• التقدير الاستراتيجي (103): مستقبل فلسطينيي سورية

    تقدير استراتيجي (103) – أيلول/ سبتمبر 2017.

    ملخص:

    سمحت الوضعية القانونية للفلسطينيين في سورية بممارسة وطنية شكلت الشخصية السياسية لهم من خلال تطور دورهم الريادي في مراحل النضال الفلسطيني المختلفة.

    لقد انقسم فلسطينيو سورية بوتيرة مشابهة لحال المجتمع السوري في اصطفافهم السياسي خلال الحرب الدائرة هناك، ووثقت التقارير الحقوقية حالة قتل واعتقال وتهجير مشابهة تقريباً للحالة السورية بالعموم.

    بعد ستة أعوام فإن سؤال المستقبل ما يزال يلقي بظلال ثقيلة وغامضة على وضع فلسطينيي سورية، خصوصاً مع تركز أكثر من ثلاثة أرباعهم في العاصمة دمشق التي تضاعف عدد سكانها من 4.4 ملايين في 2010 إلى 8 ملايين في 2016، وشهدت تحولات ديموجرافية نوعية. وهو ما يضعنا أمام ثلاث سيناريوهات محتملة، وهي:  السيناريو الأول: إعادة توزيع الفلسطينيين في سورية على قاعدة ”فلسطينيون أقل في العاصمة وأكثر في الأطراف“. السيناريو الثاني هو عودة وضع الفلسطينيين لما سبق سنة 2011. وأما السيناريو الثالث فهو تهجير الفلسطينيين من سورية إلى خارج البلاد. وعلى ما يبدو وفق المعطيات المتوفرة فإن السيناريو الأول هو الأكثر ترجيحاً.

    أولاً: الفلسطينيون في سورية قبل الأزمة:

    يعتقد كثير من المراقبين لأحوال اللاجئين الفلسطينيين في المنطقة أن أوضاع فلسطينيي سورية كانت الأوضاع الأفضل نسبياً من الناحية القانونية والسياسية والاجتماعية. فالمقارنة مع أوضاع اللاجئين في الدول المجاورة وخصوصاً لبنان، تُظهر فارقاً واضحاً لصالح الوضع القانوني الذي يتمتع به اللاجئ الفلسطيني في سورية. ففي سنة 1956 صدر القانون 260 الذي عدَّ اللاجئ الفلسطيني في سورية مساوياً للمواطن السوري في كافة الحقوق والواجبات ما عدا حقَي الترشح والانتخاب. وعُدَّ هذا القانون معياراً في السنوات اللاحقة لكثير من القوانين الصادرة عن الحكومات السورية المتعاقبة. وبالرغم من التفريق بين شرائح متنوعة من اللاجئين الفلسطينيين داخل سورية على قاعدة تاريخ اللجوء إلى البلاد، فقد بقي أكثر من 85% من فلسطينيي سورية مشمولين بوضع قانوني معادل للمواطن السوري في أغلب الحقوق والواجبات على أساس القانون 260.

    بقي المكون الفلسطيني في سورية يحمل طبيعة سياسية داخل البلاد بحكم الموقع الجيو-سياسي لسورية من جهة. وبحكم طبيعة النظام السياسي الذي حكم البلاد غالبية العقود الماضية منذ سنة 1963 حتى اليوم؛ فقد قامت الأسس المعيارية لنظام البعث في سورية على تبني موقف سياسي يجعل من القضية الفلسطينية في قلب خطابه وتحركاته كأحد أهم مكتسبات الشرعية السياسية داخلياً وعلى مستوى الإقليم. وهو ما جعل البيئة الوطنية بالنسبة للفلسطينيين في مخيماتهم تحظى بما هو أكثر من المسموح به على مستوى البلاد، فأسهم ذلك في بناء الشخصية الوطنية لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سورية، الذين طوروا دورهم في مختلف مراحل النضال الفلسطيني كطليعة استقطبت مستوى عالٍ للعمل الفلسطيني الفصائلي والشعبي والسياسي العام.

    ثانياً: الفلسطينيون في بدايات الأزمة السورية:

    ألقت حالة الاندماج المجتمعي بين الفلسطينيين والسوريين ظلالها على كل مفاصل الحياة العامة. ويبدو أنها كانت استحقاقاً لا مفر منه مع اندلاع الأحداث في الشارع السوري سنة 2011. فقد عاش الفلسطينيون في سورية في ترقبٍ قلقٍ من تطور أحداث الشارع السوري خلال الأشهر الأولى للأزمة في 2011، خصوصاً مع تعمد بعض الأطراف الرسمية الزجّ بالفلسطينيين في الأحداث في درعا واللاذقية، كمحاولة بدت لتطويق الاحتجاجات في الأحياء السورية، والإيحاء إعلامياً أنها ذات هوية غير محلية، كما حدث في التقارير الإعلامية للصحافة الرسمية وشبه الرسمية حول أحداث درعا في 21 آذار/ مارس 2011، وفي المؤتمر الصحفي لمستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان حول أحداث اللاذقية في 26 من الشهر نفسه. ومع امتداد الاحتجاجات السورية على مستوى البلاد ووصولها إلى مناطق بعيدة عن مركز الوجود الفلسطيني في العاصمة والمدن الرئيسية، بات رهان البعض على تصدير الأزمة إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين غير ذي جدوى، فتعاملت السلطات مع الواقع كما هو، وقامت بمحاولة تحييد المخيمات خلال المرحلة التالية. فقد اجتاحت قوات النظام السورية مدينة درعا في شهر نيسان/ أبريل 2011 ودخلت كافة أحياء المدينة، باستثناء مخيم درعا، الذي اضطلع بدور إغاثي مشهود في الأشهر التي تلت احتلال المدينة وعسكرتها. تكرر الأمر في مخيم اللاذقية الذي تمّ تهجير سكانه في آب/ أغسطس 2011 خلال قصف حي السكنتوري السوري المتاخم للمخيم، والذي قاد أول احتجاجات شعبية في المدينة، ولم يتم استهداف المخيم لذاته حينها، وإنما دفع المخيم فاتورة الجغرافيا.

    ثالثاً: دخول الفلسطينيين إلى قلب الأزمة والآثار الحالية:

    على الرغم من دخول عدد من النشطاء الفلسطينيين مبكراً على خطّ الثورة السورية، خصوصاً في مخيمي درعا واليرموك، إلا أن الانخراط الفعلي للمخيمات الفلسطينية في الأحداث لم يبدأ قبل شهر تموز/ يوليو 2012، بعد حادثة إعدام 14 جندياً من مجندي جيش التحرير الفلسطيني في منطقة إدلب، الحادثة التي خضعت لجدل كبير حول هوية الفاعل بين اتهام النظام بافتعالها أو المعارضة بارتكابها. ومع دخول دمشق، حيث يسكن ثلاثة أرباع الفلسطينيين في سورية، قلب الاضطرابات بعد تفجير مبنى الأمن القومي في حي الروضة في 18 تموز/ يوليو 2012، كانت المخيمات الفلسطينية في العاصمة تدخل مرحلة دموية قاسية.

    بدأ دخول المخيمات الفلسطينية إلى الأحداث بطابع إغاثي إنساني، حين هَجَر سكان الأحياء الدمشقية، خصوصاً الميدان والزاهرة، مساكنهم نتيجة الحملة العسكرية المكثفة هناك. ونزح إلى مخيم اليرموك وحده خلال تلك الفترة قرابة 250 ألف نازح سوري. وهي الفترة التي بدأ فيها الجدل حول تشكل قوة فلسطينية موالية للنظام بالظهور إلى السطح، حيث نفذت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة مشروع اللجان الشعبية المسلحة، بالتنسيق مع السلطات وبعض الفصائل الفلسطينية الأخرى داخل مخيم اليرموك في مرحلة شديدة التوتر، أدت إلى انهيار الأوضاع الأمنية كلياً مع نهاية سنة 2012، حين دخلت كتائب المعارضة المسلحة مخيم اليرموك، وترافق ذلك مع نزوح أهلي كبير لسكان المخيم خوفاً من القصف والأعمال الحربية المتوقعة.

    خلال هذه المرحلة، كانت الأوضاع الميدانية في العاصمة تتدهور بشكل دراماتيكي، فقد دخلت المعارضة المسلحة أكبر مخيمين بعد اليرموك في دمشق وهما الحسينية والسبينة الذي يبلغ تعداد الفلسطينيين فيهما مجتمعين قرابة 90 ألفاً. وأدى هذا إلى تهجير كبير للسكان. وبفعل الأعمال العسكرية اللاحقة فقد استعاد النظام في أواخر سنة 2013 المخيمَين، لكنه منع الأهالي من العودة إلا بشكل محدود، اعتباراً من النصف الثاني من سنة 2016.

    رابعاً: فلسطينيو العاصمة:

    وقع مخيم اليرموك الذي كان يبلغ تعداد سكانه من الفلسطينيين نحو 220 ألفاً تحت ظروف مأساوية، شهد فيها حصاراً أودى بحياة 196 جوعاً ومرضاً. وعبر المراحل المختلفة لم يتبقَ في مخيم اليرموك إلا قرابة ثلاثة آلاف نسمة فقط.

    إن القراءة العامة لأوضاع الفلسطينيين في سورية يمكن التقاطها من خلال الوجود الفلسطيني في العاصمة دمشق التي كانت حتى قبيل الأزمة موطناً لنحو ثلاثة أرباع فلسطينيي سورية أو يزيد. وعلى الرغم من حضور مخيمات درعا والرمل وحندرات بقوة في مشهد الأزمة، إلا أن التعداد العام لسكان هذه المخيمات يجعل القراءة من خلالها مسألة جزئية بالرغم من أهميتها.

    فبالنظر إلى المخيمات الكبرى في دمشق يمكن ملاحظة التراجع الحاد في التعداد السكاني الفلسطيني كما يلي:

    مخيم اليرموك من 220 ألفاً بقي داخله نحو 3 آلاف فقط.

    مخيم الحسينية من 65 ألفاً، سُمح لنحو 30 ألفاً بالعودة حتى اليوم.

    مخيم السبينة من نحو 33 ألفاً، سُمح لـ 3 آلاف فقط بالعودة حتى اليوم، ويتوقع أن يسمح لألفين آخرين. كما أن السماح بالعودة تتم فقط للقسم الجنوبي من المخيم الذي يقترب من الريف الحوراني، وما يزال سكان القسم الشمالي المتصل بأحياء القدم والعسالي القريبة من مركز العاصمة محظرواً عليهم العودة.

    لا بدّ من ملاحظة أن أكثر من نصف الفلسطينيين في سورية يسكنون هذه المخيمات الثلاث (بحدود 310 آلاف)، والباقي يتوزع على عشرة مخيمات أخرى، والأحياء والمدن السورية خارج المخيمات.

    لقد وصل الوضع الميداني في مخيم اليرموك حيث باتت كل الفصائل المسلحة داخل المخيم بما فيها تنظيم داعش الذي يطلق على نفسه تنظيم الدولة الإسلامية، على استعداد لتوقيع أيّ تسوية للخروج الآمن من المخيم، ولكن كل هذه الاتفاقيات فشلت في التوصل إلى صيغة نهائية، حتى اليوم، دون وجود أسباب جوهرية لذلك. وهذا يضع مستقبل مخيم اليرموك تحديداً (الأقرب لقلب العاصمة؛ ستة كيلومترات) أمام سؤال كبير. وبالرغم من أن مخيم خان الشيح شهد تطورات مأساوية، إلا أن سيطرة سلطات النظام عليه في أواخر سنة 2016 بعد التسوية التي أبرمت مع الجماعات المسلحة والإغاثية داخل المخيم لم تدفع بالمخيم إلى مصير مشابه لمخيمات اليرموك والحسينية أو السبينة، حيث عاد حتى اليوم قرابة نصف سكان المخيم، ورُفعت القيود تقريباً عن النازحين من سكانه في المناطق المجاورة. إن الفارق الجوهري الوحيد بين وضع مخيم خان الشيح ومخيمات جنوب العاصمة (اليرموك، والسبينة، والحسينية) هو موقعه الجغرافي الطرفي، حيث يقع على بعد 25 كم جنوب غرب العاصمة.

    خامساً: سيناريوهات المستقبل لفلسطينيي سورية:

    الأمر الأهم في تصوراتنا للاحتمالات المستقبلية هو التغيرات الجوهرية التي طرأت على البنية الديموجرافية في مدينة دمشق، حيث يسكن نحو ثلاث أرباع اللاجئين الفلسطينيين، ثلثاهم في المخيمات الثلاث (اليرموك، والحسينية، والسبينة) التي يفرض النظام قيوداً صارمة على عودة أهاليها.
    بناءً على ما سبق فإن الاحتمالات قد تنحصر في ثلاثة سيناريوهات:

    السيناريو الأول: إعادة توزيع الفلسطينيين في سورية على قاعدة ”فلسطينيون أقل في العاصمة وأكثر في الأطراف“:

    وهذا يلبي التطلعات الأمنية للسلطات التي تبدو في دمشق قائمة على أساس وقائع التحولات الديموجرافية التي خلفتها الحرب.

