• " الاستيطان والجدار في محافظة سلفيت"

    تعتبر محافظة سلفيت من المحافظات الفلسطينية الأشد تضررًا من المشروع الاستيطاني لدولة الاحتلال الإسرائيلي؛ نظرًا لموقعها الإستراتيجي والمركزي على هضاب جبال الضفة الغربية وجبالها، ولأنها تعتبر حلقة الوصل بين المناطق الساحلية من الجهة الغربية وغور الأردن من الجهة الشرقية، وقد تعرضت هذه المحافظة كغيرها من المناطق الفلسطينية إلى اجتياح كبير واستهدافٍ لأراضيها الخصبة والمرتفعة على مدى العقود الماضية منذ دخول الاحتلال إليها. وقد كانت سلفيت تاريخيًا تتبع إلى محافظة نابلس خلال الحكم الأردني قبل عام 1967، ومن ثم إلى محافظة طولكرم بعد الاحتلال الإسرائيلي، وبعد قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية في التسعينيات تم إصدار قرار بتحويلها إلى محافظة مستقلة عن المدن المجاورة. وتبلغ مساحة محافظة سلفيت بحدودها الإدارية الحالية (204 كيلومتر مربع) ويسكنها حوالي 75 ألف فلسطيني (الإحصاء الفلسطيني، 2017)، وتخضع الغالبية العظمى من أراضيها (حوالي 75%) للسيطرة الإسرائيلية، وهي المناطق المصنفة (ج) بحسب اتفاقية أوسلو. وبسبب وجود هذه السيطرة السياسية والعسكرية على الأرض، فقد استبيحت أراضيها بالقوة وأصبحت امتدادًا للمشروع الاستيطاني في شمال الضفة الغربية التي تشكل منطقة استهداف إستراتيجي للمشروع الصهيوني السياسي والاستيطاني ضمن ما يسمونها منطقة (السامرة). ومنذ عام 1967 تصاعد الوجود الاستيطاني في سلفيت حتى وصل ذروته في الوقت الحالي بالسيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي ووجود سكاني إسرائيلي كبير نسبيًا.

    وتعتبر محافظة سلفيت من المحافظات الفلسطينية المنكوبة بفعل المشروع الاستيطاني حتى أصبح البعض يسميها أسفًا "محافظة المستوطنات"؛ نتيجة للتغول الاستيطاني الكبير على حساب الوجود الفلسطيني، وقد عملت المؤسسات الوطنية الفلسطينية الرسمية والأهلية والشعبية ضمن إمكانياتها المحدودة والمتواضعة على دعم صمود هذه المحافظة وسكانها في وجه الاستيطان، لكن القوة العسكرية للاحتلال تفرض نفسها على الأرض، وقد وقف أهالي محافظة سلفيت وقراها مدافعين عن أرضهم وقدموا لذلك ما استطاعوا وظلوا صامدين على الأرض.

  • الشرعنة الأمريكية للمستوطنات الإسرائيلية.. الدوافع والجذور وردود الفعل

    تبنّت الإدارة الأمريكية مؤخرًا، وعلى لسان وزير خارجيتها مايكل بومبيو، موقفًا مفاده أنّ إنشاء مستوطنات إسرائيلية في الضفّة الغربية، لا يتعارض في حدّ ذاته مع القانون الدولي[1]. وهو ما يعني أنّ المستوطنات الإسرائيلية في الضفّة الغربية هي قانونية من وجهة نظر هذه الإدارة. ولم يكن ما أعلنه بومبيو مرتجلًا، أو في سياق الردّ على سؤال، بل كان مُعدًّا سلفًا على جدول الإيجاز الصحفي، الذي تضمّن جملة من البيانات، تعلّقت بإيران والعراق والمستوطنات الإسرائيلية، وغيرها من البلدان والقضايا.

    طغت قضية المستوطنات الإسرائيلية على مجمل الأسئلة التي وجّهها الصحفيون للوزير الأمريكي عقب إيجازه الصحفي، الأمر الذي يعني أنّ هذه القضية كانت الأهم من بين جملة القضايا والموضوعات الأخرى. وفي حين لم يكن الإعلان الأمريكي مفاجِئًا، بالنظر إلى سلسلة مواقف وقرارات أخرى شبيهة سابقة تتعلق بالقضية الفلسطينية، أو بالصراع العربي الإسرائيلي عمومًا، فإنّ الإعلان الأمريكي استدعى ردود فعل واسعة، جميعها مخالفة للقرار الأمريكي، باستثناء الترحيب الإسرائيلي بطبيعة الحال.

    تقرأ هذه الورقة طبيعة الإعلان الأمريكي، وموقعه بين سلسلة المواقف السابقة المشابهة، وأهداف هذه الإدارة من هذا الإعلان، وغيره من الإعلانات الأخرى ذات الصّلة، وردود الفعل عليه.

    الإعلان شكلاً ومضمونًا

    تجدر الإشارة إلى الصيغة التي قُدِّم فيها الإعلان، بصفته مُعبِّرًا عن موقف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومحاولًا القول إنّ إعلان إدارة ترامب لم يكن تحوّلًا كاملًا في مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة، على اعتبار أنّ مواقف هذه الإدارات من قضية الاستيطان الإسرائيلي، ومخالفته للقانون الدولي، لم تكن منسجمة. فبينما رأت إدارة الرئيس كارتر في عام 1978، وبشكل قاطع، أنّ إنشاء “إسرائيل” للمستوطنات المدنية يتعارض مع القانون الدولي، فإنّ إدارة الرئيس ريغان، وفي عام 1981، لم توافق على ذلك الموقف، وأعلنت أنّها لا ترى عدم قانونية المستوطنات الإسرائيلية. وقد كانت هذه المقدّمة من بومبيو، لتبرير الموقف، والادعاء بأنّ التحوّل الحقيقي خلقته إدارة أوباما، حينما أعلن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري، في كانون أول/ ديسمبر 2016، وفي نهاية ولاية الإدارة السابقة، عدم مشروعية المستوطنات الإسرائيلية، مخالفًا، حسب بومبيو، تقاليد الإدارات التي سبقته، التي، وإن رأت في الاستيطان عقبة أمام السلام، إلا أنّها رأت في الوقت نفسه أن النقاش القانوني حولها لا يُفيد عملية السلام.[2]

    أرادت إدارة ترامب القول إنّها لم تخترع موقفًا جديدًا، بقدر ما أنّها عادت لتبنّي موقف إدارة ريغان، وأنّ معاكستها لقرار إدارة أوباما إنّما هو تصحيح للسياسة الأمريكية، واستعادة لنهج الإدارات السابقة على إدارة أوباما، والتي لم تكن ترى فائدة في مناقشة الوضع القانوني للمستوطنات الإسرائيلية.

    تبرز الأبعاد الانتخابية في هذه المبرّرات، وذلك بمغازلة التيّارات التقليدية في الحزب الجمهوري عبر محاولة استعادة إرث ريغان المركزي في تاريخ السياسة الأمريكية عمومًا. لا تبدو هذه المغازلة في تبنّي موقفه من المستوطنات الإسرائيلية فقط، وإنّما أيضًا باستدعاء فكرة التشابه في الانقلاب على الإدارة السابقة، بما يُعبّر عنه ذلك من تصوّرات البناء والقوّة والعظمة الأمريكية. فكما استعادت إدارة ريغان مكانة الولايات المتحدة وقوّتها بعد إدارة كارتر، فإنّ إدارة ترامب تفعل الشيء نفسه بعد إدارة أوباما، علما أن مخالفة إدارة أوباما، هي لازمة ثابتة في خطاب الإدارة الحالية.

    بيد أنّه، وإضافة إلى أجواء الانتخابات الأمريكية، والإجراءات المتّخذة من قبل الديمقراطيين لمحاكمة ترامب وعزله، وبالتالي احتياج الأخير إلى دعم اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، فإنّ الأجواء السياسية الإسرائيلية ليست بعيدة عن هذا الإعلان، الذي يمنح بنيامين نتنياهو دعمًا لتشكيل الحكومة في مواجهة منافسه بني غانتس، زعيم حزب “أزرق أبيض”، أو يمنحه أفضلية دعائية في حال ذهبت “إسرائيل” إلى انتخابات ثالثة مبكّرة[3]، لا سيما وأن نتنياهو سبق له في السياق الانتخابي الإسرائيلي أن وعد بضمّ غور الأردن وشمال البحر الميت حال فوزه في الانتخابات[4]، وذلك في الوقت الذي كان ينوي فيه إعلان ضمّ الضفّة الغربية، لولا معارضة رئيس الشاباك ورئيس أركان الجيش، اللذين ألمحا إلى أنّ قرارًا كهذا ينطوي على عدم مسؤولية، ومن شأنه أن يقود إلى مخاطر كبيرة[5]. إضافة إلى أن نتنياهو كان قد تعهّد، وفي السياق نفسه، بضمّ مستوطنات مدينة الخليل.[6]

    وفي الوقت الذي يواجه فيه نتنياهو اتهامات بالفساد وملاحقات قضائية[7]، ويستعصي عليه تشكيل حكومة إسرائيلية، يأتيه الدعم من حليفه الأمريكي، وتحديدًا الرئيس دونالد ترامب، الذي يواجه خطر العزل. وبينما لا يُستبعد أن ينطوي الإعلان الأمريكي على خطوة استراتيجية، فإنّ هذه الإدارة، وعلى مستوى نصّ الإعلان ومضمونه، قد تبنّت الدعاية الإسرائيلية بشكل كامل.

