالنظر إلى التوتر القائم أصلاً في الضفة، وإمكانية تصاعد احتجاجات الحركة الأسيرة52.

    عامل آخر قد يكون موضع للتفاعل مع هذه القضية، فقد تلت المواجهات الخاصة بباب الرحمة، القرار الأردني بضم شخصيات تشغل مناصب رسمية في السلطة الفلسطينية، لمجلس الاوقاف الاسلامية بالقدس، كان أبرزهم عدنان الحسيني وزير شؤون القدس في الحكومة الفلسطينية، وحاتم عبد القادر53، هذه التغيير الذي أظهر مزيد من الاضطلاع الاردني بهذا الملف يشمل ضم مفاتيح عمل السلطة الفلسطينية بالقدس الى هذا المجلس، وهو ما قد يفسر بتقدير السلطة لضرورة التنسيق مع الأردن في مواجهة ما هو قادم.

    وبينما ما تزال الحكومة الإسرائيلية تظهر إصرارًا على رغبتها في العودة لإغلاق باب الرحمة، وفي حين تتبادل الأوساط الأمنية الإسرائيلية، وكذلك الحزبية، الاتهامات بخصوص الإخفاق في منع الفلسطينيين من إعادة افتتاح المصلى في الباب54، فإنّ الاحتمالية قائمة لتجدد الهبّة واتساعها، في حال أقدم الاحتلال مجدّدًا على إغلاق باب الرحمة، وذلك بعدما أظهرت قضية الباب إجماعًا فلسطينيًّا عليها، ورفعت من معنويات الفلسطينيين الذين تمكّنوا للمرة الثانية في غضون أقل من عامين على كسر القرارات الإسرائيلية المتعلقة بالمسجد الأقصى، ولاسيما في ظل انغلاق سياسي، وانقسام مستمر يبدد جهد الفلسطينيين.


    1. حصاد الأربعاء 2/1/2019، موقع معلومات مقدسية، 2 كانون الثاني/ يناير 2019، https://goo.gl/PtiBkT

    2. الاحتلال يبعد 7 مقدسيات عن الأقصى لمدة أسبوعين، موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، 4 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/zRorKL

    3. التقسيم الزماني، يعني فرض أوقات خاصة لليهود للصلاة داخل المسجد الأقصى بشكل متدرج بحيث ينتهي إلى أن تتساوى أوقاتهم مع أوقات المسلمين، بيد أنّ هذ المخطط الذي بدأت الحكومة الإسرائيلية بدفعه منذ العام 2000 لم يصل إلى غايته، فما تزال صورته على هيئة اقتحامات تحرسها الشرطة الإسرائيلية.

    4. وسط حراسة مشددة.. مستوطنون يقتحمون الأقصى ويُؤدون طقوسًا تلمودية، موقع وكالة صفا، 4 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/HFkkVG

    5. مستوطنون يقتحمون "الأقصى" ويؤدون صلوات تلمودية في "باب الرحمة"، موقع إذاعة صوت فلسطين، 6 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/oKqSsJ

    6. "عربي21" تكشف تفاصيل مخطط لفتح كنيس في قلب الأقصى، موقع عرب21، 13 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/hJCku8

    7. مجلس الأوقاف الإسلامية، يتبع الحكمة الأردنية، بحكم الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية في مدينة القدس، وقد أعيد تشكيل المجلس على نحو موسع في 14 شباط/ فبراير 2019 بموافقة من الحكومة الأردنية. انظر:

    إعادة تشكيل مجلس أوقاف القدس بتركيبة موسعة، موقع وكالة صفا، 14 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/jm7ipo

    8. باب الرحمة.. مواجهة متجددة في الأقصى، موقع متراس، 20 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/Fj635B

    9. الاحتلال يغلق "باب الرحمة" في المسجد الأقصى بالسلاسل الحديدية، موقع صحيفة القدس العربي، 18 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/ff6U7N

    10. العشرات يؤدون صلاة الظهر أمام "باب الرحمة" احتجاجا على إغلاقه بالسلاسل، موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، 18 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/R7i7mj

    11. باب الرحمة.. مواجهة متجددة في الأقصى، موقع متراس، مصدر سابق.

    12. الأوقاف تعيدُ تركيب الباب الحديدي على درجات باب الرحمة، موقع وكالة معا، 20 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/gTx7o8

    13. الاحتلال يزيل الأقفال الحديدية عن باب الرحمة، موقع وكالة معا، 19 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/xF6DDK

    14. المصدر السابق.