    لقد شهدت العاصمة دمشق هجرات واسعة بالاتجاهين، إلى خارج وإلى داخل المدينة، إلا أن عدد سكانها تضاعف تقريباً منذ بداية الأزمة حتى اليوم. ففي سنة 2010 قدر الإحصاء الرسمي للمدينة عدد سكانها بـ 4.4 مليون نسمة، وفي سنة 2016 تضاعف هذا العدد ليصبح 8 ملايين نسمة وفق تأكيدات عضو مجلس محافظة دمشق حسام البيش، وهذا بالرغم من حالة التهجير التي حدثت لسكان المدينة خلال سنوات الحرب (بلغت تقديرات اللاجئين السوريين كافة خارج البلاد 6 ملايين، أي ربع السكان). هذه الزيادة الهائلة في تعداد سكان العاصمة تعني بالضرورة أزمة سكن خانقة (كانت العاصمة تعاني منها قبل الأزمة). وهي أزمة تتناقض بشكل مباشر مع سلوك النظام تجاه مخيمات فلسطينية كبرى في العاصمة ما تزال مساكنها خالية في أجزاء كبيرة منها، على الرغم من الهدوء التام فيها منذ سنة 2013.

    إن المخيمات ذات الكثافة السكانية العالية والقريبة من مركز العاصمة والتي تعرضت لتطورات ميدانية خلال فترة الأزمة، قد لا يكون بالإمكان إعادتها كما كانت عليه قبل سنة 2011. وعليه فإن السلوك الحالي للسلطات تجاه هذه المخيمات ومنع أيّ تسويات فيها تسمح بعودة طبيعية للسكان خصوصاً في مخيم اليرموك، قد يعني مشروع إعادة توزيع الفلسطينيين داخل العاصمة بما يخدم الاحتياجات الأمنية للنظام. يقترب هذا الاحتمال مع تسريبات ما تزال تحتاج إلى تأكيد حول مشروع ناقشته محافظة دمشق حول إعادة تخطيط منطقة جنوب العاصمة (جنوب المتحلق الجنوبي) من المنطقة الممتدة من داريا حتى طريق المطار الدولي، وهي منطقة تقع فيها كبرى مخيمات العاصمة التي تعاني من عدم السماح للأهالي بالعودة الطبيعية (اليرموك، والحسينية، والسبينة). إذ تقول التسريبات أن المشروع يهدف لتأمين جنوب العاصمة، الذي كان البوابة الأوسع للاضطرابات العسكرية خلال الأزمة، من خلال إعادتها عمرانياً.

    السيناريو الثاني: عودة وضع الفلسطينيين لما سبق سنة 2011:

    وهو سيناريو يرى أن قدرة النظام على الصمود ارتكزت أساساً على قدرته على اجتراح جدلية قائمة على تفسير أو تبرير، أحياناً، سلوكه القمعي ارتكازاً على موقفه السياسي الذي يطرح القضية الفلسطينية في صلب خطابه العام.

    على الرغم مما يحمله هذا الطرح من موضوعية في تفسير المآلات التي وصل إليها الوضع السوري، إلا أنه يفسر جزءاً يسيراً من النتيجة التي ربما نجحت في صناعة حكاية متداولة في مستوى القاعدة الشعبية المؤيدة للنظام السوري لا أكثر. ويبقى شكل التحالفات والتحولات الإقليمية وتداعيات الثورة المضادة بعد الربيع العربي وحجم إمكاناتها إطاراً تفسيرياً أوسع مما يمكن اختزاله في الحالة الفلسطينية. خصوصاً بالنظر لما تعرض له الفلسطينيون في سورية حيث وثّقت المؤسسات الحقوقية 3,580 قتيلاً فلسطينياً، تتحمل السلطات مسؤولية وفاة ثلاثة أرباعهم تقريباً، فيما ما يزال ملف أكثر من 1,600 معتقل فلسطيني مجهولاً لديها. ولو نظرنا في بعض التحولات القانونية التي شهدتها المرحلة الماضية، مثل استثناء الفلسطينيين من إعلان توظيف قدمته وزارة التربية في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2012، واستثناء الفلسطينيين من الاستفادة من مرسوم الابتعاث العلمي لسنة 2013 كما كان معمولاً به في السابق، فإن كل هذا قد يعني استعداداً حكومياً كبيراً لاتخاذ إجراءات تعسفية بحق الفلسطينيين لإعادة إنتاج وضعيتهم القانونية، كأقلية تحتاج حماية السلطة في أي منعطف.

    السيناريو الثالث: تهجير الفلسطينيين من سورية إلى خارج البلاد:

    على الرغم من التداول المستمر لهذا السيناريو بشكل شعبوي، وبروز مؤشرات ما في اتجاهه، إلا أن الوقائع بعد ستة أعوام من الحرب لا تكفي للركون لهذا الاحتمال. فبالرغم من الحقيقة التي تقول إن الصراع السوري بات ملفاً إقليمياً ودولياً، ومن الصعب الوصول إلى حلّ كامل بدون نقاش كافة المسائل المرتبطة بوجود الكيان السياسي لنظام سورية المرتبط بفكرة ”القضية الفلسطينية“ وبالتالي قضية اللاجئين الفلسطينيين كجوهر للصراع، فالواقع ما يزال يشير إلى وجود أكثر من 400 ألف فلسطيني داخل سورية. والعدد المهجّر خارج البلاد من فلسطينيي سورية البالغ تقديراً 175 ألفاً يقترب من نسبة المهجرين السوريين التي تبلغ ربع التعداد العام للسكان، وهو مؤشر إلى أن عملية التهجير نتجت عن إجراءات واحدة تخص كل السكان في البلاد. أضف لكل ذلك أن فكرة ”القضية الفلسطينية“ في خطاب النظام شكلت مستنداً لا بدّ من الإقرار بثبوته لدى شريحة ليست قليلة، ولن يتم التخلي عنه إذا أثبت نجاعته.

    وعليه، فإن السيناريوهات المحتملة خلال المرحلة المقبلة قد ترجح السيناريو الأول على قاعدة ”فلسطينيون أقل في العاصمة وأكثر في الأطراف“. وهو سيناريو قد يعطي تفسيراً لتباين التعامل العام للسلطات في إعادة المهجّرين الفلسطينيين إلى مخيماتهم المختلفة بعد استقرار وضعها، إذ يُظهر الرصد تساهلاً في السماح بالعودة إلى المخيمات الطرفية مثل خان الشيح في العاصمة، ومخيمات حمص، وحماة، واللاذقية خارج العاصمة. فيما يبدو التشدد واضحاً في مخيمات الخط الجنوبي من العاصمة والتي تقترب من مركز دمشق أكثر من غيرها مثل اليرموك، والحسينية، والسبينة. وبالنظر إلى ما يتردد حول مشروع ”سورية المفيدة“، فإن ”الفلسطيني المفيد“ هو جزء من هذه الرؤية إن صدقت، وستضع الاعتبار الأمني لوجوده من عدمه معياراً للسلوك العام للسلطات في هذا الملف.

    سادساً: توصيات ومقترحات:

    1. التأكيد دوماً على ضرورة الالتزام بالقانون 260 لسنة 1956 وعدم المساس به في أي تطور لوضع الفلسطينيين في سورية.

    2. مع تآكل السيادة الوطنية للدولة السورية، فإن أي تطور على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سورية ينبغي ألا يكون مسألة سوريّة داخلية، بل لا بدّ من إشراك الفلسطينيين (كافة مستوياتهم) في بلورة مستقبل مخيماتهم في سورية.

    3. في ظلّ الانسجام الطارئ بين موقف منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية مع النظام السوري، فإن التوافق الفلسطيني – السوري الرسمي قد يبدو متاحاً تجاه أي رؤية مستقبلية. وهذا يطرح مخاطر الاتفاق على شكل يخدم التسوية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي كانت وما زالت تصطدم بعقبة اللاجئين، خصوصاً كتلة الفلسطينيين في سورية، بحكم الدور والموقف ضدّ التسوية خلال الفترة الماضية. هذا لا بدّ أن يستدعي دوراً للمستويات غير الحكومية فلسطينياً في تقرير أي تطور محتمل.

    4. ضرورة أن تولي الجهات الفلسطينية الفاعلة (فصائل ومؤسسات) أولوية لوضع ومستقبل فلسطينيي سورية، والتأكيد على نقطة الحياد التام كمحطة انطلاق في أي نقاش حول المسألة مع الجهات ذات الصلة.

    * يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ طارق حمود بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.


     

    لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

    >> التقدير الاستراتيجي (103): مستقبل فلسطينيي سورية Word (10 صفحات، 94 KB)

    >> التقدير الاستراتيجي (103): مستقبل فلسطينيي سورية  (10 صفحات، 559 KB)

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 29/9/2017

  • التقدير الاستراتيجي (97): مخيم عين الحلوة … إلى أين؟

    تقدير استراتيجي (97) – آذار/ مارس 2017. 

    ملخص:

    اندلعت جولة جديدة من الاشتباكات في مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان أواخر شهر شباط/ فبراير 2017، أسفرت عن مقتل شخصين وجرح ما يزيد عن عشرة وتخريب في الممتلكات.

    وجاءت هذه الجولة من العنف إثر انسحاب فصائل منظمة التحرير الفلسطينية من اللجنة الأمنية العليا والقوة الأمنية المشتركة. ووقع الاشتباك بين مجموعات من حركة فتح ومجموعات إسلامية لكنها لم تؤد إلى نتائج حاسمة لأي من الطرفين.

    ترتبط الأزمة في مخيم عين الحلوة بالأوضاع السياسية المحلية والإقليمية، وخصوصية قضية حقّ العودة وموقع المخيم في جنوب لبنان. كما ترتبط بالصراعات القديمة الدائمة بين حركة فتح ومجموعات إسلامية، ووجود مطلوبين فلسطينيين ولبنانيين داخل المخيم، والأوضاع الإنسانية الصعبة، والاهتمام الدولي بمكافحة الإرهاب. وبذلت جهود كثيرة لوقف العنف كانت تنجح أحياناً وتفشل أحياناً. وهناك عدة سيناريوهات للأزمة أهمها سيطرة الجيش اللبناني بالكامل على المخيم، أو سيطرة قوة فلسطينية مشتركة. لكن أمام التعقيدات السياسية والأمنية المحلية والإقليمية، من المرجح بقاء الأزمة وأن يراوح الوضع بين التوتر والهدوء، مع رغبة أهم الأطراف الفاعلة في محاصرة النيران، تحت سقف “المبادرة” التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية سنة 2014 لحماية المخيمات.

    مقدمة:

    تجددت الاشتباكات في مخيم عين الحلوة أواخر شهر شباط/ فبراير 2017، وشهد المخيم جولة جديدة من الصراع المسلح هي الأعنف ربما منذ فترة طويلة، وسقط فيها قتيلان، هما الفتى ماهر دهشة (16 عاماً) وأحمد خليل (أبو عائشة)، وأصيب عدد بجروح، ووقعت خسائر مادية كبيرة في المباني السكنية، والمحلات التجارية، والسيارات، وأنابيب المياه، والكهرباء وأدت إلى توقف المدارس والمراكز الصحية، خصوصاً أعمال وكالة الأونروا الدولية. لكن الخسارة الأكبر كانت على المستويات السياسية والأمنية بين الفلسطينيين أنفسهم، أو بين الفلسطينيين واللبنانيين، إذ أضربت مدينة صيدا احتجاجاً على الاقتتال بين الفلسطينيين، الذي وصلت شظاياه من الرصاص والقذائف الصاروخية إلى المدينة.

    الموقع والمحطات:

    يقع مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين شرق مدينة صيدا، في محور بين مناطق لبنانية سنية وشيعية ومسيحية، على الأوتوستراد المؤدي إلى جنوب لبنان، ترتاده القوات الدولية المنتشرة في لبنان منذ سنة 1978، وعلى مقربة من الاكتشافات البترولية في البحر المتوسط.

    يضم المخيم مع الأحياء المجاورة قرابة 70 ألف نسمة، وشهد في الماضي أحداثاً كثيرة أهمها الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 والمعارك بين الفلسطينيين وأحزاب لبنانية، ثم شهد صراعاً مسلحاً بين جماعة فتح عرفات والمجلس الثوري (أبو نضال). وفي أعقاب اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب في لبنان سنة 1989 تمّ تسليم الأسلحة الثقيلة من داخل المخيم إلى الجيش اللبناني.

    ويُتَّهم أفراد من المخيم بأعمال تفجير داخل مناطق لبنانية، وبقتل أربعة من القضاة في صيدا سنة 1999، وبإيواء عناصر “إرهابية” من خارج لبنان (تابعة للقاعدة)، وشاركت عناصر فلسطينية من المخيم في المعارك في العراق وسورية. وحين توقفت الحرب الداخلية في لبنان سنة 1990، هدأت الأحداث في مخيم عين الحلوة، وعاش المخيم مثل باقي المناطق اللبنانية فترة من الهدوء إلى سنة 1997، حين عادت أعمال الاشتباكات والتفجير، وضرب الجيش اللبناني طوقاً على المخيم وظلت الأمور متوترة إلى وقتنا هذا.

    عوامل أساسية:

    هناك مجموعة من العوامل التي تلعب دوراً أساسياً في أزمة مخيم عين الحلوة أهمها:

    1. البعد السياسي:

    مخيم عين الحلوة هو من أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان ودول اللجوء، وهذا له علاقة مباشرة بقضية عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وديارهم الأصلية، ومرتبط بمفاوضات التسوية السياسية للقضية الفلسطينية ومصير اللاجئين الفلسطينيين. فالأحداث الأمنية في مخيم عين الحلوة انطلقت سنة 1997، بعد هدوء دام سنوات، وذلك بعد مؤتمر مدريد للسلام سنة 1991، واتفاق أوسلو سنة 1993، وتأسيس السلطة الفلسطينية سنة 1994، وبروز توجه دولي وإقليمي لتصفية القضية الفلسطينية وإسقاط حقّ العودة وفرض التوطين في لبنان.