    لقد أحال الإعلان الأمريكي الأمر القانونيّ برمّته إلى المحاكم الإسرائيلية، باعتبار أنّ النظام القضائي الإسرائيلي يتيح فرصة للطعن بالنشاط الاستيطاني، وتقييم الاعتبارات الإنسانية المرتبطة به. وعليه، فإنّ الطرف الوحيد الذي يمكنه أن يحكم على قانونية أيّ منشأة استيطانية، من وجهة النظر الأمريكية، هو القضاء الإسرائيلي، أي قضاء الدولة الاستعمارية التي أنشأت هذه المستوطنات، فهي مسألة إسرائيلية صرفة، تتعلق بالوقائع والظروف على الأرض. وهذا الخطاب هو عينه خطاب بنيامين نتنياهو، الذي رحب بالخطوة الأمريكية، وتطابق خطابه مع خطاب الإدارة الأمريكية، أولًا من جهة اعتبار الوقائع القائمة هي الحاكمة على الأمر برمّته. وثانيا من جهة حديث نتنياهو عن “الحق التاريخي في يهودا والسامرة”، وحديث الإدارة الأمريكية عن مركّب “التاريخ والوقائع والظروف الفريدة من نوعها، التي نشأت بعد إقامة المستوطنات المدنية في الضفة الغربية”. وثالثا من جهة التوافق على أن المحاكم الإسرائيلية هي الوحيدة التي يمكنها تحديد شرعية الاستيطان الإسرائيلي. وأخيرًا تطابق الخطابان في أن الحلّ بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا يمكن إنجازه عبر أحكام قانونية دولية، وإنما من خلال عملية تفاوضية.[8]

    وفي حين أظهر إعلان بومبيو وتعقيب مكتب نتنياهو تطابقًا تامًّا في المبررات والصياغات، وكشف عن تنسيق كامل، وربما صياغة إسرائيلية للإعلان الأمريكي، فقد ذهبت كيلي كرافت، سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، إلى مستويات أبعد في الدعاية لـ “إسرائيل”، ومن منطلقات غير ذات صلة، وذلك حينما قَرَنَتْ جدّية الولايات المتحدة في اعترافها بشرعية المستوطنات الإسرائيلية، بكون “إسرائيل”، حسب قولها، منارة للديمقراطية في منطقة لا يُقرّ فيها قادة آخرون، من حماس إلى إيران، بحقها في الوجود. وبينما أشارت كيلي كرافت إلى سعي جيران “إسرائيل” لتدميرها، فقد هاجمت جرأة المجتمع الدولي في جعلها، أي “إسرائيل”، موضوعًا لانتقاداته “القاسية”، مؤكّدة على دعم الولايات المتحدة لـ “إسرائيل”، الآن وفي المستقبل.[9]

    الإعلان الأمريكي.. الجذور والدوافع

    ما سبق يوضح الأسباب الآنية للبيان الأمريكي الجديد بخصوص المستوطنات الإسرائيلية في الضفّة الغربية، وتعمّده دعم بنيامين نتنياهو في أزماته السياسية والقضائية، ومعركته الانتخابية، وتطابق مضمونه وصياغته مع تعقيب نتنياهو عليه، ومع وعود نتنياهو الانتخابية. هذا فضلًا عن الأسباب الخاصّة بترامب، من حيث اقتراب الانتخابات الأمريكية، وجهود عزله برلمانيا. بيد أنّ مسار الخطوة الأمريكية أوسع من هذا الدافع الآني، فهي تهدف أولًا إلى فرض صفقة على الفلسطينيين، تستند إلى الوقائع لا إلى الحقوق والتسويات العادلة، وهو ما كان واضحًا في المبررات التي ساقها بومبيو لشرعنة المستوطنات. ثم إن الخطوة الأمريكية تهدف إلى تعزيز مكانة اليمين الإسرائيلي، حليف إدارة ترامب.

    ففي قرار هو الأخطر من بين سلسلة تلك القرارات، وفي كانون أول/ ديسمبر 2017، اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل”، ووقّع الرئيس الأمريكي ترامب قرارًا بنقل سفارة بلاده من “تل أبيب” إلى القدس، وهو ما شرعت به بالفعل في العام التالي في ذكرى النكبة الفلسطينية، الأمر الذي ترك دلالة معنويّة واضحة. ودون أي مواربة، أعلنت أن قرارها يهدف إلى إخراج القدس من المفاوضات[10]، أيْ أنّها تمنح الوقائع الاستيطانية والسياسية الإسرائيلية قوّة سياسية دولية، وتفرض موقفًا دوليًّا جديدًا يتطابق مع السياسات الإسرائيلية.

    ثمّ في آب/ أغسطس 2018، أوقفت الولايات المتحدة تمويلها الكامل لـ “وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى/ الأونروا”[11]. وأغلقت في أيلول/ سبتمبر 2018 مكتب منظمة التحرير في واشنطن نهائيًّا، بحجة سعي السلطة الفلسطينية إلى فتح تحقيق جنائيّ ضد “إسرائيل” أمام المحكمة الجنائية الدولية.[12]

    وفي آذار/ مارس 2019، وفي بيان رسمي من البيت الأبيض موقّعٍ باسم ترامب، اعترفت الولايات المتحدة بمرتفعات الجولان جزءًا من “إسرائيل”، معلّلة ذلك بحاجة “إسرائيل” لحماية أمنها من سوريا، ومن التهديدات الإقليمية الأخرى[13]. وهو الأمر الذي دفع نتنياهو لإعلان توقعاته بصدور قرار أميركي قريبًا، يعترف بسيادة الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية[14]، ممّا أثار مخاوف فلسطينية وعربية ودولية[15]، وهو ما يمكن القول إنّه قد حصل بالفعل الآن، على اعتبار أن المستوطنات تشكّل حيّزًا واسعًا من جغرافيا الضفّة الغربية.

    وبالنظر إلى حديث بومبيو عن “الوقائع والظروف الفريدة من نوعها، التي نشأت بعد إقامة المستوطنات المدنية في الضفة الغربية”، فإنّه يمكن القول إنّ القرار الأمريكي يشمل كلّ الوقائع ذات الصلة بالمستوطنات، كمجالها الأمني، والطرق المؤدّية إليها. وتأسيسًا على هذه العبارة اللافتة، وما دامت هذه الإدارة موجودة بتحالفاتها الراهنة في المنطقة، فإنه من المتوقع أن تتسع قراراتها لتشمل الضفّة كلّها، أو أجزاء واسعة منها، وهو ما يمكن فهمه من تصريح سابق لبومبيو، قال فيه إنّ الإعلان عن الخطّة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط قد يستغرق عشرين عامًا[16]، وهو ما يعني أنّ السياسات الأمريكية المنتهجة من هذه الإدارة، هي مواكبة السياسات الإسرائيلية في الواقع، أي الاعتراف بالإجراءات الإسرائيلية، والدفاع عنها في المحافل الدولية، وتغطيتها بقوّة الولايات المتحدة، وجعلها أساسًا لأيّ تسوية مع الفلسطينيين، في حال كان ثمّة إرادة بالفعل لفرض تسوية من هذا النوع.

    وعلى أيّ حال، فإنّ القرارات الأمريكية التي أشير إليها فيما سبق، والتي تخصّ القدس، واللاجئين الفلسطينيين، ومكتب منظمة التحرير، والجولان السوري المحتلّ، وأخيرًا المستوطنات في الضفّة الغربية، لم تكن القرارات الوحيدة من الإدارة الأمريكية الحالية. فقد حرصت الولايات المتحدة على حماية “إسرائيل” داخل المؤسسات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، سواء عبر استصدار قرارات لصالح “إسرائيل”، كتقديم مشروع قرار لإدانة حركة حماس[17]، أو في الهجوم على المؤسسة الدولية التي لم تزل تُصدر قرارات منحازة للفلسطينيين من وجهة نظر “إسرائيل” والإدارة الأمريكية. كما سعت الولايات المتحدة لفرض وقائع فيما يتجاوز جغرافيا الصراع إلى قضية اللاجئين، كسعيها لإعادة تعريف مفهوم اللاجئ الفلسطيني، وبالتالي تقليص أعداد اللاجئين[18]، وغير ذلك من إجراءات وقرارات داعمة لـ “إسرائيل”، وتهدف بالدرجة الأولى إلى تكريس وقائع جديدة، تكون أساسًا لأي معالجة للقضية الفلسطينية.

    استندت الإدارة الأمريكية في كلّ ذلك إلى الوقائع على الأرض، وكان بومبيو صريحًا في إعلانه أنّ الوقائع هي أساس الرؤية الأمريكية، بمعنى أنّه يمكن لـ “إسرائيل” فرض الوقائع التي تُريد، ثم تصير هذه الوقائع أمرًا نهائيًّا، وهو الأمر الذي ينهي مشروع حلّ الدولتين تمامًا، ويفضي إلى تكريس الإرادة اليمينية الإسرائيلية، الرامية إلى استكمال أرض “إسرائيل” الواحدة على كامل حدود فلسطين التاريخية.

    ومما يُعزّز من صحّة هذا الاستنتاج، أنّ الإدارة الأمريكية، وبالرغم من وقفها دعم السلطة الفلسطينية، استمرت في تقديم مساعدات مالية للأجهزة الأمنية الفلسطينية[19]. وبالرغم مما قيل عن وقف الولايات المتحدة تمويلها للأجهزة الأمنية الفلسطينية، فإنّ “إسرائيل” سعت إلى استمرار هذا الدعم[20]، وأدخلت، وبتمويل أمريكي، عربات مصفّحة لصالح الأجهزة الأمنية الفلسطينية[21]، مما يعني أنّ دور السلطة، بالنسبة للرؤية الإسرائيلية الأمريكية، أو على الأقل بالنسبة لليمين الإسرائيلي وإدارة ترامب، لا يتجاوز الوظيفة الأمنية، مع إنهاء دورها السياسي الطامح في الارتقاء إلى دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967. وقد استخدمت إدارة ترامب في ذلك كلّه، الابتزاز المالي، وإرهاب الدبلوماسية الدولية، والحصار السياسي، وتجاوُز القانون الدولي، وتجنيد عدد من الدول العربية لدمج “إسرائيل” في علاقات طبيعية معها، ومحاولة أخذ مواقف جديدة من القيادة الفلسطينية تنقلب بها على مواقفها التقليدية.

    المواقف المختلفة إزاء الإعلان الأمريكي

    • الموقف القانوني والإدانات الدولية

    دأبت الأمم المتحدة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والاتحاد الأوروبي، على إدانة سياسات “إسرائيل” الاستيطانية، لمخالفتها القانون الدولي، وإعاقتها إحراز سلام عادل وشامل، حيث تنطبق معاهدة جنيف الرابعة، والقانون الإنساني الدولي على الضفّة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. فقد نصّت المادة (49) من معاهدة جنيف الرابعة، على أنه “لا يجوز لدولة الاحتلال أن تُرحّل، أو تنقل جزءًا من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها”[22]. كما أنّ “إسرائيل” والولايات المتحدة كانتا قد وقعتا على هذه الاتفاقية، علما أن الضفّة الغربية ومدينة القدس، تُعدان أراضي محتلة وفق قرارات مجلس الأمن، كالقرار 242.[23]

    وكان مجلس الأمن قد أصدر عدة قرارات نصت على أنّ المستوطنات الإسرائيلية، ليس لها شرعية قانونية، وتُشكّل إعاقة خطيرة أمام تحقيق سلام شامل. منها قرار رقم (446) لعام 1979، الذي دعا “إسرائيل”، باعتبارها القوة المحتلة، إلى الالتزام بمعاهدة جنيف الرابعة لعام 1949، وإلغاء إجراءاتها السابقة، والامتناع عن القيام بأيّ عمل يؤدّي إلى تغيير الوضع القانوني، والطبيعة الجغرافية، ويؤثّر ماديًّا على التكوين الديمغرافي للأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967[24]. وكذلك قرار رقم (452) لعام 1979، الذي أكّد على عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية[25]. وقرار مجلس الأمن رقم (465) لعام 1980، الذي نفى الشرعية القانونية عن الإجراءات الإسرائيلية، التي تهدف إلى تغيير أوضاع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس[26]. وكذلك قرار مجلس الأمن رقم (471) لعام 1980، الذي يُعرّف “إسرائيل” بأنها قوّة محتلّة، ويؤكد فشلها في تقديم الحماية الكافية للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة، وفقًا لبنود معاهدة جنيف الرابعة[27]. وكذلك قرار رقم (904) لعام 1994، الذي عاد وأكّد على انطباق معاهدة جنيف الرابعة على الأراضي التي احتلتها “إسرائيل” في حزيران 1967، بما فيها القدس، واصفًا “إسرائيل” بأنّها السلطة القائمة بالاحتلال.[28]