    15. الاحتلال يحوّل "باب الرحمة" إلى ثكنة عسكرية ويبعد مُعتقلي أمس عن الأقصى، موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، 19 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/iHVq3x

    16. المقدسيون يفتحون باب الرحمة المغلق منذ عام 2003، موقع عرب 48، 22 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/3we3iV

    17. مجلس الأوقاف يقرر تعيين إمام لمصلى باب الرحمة، موقع وكالة قدس للأنباء، 24 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/mf1EXn

    18. الاحتلال يفرج عن الشيخين سلهب وبكيرات ومجلس الأوقاف يعين إمامًا لمصلى باب الرحمة، موقع صحيفة القدس الفلسطينية، 25 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/kd2Bc1

    19. باب الرحمة في الأقصى لا يزال مفتوحا، موقع الجزيرة نت، 26 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/55pUEU

    20. نتنياهو يصدر أوامر بإعادة إغلاق "باب الرحمة"، موقع عرب 48، 25 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/mZ7yoP

    21. الإفراج عن محافظ القدس عدنان غيث، موقع عرب48، 27 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/aUXYN3

    22. فتح "باب الرحمة": اعتقالات وإبعاد عن الأقصى طال محافظ القدس، موقع عرب 48، 27 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/FQfVDw

    23. بالصور: قائد شرطة الاحتلال وضباط "شاباك" يقتحمون مصلى الرحمة، موقع صحيفة الرسالة، 27 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/HvJeso

    24. مستوطنون يخطون شعارات عنصرية على مدخل باب الرحمة، موقع وكالة سما الإخبارية، 26 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/AXfb13

    25. انتزاع قرار بإيقاف إجراءات شرطة الاحتلال في باب الرحمة بالمسجد الأقصى، موقع صحيفة العربي الجديد، 24 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/ZHqXkH

    26. عن صفحة المحامي خالد زبارقة على موقع فيسبوك، 24 شباط/ فبراير 2017، https://goo.gl/rAfrCf

    27. الرئاسة تدين إجراءات الاحتلال في المسجد الأقصى وعلى بواباته، موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، 18 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/oqUAxX

    28. الرئيس يهاتف مفتي القدس ويحيي صمود المرابطين في الأقصى.. أكد أنه يجري اتصالات لوقف اعتداءات إسرائيلية بحق شعبنا، موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، 19 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/MKwu6j

    29. الحكومة تُدين استهداف الاحتلال المسجد الاقصى المبارك، موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، 18 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/WdFvGR

    30. الحكومة تتوجه بتحية فخر واعتزاز الى أبناء شعبنا في العاصمة القدس على صمودهم وكسر الحصار عن باب الرحمة، موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، 22 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/YjeGSV

    31. الحكومة تدين حملة الاعتقالات التي ينفذها الاحتلال في عاصمتنا القدس، ، موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، 24 شباط/ فبراير 2019

    32. العالول يؤكد اعتزاز حركة "فتح" بالإنجاز الذي حققته المقاومة الشعبية في القدس، موقع إعلام فتح.. مفوضية الإعلام والثقافة والتعبئة الفكرية، 22 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/UtxedU

    33. بيان صحفي تعقيبًا على إغلاق الاحتلال باب الرحمة واعتقال الشبان المقدسيين، موقع حركة حماس، 18 شباط/ فبراير 2019، http://hamas.ps/ar/post/10215

    34. الجهاد الاسلامي: المقدسيون يكتبون فصلا جديدا في مسيرة الدفاع عن المسجد الأقصى، موقع حركة الجهاد الإسلامي، 28 شباط/ فبراير 2018، https://goo.gl/Rbm3C1

    35. الشعبية: الهجمة الصهيونية الممنهجة على القدس وأهلها ستنقلب ناراً وغضباً على الاحتلال، موقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، 18 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/heeftx

    36. وزير الأوقاف: برنامج لصيانة باب الرحمة وتعيين إمام ثابت للمصلى، موقع صحيفة الدستور الأردنية، 26 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/WdVT16

    37. البرلمان الأردني يدعو لطرد السفير الإسرائيلي من عمان، موقع عرب48، 20 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/U4LGgH

    38. الأردن ترفض طلب اسرائيل بالتدخل لتهدئة أزمة باب الرحمة، موقع وكالة سوا الإخبارية، 27 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/qiDVNs

    39. قطر تدين بشدة السياسات القمعية للاحتلال الإسرائيلي في القدس والحرم القدسي الشريف، موقع وزارة الخارجية القطرية، 20 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/3Re4de

    40. الجامعة العربية تدين إجراءات الاحتلال بالأقصى وتدعو لوضع خطة لمواجهة الانتهاكات، موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، 19 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/65cYg7

    41. إسطنبول.. مظاهرة لنصرة الأقصى تزامناً مع إغلاق إسرائيل مصلى "باب الرحمة"، موقع ترك برس، 22 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/1QQNEH

    42. اقتحامات غير مسبوقة للأقصى في 2018، موقع الجزيرة نت، 31 كانون الأول/ ديسمبر 2018، https://goo.gl/cGx5Uf

    43. الأوقاف الفلسطينية: الأقصى دُنس 376 مرة عام 2018، موقع الجزيرة نت، 24 كانون الثاني/ يناير 2019، https://goo.gl/zu689G

    44. وذلك بمراجعة أبرز الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى 2018، موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، بدون تاريخ، https://goo.gl/aVvrUy

    45. أبرز الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى 2001-2010، موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية- وفا، بدون تاريخ، https://goo.gl/u15Ki7