    2. البعد الأمني:

    من الملاحظ أن هناك جهات دولية وإقليمية ومحلية أرادت أن يبقى مخيم عين الحلوة مساحة لتصفية الحسابات، وصندوقاً لتبادل الرسائل، ومكاناً تأوي إليه العناصر المطلوبة. إذ ليس من المنطق أن تشهد جميع الأراضي اللبنانية هدوءاً أمنياً لا مثيل له من سنة 1990 إلى سنة 2005 عندما تمَّ اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري، ويبقى مخيم عين الحلوة وحده يعيش توترات أمنية من عمليات تفجير واغتيال في بقعة لا تزيد عن 2 كم2.

    3. البعد اللبناني:

    رفض الدولة اللبنانية بسط سلطتها الأمنية على مخيم عين الحلوة وباقي المخيمات الأخرى، فالدولة اللبنانية ترفض إدخال الجيش اللبناني إلى داخل المخيمات مع العلم أنها تحتفظ بوجود قوي في محيطها خصوصاً عين الحلوة. وهذا يترك المخيم في فوضى أمنية ويعزز الخلاف مع الجهات الرسمية في لبنان، ويظهر مخيم عين الحلوة أنه منطقة تعيش خارج القانون.

    4. البعد الإنساني والاجتماعي:

    يعاني مخيم عين الحلوة —مثل باقي الوجود الفلسطيني في لبنان— من أزمات اقتصادية وإنسانية واجتماعية، فالسلطة اللبنانية تمنع اللاجئين من العمل والتملك، والتعليم ضعيف، والرعاية الصحية سيئة، والبنية التحتية (ماء، وكهرباء، وصرف صحي) سيئة للغاية، ولا تتوفر في السكن أي مواصفات صحية أو بيئية، حيث يقل عدد الشوارع، ولا توجد ساحات عامة أو أماكن ترفيه أو ممارسة هوايات، وتنتشر الأزقة، وتتراجع فرص التعليم والانضمام للجامعات، وترتفع معدلات الفقر والبطالة والأمية.

    ويوجد في المخيم أكثر من خمسة آلاف مطلوب للدولة اللبنانية بتهم معظمها باطلة أو مضى عليها الزمن، ويفرض الجيش اللبناني طوقاً أمنياً قاسياً حول المخيمات، ويفتش الداخلين والخارجين ويحصر الدخول والخروج بمناطق محددة، ويقيم سواتر ودشم وحواجز في محيط المخيم، ويمنع الإعمار، وهناك قيود على عمل وتحرك وكالة الأونروا الدولية.

    عناصر مؤثرة:

    هناك مجموعة من العناصر تؤثر في الصراع في مخيم عين الحلوة:

    1. غياب المرجعية السياسية والعسكرية والأمنية الفلسطينية الواحدة القادرة على فرض الأمن، فهناك حالة من الصراع بين الفصائل الفلسطينية، وبين  حركة فتح والمجموعات الإسلامية بسبب محاولات فتح ضرب هذه الجماعات.

    2. عدم وجود اهتمام رسمي لبناني بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين عموماً وأوضاع المخيم، مثل تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ووقف  الإجراءات الأمنية، وإنهاء هذه الأزمة من خلال قرارات سياسية وأمنية وتنموية فاعلة.

    3. وجود فكر متشدد داخل مخيم عين الحلوة، له ارتباطات خارج المخيم، ويتأثر بأحداث المنطقة وصراعاتها وانقساماتها، ويدخل أحياناً عنصراً  للمشاركة فيها، ويقبل منطق إيواء مطلوبين.

    4. وجود ارتباط وثيق بين مجموعات عاملة في المخيم مع أجهزة أمنية محلية وإقليمية، تتأثر بقراراتها وتنفذ توجهاتها.

    5. دخول عدد من المطلوبين إلى مخيم عين الحلوة، مثل بديع حمادة الذي قتل ثلاثة جنود من الجيش اللبناني سنة 2002، وتمّ تسليمه للسلطات اللبنانية وأعدم؛ وفضل شاكر الذي دخل إلى المخيم بعد أحداث منطقة عبرا سنة 2013، وشادي المولوي الذي دخل إلى المخيم سنة 20144، وتصر الدولة اللبنانية على تسلم هؤلاء في المخيم، في حين لا يوجد أي سبب لبقاء هؤلاء في المخيم، وتعجز الفصائل الفلسطينية عن اعتقالهم، ويحظون بدعم مجموعات داخل المخيم.

    6. اكتشاف النفط في البحر المتوسط قبالة السواحل اللبنانية، ووجود القوات الدولية في جنوب لبنان وخشية القوات الدولية من استخدام مخيم عين الحلوة  ضدها في أعمال عنف، وخشية شركات النفط من السبب نفسه.

    7. إن وجود عدد من المطلوبين الإسلاميين في المخيم يجعل المخيم مرتبطاً بالملف الدولي المسمى “مكافحة الإرهاب”. وهناك محاولات كثيرة  خصوصاً من جهات مرتبطة بالأمن الفلسطيني في رام الله بملاحقة هؤلاء وقتلهم أو اعتقالهم.

    8. رغبة حركة فتح في استعادة نفوذها في المخيم واستعادة السيطرة على جميع أحيائه، بصفته أهم المخيمات وأهم مناطق نفوذها سابقاً. وهنا تدخل في  صراع مع جميع المجموعات التي تتناقض فكرياً وسياسياً واجتماعياً مع حركة فتح، وترفض سياسات وبرامج منظمة التحرير الفلسطينية.

    السيناريوهات المتوقعة:

    أولاً: بسط سيطرة الجيش اللبناني على المخيم:

    وهذا يعني أن يقوم الجيش اللبناني بالحصول على موافقة فلسطينية وإقليمية ودولية بدخول المخيم وبسط سلطته داخله، سواء بالتفاهم أم بالقوة.
    إن هذا السيناريو مستبعد، على الأقل في المستقبل القريب، بسبب غياب الإرادة الداخلية اللبنانية، وصعوبة الحصول على تأييد إقليمي ودولي نظراً لحساسية القضية الفلسطينية ومستقبل ملف اللاجئين وحقّ العودة. فالدولة اللبنانية تخشى مشاريع التوطين، ولا تريد تحمل المسؤولية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية لجميع اللاجئين.

    ثم إن هناك خشية من صدام عسكري لبناني فلسطيني يعيد الحرب بين الطرفين، وهي فكرة مرفوضة، وتكاليفها البشرية عالية وغير مضمونة، وآثارها ليست بسيطة. لذلك سيبقي الجيش اللبناني على إجراءاته الأمنية حول المخيم، ويعمل على معالجة ملف المطلوبين، ويحارب “الإرهاب” وقائياً، ويمنع تمدد الأحداث والاشتباكات، دون أن تتحمل الدولة اللبنانية العبء السياسي والاقتصادي لملف اللاجئين.

    ثانياً: موقف فلسطيني قوي ينهي الأزمة:

    وهذا يعني بروز موقف سياسي فلسطيني قوي يؤدي إلى توافق على إنهاء الصراع بالقوة أو بالتفاهم.

    حاولت جهات فلسطينية وضع حدّ للصراع داخل عين الحلوة، وأطلقت الفصائل الفلسطينية مبادرة موحدة في آذار/ مارس 2014 لمنع العنف، وشكلت لجنة أمنية خاصة من 250 عنصراً في عين الحلوة. لكن ذلك لم يَحلْ دون استمرار العنف، فشهد المخيم أعمال تفجير واغتيال وإطلاق نار، كان أشدها في صيف سنة 2014، كما شهد المخيم عمليات تصفية طالت عناصر محسوبة على “سرايا المقاومة” المتهمة باستهداف إسلاميين.
    وحصلت عمليات اغتيال ومحاولات اغتيال بين عناصر من فتح وعناصر إسلامية.

    وبالرغم من محاولات فلسطينية كثيرة لمنع العنف إلا أنها لم تصل للنجاح المطلوب، وذلك بسبب تعقيدات الأوضاع السياسية والأمنية في عين الحلوة، وتعدد اللاعبين، واتساع نفوذ القوى المؤثرة، واستمرار الخلافات الفلسطينية، وتردد المسؤولين القائمين على اللجنة الأمنية، واتساع الخلاف داخل حركة فتح، ما أدى لانسحابها من اللجنة الأمنية المشتركة في شباط/ فبراير الماضي. ولا يبدو أن هناك قدرة فلسطينية على حسم الأوضاع داخلياً في عين الحلوة، على الرغم من محاولة جهات فلسطينية كثيرة معالجة الصراع المسلح وإنهاء ظاهرة المطلوبين.

    ثالثاً: استمرار الأزمة:

    وهذا يعني بقاء الوضع في مخيم عين الحلوة على ما هو عليه، من انقسامات وصراعات وعنف مسلح. هذا السيناريو هو المرجح في المستقبل القريب، بسبب ارتباط قضية مخيم عين الحلوة بعدد من الملفات السياسية المحلية والإقليمية والدولية، ومستقبل القضية الفلسطينية وحقّ العودة، والصراعات في المنطقة، وملف مكافحة الإرهاب. وبسبب عدم قدرة الفصائل الفلسطينية على حسم الواقع العسكري داخل المخيم وتسليم المطلوبين، وعدم وجود إرادة لبنانية قوية لمعالجة أسباب الأزمة، وتحمل المسؤوليات السياسية والقانونية والاجتماعية، مع بقاء رغبة حركة فتح في السيطرة الكاملة على المخيم ومحاربة الإسلاميين ضمن ملف مكافحة الإرهاب، وخشية الإسلاميين من دور حركة فتح الأمني في ملاحقتهم.

    إن بقاء الأزمة يعني استمرار المعاناة الإنسانية في المخيم والإساءة للقضية الفلسطينية وللوجود الفلسطيني، وهذا يعني وجود برميل من البارود يهدد بالانفجار، وربما يهدد بالإطاحة بالمخيم بالكامل. ويرى الفلسطينيون أنه وبغض النظر عن الإشكالات الأمنية في مخيم عين الحلوة، ومدى خطرها، أن الفلسطينيين نجحوا في تحييد المخيم عن الصراعات الإقليمية والفتن الطائفية والانقسامات المحلية والخارجية، منذ اندلاع أزمات المنطقة والأزمة في سورية، ولم تخرج من مخيم عين الحلوة أي عملية اعتداء خارجه.

    التوصيات:

    1. السعي لتعاون فلسطيني لبناني جاد ومشترك للوصول إلى حلّ جذري للأزمة وإطلاق حوار لبناني فلسطيني مشترك حول جميع نقاط العلاقة  الفلسطينية اللبنانية والتوصل لحلول فاعلة.

    2. فصل ملف مخيم عين الحلوة عن جميع الملفات السياسية وتعقيدات المنطقة.

    3. التعامل مع موضوع المطلوبين بالحكمة والحزم اللازمين، وإيجاد تسويات سياسية وقانونية لمعالجة قضاياهم كلما أمكن ذلك. وتطبيق سياسات تؤكد  على احترام القانون، وعدم تحميل المخيم مسؤوليات خارجة عن طاقته وإمكاناته.

    4. وضع خطة تنموية لعين الحلوة.

    5. تشكيل قوة أمنية فلسطينية مشتركة ضاربة، تضع حداً للعنف وتحفظ النظام في المخيم.

    6. تخفيف الإجراءات الأمنية في محيط عين الحلوة.

    يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ رأفت مرة بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

     

    لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

    >> التقدير الاستراتيجي (97): مخيم عين الحلوة … إلى أين؟ Word (10 صفحات، 87 KB)

    >> التقدير الاستراتيجي (97): مخيم عين الحلوة … إلى أين؟  (10 صفحات، 545 KB)

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 6/3/2017

  • التقدير الاستراتيجي (98): مشروع توطين الفلسطينيين في سيناء.. إلى أين؟

    تقدير استراتيجي (98) – آذار/ مارس 2017. 

    ملخص:

    ظهرت تسريبات إسرائيلية حول انعقاد مؤتمر قمة سرِّي، مصري إسرائيلي أردني، في مدينة العقبة الأردنية، وبمشاركة وزير الخارجية جون كيري، قبل نحو عام في شباط/ فبراير 2016. كما رافقتها تسريبات وشائعات حول عرض قدمه الرئيس المصري السيسي لتوطين الفلسطينيين في أجزاء يتم اقتطاعها من سيناء بين رفح والعريش (نحو 1,600 كم2). وبالرغم من نفي رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو لوجود هذا الاقتراح المصري، إلا أنه أقر بانعقاد مؤتمر العقبة. أما الطرف المصري الذي تجنب الحديث عن المؤتمر، فقد نفى أيضاً وجود هذا الاقتراح.

    غير أن هناك ثمة ما يثير القلق من وجود مخططات إسرائيلية لتوطين الفلسطينيين في سيناء؛ ومن احتمال تعرض النظام المصري لضغوط متزايدة للقبول بها، خصوصاً وأنه يعاني من ضغوط سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة.