    وكانت محكمة العدل الدولية قد أصدرت فتوى في عام 2004،  أكّدت فيها أن المستوطنات التي أقامتها “إسرائيل” في الأراضي المحتلة تُعدّ انتهاكًا للقانون الدولي[29]. وعاد مجلس الأمن في عام 2016، وأصدر قرارًا أكّد فيه على مجمل قراراته السابقة، فأكد أنّ من واجب “إسرائيل” القوّة القائمة بالاحتلال، أن تتقيـد تقيـدًا صارمًا بالالتزامات والمسـؤوليات القانونيـة الملقـاة علـى عاتقهـا بموجـب اتفاقيـة جنيـف الرابعـة، وأدان جميـع التـدابير الراميـة إلى تغـيير التكـوين الـديمغرافي، وطـابع الأرض الفلسـطينية المحتلـة منـذ عـام 1967، بمـا فيهـا القـدس الشـرقية، والـتي تشـمل، إلى جانـب تـدابير أخرى، بناء المسـتوطنات وتوسـيعها، ونقـل المسـتوطنين الإسـرائيليين، ومصـادرة الأراضـي، وهـدم المنـــازل، وتشـــريد المـــدنيين الفلســـطينيين، مؤكّدًا أنّ ذلك كلّه يمثّل انتهاكًا للقانون الدولي والقرارات ذات الصلة.[30]

    وعلى ضوء ذلك، عادت الأمم المتحدة والصليب الأحمر للتأكيد على كون المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما زالت تمثل انتهاكا للقانون الدولي[31]. وكان المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان روبرت كولفيل قد أكد أنّ “تغير الموقف السياسي لدولة ما، لا يُعدّل القانون الدولي القائم، ولا تفسير محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن له”[32]. في حين قال إيوان واتسون، المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، “إن سياسة المستوطنات التي تنتهجها “إسرائيل”، تناقض البنود الرئيسية للقانون الدولي الإنساني، أو قانون الاحتلال، وتخالف نصه وروحه”. وأكد أنّ “الإعلان الأمريكي الأخير، لا يغير موقف اللجنة الدولية للصليب الأحمر من الأمر”.[33]

    بالرغم من ذلك، فشل مجلس الأمن في إصدار قرار، أو بيان صحفي، يدين فيه الإعلان الأمريكي، بعد جلسة عقدها لهذا الغرض[34]. إلا أنّ الدول الـ 14 الأعضاء في مجلس الأمن، من أصل 15 دولة، أجمعت على معارضة القرار الأميركي. وعقب انتهاء جلسة مجلس الأمن، تلا نائب المندوب الألماني يوجن شولز بيانًا باسم الدول العشر المنتخبة في المجلس، وهي ألمانيا، وبلجيكيا، وكوت ديفوار، وجمهورية الدومينكان، وغينيا الاستوائية، وإندونيسيا، وبيرو، وبولندا، وجنوب إفريقيا، والكويت، شدّد فيه على عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقال رياض منصور، المراقب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، إن موقف كلّ من روسيا والصين خلال الجلسة جاء مؤيدًا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة والشرعية الدولية.[35]

    أما الاتحاد الأوروبي، فقد أكد أنّه لا يزال يؤمن بأن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني بموجب القانون الدولي، ويقلل فرص التوصل إلى سلام دائم، ودعا “إسرائيل”، وعلى لسان فيدريكا موجيريني، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد، لإنهاء كل النشاط الاستيطاني في ضوء التزاماتها كقوة محتلة. ومع أن موقف الاتحاد الأوروبي يمثّل الدول الأوروبية، إلا أن بعض تلك الدول أصدرت بصورة منفردة بيانات تتبنّى الموقف نفسه، كألمانيا[36]، وإسبانيا[37]، وغيرهما.

    كما أصدرت الدول الأوروبية التي تملك عضوية حالية في مجلس الأمن، وهي فرنسا وألمانيا والمملكة المتّحدة وبلجيكا وبولندا، بيانًا مشتركًا، قبل جلسة مجلس الأمن المشار إليها، قالت فيه إنّ كلّ نشاط استيطاني هو غير قانونيّ بموجب القانون الدولي، ويُقوّض قابليّة حلّ الدولتين وأفق السلام الدائم، وأكّدت فيه أنّ موقفها من سياسة الاستيطان الإسرائيليّة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، بما في ذلك القدس الشرقيّة، واضح ولم يتغيّر[38].

    وكانت محكمة العدل الأوروبية، وقبل البيان الأمريكي، قد ألزمت “إسرائيل” بتمييز مصدر منتجاتها المُصدّرة إلى الاتحاد؛ لبيان إن كان مصدرها المستوطنات أم لا، وذلك لأسباب أخلاقية، كما قالت المحكمة، ولاعتبارات تتعلق بالالتزام بالقانون الدولي.[39]

    وفي إطار الإدانات الدولية لموقف واشنطن من المستوطنات الإسرائيلية، أصدر الفاتيكان بيانا هاجم فيه موقف واشنطن الأخير. وإذا كان من غير المعتاد أن ينشر الفاتيكان ردًّا مباشرًا على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، إلا أنّ إعلان إدارة ترامب أثار ردود فعل من عدة مجتمعات دينية، أصدرت بيانات تنتقد إعلان إدارة ترامب، من بينها الاتحاد من أجل اليهودية الإصلاحية، والمجلس الوطني للكنائس[40]، ورابطة الكنائس السويدية.[41]

    أما الدول الإسلامية، فقد أصدر بعضها بيانات رفضت فيه إعلان الولايات المتحدة، كتركيا التي قالت إنّه لا توجد أيّ دولة فوق القانون الدولي، وإنّ التصريحات التي تتضمن فرض الأمر الواقع، لن تكون لها أيّ صلاحية، واصفة الإعلان الأمريكي بأنّه مثال جديد ومتهور لشرعنة الانتهاكات الإسرائيلية للقوانين الدولية[42]. وكذلك ماليزيا التي قالت إنّ الموقف الأمريكي يتناقض مع جميع القرارات الدولية القائمة[43]. وأندونيسيا التي قالت إنّ المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية، وإنّ البناء الاستيطاني هو عملية ضمّ للضفة الغربية بحكم الأمر الواقع، وعقبة أمام جهود السلام.[44]

    • ردود الفعل الفلسطينية والعربية

    رفضت جامعة الدول العربية الإعلان الأمريكي، وقالت إنّه باطل ولاغٍ، وليس له أي أثر قانوني، وإنه أظهر استهتارًا غير مسبوق بالمنظومة الدولية[45]. وكان ذلك عقب اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب، عقد في القاهرة[46]. وعلى نحو منفصل، أدانت الدول العربية الإعلان الأمريكي. فقد أكدت مصر على دعمها للفلسطينيين، وعلى موقفها من عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية، ومخالفتها للقانون الدولي[47]. وأعلنت المملكة العربية السعودية رفضها التامّ لتصريحات واشنطن بشأن المستوطنات الإسرائيلية[48]. وأكدت المملكة الأردنية الهاشمية على عدم شرعية المستوطنات، وحذّرت من تداعياتها الخطيرة.[49]

    فلسطينيًّا، أعلنت الرئاسة الفلسطينية أنّ الإعلان الأمريكي باطل ومرفوض ومدان، ويتعارض كليًّا مع القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية الرافضة للاستيطان، وقرارات مجلس الأمن، قائلة إنّ الإدارة الأمريكية فقدت تمامًا كلّ مصداقية، ولم يعد لها أيّ دور في عملية السلام، ومحمّلة هذه الإدارة، المسؤولية الكاملة عن أيّ تداعيات لهذا الموقف، الذي وصفته بالخطير[50]. وفي سياق الخطوات العملية، قالت الرئاسة الفلسطينية إنّها بدأت بعقد سلسلة اجتماعات طارئة، لاتخاذ الإجراءات والآليات لمواجهة القرارات الأمريكية، معلنة أنّها ستتحرك على المستوى الداخلي، بعقد اجتماعات للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واللجنة المركزية لحركة فتح، وفصائل العمل الوطني، والتنظيمات الشعبية والمجتمع المدني. وعلى المستويين العربي والدولي، ستتوجه إلى مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وسوف تتواصل مع الأحزاب العربية والعالمية، والمنظمات الدولية، بما في ذلك تحريك الملفات لدى المحكمة الجنائية الدولية.[51]

    وعلى صعيد منظمة التحرير الفلسطينية، دعا المجلس الوطني الفلسطيني لتقديم شكوى إلى محكمة العدل الدولية ضدّ إدارة ترامب[52]، ودعا برلمانات العالم واتحاداته، لمواجهة التمرد الأمريكي على القانون الدولي[53]. بينما قالت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، إنّ الخطوة الأمريكية تهدف إلى تكريس تحالف أمريكي صهيوني، يستهدف القضية الفلسطينية برمتها.[54]

    أما حركة فتح، فقد وصفت الإدارة الأمريكية بالصهيونية، وقراراتها بالإرهاب السياسي[55]، ودعت إلى سلسلة فعاليات سمّتها “أيام الغضب”، بدأت في 26 تشرين ثاني/ نوفمبر[56]، حيث تم تعليق دوام المدارس الفلسطينية، وإخراجها في مظاهرات رافضة للقرار الأمريكي[57]. وقد أصيب عشرات الفلسطينيين جراء قمع الاحتلال للمسيرة التي توجّهت من مدينة رام الله إلى محيط حاجز “بيت إيل” العسكري، المقام على المدخل الشمالي لمدينتي رام الله والبيرة. وشارك رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية بهذه المسيرة، ووصف أثناءها الإعلان الأمريكي بوعد بلفور جديد[58]، وأعلن عن التوجه للمحكمة الجنائية الدولية ضدّ القرار الأمريكي بشأن شرعنة الاستيطان.[59]

    كما أعلنت حركة حماس موقفها الرافض للإعلان الأمريكي، الذي وصفه رئيس المكتب السياسي للحركة بالمجزرة السياسية الخطيرة، داعيًا الموقف الفلسطيني الرسمي إلى مغادرة مربع الاستنكار إلى مربع المواجهة الفعلية، عبر استراتيجية وطنية جامعة، تغادر مربع “أوسلو”، وترتكز إلى الموروث النضالي للشعب الفلسطيني. وداعيًا في الوقت نفسه الدول العربية، إلى وقفة جادّة، تنهي حقبة التردد في اتخاذ القرارات الضرورية.[60]

    أمّا حركة الجهاد الإسلامي، فقد وصفت الإعلان الأمريكي بالاستعماري والعدائي، والفاقد لأي شرعية، واعتبرته دليلًا على دعم الولايات المتحدة للاحتلال والإرهاب، وأكدت أنّ الردّ يكون بتصعيد المقاومة ضدّ الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، وإنهاء الانقسام، وتوجيه كل الطاقات الشعبية والوطنية لمواجهة الاحتلال.[61]