    46. إغلاق "باب الرحمة".. السهم "الإسرائيلي" في قلب الأقصى، موقع المركز الفلسطيني للإعلام، 12 أيلول/ سبتمبر 2017، https://goo.gl/3mSZuE

    47. حقيقة ما يجري في باب الرحمة.. أغلقه صلاح الدين قديماً ويسعى الاحتلال لاختراقه من جديد، موقع صحيفة الحدث الفلسطينية، 19 حزيران/ يونيو 2018، https://goo.gl/sQxu28

    48. زياد بحيص، التقسيم المكاني للأقصى يمكن إفشاله مبكراً، 4 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/Evr8hF

    49. كمال الخطيب. "باب الرحمة": ملحمة لن ترحم نتنياهو، موقع TRTعربي، 28 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/hhdNks

    50. مواقع إسرائيلية: نتنياهو سيحدد موعد إعلان "صفقة القرن"، صحيفة العربي الجديد، 28 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/aawqCR

    51. هل يجازف نتنياهو بإشعال الأوضاع بالأقصى قبل الانتخابات؟، موقع عربي21، 27 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/ouGDRL

    52. تحذير إسرائيلي من "تصعيد كبير" في الأراضي الفلسطينية قبل الانتخابات، موقع عرب 48، 25 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/dD8Atf

    53 توسيع"أوقافالقدس"، صحيفةالرأي،15 شباط/فبراير ٢٠١٩، http://tiny.cc/qo8u3y

    54. اتهامات إسرائيلية متبادلة عقب نجاح الفلسطينيين بفتح "باب الرحمة".. باحث يتوقع إغلاق "باب الرحمة" مجددًا وحدوث هبة مقدسية جديدة، موقع صحيفة فلسطين، 28 شباط/ فبراير 2019، https://goo.gl/zCB5iv

  • مركز الزيتونة يصدر كتاب ”كيف نقاضي إسرائيل؟“ ويوفر الفصلين الثالث والرابع للتحميل المجاني

    أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت كتاباً جديداً بعنوان ”كيف نقاضي إسرائيل؟: المقاضاة الدولية لإسرائيل وقادتها على جرائمهم بحق الفلسطينيين“، للدكتور سعيد طلال الدهشان.

    ويهدف هذا الكتاب، الواقع في 335 صفحة من القطع المتوسط، إلى رسم المسار القضائي، أو خريطة طريق، لما هو مطلوب عمله فلسطينيا،ً وعربياً، وإسلامياً، ودولياً لمقاضاة ”إسرائيل“ وقادتها. وتتلخص الإشكالية التي ناقشها البحث بمدى إمكانية مقاضاة ”إسرائيل“ كدولة، وقادتها كأفراد وكمسؤولين، على جرائمهم بحق الفلسطينيين، وكيف يتم تحقيق ذلك. مع تقديم مقترحات لصانعي القرار الفلسطيني، نحو الآليات الأكثر فاعلية لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وكيفية الاستفادة المثلى منها.

    ويقدم الكتاب تقويماً شاملاً ومفصلاً لواقع الآليات الدولية للمقاضاة، من ثم يقدم تقييماً لمدى فاعلية تلك الآليات على الأرض، مع ضرب الأمثلة والنماذج العملية لتلك الآليات الدولية في قضايا مشابهة للحالة الفلسطينية، أو ذات علاقة بموضوع الكتاب.

      لتحميل الفصول، اضغط على الرابط التالي:

     

    الفصل الثالث: الآلية القانونية الدولية لمقاضاة ”إسرائيل“ كدولة (محكمة العدل الدولية)  (37 صفحة، حجم الملف 621 KB)


    الفصل الرابع: الآليات القانونية الدولية لمقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين كأفراد  (58 صفحة، حجم الملف 836 KB)

    معلومات النشر:

     

    – العنوان: ”كيف نقاضي إسرائيل؟: المقاضاة الدولية لإسرائيل وقادتها على جرائمهم بحق الفلسطينيين“
    – المؤلف: د. سعيد طلال الدهشان
    – عدد الصفحات: 335 صفحة
    – الطبعة: الأولى 2017
    – السعر: 15$
    – جهة الإصدار: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات- بيروت
    – ISBN: 978-9953-572-67-3

     

    ويتناول الكتاب في الفصل الأول مفاهيم أساسية في القانون الدولي الجنائي، مستعرضاً الأحكام الموضوعية للجرائم الدولية، وبعض أشكال المقاضاة الدولية، والحكم القضائي الدولي.

    ويسلّط الفصل الثاني الضوء على المرتكزات القانونية الدولية، من مبادئ وقواعد قانونية واتفاقيات دولية، لمقاضاة المتهمين بارتكاب جرائم دولية.

    ثم يستعرض الفصل الثالث الآلية القانونية الدولية لمقاضاة ”إسرائيل“ كدولة في محكمة العدل الدولية.

    ويتناول الفصل الرابع الآليات القانونية الدولية لمقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين كأفراد أمام المحاكم الوطنية ذات الاختصاص القضائي العالمي، وأمام المحكمة الجنائية الدولية.