    تتلخص السيناريوهات في احتمال قيام الجيش الإسرائيلي بحرب مدمرة على قطاع غزة تؤدي إلى تهجير أعداد منهم إلى سيناء، وثانياً في احتمال أن يحدث قبول مصري عربي بفكرة التوطين بما يوفر التسهيلات والمغريات اللازمة لذلك، وثالثاً في احتمال أن يتمكن الشعب الفلسطيني، وبدعم بيئته العربية والإسلامية، من إفشال مخطط التوطين؛ وهذا هو الاحتمال الأقوى والمرجح.

    أولاً: توطين الفلسطينيين في سيناء بين التأكيد والنفي:

    تناقلت الأنباء في 14/2/2017 أن الوزير الإسرائيلي، بلا حقيبة، وعضو حزب الليكود الحاكم نشر تغريدة على تويتر قال فيها إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد اتفقا على تبني ما وصفها بخطة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإقامة دولة فلسطينية في غزة وسيناء بدلاً من الضفة الغربية، وأنه بذلك يتم تعبيد طريق “السلام الشامل” مع ما وصفه بـ”الائتلاف السنّي”. وجاءت هذه التغريدة قبيل لقاء يجمع نتنياهو بترامب في واشنطن.

    وأعادت هذه التغريدة إلى الأذهان خبراً عن إذاعة الجيش الإسرائيلي جالي تساهال، في 8/9/2014، أن الرئيس المصري السيسي اقترح على الرئيس الفلسطيني محمود عباس إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح على قطاع غزة ونحو 1,600 كم2 من سيناء يتم ضمّها للقطاع. وعلى أبي مازن إذا ما وافق على المقترح أن يتنازل عن المطلب الفلسطيني بدولة فلسطينية على حدود الخامس من حزيران/ يونيو 1967؛ غير أن عباس رفض هذا الاقتراح.

    وصرح أيوب القرا لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أنه ناقش هذا المقترح يوم الأحد 12/2/2017 مع نتنياهو، وأن نتنياهو أبلغه بنفسه أنه سيثير المقترح مع ترامب.

    وبعد بضعة أيام، وتحديداً في 19/2/2017، كشفت صحيفة هآرتس عند انعقاد مؤتمر سرّي في 21/2/2016 في مدينة العقبة في الأردن بمشاركة نتنياهو، وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي، والملك عبد الله ملك الأردن، والرئيس عبد الفتاح السيسي؛ أي قبل نحو عام من تاريخ الخبر. حيث امتنع نتنياهو عن الموافقة على مشروع تسوية قدمه جون كيري يتضمن، حسب هآرتس، اعترافاً بـ”إسرائيل دولة يهودية”، واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين بدعم الدول العربية. غير أن الصحيفة لم تشر إلى مقترح للرئيس السيسي بشأن توطين الفلسطينيين في أجزاء من سيناء وضمها للدولة الفلسطينية المقترحة.

    وبالرغم من أن مصر والأردن لم تؤكدا حدوث مؤتمر العقبة، إلا أن نتنياهو نفسه أكد انعقاده، وأكد المشاركة في قمة مصرية إسرائيلية أردنية، مبرراً حالة الاستهجان من كتمان لقاء رفيع المستوى كهذا مع الرئيس المصري والملك الأردني، بقوله “أفعل الكثير من أجل عملية السلام، لكنني لا أستطيع أن أكشف كل شيء”.

    غير أن نتنياهو نفى تصريحات أيوب قرا بأنه كان ينوي بحث إقامة جزء من الدولة الفلسطينية في سيناء في لقائه مع ترامب.

    وقد كان لافتاً غياب أو تغييب المشاركة الفلسطينية الرسمية عن المؤتمر بالرغم من التزامها بمسار التسوية السلمية؛ وبالرغم من كونها الجهة المعنية أساساً بأي اتفاق متعلق بمستقبل الشعب الفلسطيني.

    وبعد نفي نتنياهو لمشروع توطين الفلسطينيين في سيناء، قام النائب السابق الجنرال أريه إلداد بالتصريح لموقع صحيفة معاريف أن الرئيس المصري السيسي اقترح فعلاً منح الفلسطينيين مساحة في شمال سيناء لإقامة دولتهم.

    أما في مصر فقد أكد المتحدث باسم الرئاسة المصرية السفير علاء يوسف أن “ما تردد مؤخراً عبر وسائل الإعلام بشأن وجود مقترحات لتوطين الأخوة الفلسطينيين في سيناء، هو أمر لم يسبق مناقشته أو طرحه على أي مستوى من جانب أي مسئول عربي أو أجنبي مع الجانب المصري”. وأضاف: “من غير المتصور الخوض في مثل هذه الأطروحات غير الواقعية وغير المقبولة، خاصة وأن أرض سيناء جزء عزيز من الوطن”. كما نفت وزارة الخارجية المصرية ما ذكرته القناة الصهيونية السابعة عن توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء واصفة إياه “بجملة من الأكاذيب”، وفي يوم المعلم نفى الرئيس السيسي هذه التصريحات بقوله “إن أحداً لا يملك أن يفعل ذلك”.

    ومما سبق لا تعكس التقارير والأخبار المتداولة معلومات دقيقة يمكن البناء عليها فيما يتعلق بمشروع لتوطين الفلسطينيين في سيناء ضمن عملية اقتطاع أجزاء منها لقطاع غزة. غير أن الطريقة التي ظهرت فيها هذه الأخبار تثير مجموعة من التساؤلات المشروعة… .

    فهل يمكن لوزير في الحكومة الإسرائيلية وعضو في حزب الليكود الحاكم ومقرب من رئيس وزرائه أن يكون مجرد “كذّاب”؛ ومجرد “مشاغب” يُحبُّ لفت الأنظار إلى نفسه حتى ولو بإفساد العلاقة مع دولة كمصر ذات قيمة كبرى في الاستراتيجية الإسرائيلية؟! ولماذا لم يقم رئيس الوزراء الإسرائيلي إلا بعملية نفي للخبر… دون أن يقوم بتوبيخ أو معاقبة الوزير الإسرائيلي أيوب قرا؟!

    ولماذا سكتت مصر والأردن وأمريكا عن عقد مؤتمر العقبة واحتفظت بسره تماماً؛ ولم ينكشف إلا إسرائيلياً، ومن أعلى مستوى، بعد عام على انعقاده؟!
    وهل بالتالي هناك نقاط وأجندات أخرى سرية لم تنكشف حتى الآن؟! وهل كان موضوع توطين الفلسطينيين في سيناء من بينها؟! وهل ما فعله القرا لم يكن سوى “بالون اختبار” بإذن من القيادة الإسرائيلية لجس نبض الرأي العام والتعرف على ردود الفعل المحتملة؟! ثم التقدم بخطوات عملية إلى الأمام إذا لم يكن هناك ثمة ما يثير القلق.

    ثانياً: دور الولايات المتحدة الأمريكية:

    بعيداً عن النظرة الأمريكية لـ”إسرائيل” بأنها أحد الركائز الأساسية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط؛ فقد أصبح واضحاً للعيان أن السياسة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب، ربما ستكون من أكثر الحكومات الأمريكية دعماً للأطماع الإسرائيلية في المنطقة، وسنداً لها في تحقيق ذلك؛ والمؤشرات هنا كثيرة أهمها:

    1. وعود ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.

    2. تقرب دونالد ترامب ومعظم أعضاء إدارته العاملون في المناصب العليا إلى اليمين الصهيوني المتطرف.

    3. في سابقة خطيرة ولها دلالات مهمة وجّه ترامب دعوة لزعماء مجالس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية للمشاركة في حفل تنصيبه رئيساً  للولايات المتحدة.

    4. تحميل ترامب الفلسطينيين فشل العملية السلمية، وتحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية “نشر الكراهية” وتبني بيان جاء فيه “أن الولايات المتحدة  الأمريكية لن تدعم إقامة دولة إرهابية في الأراضي المحتلة”، “وأن حلّ الدولتين أصبح على ما يبدو مستحيلاً الآن”.

    5. لا يمكن إغفال أن الولايات المتحدة الأمريكية هي من أوائل الدول التي دعت إلى فكرة توطين اللاجئين الفلسطينيين؛ عبر خطة مستشار وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط مالك غي، سنة 19499.

    ثالثاً: المخططات الصهيونية وفكرة توطين الفلسطينيين في سيناء:

    فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء، لم تغب عن أذهان القادة الصهاينة ولا من خططهم الاستراتيجية، فهي فكرة تعدّ تطبيقاً للحكم الصهيوني بالتخلص من الشعب الفلسطيني وتوطينه وذوبانه في بيئات خارجية. وقد ظهر في ذلك عدة مشروعات، منها:

    1. مشروع إيجال آلون والذي ظهر سنة 1967، والذي دعى إلى فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء استغلالاً لظروف “عجز السلطات المصرية في  فرض سيطرتها الأمنية في سيناء” وهي الحالة التي تشبه الأوضاع الحالية.

    2. مشروع مستشار الأمن القومي الصهيوني جيورا أيلاند سنة 2004، والذي دعى إلى تنازل مصر عن 600 كم2 من سيناء بغرض توطين اللاجئين. مقابل أن يتنازل الكيان الصهيوني عن 200 كم22 من أراضي صحراء النقب لصالح مصر، ومنحها بعض المكاسب الاقتصادية.

    3. خطة يوشع بن آريه سنة 2013، والتي تنص على أن تُمدَّد حدود قطاع غزة إلى حدود مدينة العريش لتضم مدينتي رفح والشيخ زويد لقطاع غزة،  ومن ثم توطين اللاجئين الفلسطينيين فيها.

    وهو ما يعني أن موضوع توطين الفلسطينيين في سيناء حاضر حتى الآن في العقل الإسرائيلي.

    رابعاً: دور مصر:

    بالرغم من النفي المصري الرسمي لوجود مقترحات لتوطين الفلسطينيين في سيناء؛ إلا أنه يجب متابعة السلوك الرسمي للتأكد أنه ليست هناك ثمة أجندات غير معلنة، وأن النظام لن يخضع لأي ضغوط خارجية في سبيل الوصول إلى تسوية سلمية للقضية الفلسطينية تكون على حساب الشعب الفلسطيني وحقه في العودة وإنهاء الاحتلال.

    فقد سبق للنظام المصري تحت قيادة عبد الناصر أن تعامل بإيجابية مع فكرة توطين نحو 50–60 ألف فلسطيني في سيناء، وأخذ الأمر شكلاً جاداً عندما تعاون مع الأونروا في الفترة 1953–1955 لتجهيز هذا المشروع. غير أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة نجح في إسقاط المشروع وإلغائه.

    كما أن هناك عوامل مهمة يجب أخذها بعين الاهتمام أبرزها العلاقة المتميزة والتعاون غير المسبوق بين نظام السيسي وبين الجانب الإسرائيلي، وقيامه بدور أساسي في حصار قطاع غزة، وهشاشة الوضع السياسي في مصر، وانفراد السلطة الحاكمة بالقرار مع تغييب وضرب قوى المعارضة الفاعلة، والأزمة الاقتصادية المتصاعدة في مصر، وحاجة النظام المصري الماسة للدعم الأمريكي والغربي لمواجهة مشاكله السياسية والاقتصادية والأمنية…؛ وبالتالي سهولة وضع النظام تحت الضغط في سبيل البقاء؛ على الأقل وفق الحسابات الإسرائيلية الأمريكية.

    خامساً: فلسطينياً:

    من يتابع التصريحات الصادرة عن القيادات الفلسطينية من كافة الاتجاهات حول فكرة توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء يجد بأن هناك إجماعاً على رفض الفكرة. وفي الحقيقة فمن الصعب الجزم بإمكانية تطبيق خطة توطين الفلسطينيين في سيناء من الناحية المنطقية والعقلانية. وحتى الآن، فقد تمكن الفلسطينيون رسمياً وشعبياً من إفشال كافة مشاريع التوطين التي استهدفتهم.

    سادساً: السيناريوهات المحتملة:

    1. محاولة تهجير الفلسطينيين في قطاع غزة إلى سيناء من خلال حرب مدمرة:

    ترتفع مؤشرات شنّ عدوان شرس على غزة وبوتيرة متسارعة. عدوان قد تكون أحد نتائجه تهجير عدد كبير من سكان قطاع غزة إلى سيناء، سواء من خلال اتفاق إسرائيلي مصري أم دون ذلك. فقد تقوم “إسرائيل” بهذه الخطوة استناداً على ما يلي:

    أ. وجود قيادة صهيونية يمينية عنصرية متطرفة تتولى زمام الحكم.

    ب. القوة العسكرية الإسرائيلية، خصوصاً في ظلّ الحديث عن توقعات بتوفير غطاء ودعم أمريكي غير مسبوق.

    ج. عجز المؤسسات العربية والدولية في حلّ الأزمات الإقليمية.

    ‌د.  يجب الأخذ في الاعتبار حمامات الدم في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً في سورية واليمن وليبيا، والتي قد تشكل دافعاً للكيان الصهيوني لارتكاب مذابح مشابهه في حقّ سكان غزة لتشكل ضغطاً عليهم تجبرهم للفرار إلى سيناء.

    ‌ه. الحالة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها سكان قطاع غزة، والتي قد تضطر أعداداً منهم للسكن في سيناء إذا ما أتيح لهم ذلك في وجود بدائل وحوافز  حياتية أفضل.

    ‌و. تنامي أفكار الهجرة والبحث عن حياة في مكان آخر لدى أوساط الشباب من سكان القطاع. فقد أشارت إحدى الدراسات أن 24% من الشباب لديهم  الرغبة في الهجرة للخارج.