    واعتبرت الجبهة الشعبية الإعلان الأمريكي دليلًا إضافيًّا على عداء الإدارة الأمريكية للشعب الفلسطيني وحقوقه، وتشريعًا صريحًا لنهب الأرض الفلسطينية، وتشجيعًا على استمرار الاحتلال لها، وتعدّيًّا على القانون الدولي. ودعت الجبهة إلى وقف ما سمتها بالأوهام، التي لا زالت تراود الذين يراهنون على دور أمريكي فيما يُسمّى بعملية سياسية لحل الصراع.[62]

    وكانت الجبهة الديمقراطية قد انتقدت اجتماع اللجنة التنفيذية الذي سبقت الإشارة إليه، على اعتبار أنّه تشاوريّ غير مخوّل باتخاذ أيّ قرارات، وطالبت السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني مع المخابرات الأمريكية، والشروع بتطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي، بما في ذلك سحب الاعتراف بـ “إسرائيل”، ووقف التنسيق مع قوات الاحتلال، ومقاطعة البضائع الإسرائيلية، ورسم خطط عملية للانفكاك الاقتصادي عن “إسرائيل”، وطيّ صفحة أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي.[63]

    في حين قال مصطفى البرغوثي، الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، إنّه لم تعد قيمة للاتفاقيات القائمة، ولا لاتفاقية أوسلو، التي مزّقتها “إسرائيل”.[64]

    خلاصة

    بعد هذا العرض، يمكن القول إن القرار الأمريكي الأخير بالاعتراف بشرعية المستوطنات الإسرائيلية في الضفّة الغربية، وعدم مخالفتها للقانون الدولي، لا يخلو من أسباب خاصّة موضعيّة، تتمثل في رغبة الإدارة الأمريكية في دعم حليفها بنيامين نتنياهو، لمواجهة أزماته السياسية والانتخابية والقضائية، وكذلك في رغبتها في الحصول على دعم اللوبي الصهيوني في أزمة إجراءات عزل ترامب، واقتراب الانتخابات الأمريكية. بيد أنّها في جوهرها هي حلقة من سلسلة طويلة، كان أخطرها اعتراف ترامب قبل عامين بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل”، ثم اعترافه بشرعية السيادة الإسرائيلية على الجولان السوري، في خطوة فسرها كثير من المراقبين، بأنها تمهيد للاعتراف بشرعية المستوطنات، أو ضمّ الضفّة الغربية.

    من الواضح أن الإدارة الأمريكية الحالية، تستند في قراراتها، على الوقائع التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فهي تعتبر أيّ إجراء إسرائيلي بأنه إجراء شرعي، ما دام قد صار أمرًا واقعًا، الأمر الذي يجرّد العملية السلمية من أيّ معنى لها، ويجعل المفاوضات بلا أيّ قيمة، ما دام المنطلق هو موقف الاحتلال، لا موقف الطرفين، بالرغم من اعتقاد هذه الإدارة، أنّ عزل الجانب القانوني يجعل العملية السلمية تسير بشكل أفضل. لذا، فإن اتجاهات هذه الإدارة واضحة، وهي فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين. وبالتالي، فما هو متوقع لاحقًا من الإدارة الأمريكية، والإجراءات الإسرائيلية، هو فرض مزيد من الوقائع، وصولًا إلى تطبيق كامل للرؤية الإسرائيلية، وبما ينهي أيّ حقوق سياسية للفلسطينيين، وهو ما يمكن فهمه من تصريحات سابقة لبومبيو، قال فيها إنّ طرح الخطة الأمريكية قد يستغرق عشرين عامًا.

    وفي مقابل الرفض الدولي الكاسح للقرار الأمريكي، فإنّ الموقف الفلسطيني الرسمي لم يرْق إلى خطورة الحدث، وكان أضعف من ردّ الفعل الذي أعقب القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل”. واقتصر موقف القيادة الفلسطينية على الإعلان عن سلسلة الاجتماعات التي سبقت الإشارة إليها، ولم تتخذ أيّ قرار جديد بخصوص العلاقة مع الاحتلال، علمًا بأنّ الرئيس محمود عبّاس، سبق له وأن أعلن وقف العمل بالاتفاقات مع “إسرائيل”، دون أن ينعكس ذلك على أرض الواقع. وهنا تجدر الإشارة إلى سلسلة قرارات المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير، والتي نصّت على وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، ولكن دون أن تُطبّق.

    وعلى مستوى الفعل الميداني، لم تستطع منظمة التحرير وحركة فتح، تنظيم فعاليات جادّة ردًّا على القرار، باستثناء اللجوء إلى وزارة التربية والتعليم، التي علّقت الدوام جزئيًّا، لحشد الطلاب والتلاميذ فيما دعته “يوم الغضب”. وإذا كان هذا يكشف عن عدم الجدّية في الحديث المستمر عن تفعيل المقاومة الشعبية، فإنّه يرجع بالدرجة الأولى إلى السياسات التي أضعفت الحركة الوطنية، وعزلت الجماهير عن القيام بدورها التاريخي في مواجهة الاحتلال. وبالتالي، والحال هذه، فإنّ السلطة الفلسطينية لم تتخذ أيّ تحوّلات في مسارها، أو علاقاتها الوطنية، لمواجهة هذه التحديات الخطيرة المتتابعة، التي تهدف إلى تصفية الحقّ الفلسطيني تمامًا.

    [1] موقع وزارة الخارجية الأمريكية، 18 تشرين أول/ أكتوبر 2019، https://www.state.gov/secretary-michael-r-pompeo-remarks-to-the-press/

    [2] المصدر السابق.

    [3] By Lara Jakes and David M. Halbfinger, “In Shift, U.S. Says Israeli Settlements in West Bank Do Not Violate International Law”, The New York Times, Nov. 18, 2019, https://www.nytimes.com/2019/11/18/world/middleeast/trump-israel-west-bank-settlements.html

    [4] نتنياهو يتعهد بضمّ غور الأردن وشمال البحر الميت إذا أعيد انتخابه، موقع الجزيرة نت، 10 أيلول/ سبتمبر 2019، https://www.aljazeera.net/news/politics/2019/9/10/

    [5] نتنياهو أراد الإعلان عن ضم الضفة.. ثم تراجع، موقع عرب48، 13 أيلول/ سبتمبر 2019، https://www.arab48.com/إسرائيليات/أخبار/2019/09/13

    [6] يوم قبل الانتخابات: نتنياهو يتعهد بضم مستوطنات الخليل، موقع عرب48، 16 أيلول/ سبتمبر 2019، https://www.arab48.com/إسرائيليات/أخبار/2019/09/16

    [7] ما مصير نتنياهو؟، موقع عرب 48، 21 تشرن ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.arab48.com/إسرائيليات/الفساد-والجريمة/2019/11/21

    [8] تعقيب مكتب نتنياهو على بيان وزارة الخارجية الأمريكية حول شرعية المستوطنات، موقع الخدمات والمعلومات الحكومية – ديوان رئيس الوزراء، 18 تشرين أول/ أكتوبر 2019، https://www.gov.il/ar/departments/news/spoke_statement181119

    [9] موقع بعثة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، بيان السفيرة كيلي كرافات، 18 تشرين أول/ أكتوبر 2019، https://usun.usmission.gov/statement-by-ambassador-kelly-craft/

    [10] ترامب: سحبنا القدس من طاولة البحث، موقع قناة الميادين الفضائية، 22 آب/ أغسطس 2018، http://www.almayadeen.net/news/politics/898845/

    [11] أمريكا توقف تمويل الأونروا، موقع وكالة رويترز للأنباء، 31 آب/ أغسطس 2018، https://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKCN1LG2JL

    [12] الولايات المتحدة تعلن رسميا إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، موقع وكالة الأناضول التركية للأنباء، 10 أيلول/ سبتمبر 2018، https://www.aa.com.tr/ar//1251407

    [13] Proclamation on Recognizing the Golan Heights as Part of the State of Israel, whitehouse, March 25, 2019, https://www.whitehouse.gov/presidential-actions/proclamation-recognizing-golan-heights-part-state-israel/

    [14] نتنياهو عن اعتراف ترامب بسيادة الاحتلال على الضفة: انتظروا، موقع عرب 48، 6 نيسان/ إبريل 2019، https://www.arab48.com/إسرائيليات/أخبار/2019/04/06

    [15] صحف ألمانية: لو نجح ترامب في الجولان سيأتي الدور على الضفة، موقع DW، 26 آذار/ مارس 2019، https://www.dw.com/ar/ 48067304

    [16] تراجع احتمال الإعلان عن “صفقة القرن” المتوقع الشهر المقبل، موقع صحيفة القدس، 29 آذار/ مارس 2019، http://www.alquds.com/articles/1553790304431899900/

    [17] Statement by the U.S. Mission on Palestinian Delay Tactics Designed to Defend Hamas Terrorism, united states mission to the united nation, November 30, 2018, https://usun.usmission.gov/statement-by-the-u-s-mission-on-palestinian-delay-tactics-designed-to-defend-hamas-terrorism/

    [18] هيلي تشكك في عدد اللاجئين الفلسطينيين، موقع وكالة رويترز للأنباء، 28 آب/ أغسطس 2018، https://ara.reuters.com/article/ME_TOPNEWS_MORE/idARAKCN1LD2HQ

    [19] هارتس: 61 مليون $ لأجهزة أمن السلطة لمواصلة التنسيق الأمني مع إسرائيل، موقع وكالة سما، 2 آب/ أغسطس 2018، https://samanews.ps/ar/post/344472/

    [20] مساعٍ إسرائيلية لإعادة الدعم الأمريكي لأجهزة أمن السلطة، موقع عربي21، 6 شباط/ فبراير 2019، https://arabi21.com/story/1157802

    [21] تخوّفات إسرائيل من انهيار السلطة الفلسطينيّة تدفعها إلى الموافقة على إدخال مركبات مصفّحة لها، موقع المونيتور، 31 أيار/ مايو 2019، https://www.al-monitor.com/pulse/ar/contents/articles/originals/2019/05/armored-vehicles-israel-palestinian-authority-security-us.html

    [22] اتفاقية جنيف الرابعة، 1949 – اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12آب/أغسطس 1949، موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، https://www.icrc.org/ar/doc/resources/documents/misc/5nsla8.htm?utm_term=&utm_campaign=Monthly+search+promo+-+ICRC.ORG+-+FR+-+Global+-+AF+-+2018+-+Lac+Tchad&utm_source=adwords&utm_medium=ppc&hsa_net=adwords&hsa_tgt=dsa-691372891347&hsa_ad=343891917753&hsa_acc=5672805410&hsa_grp=74707146932&hsa_mt=b&hsa_cam=1055939988&hsa_kw=&hsa_ver=3&hsa_src=g&gclid=EAIaIQobChMIl_Hy66CL5gIVSed3Ch0ZbguFEAAYASAAEgIUHfD_BwE

    [23] قرار مجلس الأمن 242(1967)، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/S/RES/242(1967)

    [24] قرار مجلس الأمن 446(1979)، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/S/RES/446(1979)

    [25] قرار مجلس الأمن 452(1979)، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/S/RES/452(1979)

    [26] قرار مجلس الأمن 465(1980)، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/S/RES/465(1980)

    [27] قرار مجلس الأمن 471(1980)، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/S/RES/471(1980)

    [28] قرار مجلس الأمن 904(1994)، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/ar/S/RES/904(1994)

    [29] فتوى محكمة العدل الدولية بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة، موقع محكمة العدل الدولية، 13 تموز/ يوليو 2004، https://www.icj-cij.org/files/advisory-opinions/advisory-opinions-2004-ar.pdf

    [30] قرار مجلس الأمن (2334)2016، موقع مجلس الأمن، https://undocs.org/ar/S/RES/2334(2016)

    [31] الأمم المتحدة والصليب الأحمر: المستوطنات الإسرائيلية لا تزال غير قانونية، موقع وكالة رويترز، 19 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://ara.reuters.com/article/idARAKBN1XT1FF

    [32] المصدر السابق.