    أما الفصل الخامس فيسلّط الضوء على دور المنظمات الدولية، ودور مؤسسات حقوق الإنسان، ووسائل الإعلام الفلسطينية، في تفعيل مقاضاة ”إسرائيل“ وقادتها.

    ويتناول الفصل السادس الإجراءات السيادية والإدارية المطلوبة للعمل على تفعيل مقاضاة ”إسرائيل“ وقادتها دولياً.

    ويعدُّ هذا الكتاب من الكتب القليلة التي ناقشت موضوع مقاضاة ”إسرائيل“، وهو يُعدُّ دليل إجراء عملي لكل المتخصصين في متابعة عملية المقاضاة.

    لقد أخذ هذا الكتاب، الذي كُتب بلغة علمية متخصصة، موقعه المتميز كمرجع أساسي لا غنى عنه لكل المعنيين بالمقاضاة الدولية ومحاكمة الدول والأفراد.

    ويسر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات أن يوفر الفصلين الثالث والرابع منه للتحميل المجاني.

    كيف نقاضي إسرائيل؟ المقاضاة الدولية لإسرائيل وقادتها على جرائمهم بحق الفلسطينيين
         
    الفصل العنوان
     للتحميل
         
    – الصفحات الأولى اضغط هنا (5 صفحات، حجم الملف 319 KB)
         
    3 الفصل الثالث: الآلية القانونية الدولية لمقاضاة ”إسرائيل“ كدولة (محكمة العدل الدولية) اضغط هنا (37 صفحة، حجم الملف 621 KB)
         
    4 الآليات القانونية الدولية لمقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين كأفراد اضغط هنا (58 صفحة، حجم الملف 836 KB)
         

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2017/11/27

  • مستقبل مدينة القدس … مخاطر حقيقية

  • مقال: الأقصى والقدس.. طفح الكيل … د. محسن صالح

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات. 

    عندما مرَّ الأمير (الملك لاحقاً) سعود بن عبد العزيز في 14 أغسطس/آب 1935 بقرية عنبتا في طريقه إلى القدس، ألقى الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود قصيدة على مسامعه جاء فيها:

    يا ذا الأمير أمام عينك شاعر ** ضُمَّت على الشكوى المريرة أضلعُهْ
    المـسجد الأقصى أجئـت تزوره ** أم جئت من قبل الضــــياع تودِّعُهْ؟
    وغداً -وما أدناه- لا يبــــقى ســــوى ** دمعٍ لنا يَهمِي، وســنٍّ نقـــرعُهْ

    صدقت توقعات الشاعر، فضاع الأقصى بعد ذلك بـ32 عاماً، بينما كان قد استشهد عبد الرحيم محمود في معركة الشجرة خلال حرب فلسطين سنة 1948.

    ***

    منذ أن بدأ المشروع الصهيوني في فلسطين، ومنذ الاحتلال البريطاني لها قبل نحو مئة عام؛ والمسجد الأقصى مُهددّ بالضياع والتهويد، وأبناء القدس وفلسطين -ومن يدعمهم- يُفشلون الخطر تلو الخطر والمؤامرة تلو المؤامرة، بما يستطيعونه من إمكانات، مهما كانت بسيطة ولو بأظافرهم وأسنانهم.

    استمروا في المرابطة والمصابرة والصمود…، واستمر العرب والمسلمون في الإهمال والتقصير والخذلان… ومنذ خمسين عاماً لم تتوقف برامج التهويد في القدس لتغيير وجهها العربي الإسلامي وتشويه هويتها الحضارية…، وكان الأقصى في قلب المؤامرة وفي قلب المعركة.

    طفح الكيل… وبلغ السيل الزبى… ووصلت الصرخات إلى عنان السماء ولكن:
    ربّ وامعتصماه انطلقت ** ملء أفواه الصــبايا اليتَّمِ
    لامست أسماعهم لكنــها ** لم تلامس نَخوة المعتصمِ

    وأخيراً، يخرج وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ليستخدم المصطلح نفسه، ويقول “طفح الكيل”!!فتستبشر، وتقول لعله يعني طفح الكيل بالاحتلال الإسرائيلي للقدس وفلسطين… باعتداءاته على الأقصى… وقتله النساء والأطفال والشيوخ… أو طفح الكيل بالحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، أو طفح الكيل بالاستيطان اليهودي في الضفة الغربية ومصادرة الأراضي، وببرامج التهويد والجدار العنصري العازل… أو طفح الكيل بالغطرسة الصهيونية وإنكارها لحقوق الشعب الفلسطيني… لكنك تُفاجأ به يكمل جملته بأن الكيل قد طفح بحماس وبالإخوان المسلمين!!

    وأياً يكن موقف الجبير من تيارات “الإسلام السياسي”، فإن حماس كانت لسنوات عديدة وما زالت قوة المقاومة الأولى في وجه المشروع الصهيوني في فلسطين، وخط دفاع أول -إلى جانب قوى المقاومة الأخرى- عن هوية القدس وفلسطين العربية والإسلامية والحضارية.