    في حال أراد الكيان الصهيوني تهجير فلسطيني غزة، ليس المقصود كل سكان غزة وإنما جزء منهم بهدف إيجاد بذرة التوطين، خصوصاً وأن الفارين لسيناء من سكان القطاع من المتوقع بأنهم سيحصلون في البداية على خدمات ومساعدات من قبل منظمات دولية تعزز وجودهم، ليتسلل إليهم بأن الأوضاع في سيناء أفضل من غزة، وليتحول الاستقرار المؤقت إلى استقرار دائم.

    غير أن هذا السيناريو محفوف بالمخاطر، وقد يأخذ شكل مغامرة إسرائيلية غير معروفة العواقب؛ إذ قد ترتد هذه المحاولة بآثار عكسية واسعة على المشروع الصهيوني، فينهار مسار التسوية السلمية، وتكتسب قوى المقاومة مزيداً من الشرعية، كما أن صمود الشعب الفلسطيني ووعيه بمخططات التوطين سيسهم في إفشالها، كما أنه قد تتشكل بيئة عربية وإسلامية قوية تدفع النظام المصري لعدم التعاون على تنفيذ هذا المخطط، بالإضافة إلى الوجه البشع لـ”إسرائيل” الذي سينكشف بشكل أكبر، مما يتسبب لها بمزيد من العزلة والفشل.

    2. إمكانية القبول العربي بالتوطين:

    وهذا السيناريو يعتمد على أن تقبل الأنظمة الحاكمة في الدول العربية في نهاية المطاف بحلول قد تذهب إلى تصفية القضية الفلسطينية وذلك للعوامل التالية:

    أ. انشغال العديد من الدول العربية في إشكالياتها التي لا حصر لها، والتي كانت تعدُّ سابقاً دول مناصرة للقضية الفلسطينية.

    ب. تعاني عدد من الأنظمة الحاكمة في البلاد العربية حالة يمكن وصفها بـ”الرعب” من المجهول، جعلها تخشى على مستقبلها ومستقبل بلدانها، مما  يجعلها تتفهم أي حلول يضمن استقرار أنظمتهم ووحدة أراضيهم، معتقدين بأن العلاقات العربية الجيدة مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية تضمن لهم ذلك.

    ج. انشغال الأحزاب والقوى الشعبية العربية والإسلامية بإشكالياتهم الخاصة بشكل يبعدهم عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية.

    د. من المتوقع أن تكون مرحلة ما بعد محمود عباس في غاية الصعوبة؛ وذلك لاستمرار الانقسام، وغياب دور المؤسساتية. مما يغيّب أي دور فلسطيني  فعال ومؤثر مستقبلاً ويدخل السلطة الفلسطينية في مربع النزاعات الداخلية، لتعود القضية الفلسطينية إلى أحضان الدول العربية وبالتحديد مصر مرة أخرى. والتي يعاني نظامها السياسي من مجموعة من المشاكل الكبيرة التي قد تجعله قابلاً للضغط والابتزاز.

    إلا أن احتمال حدوث هذا السيناريو ضعيفة، وذلك لأنه من المتوقع أن يرفض الشعب الفلسطيني وكذلك الشعوب العربية مخططات توطين اللاجئين الفلسطينيين، مما يجعل الأنظمة العربية الحاكمة تخشى من ردّ فعل الشارع العربي؛ حيث ما زال موضوع التوطين “محرقة” لشعبية الأنظمة وحتى لشرعيتها في البيئة العربية.

    3. فشل مشروع التوطين:

    من المتوقع أن يفشل سيناريو توطين الفلسطينيين في سيناء، فعلى مدى سبعين عاماً تمكّن الفلسطينيون من إفشال عشرات مشاريع التوطين؛ وما زال ثمة إجماع فلسطيني على رفض التوطين وعلى حقّ العودة. وهو السيناريو الأرجح، فكلاً من الشعبين المصري والفلسطيني، يمثلان عقبة حقيقية أمام تنفيذ خطة الوطن البديل. وإن الروح الوطنية والقومية والإسلامية، مع تكريس حدود الدولة القُطرية تشكل موانع ودوافع حقيقية ضدّ التوطين.

    إضافة الى حرص السلطة الفلسطينية على عدم التطرق للمسائل الحساسة وعلى رأسها قضية اللاجئين، كما أن المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي لن تسمح بمرور مخططات كهذه بكافة الطرق.

    ثم إن السياسات الرسمية العربية ما تزال ملتزمة حتى الآن برفض التوطين وبحق العودة للاجئين.

    سابعاً: الخلاصة:

    على الرغم من عقود التهجير الطويلة ما زالت ثقافة العودة ورفض التوطين تشكل قلقاً كبيراً للدولة الإسرائيلية؛ إلا أنها تسعى دائماً لإيجاد ثغرات تحقق لها أهدافها في التخلص من ملف اللاجئين الفلسطينيين. ونظراً للظروف الفلسطينية والعربية والإسلامية الصعبة، جراء ما تعينه المنطقة من إشكاليات ما بعد ثورات ما يُعرف بـ”الربيع العربي” فإنها ستسعى إلى تسليم فلسطيني وعربي بقبول فكرة التوطين في سيناء. إلا أن الشواهد التاريخية تقول إن المخططات الصهيونية تجاه القضايا الفلسطينية المصيرية تمّ مواجهتها من قبل الشعب الفلسطيني بقوة من خلال الانتفاضات الفلسطينية المتكررة؛ والتي دائماً ما كانت تقف أمام أيّ تهديد صهيوني حقيقي؛ وما تزال جذوة المقاومة قوية في نفوس الشعب الفلسطيني، والتي كان من أبرز نماذجها الانتفاضة المباركة 1987–1993 وانتفاضة الأقصى 2000–2005، وصمود غزة في حروب ثلاث 2008/2009 و2012، و2014؛ بالإضافة إلى انتفاضة القدس. كما أن ثقافة الصمود على أرض الوطن، وثقافة العودة ما تزال تجد أرضاً صلبة في الوسط الفلسطيني.

    ثامناً: التوصيات والمقترحات:

    من الضروري أن تتكثف الجهود الفلسطينية لمنع تطبيق خطة توطين الفلسطينيين في سيناء والعمل على عرقلته؛ مع الإقرار بالخلل الكبير في موازين القوى الإقليمية لصالح الطرف الصهيوني، فإن الأدوات السياسية والديبلوماسية والإعلامية هي الأدوات المتاحة، وهذا يستدعي ما يلي:

    1. تكثيف النشاط الإعلامي والتوعوي في الوسط الفلسطيني حول مؤامرات التوطين ومخاطرها.

    2. إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية والنظام السياسي الفلسطيني بشكل يستوعب كافة القوى والشرائح، وبما يعمق البناء المؤسسي الذي لا يتأثر  بوفاة الأشخاص وتغير القادة.

    3. مطالبة الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر التعاون الإسلامي، وحركة عدم الانحياز باتخاذ مواقف حاسمة، وإصدار بيانات تحذر من تصفية قضية  اللاجئين الفلسطينيين من خلال مشاريع التوطين.

    4. دعم أي توجه قضائي للناشطين الحقوقيين في مصر يرفض فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء.

    5. التوجه للمنظمات الفاعلة في المجال الإنساني والحقوقي واستصدار بيانات تحذر من توطين الفلسطينيين خارج ديارهم.

    6. التأكيد على الوحدة الجغرافية لفلسطين وأن الضفة الغربية وقطاع غزة هما جزءان لا يتجزآن منها.

    يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ محمد أبو سعدة بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

     

    لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

    >> التقدير الاستراتيجي (98): مشروع توطين الفلسطينيين في سيناء.. إلى أين؟ Word (11 صفحة، 94 KB)

    >> التقدير الاستراتيجي (98): مشروع توطين الفلسطينيين في سيناء.. إلى أين؟  (11 صفحة، 564 KB)

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 29/3/2017

  • مقال: الأقصى والقدس.. طفح الكيل … د. محسن صالح

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات. 

    عندما مرَّ الأمير (الملك لاحقاً) سعود بن عبد العزيز في 14 أغسطس/آب 1935 بقرية عنبتا في طريقه إلى القدس، ألقى الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود قصيدة على مسامعه جاء فيها:

    يا ذا الأمير أمام عينك شاعر ** ضُمَّت على الشكوى المريرة أضلعُهْ
    المـسجد الأقصى أجئـت تزوره ** أم جئت من قبل الضــــياع تودِّعُهْ؟
    وغداً -وما أدناه- لا يبــــقى ســــوى ** دمعٍ لنا يَهمِي، وســنٍّ نقـــرعُهْ

    صدقت توقعات الشاعر، فضاع الأقصى بعد ذلك بـ32 عاماً، بينما كان قد استشهد عبد الرحيم محمود في معركة الشجرة خلال حرب فلسطين سنة 1948.

    ***

    منذ أن بدأ المشروع الصهيوني في فلسطين، ومنذ الاحتلال البريطاني لها قبل نحو مئة عام؛ والمسجد الأقصى مُهددّ بالضياع والتهويد، وأبناء القدس وفلسطين -ومن يدعمهم- يُفشلون الخطر تلو الخطر والمؤامرة تلو المؤامرة، بما يستطيعونه من إمكانات، مهما كانت بسيطة ولو بأظافرهم وأسنانهم.

    استمروا في المرابطة والمصابرة والصمود…، واستمر العرب والمسلمون في الإهمال والتقصير والخذلان… ومنذ خمسين عاماً لم تتوقف برامج التهويد في القدس لتغيير وجهها العربي الإسلامي وتشويه هويتها الحضارية…، وكان الأقصى في قلب المؤامرة وفي قلب المعركة.

    طفح الكيل… وبلغ السيل الزبى… ووصلت الصرخات إلى عنان السماء ولكن:
    ربّ وامعتصماه انطلقت ** ملء أفواه الصــبايا اليتَّمِ
    لامست أسماعهم لكنــها ** لم تلامس نَخوة المعتصمِ

    وأخيراً، يخرج وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ليستخدم المصطلح نفسه، ويقول “طفح الكيل”!!فتستبشر، وتقول لعله يعني طفح الكيل بالاحتلال الإسرائيلي للقدس وفلسطين… باعتداءاته على الأقصى… وقتله النساء والأطفال والشيوخ… أو طفح الكيل بالحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، أو طفح الكيل بالاستيطان اليهودي في الضفة الغربية ومصادرة الأراضي، وببرامج التهويد والجدار العنصري العازل… أو طفح الكيل بالغطرسة الصهيونية وإنكارها لحقوق الشعب الفلسطيني… لكنك تُفاجأ به يكمل جملته بأن الكيل قد طفح بحماس وبالإخوان المسلمين!!

    وأياً يكن موقف الجبير من تيارات “الإسلام السياسي”، فإن حماس كانت لسنوات عديدة وما زالت قوة المقاومة الأولى في وجه المشروع الصهيوني في فلسطين، وخط دفاع أول -إلى جانب قوى المقاومة الأخرى- عن هوية القدس وفلسطين العربية والإسلامية والحضارية.

    ***

    الخط التاريخي المعتاد للسعودية هو الدفاع عن القدس والأقصى والوقوف إلى جانب معاناة الشعب الفلسطيني، وتصريح الجبير لا يعكس السياسة التقليدية السعودية.

    ولعل من المفيد التذكير بنص تاريخي للملك فيصل بن عبد العزيز (1964-1975) قال فيه وهو يتحدث بمرارة عن القدس والدعوة للجهاد لتحريرها: “ماذا ننتظر؟ الضمير العالمي!! أين هو الضمير العالمي؟! القدس الشريف يناديكم ويستغيثكم… فماذا يخيفنا؟! هل نخشى الموت؟! وهل هناك ميتة أفضل وأكرم من أن يموت الإنسان مجاهداً في سبيل الله؟!”

    ويتابع الملك فيصل قائلاً: “أيها المسلمون: نريدها نهضة إسلامية، لا تدخلها قومية ولا عنصرية ولا حزبية، وإنما دعوة إسلامية، دعوة للجهاد في سبيل الله. وأرجو الله إذا كتب لي الموت أن يكتب الموت لي شهيداً في سبيل الله”.

    ويضيف الملك فيصل: “حرَمُنا الشريف ومقدساتنا تُنتهك وتستباح… بالمخازي والمعاصي والانحلال… أَدعو الله مخلصاً -إذا لم يكتب لنا الجهاد وتخليص هذه المقدسات- ألا يبقيني لحظة واحدة على قيد الحياة!!”.

    هكذا كان الموقف السعودي؛ فما الذي تفعله حماس وقوى المقاومة المسلحة غير الذي تحدث عنه الملك فيصل؟! وهذا الكلام -الذي يعبِّر عن عزة الأمة وشرفها وكرامتها- لو قاله أحد هذه الأيام لاتّهمته أنظمة عربية (بل وخليجية) بالتطرف والإرهاب، أو على الأقل باللا واقعية واللا مسؤولية…

    ***

    احتل الصهاينة غربي القدس سنة 1948 وقاموا بتهويدها بالكامل. ثم احتلوا شرقي القدس (وباقي الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء) سنة 1967. ومنذ نحو خمسين عاماً يقومون بعمل حثيث مبرمج لتهويد القدس…؛ فاستجلبوا أكثر من مئتيْ ألف مستوطن إلى شرقي القدس، وأنشؤوا نحو ثلاثين حياً ومستعمرة يهودية في شرقي القدس ومحيطها.