    [33] المصدر السابق.

    [34] فشل في إصدار بيان يدين الموقف الأمريكي.. مجلس الأمن يرفض شرعنة الاستيطان، موقع المركز الفلسطيني للإعلام، 21 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.palinfo.com/263167

    [35] مجلس الأمن يصفع واشنطن.. رفض شرعنة الاستيطان، موقع عربي21، 2 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://arabi21.com/story/1224283/

    [36] ألمانيا ترد: المستوطنات الإسرائيلية مخالفة للقانون الدولي، موقع DW، 19 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.dw.com/ar/أ/a-51319077

    [37] إسبانيا: المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة ليس لها أي شرعية قانونية، موقع وكالة سما، 20 تشرن ثاني/ نوفمبر 2019، https://samanews.ps/ar/post/396124/

    [38] خمس دول أوروبية تنتقد موقف واشنطن من المستوطنات الإسرائيلية، موقع DW، 21 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.dw.com/ar//a-51343454

    [39] “لاعتبارات أخلاقية”.. محكمة أوروبية تفرض على إسرائيل وسم منتجات المستوطنات، موقع الجزيرة نت، 12 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.aljazeera.net/news/politics/2019/11/12/

    [40] “الفاتيكان” يهاجم موقف واشنطن من المستوطنات الإسرائيلية، موقع عربي21، 21 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://arabi21.com/story/1224310

    [41] “الكنائس السويدية” تنتقد اعتراف واشنطن بالمستوطنات، موقع وكالة الأناضول، 20 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.aa.com.tr/ar/ 1650817

    [42] تركيا تتصدر إدانات عربية ودولية لـ”شرعنة” واشنطن مستوطنات الضفة، موقع وكالة الأناضول، 19 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.aa.com.tr/ar//1650044

    [43] ماليزيا ترفض الموقف الأمريكي بشأن المستوطنات الإسرائيلية، موقع وكالة الأناضول، 21 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.aa.com.tr/ar//1652164

    [44] موقع وكالة سما، 22 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://samanews.ps/ar/post/396305/

    [45] الجامعة العربية ترفض رسميا تحول الموقف الأمريكي من المستوطنات الإسرائيلية، موقع وكالة رويترز، 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN1XZ2BH

    [46] الوزراء العرب يرفضون القرار الأمريكي حول المستوطنات الإسرائيلية، موقع euronews، 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://arabic.euronews.com/2019/11/25/arab-league-condemns-us-reversal-on-israeli-settlements

    [47] مصر مجددا: مستوطنات إسرائيل مخالفة وغير قانونية، موقع العربية نت، 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/egypt/2019/11/25/

    [48] السعودية ترفض الموقف الأمريكي بشأن المستوطنات الإسرائيلية، موقع وكالة رويترز، 20 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN1XU21F

    [49] الأردن يحذر من تداعيات خطيرة لتغير الموقف الأمريكي تجاه المستوطنات الإسرائيلية، موقع وكالة رويترز، 18 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://ara.reuters.com/article/idARAKBN1XS2FY

    [50] أبو ردينة: إعلان وزير الخارجية الأميركي اعتبار المستوطنات لا تخالف القانون الدولي باطل ومرفوض ومدان ويتعارض كليا مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، موقع وكالة وفا، 18 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=V75Zkna865424244135aV75Zkn

    [51] بحضور الرئيس: القيادة تعقد اجتماعات طارئة لاتخاذ إجراءات لمواجهة القرارات الأميركية، موقع وكالة وفا، 29 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=V75Zkna865477542303aV75Zkn

    [52] المجلس الوطني يدعو إلى تقديم شكوى لمحكمة العدل الدولية ضد إدارة ترمب، موقع وكالة وفا، 19 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=cqSDX7a865458507243acqSDX7

    [53] المجلس الوطني يدعو برلمانات العالم واتحاداته لمواجهة التمرد الأميركي على القانون الدولي، موقع وكالة وفا، 21 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=cqSDX7a865635533301acqSDX7

    [54] التنفيذية تبحث آخر المستجدات السياسية وقضايا الوضع الداخلي، موقع وكالة وفا، 24 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=cqSDX7a865785910275acqSDX7

    [55] فتح: لن نرضخ لإرهاب واشنطن السياسي وسنفشل تصريحات بومبيو كما “صفقة القرن”، موقع إعلام فتح، 19 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.fatehmedia.ps/page-80881.html

    [56] فتح تدعو شعبنا لأوسع مشاركه في يوم الغضب، موقع إعلام فتح، 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.fatehmedia.ps/page-81484.html

    [57] تعليق دوام مدارس الضفة غدًا للمشاركة في “يوم الغضب”، موقع ألترا فلسطين، 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://ultrapal.ultrasawt.com/

    [58] إصابة عشرات الفلسطينيين جراء قمع الاحتلال مسيرات “يوم الغضب”، موقع صحيفة العربي الجديد، 26 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.alaraby.co.uk/politics/2019/11/26/

    [59] إشتية: توجهنا للجنائية الدولية ضد القرار الأميركي بشأن شرعنة الاستيطان، موقع وكالة وفا، 26 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=ornbGda865941046014aornbGd

    [60] تصريح صادر عن رئيس المكتب السياسي بشأن إعلان واشنطن شرعنة المستوطنات، موقع حركة حماس، 20 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، http://hamas.ps/ar/post/11291

    [61] بيان: تصريحات وزير الخارجية الأمريكية حول شرعية المستوطنات “استعمارية وعدائية”، موقع حركة الجهاد الإسلامي، 19 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://jehad.ps//post/845

    [62] الشعبية: الإعلان الأمريكي دليل إضافي على عداء الإدارة الأمريكية لشعبنا وحقوقه الوطنية، موقع الجبهة الشعبية، 18 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://pflp.ps/post/18879/

    [63] الجبهة الديمقراطية تدعو إلى اجتماع لمواجهة شرعنة الاستيطان، موقع تلفزيون الغد، 23 تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، https://www.alghad.tv/

    [64] إصابة عشرات الفلسطينيين جراء قمع الاحتلال مسيرات “يوم الغضب”، موقع صحيفة العربي الجديد، مصدر سابق.

     
  • المشهد الإسرائيلي نيسان/ إبريل 2020: الحكومة الجديدة وانعكاساتها على الفلسطينيين

    الكاتب : صلاح الدين عواودة 

    مقدمة

    رغم أزمة الكورونا وحالة الطوارئ، إلا أن الحدث الأبرز خلال شهر نيسان/ إبريل، كان اتفاق تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، حكومة الطوارئ، بين نتنياهو ومعه معسكر اليمين من جهة، وبين غانتس وحزبه “أزرق أبيض” من جهة ثانية، إضافة إلى حزب العمل بقيادة عمير بيرتس. علما أن حزب “أزرق أبيض” تفكك مؤخرًا بسبب هذا الاتفاق، وبقي غانتس يتزعم حزب “حوسن إسرائيل”، الذي شكله منتصف عام 2018. وقد شكلت قضية ضم المستوطنات، أهم بند من بنود اتفاق تشكيل الحكومة، وهو ما يستدعي دراسة بنود الاتفاق، وانعكاساته على القضية الفلسطينية ومستقبل الصراع في المنطقة. فمن الواضح أن التيار الذي انتصر، هو تيار نتنياهو، وهو في طريقه إلى انتصار أكبر لو حصلت انتخابات رابعة. لذلك، من الطبيعي أن يفرض هذا التيار برنامجه السياسي عند تشكيل أي حكومة من قبله، حتى لو أغرى الآخرين بكثير من الغنائم السياسية، كما فعل مع غانتس وحزبه، ومع عمير بيرتس وحزبه، فقد حصلوا على حصة الأسد من الغنائم السياسية، لكنهم شاركوا في حكومة كتب برنامجها نتنياهو واليمين المتحالف معه، وأهم ما في هذا البرنامج، هو الموقف من القضية الفلسطينية، وسلوك الاحتلال في الضفة الغربية، ومع قطاع غزة.

    تحاول هذه الورقة، ومن خلال قراءة المشهد الإسرائيلي في شهر نيسان/ إبريل، معرفة انعكاسات هذا الاتفاق على القضية الفلسطينية، إضافة إلى الوقوف على التطورات المتعلقة بأزمة الكورونا، لا سيما تأثيرها على الاقتصاد، وعلى العلاقات مع المحيط والعالم، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وآلية خروج الاقتصاد الإسرائيلي من أزمة الكورونا، في ظل الركود والعجز وارتفاع البطالة.

    كما يتناول هذا المشهد قضية ضم الغور والمستوطنات، والموقف الأمريكي منها، وملف التهدئة مع قطاع غزة، وتطورات موضوع صفقة التبادل، وهي الملفات التي تصدرت المشهد الإسرائيلي في شهر نيسان/ إبريل.

    نتنياهو ينجح أخيرًا

    قال الصحفي والمحلل السياسي أمنون أبروموفيتش، في مقال نشره على موقع القناة إن 12 بتاريخ 26/4/2020، إنه ما كان لأحد أن يتفاجأ من الاتفاق بين غانتس ونتنياهو، ونفى أن يكون السبب هو جائحة الكورونا، وذكر أن غانتس وإشكنازي، كانا قد عزما على المشاركة في حكومة نتنياهو بعد الانتخابات الماضية في أيلول/ سبتمبر 2019، وذلك قبل ظهور أزمة الكورونا، وكان أبروموفيتش قد سمى حزب “أزرق أبيض” في حينه، بـ (ليكود ب)، ولكن دون لائحة اتهام. وفي نفس الوقت، يعبر أبروموفيتش عن دهشته من تحول غانتس وإشكنازي، إلى آلة لتحصين نتنياهو. فرغم إبداء حزب “أزرق أبيض” قلقًا على المحكمة العليا، إلا أنهم، ومن خلال الاتفاق مع نتنياهو، حاصروا المحكمة، التي قيدوا قدرتها على رفض الاتفاق، ووضعوها في محل الاتهام بأنها تدفع الدولة إلى انتخابات رابعة إن رفضت الاتفاق. وفي المقابل، فإن قبول الاتفاق، يشكل ضربة للقضاء وسلطة القانون (ابرموفيتش 2020).