    ***

    الخط التاريخي المعتاد للسعودية هو الدفاع عن القدس والأقصى والوقوف إلى جانب معاناة الشعب الفلسطيني، وتصريح الجبير لا يعكس السياسة التقليدية السعودية.

    ولعل من المفيد التذكير بنص تاريخي للملك فيصل بن عبد العزيز (1964-1975) قال فيه وهو يتحدث بمرارة عن القدس والدعوة للجهاد لتحريرها: “ماذا ننتظر؟ الضمير العالمي!! أين هو الضمير العالمي؟! القدس الشريف يناديكم ويستغيثكم… فماذا يخيفنا؟! هل نخشى الموت؟! وهل هناك ميتة أفضل وأكرم من أن يموت الإنسان مجاهداً في سبيل الله؟!”

    ويتابع الملك فيصل قائلاً: “أيها المسلمون: نريدها نهضة إسلامية، لا تدخلها قومية ولا عنصرية ولا حزبية، وإنما دعوة إسلامية، دعوة للجهاد في سبيل الله. وأرجو الله إذا كتب لي الموت أن يكتب الموت لي شهيداً في سبيل الله”.

    ويضيف الملك فيصل: “حرَمُنا الشريف ومقدساتنا تُنتهك وتستباح… بالمخازي والمعاصي والانحلال… أَدعو الله مخلصاً -إذا لم يكتب لنا الجهاد وتخليص هذه المقدسات- ألا يبقيني لحظة واحدة على قيد الحياة!!”.

    هكذا كان الموقف السعودي؛ فما الذي تفعله حماس وقوى المقاومة المسلحة غير الذي تحدث عنه الملك فيصل؟! وهذا الكلام -الذي يعبِّر عن عزة الأمة وشرفها وكرامتها- لو قاله أحد هذه الأيام لاتّهمته أنظمة عربية (بل وخليجية) بالتطرف والإرهاب، أو على الأقل باللا واقعية واللا مسؤولية…

    ***

    احتل الصهاينة غربي القدس سنة 1948 وقاموا بتهويدها بالكامل. ثم احتلوا شرقي القدس (وباقي الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء) سنة 1967. ومنذ نحو خمسين عاماً يقومون بعمل حثيث مبرمج لتهويد القدس…؛ فاستجلبوا أكثر من مئتيْ ألف مستوطن إلى شرقي القدس، وأنشؤوا نحو ثلاثين حياً ومستعمرة يهودية في شرقي القدس ومحيطها.

    وعزلوا القدس بجدار عنصري صار أقرب إلى الحدود الدولية، وسحبوا الهويات المقدسية من أكثر من 15 ألف مقدسي لمنعهم من الإقامة في القدس، ويهددون نحو عشرين ألف منزل مقدسي بالهدم والتدمير بحجة البناء دون إذن الاحتلال، ويواصلون جهودهم للسيطرة على النظام التعليمي في المدارس المقدسية، مع إيجاد البيئات لنشر الفساد والمخدرات والتسرُّب المدرسي الواسع وسط الطلبة المقدسيين.

    وتهدد عشرات الأنفاق والحفريات تحت المسجد الأقصى مبانيه بالتضعضع والانهيار، بينما يحاول الصهاينة تغيير الهوية البصرية للقدس بإنشاء مجموعة من الكُنُس والمباني اليهودية، بالإضافة إلى مصادرتهم لمعظم أراضي شرقي القدس (87.5 %)، ومحاولة وضع اليد أو “شراء” ما يستطيعون من ممتلكات ومساكن المقدسيين، تحت مختلف الضغوط.

    بلغت ميزانية الاحتلال الإسرائيلي لبلدية القدس سبعة مليارات و370 مليون شيكل (حوالي ملياراً و930 مليون دولار أميركي). وهناك جمعيات إسرائيلية صهيونية متخصصة في تهويد القدس -كجمعية تاج الكهنة، وجمعية إلعاد، وجمعية أمناء جبل المعبد- تنفق سنوياً نحو 150 مليون دولار أميركي، وبرامج التقاسم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى ماضية، ويشجعها برود العرب والمسلمين ولا يعطلها إلا صمود المقدسيين.

    ***

    في المقابل، فإن منظمة المؤتمر الإسلامي (التي أصبحت منظمة التعاون الإسلامي) والتي نشأت أساساً إثر حريق المسجد الأقصى سنة 1969، ويشارك في عضويتها 56 بلداً مسلماً؛ تضع ميزانية هزيلة (نحو عشرة ملايين دولار) للجنة القدس المنبثقة عنها. وهي أقل من ميزانية شراء لاعب كرة قدم لأحد الأندية، وأقل بكثير مما يصرف على الاحتفالات والبهرجات ومظاهر البذخ التي يعرفها الجميع.