    وعزلوا القدس بجدار عنصري صار أقرب إلى الحدود الدولية، وسحبوا الهويات المقدسية من أكثر من 15 ألف مقدسي لمنعهم من الإقامة في القدس، ويهددون نحو عشرين ألف منزل مقدسي بالهدم والتدمير بحجة البناء دون إذن الاحتلال، ويواصلون جهودهم للسيطرة على النظام التعليمي في المدارس المقدسية، مع إيجاد البيئات لنشر الفساد والمخدرات والتسرُّب المدرسي الواسع وسط الطلبة المقدسيين.

    وتهدد عشرات الأنفاق والحفريات تحت المسجد الأقصى مبانيه بالتضعضع والانهيار، بينما يحاول الصهاينة تغيير الهوية البصرية للقدس بإنشاء مجموعة من الكُنُس والمباني اليهودية، بالإضافة إلى مصادرتهم لمعظم أراضي شرقي القدس (87.5 %)، ومحاولة وضع اليد أو “شراء” ما يستطيعون من ممتلكات ومساكن المقدسيين، تحت مختلف الضغوط.

    بلغت ميزانية الاحتلال الإسرائيلي لبلدية القدس سبعة مليارات و370 مليون شيكل (حوالي ملياراً و930 مليون دولار أميركي). وهناك جمعيات إسرائيلية صهيونية متخصصة في تهويد القدس -كجمعية تاج الكهنة، وجمعية إلعاد، وجمعية أمناء جبل المعبد- تنفق سنوياً نحو 150 مليون دولار أميركي، وبرامج التقاسم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى ماضية، ويشجعها برود العرب والمسلمين ولا يعطلها إلا صمود المقدسيين.

    ***

    في المقابل، فإن منظمة المؤتمر الإسلامي (التي أصبحت منظمة التعاون الإسلامي) والتي نشأت أساساً إثر حريق المسجد الأقصى سنة 1969، ويشارك في عضويتها 56 بلداً مسلماً؛ تضع ميزانية هزيلة (نحو عشرة ملايين دولار) للجنة القدس المنبثقة عنها. وهي أقل من ميزانية شراء لاعب كرة قدم لأحد الأندية، وأقل بكثير مما يصرف على الاحتفالات والبهرجات ومظاهر البذخ التي يعرفها الجميع.

    ولو افترضنا أن هذه البلدان أرادت أن تنفق من إيراداتها البترولية ما يساوي قيمة الزكاة فقط (باحتساب أن الزكاة فقط هي ربع العشر أي 2.5 %) لدعم القدس وتحريرها؛ لبلغ الإنفاق السنوي أكثر من 15 مليار دولار (15 ألف مليون دولار!!)، في الوقت الذي تنفق فيه هذه الأنظمة عشرات مليارات الدولارات سنوياً لشراء أسلحة تتكدس كـ”ستوكات” في مخازنها، أو تستخدم في السيطرة على شعوبها، أو في الصراعات الداخلية فيما بينها.

    أما السلطة الفلسطينية في رام الله، فإن ميزانية وزارة شؤون القدس لديها (بكل ما تعنيه القدس من مسؤوليات وتحديات…) في سنة 2016 كانت حوالي 12 مليون دولار، من أصل نحو ثلاثة مليارات و765 مليوناً هي ميزانيتها الكلية، أي نحو ثلاثة بالألف من ميزانيتها (0.3%).

    وقد كان ذلك سبباً لاستقالة حاتم عبد القادر من وزارة شؤون القدس في صيف 2009 بعد نحو أربعين يوماً من تعيينه. في الوقت الذي تستهلك فيه رواتب العاملين في الأجهزة الأمنية للسلطة -حسب ميزانية 2016- نحو 867 مليون دولار، أي ما معدله 42% من الرواتب السنوية لموظفي السلطة.

    ***

    لم ينتظر أبناء القدس قيادات المنظمة والسلطة ولا القيادات العربية والإسلامية لمواجهة الاحتلال…، وإنما أصروا على تقديم أروع الأمثلة في الثبات والصمود…، وقبضوا على الجمر حفاظاً على القدس والمقدسات، وعلى هويتها العربية والإسلامية.

    كان يكفي لابن القدس القديمة أن يبيع مثلاً شقة صغيرة متداعية (أقل من مائة متر مربع) ليصبح مليونيراً، حيث سيجد عشرات المشترين اليهود…، ولكنه قرر الصمود والعض على جراحه وتحمّل كافة أشكال المعاناة والإفقار، وبرامج “التنغيص والتطفيش” الإسرائيلية الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية…، حتى رغم عدم القدرة على صيانة منزله… وضعف أو انعدام المساعدات التي تعينه على الصمود.

    ما زال العرب في القدس القديمة المسوَّرة والمحيطة بالمسجد الأقصى يمثلون أكثر من 85% من سكانها، وما زالوا يمثلون أغلبية سكان شرقي القدس. ورغم أن الاحتلال حاول تخفيض نسبتهم طوال السنوات الماضية في القدس (شرقيها وغربيها) إلى أقل من 22%؛ فإنهم تمكنوا من رفع نسبتهم إلى أكثر من 36% بعد أن كانوا نحو 26% بُعيد احتلال شرقي القدس سنة 1967.

    وأبناء القدس كانوا في قلب الانتفاضة المباركة 1987-1993، وفي قلب انتفاضة الأقصى 2000-2005، وكانوا ولا يزالون في قمة العطاء في انتفاضة القدس الحالية التي تصعد وتخبو منذ نحو سنتين.

    ولا شك أن لإخوانهم من أبناء فلسطين المحتلة 1948 وأبناء الضفة الغربية وقطاع غزة -بالإضافة إلى الناشطين من فلسطينيين وعرب ومسلمين وداعمين دوليين- أدوارهم في دعم صمود القدس وأهلها، غير أن أهل القدس يبقون في القلب والمركز.

    ***

    نجح أبناء القدس وإخوانهم داخل فلسطين في تعطيل التهويد الزماني والمكاني للقدس، الذي كان قد دخل أطواراً عملية متقدمة في صيف 2015. وقدموا أرواحهم ودماءهم في سبيل ذلك.

    غير أن البيئة العربية والإسلامية المهترئة والمنشغلة بأزماتها لم تقف إلى جانبهم، ولم تشكّل رافعة حقيقية في مواجهة مشاريع التهويد. فبدت انتفاضة القدس “يتيمة” في غياب الراعي والنصير؛ فعاد الصهاينة من جديد لمواصلة اعتداءاتهم وتصعيدها. ولذلك لم يكن غريباً أن تحدث عملية قتل الجنديين الإسرائيليين في المسجد الأقصى.

    بعض المتفذلكين أخذوا يتحدثون عن عدم مناسبة توقيت العملية ومكانها، ولم يتورعوا عن التشكيك في نوايا منفذيها. وللتوضيح، فإن عمليات المقاومة لن تجد وقتاً مثالياً يُرضي الجميع، وستجد دائماً من يعترض على توقيتها، خصوصاً أولئك الذين تتضرر مصالحهم أو ينفضح تقصيرهم.

    وعلى سبيل المثال، فعندما أطلقت حركة فتح عملياتها سنة 1965، اتهمتها الأنظمة العربية بالعمالة وبمحاولة جرّ الأنظمة إلى معركة غير مستعدين لها. وعندما تابعت حماس عملياتها -بعد إنشاء السلطة الفلسطينية 1994- اتهمتها قيادات في فتح ومنظمة التحرير والسلطة بمحاولة تعطيل المشروع الوطني وإنشاء الدولة الفلسطينية.

    ورجال المقاومة لا يملكون دائماً “تَرَف” اختيار المكان والتوقيت، فما دام الاحتلال قائماً فإن المقاومة ستظل واجبة ومشروعة. وقد تحسب الدول أو التنظيمات الكبيرة حساباتها بشكل أو بآخر؛ غير أن أحداً لا يستطيع أن يُلزم شباباً قاموا بمبادرات ذاتية، بحسابات معينة.

    وعلى أولئك الذين يَسْلقون الشباب المضحي بألسنةٍ حدادٍ، أن يسكتوا… ويكفي الشباب المجاهد أنهم بذلوا أرواحهم ودماءهم. فلا أقل من التَّرحم عليهم ومواساة أهاليهم. فهؤلاء الأبطال يمثلون ما تبقى من عزة الأمة وكرامتها، ويمثلون خط دفاعها الأول عن حرماتها ومقدساتها.

    ***

    سينجح بإذن الله صمود المقدسيين في إفشال الإجراءات الإسرائيلية وخصوصاً البوابات الإلكترونية، وسيقومون ما استطاعوا بتعطيل المحاولات الصهيونية لتهويد الأقصى وتقسيمه زمانياً ومكانياً.

    ولكن، أما آن لأنظمتنا العربية والإسلامية أن تعلم أن الكيل قد طفح منها ومن تقصيرها وسوء إدارتها؟ أما آن للنخب والمثقفين والأحزاب والمتفلسفين أن يعلموا أن الكيل قد طفح منهم ومن فذلكاتهم وتنظيراتهم؟ وأن أهلنا في القدس قد استنفدوا كل ما يملكون من قدرات ووسائل…، وأن الخطر ضد الأقصى والقدس يتعاظم كل يوم…، وأنه آن الأوان للجميع أن يتحملوا مسؤولياتهم.

    المصدر: الجزيرة نت، الدوحة، 27/7/2017

  • مقال: المخيمات الفلسطينية.. شواهد النكبة ونكبة الشواهد … د.محسن صالح

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات. English_Version

    حتى أيامنا هذه يقف 64 مخيما فلسطينيا شاهدا على النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني سنة 1948، عندما اقتلعت العصابات الصهيونية أكثر من 57% من شعب فلسطين من أرضه.

    ومن هذه المخيمات هناك 58 مخيما مسجلة رسميا لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، تتوزع على 19 مخيما في الضفة الغربية وثمانية مخيمات في قطاع غزة وعشرة في الأردن وتسعة في سوريا 12 في لبنان. وهناك ثلاثة مخيمات في الأردن وثلاثة أخرى في سوريا غير معترف بها لدى الأونروا. كما أن هناك أربعة مخيمات كانت قائمة في لبنان تمّ تدمير ثلاثة منها، بينما تم نقل سكان الرابع وإغلاقه.

    ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا حاليا نحو خمسة ملايين 400 ألف لاجئ، غير أن هؤلاء ليسوا كل اللاجئين الفلسطينيين؛ فالكثير من الفلسطينيين رفض التسجيل لدى الأونروا لاستغنائه عن خدماتها، كما أن الكثير من الفلسطينيين لم يسجلوا أنفسهم لإقامتهم خارج مناطق عمل الأونروا التي تنحصر في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان.

    أما عدد اللاجئين الحقيقي فهو يصل في مطلع سنة 2017 إلى نحو ثمانية ملايين و490 ألفا يمثلون نحو 66.8% من مجموع الشعب الفلسطيني البالغ 12 مليونا و700 ألف نسمة؛ إذ أضيفت إلى لاجئي 1948 أعداد كبيرة من أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة “النازحين” المقيمين خارج فلسطين التاريخية وغير القادرين على العودة إلى بيوتهم. كما أن هناك نحو 150 ألفا ممن هُجِّروا من أرضهم ولكنهم ظلوا مقيمين في مناطق فلسطين المحتلة 1948.

    ***

    منذ البداية ظلت المخيمات الفلسطينية أحد أكبر الشواهد الحقيقية على نكبة الشعب الفلسطيني، وشواهد حية على الجرائم الصهيونية بحقه، وأحد أكبر رموز المعاناة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، برزت كأحد أكبر معالم الصبر والصمود والعطاء الفلسطيني، والإصرار على أن اللجوء مؤقت بانتظار العودة إلى فلسطين. غير أن هذه المخيمات، خصوصا في الشتات، أصبحت عرضة للنكبات، بينما كان هناك من تَتسبَّبُ ممارساتُه بتشويهها، ومحاولة حرفها عن رسالتها ومهمتها النضالية.

    لا يسكن كل اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات في هذه الأيام، فمنذ بداية اللجوء تدبر الكثير منهم أمورهم خارجها، كما انتقل الكثير من سكان المخيمات، مع مرور الزمن، إلى أماكن معيشة أخرى مع تحسّن ظروف حياتهم أو انتقالهم إلى أماكن عمل مختلفة داخل هذه البلدان أو خارجها، أو بسبب تعرض مخيماتهم لهجمات عسكرية وظروف أمنية أجبرتهم على الرحيل. ولذلك فنسبة المقيمين في المخيمات إلى عدد اللاجئين المسجلين هي نحو 51% في لبنان، و42% في قطاع غزة، و30% في سوريا، و24% في الضفة الغربية، و17% في الأردن؛ وبمعدل عام 28.7% وفق بيانات الأونروا.

    في بدايات اللجوء، رفض الكثير من الفلسطينيين تحويل الخيام التي يسكنونها إلى أبنية، غير أن طول المعاناة فرضت نفسها على واقعهم، فاضطروا للتكيّف التدريجي مع أوضاعهم.. فاتخذت المخيمات شكل أبنية بسيطة مكتظة، تفتقر للتنظيم المدني والبنى التحتية والخدمات، لتصبح نسخة محدَّثة من المعاناة اليومية المستمرة.