    ولكن، سواء تحت ضغط جائحة كورونا، أو ضغط الاستطلاعات التي تتنبأ بتقدم اليمين إذا حصلت انتخابات رابعة، استطاع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في النهاية، جر رئيس حزب “أزرق أبيض” بيني غانتس، مساء الإثنين 20/4/2020، إلى الاتفاق على حكومة طوارئ وطنية لستة أشهر، وحكومة وحدة تضم 36 حقيبة وزارية، لثلاث سنوات قابلة للتمديد سنة أخرى، وخلال الشهور الست الأولى كحكومة طوارئ، لا يتم تشريع أي قانون، ولا حتى اقتراح أي قانون للنقاش، ليس مرتبطًا بشكل مباشر بأزمة الكورونا، ويكون نتنياهو رئيس الحكومة أولا لمدة 18 شهرا. كما نص الاتفاق بينهما، والذي تم بضمان أحزاب الحريديم، وهي شاس ويهدوت هتوارة، على إقامة مجلس وزاري مصغر (كابينيت)، لمواجهة تحديات كورونا، برئاسة مشتركة بين نتنياهو وغانتس، وبمشاركة الوزراء ذوي الصلة بالموضوع. كما نص على أن يسكن غانتس في مقر خاص برئيس الحكومة البديل، إلى جانب مقر رئيس الحكومة الفعلي (سيجال و ليال 2020).

    ووفقًا للاتفاق، ستتوزع المهام والعضوية بالتساوي بين حزبي الليكود و “أزرق أبيض”، في المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت الأمني)، وفي المجلس الوزاري المصغر للقضايا الاجتماعية والاقتصادية. ويضمن الاتفاق تنفيذ التناوب بموجب بند ينص على أن تصويت الكنيست على حكومة الوحدة الوطنية، يمنح الثقة لنتنياهو ليكون رئيسا للحكومة أولا، وسيتبعه تصويت على غانتس لمنصب “رئيس الحكومة البديل”، حيث سيتولى منصبه، بموجب اتفاق التناوب، في تشرين أول/ أكتوبر2021، دون الحاجة لأخذ ثقة الكنيست مرة أخرى، وذلك لضمان عدم غدر نتنياهو وحلفائه من اليمين. ورغم توفير الاتفاق شبكة أمان واستقرار لحكومة نتنياهو لمدة ستة أشهر على الأقل، حتى دون أن ينضم تحالف أحزاب اليمين (6 مقاعد) له، ورغم أن الحكومة ستحظى بدعم 68 عضو كنيست على الأقل، إلا أنه لم يضمن تولي غانتس منصب رئيس الحكومة، إذا أقصت المحكمة العليا نتنياهو من منصبه، فحينها لن ينفذ اتفاق التناوب، وستكون هناك انتخابات رابعة، وسيتولى غانتس رئاسة الحكومة فقط إذا تم حل الكنيست (عرب 48 2020).

    إنجازات نتنياهو مقابل إنجازات غانتس

    من ناحيته ضَمِن نتنياهو، إلى جانب بقائه في رئاسة الحكومة سنة ونصف أخرى، أغلبية في لجنة تعيين القضاة، وهو ما يسمح لنتنياهو بتعيين من يرغب من القضاة  في المحكمة العليا. كما ضَمِن أن لا يكون هناك أي تشريع دون موافقته، رغم أن رئيس لجنة التشريعات في الكنيست، سيكون من حزب “أزرق أبيض”. كما يضمن الاتفاق لنتنياهو، أن لا يشرع أي قانون ضده في الكنيست خلال الشهور الست الأولى، وهي فترة الطوارئ، كما يستطيع نتنياهو تسجيل موضوع فرض السيادة في الضفة الغربية، الذي سيبدأ نقاشه في تموز/ يوليو المقبل، كإنجاز له. كما سيضمن نتنياهو بقاءه في مقر رئاسة الحكومة، حتى بعد انتهاء فترته، ويبقى كرئيس حكومة بديل، وسيحتفظ بكل امتيازاته. كما يضمن نتنياهو بقاء معسكر اليمين من خلفه، رغم احتمال بقاء حزب “يمينا” خارج الائتلاف. كما شمل الاتفاق بنودًا تسمح بحل الحكومة، دون أن يصل غانتس إلى رئاستها (سيجال و ليال 2020).

    أما غانتس، فسوف يحصل على منصب رئيس حكومة بديل من لحظة أداء الحكومة للقسم، وهو ما لم يحصل عليه أحد سابقًا، إضافة إلى حصوله على نصف الحقائب الوزارية، رغم قلة عدد كتلته النيابية مقارنة بمعسكر اليمين، وكذلك توليه منصب وزير الدفاع. كما حصلت كتلته على الوزارات الهامة، مثل وزارتي الدفاع والخارجية، وذلك فقط خلال فترة رئاسة نتنياهو للحكومة، على أن تحول هذه الوزارات إلى حزب الليكود عند تولي غانتس رئاسة الحكومة، وكذلك وزارة القضاء، ويمكن له الحصول على أغلبية في لجان اختيار القضاة لغير المحكمة العليا. كما سيصبح غانتس رئيسًا للحكومة لمدة 6 شهور تلقائيًا، في حال قرر نتنياهو حل الكنيست، ودون حاجة ليقدم نتنياهو استقالته. كما ضمن غانتس إدخال أعضاء للكنيست من حزبه كبدلاء للوزراء. أما في حال التصويت على حل الكنيست أثناء ولايته، فسيبقى غانتس في رئاسة الحكومة، كرئيس حكومة انتقالية. وفي حال قررت المحكمة العليا منع نتنياهو من الاستمرار في رئاسة الحكومة أثناء نوبته، فسيتم حل الكنيست، وسيتولى غانتس رئاسة الحكومة الانتقالية. لكن في حال قرر نتنياهو الاستقالة، أو مرض، أو عجز عن القيام بوظيفته لسبب قاهر، فإن نائبه يحل مكانه مدة الـ 18 شهرا المقررة له، إلى أن يعود فيستلم رئاسة الحكومة وفقا للاتفاق. كما ينص الاتفاق على أن لا يملأ أي شخص مكان أي من نتنياهو وغانتس من حزبيهما، في حال التغيب القسري لأحدهما، ويذهب الجميع لانتخابات جديدة في حالة حدوث ذلك (سيجال و ليال 2020).

    الفلسطينيون في حكومة الطوارئ

    كما شمل اتفاق حكومة الطوارئ، تفاهمات بين حزبي الليكود و”أزرق أبيض”، على أن يقوم نتنياهو، وبعد الاتفاق مع الأمريكان على فرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، بمناقشة الاتفاق مع رئيس الحكومة البديل غانتس، ثم مناقشته في المجلس الوزاري، وفي الكنيست، وضم جميع المستوطنات، حيث يبدأ النقاش بداية تموز/ يوليو 2020.

    وشمل الاتفاق أيضا، عدم إجراء أي تعديل على “قانون القومية”، الذي يعرف “إسرائيل” على أنها الوطن القومي للشعب اليهودي حول العالم، لكنه لم يتطرق لمسألة ضم الأغوار والبحر الميت، التي طالب بها تحالف أحزاب اليمين. ونقلت صحيفة “يسرائيل هيوم” عن مصادر مطلعة على مفاوضات الائتلاف الحكومي، أنه “بموجب حكومة الطوارئ، سيجري فرض السيادة الإسرائيلية وضم المستوطنات”، مشيرا إلى أن رئاسة نتنياهو لحكومة مستقرة وواسعة، ستخلق الظروف لبدء إجراءات الضّم، لكنه ربط ذلك ببقاء دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية (وتد 2020).

    ويضم الائتلاف الحكومي رئيس حزب العمل عمير بيرتس، الذي سيكون وزيرا للاقتصاد، وإيتسك شمولي وزيرا للرفاه الاجتماعي، وذلك على حساب الموقف التاريخي لحزب العمل من حل الدولتين، رغم أن رئيس الحزب عمير بيرتس، نفى الادعاءات ضد الاتفاق، وأكد أنه غير ملتزم بقرارات الائتلاف كافة، وأن الحزب لن يصوت لصالح أي قرار ضم من جانب واحد (i24NEWS 2020).

    أما اتفاق حزب العمل بقيادة عمير بيرتس، مع نتنياهو، الذي نشرته صحيفة هآرتس في 25 نيسان/ إبريل، فلم يتطرق لعملية التسوية مع الفلسطينيين، رغم نصه على المحافظة على اتفاقيات السلام، والمصالح الأمنية والسياسية لدولة “إسرائيل”، والعمل على إعادة الجنود المفقودين من غزة، كشرط مسبق لأي اتفاق أو تسهيلات اقتصادية لقطاع غزة. كما شمل الاتفاق تحديد أجندة جديدة تجاه حركة حماس في قطاع غزة، وإعادة الردع الإسرائيلي أمام الفصائل الفلسطينية في القطاع. (ناصر 2020)

    الضم بغطاء الكورونا

    كتب الجنرال أودي ديكل، مدير مركز دراسات الأمن القومي، ومعه الباحثتان ليا موراد جلعاد، وعنات كورتس، ورقة نشرها المركز بتاريخ 26/4/2020، اعتبروا فيها أن فترة الكورونا، وفترة وجود ترامب في الرئاسة الأمريكية، ورغبته بترك بصماته على التاريخ، مع احتمال عدم فوزه بفترة إضافية في البيت الأبيض، وحاجته الملحة لأصوات الصهيونية المسيحية في الانتخابات، تشكل فرصة تاريخية لفرض السيادة الإسرائيلية على كل المستوطنات، وذلك على الأقل من وجهة نظر مجموعة المصالح التي يقودها بنيامين نتنياهو. فنتنياهو يرى وجود فرصة تاريخية لفرض السيادة الإسرائيلية دون عملية تسوية، وهي فرصة لم تكن سابقًا، وقد لا تتكرر مستقبلًا، في ظل انشغال زعماء العالم بأزمة الكورونا. ومن وجهة نظر هؤلاء الباحثين، فإن هذا التوجه خطير على مستقبل دولة “إسرائيل”، حيث سيخلخل الأسس التي تقوم عليها، وهي، على حد زعمهم، اليهودية والديموقراطية والأمن والأخلاقية، الساعية للسلام مع جيرانها. لذلك يدعون الحكومة الجديدة، لدعوة قيادة السلطة الفلسطينية للعودة إلى المفاوضات، التي تشكل خطة ترامب إحدى مرجعياتها. وإذا استمرت السلطة بالرفض، فعلى الحكومة أن تطلب دعم الجمهور لتنفيذ انفصال من طرف واحد عن الفلسطينيين، يشمل أيضا ضمًا متدرجًا للأراضي، ويضمن، على حد تعبيرهم، مصالح “إسرائيل” السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية (ديكل، موران جلعاد و كورتس 2020).