    ولو افترضنا أن هذه البلدان أرادت أن تنفق من إيراداتها البترولية ما يساوي قيمة الزكاة فقط (باحتساب أن الزكاة فقط هي ربع العشر أي 2.5 %) لدعم القدس وتحريرها؛ لبلغ الإنفاق السنوي أكثر من 15 مليار دولار (15 ألف مليون دولار!!)، في الوقت الذي تنفق فيه هذه الأنظمة عشرات مليارات الدولارات سنوياً لشراء أسلحة تتكدس كـ”ستوكات” في مخازنها، أو تستخدم في السيطرة على شعوبها، أو في الصراعات الداخلية فيما بينها.

    أما السلطة الفلسطينية في رام الله، فإن ميزانية وزارة شؤون القدس لديها (بكل ما تعنيه القدس من مسؤوليات وتحديات…) في سنة 2016 كانت حوالي 12 مليون دولار، من أصل نحو ثلاثة مليارات و765 مليوناً هي ميزانيتها الكلية، أي نحو ثلاثة بالألف من ميزانيتها (0.3%).

    وقد كان ذلك سبباً لاستقالة حاتم عبد القادر من وزارة شؤون القدس في صيف 2009 بعد نحو أربعين يوماً من تعيينه. في الوقت الذي تستهلك فيه رواتب العاملين في الأجهزة الأمنية للسلطة -حسب ميزانية 2016- نحو 867 مليون دولار، أي ما معدله 42% من الرواتب السنوية لموظفي السلطة.

    ***

    لم ينتظر أبناء القدس قيادات المنظمة والسلطة ولا القيادات العربية والإسلامية لمواجهة الاحتلال…، وإنما أصروا على تقديم أروع الأمثلة في الثبات والصمود…، وقبضوا على الجمر حفاظاً على القدس والمقدسات، وعلى هويتها العربية والإسلامية.

    كان يكفي لابن القدس القديمة أن يبيع مثلاً شقة صغيرة متداعية (أقل من مائة متر مربع) ليصبح مليونيراً، حيث سيجد عشرات المشترين اليهود…، ولكنه قرر الصمود والعض على جراحه وتحمّل كافة أشكال المعاناة والإفقار، وبرامج “التنغيص والتطفيش” الإسرائيلية الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية…، حتى رغم عدم القدرة على صيانة منزله… وضعف أو انعدام المساعدات التي تعينه على الصمود.

    ما زال العرب في القدس القديمة المسوَّرة والمحيطة بالمسجد الأقصى يمثلون أكثر من 85% من سكانها، وما زالوا يمثلون أغلبية سكان شرقي القدس. ورغم أن الاحتلال حاول تخفيض نسبتهم طوال السنوات الماضية في القدس (شرقيها وغربيها) إلى أقل من 22%؛ فإنهم تمكنوا من رفع نسبتهم إلى أكثر من 36% بعد أن كانوا نحو 26% بُعيد احتلال شرقي القدس سنة 1967.

    وأبناء القدس كانوا في قلب الانتفاضة المباركة 1987-1993، وفي قلب انتفاضة الأقصى 2000-2005، وكانوا ولا يزالون في قمة العطاء في انتفاضة القدس الحالية التي تصعد وتخبو منذ نحو سنتين.

    ولا شك أن لإخوانهم من أبناء فلسطين المحتلة 1948 وأبناء الضفة الغربية وقطاع غزة -بالإضافة إلى الناشطين من فلسطينيين وعرب ومسلمين وداعمين دوليين- أدوارهم في دعم صمود القدس وأهلها، غير أن أهل القدس يبقون في القلب والمركز.

    ***

    نجح أبناء القدس وإخوانهم داخل فلسطين في تعطيل التهويد الزماني والمكاني للقدس، الذي كان قد دخل أطواراً عملية متقدمة في صيف 2015. وقدموا أرواحهم ودماءهم في سبيل ذلك.

    غير أن البيئة العربية والإسلامية المهترئة والمنشغلة بأزماتها لم تقف إلى جانبهم، ولم تشكّل رافعة حقيقية في مواجهة مشاريع التهويد. فبدت انتفاضة القدس “يتيمة” في غياب الراعي والنصير؛ فعاد الصهاينة من جديد لمواصلة اعتداءاتهم وتصعيدها. ولذلك لم يكن غريباً أن تحدث عملية قتل الجنديين الإسرائيليين في المسجد الأقصى.

    بعض المتفذلكين أخذوا يتحدثون عن عدم مناسبة توقيت العملية ومكانها، ولم يتورعوا عن التشكيك في نوايا منفذيها. وللتوضيح، فإن عمليات المقاومة لن تجد وقتاً مثالياً يُرضي الجميع، وستجد دائماً من يعترض على توقيتها، خصوصاً أولئك الذين تتضرر مصالحهم أو ينفضح تقصيرهم.

    وعلى سبيل المثال، فعندما أطلقت حركة فتح عملياتها سنة 1965، اتهمتها الأنظمة العربية بالعمالة وبمحاولة جرّ الأنظمة إلى معركة غير مستعدين لها. وعندما تابعت حماس عملياتها -بعد إنشاء السلطة الفلسطينية 1994- اتهمتها قيادات في فتح ومنظمة التحرير والسلطة بمحاولة تعطيل المشروع الوطني وإنشاء الدولة الفلسطينية.