    في لبنان مثلا تضاعفت أعداد الفلسطينيين في المخيمات دون أن تسمح السلطات بتوسيع حدودها، فاضطر الفلسطينيون لتكثيف البناء داخل المخيمات، فأصبحت ثُلث البيوت لا تدخلها الشمس، وأصبحت الكثير من الأزقة لا تتسع لمرور السيارات، ولا حتى لنقل الأثاث الذي لجأوا لنقله من فوق أسطح المنازل، بينما هي تسمح بالكاد لمشي شخصٍ أو شخصين يسيران بشكل معتاد من تحت لفائف من أسلاك الكهرباء، التي تنقطع لساعات طويلة لا يقل معدلها عن 12 ساعة يوميا. وفي الوقت نفسه، يعيش نحو ثلاثة أرباع اللاجئين تحت خط الفقر، بينما تمنع السلطات اللبنانية الفلسطينيين من معظم مجالات العمل، كما تمنعهم من حقوق التملُّك.

    وبالرغم من أن المخيمات شكلت بؤر “فقر وقهر”، فإنها شكلت في الوقت نفسه بؤر ثورة وتمرد على الواقع، وأصبحت نماذج لعزة الإنسان الفلسطيني وكرامته، وحرصه على هويته ورفضه للتوطين وتطلعه للعودة. ولذلك كانت المخيمات الفلسطينية حاضنة أساسية للثورة الفلسطينية وللعمل المقاوم، وكان أبناء المخيمات من أكثر المبادرين وأسرعهم في المشاركة في مجالات العمل الوطني، وخصوصا المقاومة المسلحة.

    ***

    في سنة 1974 دمر الطيران الحربي الصهيوني مخيم النبطية بالكامل، وتسبب في تشريد نحو ثلاثة آلاف من سكانه. وفي صيف 1976 حاصرت القوات الانعزالية الكتائبية وحلفاؤها مخيم تل الزعتر حتى انتهى الأمر بتدميره بعد صمود دام 52 يوما، واستشهاد ثلاثة آلاف من أبنائه معظمهم مدنيون، وتم تهجير نحو عشرين ألفا ليدخلوا في لجوء جديد. وفي أيلول/ سبتمبر 1982 وقعت مذبحة صبرا وشاتيلا على يد المليشيات الانعزالية نفسها، وبإشراف وغطاء إسرائيلي، مما أدى لاستشهاد نحو ثلاثة آلاف فلسطيني ولبناني؛ لتصبح هذه المذبحة أحد الشواهد البارزة على مأساة الإنسان الفلسطيني في مواطن اللجوء.

    انعكست الأوضاع الداخلية العربية والأجندات السياسية للأنظمة على الجاليات الفلسطينية المقيمة التي وجدت نفسها بعد عشرات السنوات من الإقامة في مخيمات لجوء وترحيل مؤقتة. كما حدث مع النظام الليبي الذي تعامل مع الفلسطينيين بعد اتفاقات أوسلو كـ”مادة بشرية” تُستخدم في الضغط السياسي والمناكفة مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. فوضع الآلاف من الفلسطينيين في السفن والشاحنات لطردهم.. ونشأ مخيم السلوم القريب من الحدود المصرية، والذي سماه النظام الليبي “مخيم العودة”؛ بينما سماه الفلسطينيون “مخيم العار”.

    وفي العراق دفع الفلسطينيون أثمانا هائلة إثر الاحتلال الأمريكي سنة 2003، وإثر تصاعد الاضطراب السياسي والأمني والصراع الطائفي؛ ليجدوا أنفسهم بسبب دعايات وتحريض إعلامي أَسود يُشردون ويُقتلون على الهوية، بينما نشأت مخيمات لجوء لهم، معظمها على الحدود مع الأردن وسوريا، مثل مخيمات العودة، والرويشد، والكرامة، وطريبيل، والهول، والتنف، والوليد. وتضاءلت أعداد الفلسطينيين من نحو 44 ألفا قبيل الاحتلال الأمريكي، إلى نحو ستة آلاف بعد ذلك بثلاث سنوات.

    أما مخيم نهر البارد الذي كان ثاني أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث كان يقطنه نحو أربعين ألفا سنة 2007، فقد تعرض للتدمير نتيجة مشكلة لم يكن هو نفسه سببها. ففي ظروف تحمل علامات استفهام كثيرة دخلت جماعة “فتح الإسلام” التي انفصلت عن “فتح الانتفاضة” إلى المخيم.. وكان من بين أفرادهم أعضاء من جنسيات لبنانية وسورية وعربية أخرى.. وقد أدى سلوكهم إلى اعتصام شعبي لأهالي المخيم طالبوا فيه برحيل هذه العناصر.

    وعندما قام عناصر “فتح الإسلام” بمهاجمة عناصر الجيش اللبناني، لم تحدث عملية معالجة سياسية أمنية قضائية للتعامل مع مرتكبي الجرائم فقط، ولكن تطور الأمر إلى معالجة عسكرية تحمّل فيها المخيم وزر دخول هذه المجموعة، مما أدى إلى تدمير المخيم حيث خسر نصف سكانه، بينما تعرض نحو 3200 منزل لتدمير كلي أو جزئي، بعد معارك استمرت 106 أيام، ولم يكن أهل المخيم جزءا منها.

    وحتى الآن لم تحدث مساءلة حقيقية عن المسؤول الفعلي عن هذه المأساة، ومن هي الجهات التي سهَّلت أو سكتت عن دخول هذه العناصر إلى لبنان وعن تموضعها في المخيم، ولماذا لم يتم حتى الآن -بعد نحو عشر سنوات- إعمار المخيم إلا جزئيا بالرغم من توفر التمويل اللازم لذلك؟!

    ***

    وفي سوريا، يبرز مخيم اليرموك في ضواحي دمشق كأحد أعظم النكبات التي أصابت المخيمات الفلسطينية طوال تاريخها. فهذا المخيم الذي يُعدّ أحد أكبر مخيمات الشتات الفلسطيني، والذي كان يقيم فيه نحو 144 ألفا وفق تقديرات الأونروا، لم يعد يقيم فيه سوى بضعة آلاف (ثلاثة آلاف فقط وفق متخصصين). لقد عانى أبناء هذا المخيم بشكل هائل نتيجة الصراع الداخلي في سوريا، ووُضعوا أمام استحقاقات صعبة بسبب حالة الاستقطاب بين النظام السوري وحلفائه وبين فصائل المعارضة بكافة أشكالها، وكذلك بين القوى الفلسطينية المختلفة.. وحتى منتصف أبريل/ نيسان 2015 كان المخيم قد عانى من 628 يوما من الحصار المستمر، ومن 728 يوما من انقطاع الكهرباء، ومن 218 يوما من انقطاع الماء.

    وفي أجواء الصراع في سوريا، نُكِبت المخيمات الأخرى في سوريا أيضا بدرجات متفاوتة، فمثلا تعرض مخيم درعا لتدمير 70% من مبانيه، كما تعرضت مخيمات الرمل وعين التل (حندرات) والسبينة.. لعمليات تهجير ومنع عودة.

    ونتيجة للأوضاع في سوريا فمن بين نحو 600 ألف فلسطيني اضطر 175 ألف فلسطيني للهجرة خارج سوريا، كما اضطر نحو 225 ألفا للجوء إلى مناطق أكثر أمنا داخل سوريا نفسها. وحتى منتصف شباط/ فبراير 2017 كان قد استشهد نحو 3440 فلسطينيا في سوريا، وفق إحصاءات مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا.

    ***

    ومنذ بضع سنوات، يتزايد احتمال انفجار كبير للأوضاع في مخيم عين الحلوة، أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأحد أكبر رموزها في الشتات الفلسطيني. وكانت الاشتباكات التي حدثت في أواخر فبراير/ شباط 2017 أحد المظاهر لتوترات وأحداث عنف يشهدها المخيم بين فترة وأخرى.

    والمخيم الذي يسكنه نحو سبعين ألف فلسطيني لا تزيد مساحته عن كيلومترين مربعين، ويعاني من بنى تحتية مهترئة، ورعاية صحية وتعليمية سيئة، ومعدلات فقر وبطالة عالية. ولأن السلطات اللبنانية لا تمارس صلاحياتها الأمنية والإدارية عليه، ولأن من يتحكم فيه من داخله فصائل وقوى فلسطينية مختلفة ومتنازعة، فقد أصبح مكانا للاستقطاب والتجاذب، وحاولت أن تستخدمه جهات إقليمية ومحلية ساحة لتصفية الحسابات و”تبادل الرسائل”، كما أصبح مكانا تأوي إليه عناصر كثيرة مطلوبة للسلطات اللبنانية وغيرها، وفي الوقت نفسه فرض الجيش طوقا أمنيا حوله يتحكم في الدخول والخروج إليه.

    وحتى هذه اللحظة، نجح الفلسطينيون في تجنيب المخيم الصراعات الإقليمية والفتن الطائفية والانقسامات المحلية والخارجية، والتي تنعكس عليه بدرجات متفاوتة بحسب القوى والفصائل المتنافسة داخله، وبحسب الجهات التي تدعمها وتمولها. غير أن المخيم يعيش على “برميل بارود” يهدد بالانفجار، في ظل استمرار وضع أمني هش، نتيجة عدم قدرة القوى داخل المخيم على إنهاء أزمة إدارته وضبط أمنه، ونتيجة عدم رغبة السلطات اللبنانية حاليا في بسط سيطرتها عليه لأنها لا تريد تحمل المسؤوليات الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة باللاجئين، وبسبب الأثمان الكبيرة وغير المضمونة النتائج لمحاولة اقتحام المخيم والسيطرة عليه. (لمزيد من المعلومات يرجى الرجوع إلى التقدير الاستراتيجي الذي نشره مركز الزيتونة في آذار/ مارس 2017 حول مخيم عين الحلوة).

    من جهة أخرى، فإن نكبة “شواهد النكبة” في لبنان تزداد مع وجود من يسعى إلى تشويه صورة المخيمات النضالية، ليس فقط من خلال تقديمها كـ”بؤر أمنية” ومعاقل للمطلوبين و”الفارين من القانون”، ولكن كبؤر لانتشار المخدرات.. حيث أخذت بعض مظاهره تزداد في السنوات الأخيرة في بعض المخيمات، وهو ما يستدعي علاجا سريعا وحكيما وحاسما.

    ***

    وأخيرا، فإن كل ما سبق يفرض مسؤولية كبرى على القوى والمؤسسات والفصائل الفلسطينية للقيام بواجباتها تجاه الشعب الفلسطيني ومخيماته، وتجنيبه الدخول في المشاكل الداخلية للدول المضيفة، والإبقاء على الصورة النضالية المشرقة والصامدة للمخيمات. والسعي الحثيث لدى الجهات الرسمية لتوفير ما تحتاجه من دعم ورعاية وبنى تحتية وفرص عمل، وخدمات صحية وتعليمية؛ وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم في العمل والتملك لتجنيبهم الوقوع فريسة البطالة والإحباط وتيارات التطرف، ومنع استغلال حاجتهم المادية من القوى المختلفة التي تسعى لخدمة أجنداتها الخاصة.

    ولعل القائمين على المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، الذي تشكَّل مؤخرا، يولون اهتماما خاصا بمخيمات الشتات وأوضاعها، والسعي للارتقاء بها ودعم صمودها.

    المصدر: الجزيرة نت، الدوحة، 8/4/2017

  • مقال: ما هو أبعد من استهداف قطر … د. محسن صالح

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات. 

    تُرى، هل هناك ما هو أبعد من ضبط السلوك ”المشاغب“ لقطر في أهداف الدول الأربع التي بادرت بقطع العلاقات مع قطر؟! وهل من المحتمل أن تجد هذه الدول -وخصوصاً السعودية- نفسها أمام استحقاقات وأثمان أكبر وأخطر مما ستدفعه قطر؟!

    وهل ثمة إغراء أميركي غير مباشر لهذه الدول بالدخول في مغامرة كهذه، تقف خلفه أجندات أميركية وصهيونية، ينقل الحريق إلى دول الخليج، في الوقت الذي كانت تظن فيه أنها إنما ترتب الأوضاع لصالح استقرارها السياسي والأمني، بعيداً عن اضطرابات المنطقة؟!

    يحاول هذا المقال أن يستقرئ السياق الإقليمي/الدولي (وخصوصاً الأميركي) للأزمة ”المفاجئة“ مع قطر. ويظهر سياق الأحداث أننا أمام ثلاثة مسارات مختلفة:

    المسار الأول: إغلاق ملفات ”الربيع العربي“

    وهو يتسق مع فكرة أن الملفات الساخنة في المنطقة التي شملتها الثورات وحركات التغيير والاضطراب قد وصلت إلى مداها، وأن ”الطبخة قد نضجت“ بما فيه الكفاية للقيام بإغلاقها، كما في العراق وسوريا واليمن وليبيا، مع تثبيت المكتسبات التي حققتها ”الموجة المضادة“ لثورات التغيير خصوصاً في مصر.

    ولأن الملف الفلسطيني ”المزمن“ يملك دائماً قدرة ”سحرية“ هائلة على تفجير الأوضاع، وتحريض الجماهير وتعبئتها ضد المشروع الصهيوني، وحتى ضد الأنظمة العربية نفسها بسبب عجزها وتقصيرها؛ فإنه لا يمكن إغلاق هذه الملفات دون أن يتم التعامل مع الملف الفلسطيني سواء بإغلاقه أو بوضعه تحت التحكم والسيطرة.