    نص الاتفاق بين نتنياهو وغانتس، على العمل بالتوافق الكامل مع الولايات المتحدة، لا سيما في مسألة رسم الخرائط، والحديث مع المجتمع الدولي، مع الحفاظ على مصالح “إسرائيل” الاستراتيجية، والاستقرار في الإقليم. وكان نتنياهو قد وعد ناخبيه بضم غور الأردن، وفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات، والتي تعني ضم أراضي المستوطنات لـ “إسرائيل”. ومن الملاحظ أن “إسرائيل” تتلاعب بالألفاظ، لتتلاءم مع الوضع القانوني دوليًا ومحليًا. ففي موضوع الجولان، لم يتم استخدام عبارة “فرض السيادة”، لأن الأرض سورية في القانون الدولي، وإنما تم استخدام عبارة “تطبيق القانون الإسرائيلي”. أما في الضفة الغربية، فيتم الحديث عن “سيادة إسرائيلية”، وتجنب كلمة “الضم”، لما لها من دلالات سلبية، لأن من يقوم بالضم، يفعل ذلك على أرضٍ ليست له أصلًا. لذلك يتفق الجميع في “إسرائيل”، على استخدام تعبير “فرض القانون الإسرائيلي”، أو “السيادة الإسرائيلية”، وليس “الضم”. وبهذا المصطلح، تنتقل الأرض من أرض محتلة، إلى أرض تتبع لـ “إسرائيل”، ويتحول سكانها تلقائيا إلى مواطني دولة “إسرائيل”، كغيرهم في أي مكان آخر في الدولة (ديكل، موران جلعاد و كورتس 2020).

    وهنا، يشير باحثو مركز دراسات الأمن القومي، إلى عدة سيناريوهات للضم، أو فرض السيادة:

    1. ضم الأراضي التي تحتلها المستوطنات، والتي تبلغ 4% من مساحة الضفة المحتلة، إضافة إلى الأراضي التي تتبع قانونيًا للمستوطنات، ومجموعها حوالي 10% من مساحة الضفة الغربية.
    2. ضم الكتل الاستيطانية، والتي تقع أغلبيتها غرب الجدار الفاصل، وتبلغ نسبتها أيضا 10% من الأرض المحتلة عام 1967 في الضفة الغربية، وهذ السيناريو يحظى بإجماع إسرائيلي.
    3. ضم غور الأردن الذي تبلغ مساحته حوالي 17% من مساحة الضفة الغربية.
    4. ضم مناطق (ج) التي تبلغ مساحتها 60% من مساحة الضفة.
    5. ضم الأراضي التي أشارت إليها خطة ترامب، والتي تبلغ نصف منطقة (ج)، أي 30% من الضفة الغربية، وتشمل: الغور 17%، والمستوطنات 3%، والأراضي التابعة لها 10%، مقابل ما سيعطى للدولة الفلسطينية، والأراضي التي ستلحق بقطاع غزة، من النقب الغربي(ديكل، موران جلعاد و كورتس 2020).

    ويضيف هؤلاء الباحثون، أن كل خطوة في هذا الإطار، مهما كانت تسميتها، ضم، أو فرض قانون، أو غيرها، كلها مرتبط بمخاطرة، كمواجهة الكورونا بالضبط، فلا شيء مضمون ولا مؤكد. وبينما يضحون بالاقتصاد من أجل حماية الأرواح في أزمة الكورونا، يغامر السياسيون المشاركون في الائتلاف الحكومي، بأثمان سياسية وأمنية لخطوة مثل الضم، حتى لو تم بالتوافق والتأييد من قبل ترامب. لذلك يرى هؤلاء الباحثون، أن الإغراء يكمن في استغلال فرصة الكورونا، واستغلال آخر أيام ترامب، لضم المستوطنات التي تبلغ نسبتها 4% فقط من الأرض، وذلك كبالون اختبار. فهذه الخطوة قد تمر في ظل الفرصة السانحة كما يقولون، ولكنها لن تحسن الوضع الاستراتيجي لـ “إسرائيل”، حتى لو أمكنها احتواء ردود الفعل السلبية، فلن يعترف أحد بهذه الخطوة غير الولايات المتحدة، بالضبط مثل سابقة الجولان. وعلى صعيد المستوطنين أنفسهم، فلن يأتي عليهم وضع جديد، فهم مواطنو دولة “إسرائيل” أصلًا، بل ربما تزداد التعقيدات البيروقراطية بشأن الأرض، إضافة إلى أن هذه الخطوة، ستعيق أي عودة للمفاوضات، وإذا ما تم التوصل لاتفاق يومًا ما مع الفلسطينيين، فسيكون من الصعب تطبيقه قانونيًا، وسيتطلب مثلًا استفتاءً عامًا، أو أغلبية ثلثي أعضاء الكنيست. وفي نفس الوقت، فإن هذا الضم لن يصادر حق الفلسطينيين بتقرير المصير، ولن يلغي التأييد الدولي لهم. وعليه، سيكون الضم مجرد خطوة سياسية معنوية، ضررها أكبر من نفعها. وإذا كان الهدف هو منع إخلاء مستوطنين، فإن هذا الأمر على المدى المنظور، ليس مطروحًا على جدول أعمال أحد. وهذه الآثار السلبية، ليست حصرًا على هذه المرحلة تحديدًا، وإنما في كل ظرف، وفي أي وقت. لذا، يجب أن لا يتم ربطها بالكورونا، أو استغلالها لتقليل المخاطر (ديكل، موران جلعاد و كورتس 2020).

    أما ضم نصف مناطق (ج) وفقًا لخطة ترامب، فمعناه، وفقًا لباحثي المركز، إغلاق أي نافذة لتسوية مستقبلية مع الفلسطينيين، لأنه لن يتبقى أرض لإقامة دولة فلسطينية، إضافة إلى أن مثل هذه الخطوة، من شأنها أن تضرب الثقة بـ “إسرائيل”، وفكرة حل الدولتين، من قبل الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي، مما قد يدفع السلطة لإعادة المفاتيح، وهو ما يعني عودة المسؤولية عن الفلسطينيين إلى “إسرائيل”، وهذا مكلف أمنيًا واقتصاديًا وسياسيًا لها، إضافة إلى الضرر الأكبر، على أساس أنها دولة يهودية وديموقراطية. فالضم مع السكان، يعني الذهاب إلى خيار الدولة الواحدة. لذا ينصح الباحثون الحكومة الجديدة، بدعوة قيادة السلطة الفلسطينية للعودة إلى المفاوضات، وإذا استمرت السلطة بالرفض، تلجأ “إسرائيل” لخطوات أحادية، مع تجنيد دولي، وضم تدريجي لا يتناقض مع الانفصال، ومع إمكانية إقامة دولة فلسطينية، ديموغرافيًا وجغرافيًا (ديكل، موران جلعاد و كورتس 2020).

    ويمكن تلخيص تداعيات تشكيل حكومة غانتس نتنياهو على المشهد الفلسطيني كما يلي:

    • المضي في خطة الضم في الضفة الغربية، والتوسع الاستيطاني على حساب مسار التسوية السلمية، والسلطة الفلسطينية، نتيجة لزيادة قوة اليمين الإسرائيلي، الذي يتزعمه نتنياهو، وكسره لمعسكر يمين الوسط بزعامة غانتس. كما أن انضمام غانتس وعمير بيرتس لحكومة اليمين، لن يشكل أي نوع من المعادلة لحدة هذا اليمين، لأن غانتس وبيرتس، حتى لو أرادا، سيكونان ضعيفين في هذا التحالف. علما أن غانتس وافق بالفعل على الضم كبرنامج للائتلاف، وتخلى عن مطالبه بالتفاوض مع الفلسطينيين عند توقيع الاتفاق، والتي كان قد أعلنها سابقًا.
    • على الجبهة الجنوبية، يمكن توقع احتمالات تهدئة أقوى مع قطاع غزة، في ظل حكومة قوية بكامل الصلاحيات والتفويض، وفي ظل التحرر النسبي من مزايدات نفتالي بينيت، وحزبه اليميني المتشدد، الذي كان يعترض على أي تهدئة طويلة، وعلى تسهيلات حقيقية لقطاع غزة. ومن المتوقع أن تساعد هذه الحكومة على تحريك ملف الجنود المفقودين، باتجاه صفقة تبادل مع حركة حماس(العيس 2020).

    ملف الجنود المفقودين

    في أعقاب تصريح يحيى السنوار في الثاني من نيسان/ إبريل، بأن حماس جاهزة لتنازلات في ملف الجنود المفقودين، بدأت مسألة الجنود تتفاعل. وصرح نتنياهو بأن حكومته جاهزة للعمل على إعادة جثث القتلى المفقودين، وقال إن منسق الحكومة لهذا الغرض يرون بلوم، وطاقمه، بالتعاون مع مجلس الأمن القومي، والمؤسسة الأمنية، جاهزون بشكل بنّاء للمهمة. ونقلت صحيفة معاريف العبرية عن صحيفة إيلاف السعودية، الصادرة في لندن، استعداد حماس للتنازل. ونقلت الصحيفة أيضا عن مصادر في حماس، أن السنوار مستعد لتقديم معلومات، مقابل تحرير كبار السن والمرضى والنساء والأطفال من الأسرى. كما كان السنوار قد قال في مقابلة مع قناة الأقصى، إنهم جاهزون لتقديم ثمن جزئي، دون أن يعطي تفاصيل. ونقلت الصحيفة عن مصادر من غزة، صرحت لصحيفة العربي الجديد الصادرة بلندن، أن الإسرائيليين طلبوا من المصريين، بحث جدية تصريح السنوار، وأن الإسرائيليين يتشاورون مع المصريين بشأن قناة تفاوُض، وتقديم مبادرات تتعلق بإدخال غذاء ودواء لغزة، إضافة إلى إفراج عن أسرى، ولكن بعيدًا عن مطالب حماس، حسب قول الصحيفة. كما أكدت المصادر، أن مصر تبذل جهودًا لمنع التصعيد، ومنع وقوع جولة قتال جديدة في ظل أزمة الكورونا (برسكي 2020).

    وكانت صحيفة معاريف نشرت قبل ذلك بأسبوع، أن مصادر أمنية وسياسية، تحدثت عن آثار جائحة الكورونا على قطاع غزة، والتي من شأنها خلق فرصة لتحريك ملف الأسرى والمفقودين. ويؤكد ذلك تصريح وزير الجيش نفتالي بينيت، بأن لـ “إسرائيل”، كما لغزة، حاجات إنسانية، وربطه بين المساعدات لغزة، وبين التقدم في المفاوضات بشأن الأسرى والمفقودين. وقالت الصحيفة إنه بموازاة هذا التصريح، كانت هناك نقاشات حول المسألة داخل المؤسسة الأمنية (رم 2020).