    ورجال المقاومة لا يملكون دائماً “تَرَف” اختيار المكان والتوقيت، فما دام الاحتلال قائماً فإن المقاومة ستظل واجبة ومشروعة. وقد تحسب الدول أو التنظيمات الكبيرة حساباتها بشكل أو بآخر؛ غير أن أحداً لا يستطيع أن يُلزم شباباً قاموا بمبادرات ذاتية، بحسابات معينة.

    وعلى أولئك الذين يَسْلقون الشباب المضحي بألسنةٍ حدادٍ، أن يسكتوا… ويكفي الشباب المجاهد أنهم بذلوا أرواحهم ودماءهم. فلا أقل من التَّرحم عليهم ومواساة أهاليهم. فهؤلاء الأبطال يمثلون ما تبقى من عزة الأمة وكرامتها، ويمثلون خط دفاعها الأول عن حرماتها ومقدساتها.

    ***

    سينجح بإذن الله صمود المقدسيين في إفشال الإجراءات الإسرائيلية وخصوصاً البوابات الإلكترونية، وسيقومون ما استطاعوا بتعطيل المحاولات الصهيونية لتهويد الأقصى وتقسيمه زمانياً ومكانياً.

    ولكن، أما آن لأنظمتنا العربية والإسلامية أن تعلم أن الكيل قد طفح منها ومن تقصيرها وسوء إدارتها؟ أما آن للنخب والمثقفين والأحزاب والمتفلسفين أن يعلموا أن الكيل قد طفح منهم ومن فذلكاتهم وتنظيراتهم؟ وأن أهلنا في القدس قد استنفدوا كل ما يملكون من قدرات ووسائل…، وأن الخطر ضد الأقصى والقدس يتعاظم كل يوم…، وأنه آن الأوان للجميع أن يتحملوا مسؤولياتهم.

    المصدر: الجزيرة نت، الدوحة، 27/7/2017

  • مقال: المقاومة الفلسطينية من النكبة إلى انطلاقة فتح: عملية الباص ”معاليه أكربيم“ …

    بقلم: أ. د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    تعد عملية الباص (معاليه أكربيم أو ممر العقرب) من أكبر عمليات المقاومة الفلسطينية، من ناحية الخسائر البشرية، التي يعترف بها الإسرائيليون في خمسينيات القرن العشرين. وهي عملية لم تلحظها الكثير من كتابات الباحثين والمؤرخين لقضية فلسطين، كما لم تشر إليها معظم أدبيات المقاومة الفلسطينية المعاصرة.

    وتتحدث الوثائق البريطانية بالتفصيل حول هذه العملية التي وقعت على بُعد 50 كيلومتراً جنوب شرقي بير السبع (على مسافة 20-30 كيلومتراً من الحدود الأردنية) بتاريخ 17 آذار/ مارس 1954[1]، حيث قامت مجموعة من رجال المقاومة بمهاجمة باص إسرائيلي قادم من إيلات (أم الرشراش) باتجاه بئر السبع، فقتلت 11 إسرائيلياً وجرحت ثلاثة آخرين. وتسبب الحادث بموجة غضب واسعة في الكيان الصهيوني.

    وقد حمَّل الإسرائيليون السلطات الأردنية المسؤولية عن الحادث، حيث قادت آثار المهاجمين إلى الحدود الأردنية. غير أن السلطات الأردنية رفضت هذه الاتهامات، وتعاونت بشكل كامل مع لجنة الهدنة المشتركة، وزودتها بأفضل خبرائها للوصول للمتهمين. ولم تتهم لجنة الهدنة الأردنيين، ولكنها على العكس، عبَّرت عن تقديرها لتعاونهم. غير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي موشيه شاريت رأى أن هذه العملية قد أُعدَّت ونُفذت بدقة، وأَصرَّ على ضرورة تحمُّل الأردن المسؤولية. وادعى الإسرائيليون أن المهاجمين مُدرّبين عسكرياً بشكل جيد، وأنهم حسب التعبير الإسرائيلي ليسوا "عصابة قتلة" من البدو، وليسوا كذلك مدفوعين للعمل من المفتي الحاج أمين الحسيني. وقدم الإسرائيليون أسماء ثلاثة من البدو، هم محمد القصقاص، وسليمان السعيدي، وصراص (Saras) أبو كريشان، وينتمون إلى قبيلة السعيديين، وقالوا إنهم قدموا من منطقة الصافي جنوبي البحر الميت. (ملاحظة: الأسماء الثلاثة مكتوبة بالأحرف الإنجليزية، ولم يتم التأكد تماماً من دقة الكتابة بالأحرف العربية، لعدم وجود مصادر عربية مقابلة).