    لذا، فلا بدّ من محاولة تطويع حركة حماس وإضعافها وتهميشها في الداخل والخارج؛ وسيكون ذلك أفضل إن أمكن القضاء على حكمها وسيطرتها على قطاع غزة.

    لذلك، فإن السياق المنطقي لهذا المسار يفسر السلوك الذي قامت به الدول المُقاطِعة بأنه يندرج في محاولة تطويع قطر، بما يتوافق مع سياسات هذه الدول في محاربة ”الربيع العربي“ وإغلاق ملفاته، ومحاربة تيارات الإسلام السياسي المعتدل التي برزت في قيادة هذا ”الربيع“.

    وكذلك سياساتها في الضغط لإسكات صوت شبكة الجزيرة لما تملكه من رصيد شعبي هائل في العالم العربي، وفي الضغط على حماس التي تمثل خط المقاومة والخط الإسلامي الفلسطيني المعتدل، من أجل فتح الطريق لمحمود عباس وسلطة رام الله ومسار التسوية، أو حتى من أجل التهيئة لقدوم محمد دحلان المدعوم من الإمارات ومصر.

    هذا السيناريو يتسق مع السلوك السعودي الإماراتي الرسمي تجاه موجة ”الربيع العربي“ خصوصاً في عهد الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز؛ وهو سلوك تراجع سعودياً مع تولي الملك سلمان بن عبد العزيز السلطة، لكن يبدو أن التيار أو الجناح المؤيد لهذه السياسة -في منظومة الحكم السعودية- عاد مؤخراً لاستعادة حيويته وقوته.

    ويبدو أن لهذا التيار قناعة بأن استقرار دول الخليج مرتبط بمحاربة تيارات ”الإسلام السياسي“، وبمزيد من إجراءات التحكم والسيطرة على الشعوب، وبمزيد من التحالف مع الأميركان والدفع بمسيرة التسوية السلمية مع ”إسرائيل“، مع توجيه بوصلة العداء تجاه إيران.

    المسار الثاني: بؤرة توتر جديدة

    وهو مسار يقول إن الذين أطلقوا الأزمة وقطعوا العلاقات انطلقوا من حسابات خاطئة، وإنهم غير قادرين على التحكم في مسارات الأزمة ومخرجاتها، وإن الطرف الأميركي أعطاهم موافقته الضمنية ليورطهم في مستنقع يصعب الخروج منه لسنوات عديدة.

    وبالتالي فهو مسار يتوقع أن تكون الأزمة مع قطر مشروعاً لبؤرة توتر جديدة في العمق الخليجي. وسيتحول إلى مسار خطير لاستنزاف طاقاتها وإمكاناتها وثرواتها، بحيث تصبُّ في الجيوب الأميركية الغربية، ويزيد فرص ”إسرائيل“ في تقوية وضعها بالمنطقة، وتطبيع علاقاتها مع عدد من دول الخليج.

    إذن، هذا المسار ليس معنياً بإغلاق الملفات، وإنما بفتح ملف جديد يزيد ضعف المنطقة العربية والإسلامية وتشتتها وتشرذمها.

    بالتأكيد، أن دول الخليج -التي قطعت العلاقات مع قطر- لا تريد بل وترفض مسارا كهذا؛ لأنه يُدخلها في أزمات ومخاطر هي في غنى عنها. ولأنها إنما قطعت العلاقات لتحقق مزيداً من الأمن والاستقرار برأيها.

    ولكن مَن قال إن الذي يُطلق شرارة أزمة من هذا النوع قادر على التحكم في مساراتها الكلية، ويستطيع التصرف بمنأى عن التدخل الخارجي وخصوصاً الأميركي؟!

    تعزز هذا المسار عدة أمور:

    1- أن كل أزمات المنطقة التي فُتحت لم تغلق حتى الآن، حتى تلك التي مضى عليها زمن طويل، كالوضع الناشئ عن احتلال العراقمنذ سنة 2003. وأن العلاجات المقدمة للأزمات هي علاجات غير جذرية، وتحمل عناصر الانفجار في ذاتها، وأنها تكرس الاصطفافات الطائفية والعرقية والجهوية، وتُمأسِسُ الفساد السياسي والإداري والمالي، وتُضعف مؤسسات الدولة المركزية.

    2- أن أولئك الذين نادوا بتقسيم المنطقة وفق خرائط جديدة على أسس طائفية وعرقية، لم يستثنوا دول الخليج من خرائطهم. وأن ما يجري على الأرض منذ سنوات في العراق وسوريا واليمن وليبيا (وقبل ذلك في السودان) يدعو للنظر بجدية إلى خطورة مخططاتهم. وأن ثمة سياسات أميركية غير معلنة تصبُّ في هذا الاتجاه، بغض النظر عن التصريحات السياسية الرسمية.

    ونستذكر في هذا المجال مخططات المستشرق الشهير برنارد لويس، وما كتبه رالف بيترز في مجلة الجيش الأميركي سنة 2006 حول حدود الدم، وما كتبه ألوف بن رئيس تحرير جريدة هآرتس الإسرائيلية في بدايات الثورات العربية سنة 2011. ومعظمها كتابات لا تكتفي بإشارات حول تقسيم للبلاد التي تقع فيها أزمات حالياً، وإنما تنتقل إلى الجزيرة العربية وخصوصاً السعودية.

    3- أن الموقف الأميركي تعامل بطريقة مراوغة، وترك الباب ”موارباً“ أو مفتوحاً جزئياً، فبدا سلوك الدول المقاطِعة وكأنه حصل على ضوء أخضر أميركي ضمني.

    إذ تمّ التصعيد ضد قطر (24 مايو/أيار 2017) بعد ثلاثة أيام من بدء زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسعودية…، وظهرت تصريحات أو تغريدات للرئيس الأميركي يُفهم منها دعم الضغط على قطر، بينما حاولت الخارجية الأميركية وباقي المطبخ السياسي تقديم سياسة رسمية، تؤكد الحرص على علاج الأزمة وعدم تفاقمها.

    وفي اليوم التالي للتصعيد ضد قطر (25 مايو/أيار 2017) رُفع للكونغرس الأميركي مشروع قانون بمعاقبة الدول والمؤسسات التي تدعم حماس، وذكرت فيه قطر بالاسم دون غيرها في العالم العربي كله (ذُكرت إيران كتحصيل حاصل).

    هذا السلوك يُذكرنا بالفهم الضمني الذي فهمه صدام حسين بعد تصريح السفيرة الأميركية لديه، مما شجعه على احتلال الكويت سنة 1990. وهو سلوك يحمل في طياته الرغبة في الاستجابة لرغبات قوى محلية في مسارات معينة بقصد توريطها، واستثمار ذلك لاحقاً بما يخدم الإستراتيجية الأميركية في المنطقة.

    4- أن الطرف الأميركي/الإسرائيلي سيكون المستفيد الأكبر من وجود حالة خليجية ”قلقة“ مزمنة (دون أن يؤدي ذلك بالضرورة إلى صدام عسكري كبير)، ولكن بما يكفي لاستعانة الأطراف الخليجية الدائمة بالأميركان، وبما يسمح لهم بتكريس هيمنتهم وتدخلهم في الشأن الداخلي الخليجي.

    وبما يؤدي إلى استنزاف دول الخليج أطول فترة ممكنة في صفقات الأسلحة، ويدفع دول الخليج لتطبيع علاقاتهم مع ”إسرائيل“ كمدخل رئيسي لضمان الدعم الأميركي في لعبة التنافس الداخلي. وهي ”لعبة“ تضاف إلى لعبة الصراع الإقليمي مع إيران، الذي تحرص أميركا على تأجيجه واستمراره بما يصب في الأهداف نفسها.

    ويدخل في هذا السياق أن الولايات المتحدة ستكون أقدر على ضمان الصفقات التي جرى التوافق عليها مبدئياً مع السعودية للسنوات العشر القادمة بقيمة 460 مليار دولار، وعلى مزيد من الاستخدام الفعال لقانون ”جاستا“ الأميركي الذي يستهدف بدرجة أساسية الابتزاز المالي للسعودية.

    5- إن ثمة مؤشرات إماراتية بأن الأزمة قد تطول سنوات كما صرح بذلك وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش؛ بل إنه في التصريح نفسه (انظر جريدة الحياة، 20 يونيو/حزيران 2017) قال إن أبو ظبي تقترح ”مراقبة أنشطة الدوحة في المنطقة إذا تراجعت عن مواقفها، وأن القوى الغربية قد تضطلع بهذه المهمة كي لا تملأ تركيا وإيران الفراغ“.

    وهو تصريح يحمل مضموناً خطيراً لأنه يستدعي تدخلاً خارجياً غربياً لضبط السلوك القطري في المستقبل، حتى لو التزمت قطر بشروط الدول المقاطعة.

    المسار الثالث: ”حَبْ الخشوم“

    وهو تعبير خليجي يستخدم في مساعي الاسترضاء والتوافق؛ وأن الأمر سينتهي بتبادل القبلات. وهو سيناريو يقول إن قطع العلاقات الذي قامت بها الدول الأربع كان عملاً ”فَجَّاً“ متسرعاً قائماً على توقعات غير دقيقة. وأن هذه الدول توقعت أن الضغوط الضخمة المفاجئة على قطر ستُحدث ”انهياراً“ قطرياً واستجابة سريعة لمطالب الدول.

    غير أن الكفاءة القطرية العالية في امتصاص الصدمة، وفي الإدارة الهادئة الواثقة للأزمة، وفي القدرة على إيجاد البدائل بسرعة عالية، قد أحدث إرباكاً لدى الدول الأربع.

    ورغم ما بدا من أن هناك غرفة عمليات تدير موضوع المقاطعة، حيث تم قطع العلاقات في وقت واحد، وبالإجراءات العقابية نفسها، وبالتهم نفسها، والحملة الإعلامية نفسها، ودون استخدام التدرج المعتاد في علاج الأزمات بين الدول كاستدعاء السفراء، أو تحديد المطالبات قبل اتخاذ الإجراءات…؛ فإنه بدا واضحاً أن ثمة أزمة لدى هذه الدول في تحديد برنامج ”اليوم التالي“، وفي تحديد الخيارات والسيناريوهات إذا ما فشل ”سيناريو الصدمة“.

    والدليل على ذلك أن هذه الدول بعد أكثر من أسبوعين من قطع العلاقات فشلت في وضع قائمة اتهام حقيقية مقنعة ضدّ قطر، وفشلت في تحديد مطالبها وشروطها. وبدا وضعها مربكاً ومحرجاً ومنكشفاً أمام الجميع، وبدت ادعاءاتها ضدّ قطر فارغة من المحتوى والمضمون.

    إذ كيف تقوم دول عربية بعملية ”كسر عظم“ مع دولة عربية شقيقة دون أن تعرف ماذا تريد منها؟!! حتى إن الخارجية الأميركية عبرت عن ”اندهاشها“ من عدم تقديم هذه الدول لمطالب محددة من قطر.

    أما قائمة الإرهاب التي قدمتها الدول الأربع (59 شخصية و12 منظمة) فهي قائمة تثير الرثاء…؛ إذ يفتقر معظمها إلى الأدلة الحاسمة، وكثير منها لا يعني قطر نفسها من قريب أو بعيد، بل وكثير منها يخالف المعايير العالمية في تعريف الإرهاب.

    ومن ناحية أخرى، فإن قيام الإمارات بمعاقبة كل من يبدي تعاطفاً مع قطر بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاماً يبرز مدى القلق من السلوك الشعبي المحتمل فيما لو تركت له الحرية الحقيقية في التعبير، خاصة أن القطاعات الشعبية العربية الأوسع تعاطفت مع قطر، لأنها لم تجد شيئاً يُدينها.

    ثم إن تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ضدّ حماس صبَّت في صالح قطر، حيث بدا أن أجندة المقاطعة الحقيقية تستهدف المقاومة الفلسطينية التي تحظى باحترام وشعبية واسعين.

    وهذا يعني أن الموضوع مرتبط باجتهاد سعودي إماراتي لم يحالفه الحظ، وأنه يمكن علاجه وتداركه ضمن ترتيبات خليجية داخلية من خلال ”حَبْ الخشوم“، والالتقاء في منتصف الطريق بحلول تحفظ ماء الوجه للأطراف المعنية.

    ويبدو أن قدرة قطر على استلام زمام المبادرة، ورفع السقف القطري برفض التفاوض إلا بعد رفع الحصار، واللجوء إلى الوسائل القضائية لتعويض الأضرار الناتجة عن الإجراءات التي قامت بها هذه الدول…؛ تصبُّ كلها في خدمة هذا السيناريو، بعد أن فقدت الدول المقاطعة قدرتها على المبادرة ومتابعة الضغوط.

    ***

    وأخيراً، فإن تصعيد الأزمة مع قطر لا يصبّ في مصلحة الدول التي بادرت بقطع العلاقات، وينعكس سلبياً على شعبيتها وعلى استقرار المنطقة، كما يفتح الباب واسعاً للتدخل الخارجي -وخصوصاً الأميركي- مما سيشكل مخاطر على استنزاف ثروات المنطقة، ووقوعها تحت مزيد من الهيمنة الأميركية. ولذلك فإن الجلوس الهادئ على طاولة المفاوضات وحلّ المشاكل ضمن البيت الداخلي الخليجي العربي هو الأولى والأفضل، خصوصاً في مثل أوضاعنا العربية المضطربة.

    المصدر: الجزيرة نت، الدوحة، 22/6/2017