    سعى جلوب باشا قائد الجيش الأردني للدفاع بقوة عن الموقف الأردني؛ وأرسل عدة تقارير للخارجية البريطانية في لندن. وذكر أنه بناء على التحقيقات المكثفة التي قام بها ومساعدوه، وصل إلى نتيجة أن العملية تمّ تنفيذها على يد مجموعة بدوية منظمة. وكان أحد أبرز الاحتمالات التي ركز عليها هي أن المهاجمين جاؤوا من الجانب المصري (إما من قطاع غزة أو من سيناء)، وأن "العصابة" مركزها "القصيمة"، وأنها موجهة من الحاج أمين الحسيني، مع غض السلطات المصرية النظر عنها.

    بعد عدة أشهر، وتحديداً في تشرين الأول/ أكتوبر 1954، تلقى البريطانيون تقريراً يشير إلى أن "شخصية قيادية في جماعة الإخوان المسلمين، بالاشتراك مع قليل من ضباط الجيش المصري من الإخوان، ممن يعسكرون في غزة؛ قاموا بإعداد الخطط لمهاجمة الباص الإسرائيلي، على خط مساره الروتيني في النقب، وأنهم رتَّبوا مع بعض أفراد البدو من قبيلة العزازمة بمنطقة بير السبع تنفيذ خطة الهجوم".

    فإذا ما وضعنا في أذهاننا، ما أشرنا له سابقاً من أن كامل الشريف اتخذ من القصيمة مركزاً للتدريب العسكري، وأنه كان يقوم بتسليح العزازمة، بالإضافة إلى دور عدد من ضباط الإخوان مثل عبد المنعم عبد الرؤوف، ومن يتعاون معهم من الضباط الأحرار، فإننا يمكن أن نستنتج أن هذا التقرير البريطاني قريب للحقيقة؛ وأن احتمال أن العملية تمّ تنفيذها بإشراف الإخوان هو احتمال كبير.

    عندما التقى كاتب هذه السطور مع كامل الشريف بعد 52 عاماً من العملية (عمَّان، 3 آب/ أغسطس 2006)، لم يتذكرها الشريف على وجه الدقة، لكنه لم ينفِ احتمال أن تكون من تنفيذ بدو تحت إشرافه. أما هاشم عزام (وهو من الإخوان المسلمين الفلسطينيين، منذ سنة 1952، من مخيم عقبة جبر في الضفة الغربية، ومن رواد حركة فتح في الضفة الغربية) فيرى في مقابلة مع الكاتب (عمَّان، 14 آب/ أغسطس 1998) أن هذه العملية تمت بإشراف الإخوان؛ ويضيف "لقد أُخبرت أن اثنين نفذا هذه العملية... وكلاهما مسلمَيْن ملتزمَيْن؛ وكانا يقولان إنهما كانا مع أبي جهاد وكامل الشريف".

    من جهة أخرى، يذكر المؤرخ الإسرائيلي بني موريس في كتبه "حروب إسرائيل الحدودية"، أنه قد ورد إلى المخابرات الإسرائيلية تقرير من صحفي باكستاني، قامت بتجنيده عميلاً لها؛ حيث قدم معلومات بعد أن ذهب إلى غزة في نيسان/ أبريل 1954، بأن العملية تمّ إعدادها وتنفيذها عبر مسؤولين عسكريين مصريين في القطاع بالاستعانة بالفلسطينيين، وأن الأمر تمّ باجتهادهم ولم يصدر أمر بها من القاهرة.

    وليس من الواضح إن كانت السلطات الإسرائيلية أخذت تقرير عميلها مأخذ الجد؛ غير أنها بعد أكثر من سنتين ونصف، وفي أثناء الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة ظهر مؤشر أن العملية نُفّذت من جهة القطاع ومصر. فحسب جريدة جيروزاليم بوست في 7 كانون الأول/ ديسمبر 1956، وُجدت بطاقات الهوية لبعض من قتلوا من اليهود في العملية؛ في أيدي سكان من رفح. وأصبح من الواضح أن المنفذين جاؤوا من منطقة النفوذ المصري.

    * ملاحظة: هذا المقال مستخلص من دراسة سيتم نشرها للكاتب.

    _________

    [1] يتحدث عدد من ملفات الخارجية البريطانية المحفوظة في الأرشيف الوطني البريطاني عن هذه العملية، وأهمها ملفFO371/111077 الذي يحوي نحو 200 صفحة. وكذلك ملفاتFO371/111098، وFO733/111099، وFO733/111100، وFO371/111101.

    المصدر: موقع عربي21، 28/2/2020

  • مقال: فزاعة الانقسام الفلسطيني … أ. د. محسن صالح

مجموعة التفكير الإستراتيجي

مؤسسة نفع عام مستقلة وغير ربحية مسجلة بتركيا، رائدة وشريك دولي في التفكير الاستراتيجي، تعمل على تطوير مستوى الوعي والتفكير الاستراتيجي في المنطقة العربية والإسلامية

المزيد

القائمة البريدية

تقوم المجموعة باصدار مجموعة من النشرات البريدية بشكل دوري. لتصلك أحدث اصدارتنا ونشراتنا البريدية قم بالتسجيل معنا
جميع الحقوق محفوظة مجموعة التفكير الاستراتيجي © 2025.تم التصميم والتطوير بواسطة List.Istanbul.