    في 23 نيسان/ إبريل، نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت على موقعها، أن أنباءً تحدثت عن مبادرة مصرية لتشجيع حماس على التفاوض، تمثلت بالإفراج عن أربعة أطباء فلسطينيين كانوا معتقلين لديها. ونقلت عن صحيفة الأخبار اللبنانية، أن احتمالات إجراء صفقة، هي احتمالات تتزايد، وأن مصر هي من تقوم بالوساطة، وأنها أفرجت عن الأطباء الأربع المعتقلين لديها منذ سنة ونصف، في هذا الإطار. وأضافت الصحيفة أن المخابرات المصرية، تقوم بدور مركزي في السنوات الأخيرة؛ للحفاظ على التهدئة بين قطاع غزة و “إسرائيل”، وأن مصر وحماس سعداء باتفاق الوحدة بين نتنياهو وغانتس؛ لأنه سيمكن الحكومة الإسرائيلية الجديدة، من اتخاذ خطوات مهمة، مثل صفقة تبادل. ونقلت الصحيفة عن مصادر دولية، أن حماس تريد تحرير أحد الأسرى الجنود الأحياء لديها، مقابل الأسرى الفلسطينيين كبار السن والمرضى والنساء، وأن أزمة الكورونا شكلت سُلّمًا لحماس، لتنزل عن الشجرة بشأن الشرط الذي تمسكت به لسنوات، والذي منع التقدم بأي مفاوضات، وهو شرط الإفراج المسبق عن معتقلي صفقة وفاء الأحرار، ممن أعاد الاحتلال اعتقالهم. وأكدت الصحيفة أن إعلان حماس عن استعدادها، هو مؤشر على الجدية، وأن “إسرائيل” تدرس الأمر بجدية من أجل تحقيق صفقة، وأنها أوصلت لحماس رسالة مشابهة (ليفي 2020).

    وفي 24 نيسان/ إبريل، تحدثت صحيفة معاريف، عن أن العقبة التي تقف أمام المفاوضات الآن، هي أن حماس تريد صفقة جزئية، بينما تريد “إسرائيل” صفقة شاملة. ورغم تأكيد مصادر إسرائيلية حدوث تقدم في المفوضات، إلا أن الفجوات ما زالت كبيرة (ليف رم 2020).

    وفي 30 نيسان/ إبريل، نشرت صحيفة “إسرائيل هيوم” على لسان قيادي في حماس، أن هناك مفاوضات جدية على صفقة تبادل أسرى، وأن مصر تقوم بالوساطة، وأن الخلاف يكمن حول إتمام الصفقة على دفعة واحدة أو دفعتين. فحماس كما يزعم، تريد إطلاق سراح دفعة من الأسرى الفلسطينيين، مقابل أحد الجنود الإسرائيليين الأحياء، ومقابل معلومات عن بقية الجنود، بينما تريد “إسرائيل” صفقة واحدة للجميع، تشمل تسليم الجميع أحياءً وأمواتًا، وتعرض تقديم مساعدات لغزة لمواجهة الكورونا، ومشاريع اقتصادية بتمويل من قطر والأمم المتحدة، مقابل دفع المفاوضات إلى الأمام. ولكن حسب قول الصحيفة، فإن القيادي أخبرهم أن المكتب السياسي لحماس، ومسؤول ملف الأسرى فيها موسى دودين، يرفضون المفاوضات طالما ترفض “إسرائيل” إطلاق سراح القائمة التي طلبتها حماس (سيريوتي 2020).

    على “إسرائيل” أن تكون جاهزة لرئاسة بايدن

    تحدثت ورقة صدرت عن مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، ونُشرت في مجلة “مبات عال” بتاريخ 22 نيسان/ إبريل، عن احتمال فوز المرشح الرئاسي الأمريكي الديموقراطي جو بايدن، الذي، ورغم حبه لـ “إسرائيل”، ودعمه لها، واعتباره لنفسه صهيونيًا، وحبه لنتنياهو الذي تربطه به علاقات شخصية منذ ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن علاقته بـ “إسرائيل” قد تشهد توترًا حول مسألتين: الأولى هي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لذلك دعت الورقة إلى مبادرة إسرائيلية استباقية، بفتح قنوات سرية مع المقربين منه، لبناء الثقة وتنسيق المواقف. والثانية هي الاتفاق النووي الإيراني. فالمرشح بايدن يدعو للضغط على “إسرائيل” باتجاه حل الدولتين، ومن الطبيعي أن خطوات الضم التي تعتزم “إسرائيل” تنفيذها في ظل خطة ترامب، لن تكون محل ترحيب لديه، مع العلم أن الناطق باسم حملته الانتخابية، تحدث عن أن بايدن لن يعيد نقل السفارة الأمريكية من القدس، لكنه سيعيد فتح القنصلية في شرقي القدس، لتقوم بنشاطها تجاه الفلسطينيين، وسيُبقي على موقفه من اعتبار القدس الغربية عاصمة لـ “إسرائيل”، والقدس الشرقية عاصمة لفلسطين. وبالنسبة للاتفاق مع إيران، فقد أعلن بايدين نيته العودة للاتفاق، إن قبلت إيران بذلك. لذا، ترى الورقة أنه يتحتم على “إسرائيل” أن تنشط بشكل سري، لبناء علاقات ثقة مع فريق بايدين، وتحديد خطوط عريضة متفق عليها بين البلدين في القضايا الهامة، إضافة إلى ضرورة تجنب “إسرائيل” الظهور كمؤيد لخصم بايدن في المعركة الانتخابية الأمريكية (هايستاين و شابيت 2020).

    الاقتصاد الإسرائيلي في مواجهة الكورونا

    نشر موقع كلكاليست في 28 نيسان/ إبريل، تقريرًا تحت عنوان “إسرائيل في طريق عقد إضافي ضائع، ولكن ما زال هناك ما يمكن عمله”. جاء في التقرير أن “إسرائيل” دخلت أزمة اقتصادية بعد حرب عام 1973 استمرت عشر سنوات، وأن كبار خبراء الاقتصاد في “إسرائيل”، يحذرون من أثر مثيل للكورونا، ويطرحون مجموعة من الحلول، مثل إصلاحات عميقة لا تتم عادةً، وسيطرة على الركود، والامتناع عن عمليات إنقاذ غير ضرورية. فتداعيات أزمة الكورونا، مستمرة في جر “إسرائيل” نحو المجهول. ولكن عددًا من خبراء الاقتصاد الكلي “الماكرو” في “إسرائيل”، يحذرون من أن “إسرائيل” ذاهبة إلى أزمة كتلك التي أعقبت حرب عام 1973، والتي ستقود إلى ركود ثقيل ومستمر. فرغم اختلاف المقدمات، إلا أن الخطر مشابه، رغم أنهم يقترحون مخرجًا يمنع ذلك، مثل: إصلاحات هيكلية عميقة، والامتناع عن أخطاء اقتصادية، والتوقف عن الشعبوية التي شهدتها السنة الأخيرة (بيلوت 2020).

    ووفقًا لهؤلاء الخبراء، على حكومة نتنياهو وغانتس، أن تجري تغييرات عميقة في الجهاز الضريبي، والأجور والحوافز، مع المحافظة الحازمة على العجز الهيكلي، المتعلق بالتغيرات الهيكلية التي طرأت على الاقتصاد في فترة محددة، وأثرت على المدخولات من الضرائب، وعليها أن تغير الخط الذي سارت عليه الحكومة السابقة، التي وزع فيها نتنياهو ووزير المالية موشيه كحلون، الأموال دون الحفاظ على إطار الميزانية، وأقروا قرارات مدمرة، مثل توزيع الأموال ورفع مخصصات خلال هذه المرحلة. ويقول هؤلاء الخبراء، إن الإصلاحات التي ستجري قريبًا، سيكون لها تأثيرات حاسمة على مستقبل “إسرائيل” الاقتصادي، لخمس أو عشر سنوات قادمة.

    يقول هؤلاء الخبراء: إذا استمر الإغلاق، فستتحول المشاكل قصيرة الأمد إلى طويلة الأمد، لأن قلة الدخل تعني قلة الاستهلاك، وكثير من سلع التسلية لن تجد لها زبائن، كالسياحة والسينما والمسرح والألعاب الرياضية، وبالتدريج سيتحول المُجازون الآن إلى بطالة دائمة. يقول البروفسور آبي بن بسات، مدير عام وزارة الاقتصاد سابقًا، إنه يتوجب على الحكومة، تقديم محفزات اقتصادية تؤدي لارتفاع مصروفات الحكومة، وهذه مشكلة كبيرة، حيث إن العجز كبير جدا بسبب الكورونا، مما تسبب بتقلص المدخولات الضرائبية. وفي ظروف كهذه، يصعب تقديم محفزات مع زيادة العجز، لذا يتطلب الوضع إصلاحات تسهل تنفيذ هذه السياسة، أي محفزات للأعمال، وهي إصلاحات مطلوبة حتى قبل الكورونا، لكنها أصبحت حيوية الآن لإنقاذ الاقتصاد (بيلوت 2020).

    ويؤيد هذا الموقف يورم جباي، مدير واردات الدولة في وزارة المالية، والمحاضر لأكثر من 20 سنة في التاريخ الاقتصادي لـ “إسرائيل”، حيث يرى أنه يجب التعايش مع الكورونا، ولكن يجب فتح السوق لـ 90% من النشاطات التجارية، مع الحفاظ على وسائل الوقاية. وحتى المقاهي والمطاعم يجب أن تعمل، حتى لو كان الثمن زيادة في الإصابات، ولو أدى إلى منحنى غير مسيطَر عليه أحيانًا. فهو، أي جباي، يدعو لتقليص العجز عبر إلغاء الإعفاءات الضريبية، وتقليص الرواتب في القطاع العام، وإذا لم تفعل “إسرائيل” ذلك، فسيحدث لها كما حدث لإيطاليا واليونان، حيث مرت إيطايا بأزمة عام 2008، أدخلتها في عشر سنوات من الضياع لنفس الأسباب، حيث تضخم العجز، وزادت البطالة (بيلوت 2020).

    البروفسور مومي دهان، من كبار خبراء الاقتصاد الكلي في “إسرائيل”، يرى أن هناك تشابهًا مع فترة حرب عام 1973، يتعلق بالضغط على متخذي القرار، وقدرتهم على تحمل هذا الضغط، حيث أخطأت القيادة آنذاك، وتجاهلت الفجوة المتزايدة بين المدخولات والمصروفات، وتضخم البطالة، الذي لولا المساعدات الأمريكية عام 1985، لأدى إلى إفلاس اقتصادي. واليوم، هناك من يظن أنه قادر على تخفيف الضرر، من خلال توزيعه، وهذا ما سيمنع انتعاشًا سريعًا. ومثال ذلك، رفع مخصصات الأطفال، وهو ما فعله نتنياهو مؤخرًا، أو تقديم مساعدات سخية للقطاع الخاص. ويحذر دهان من تمويل العجز عبر طباعة أوراق نقدية، وهي خطوة أدت إلى انهيار في السبعينيات. كما يحذر دهان، وبن بسات أيضا، من تقديم مساعدة للقطاع الخاص، إلا في حالات نادرة، كشراء أسهم في هذا القطاع، فهما يحذران من تقديم مساعدة لمشاريع لم يعد لبقائها أصلًا أي مبرر، مع العلم أنه لا يمكن تحديد هذه المشاريع، لذا فالمطلوب عدم تقديم أي شيء لأي مشروع (بيلوت 2020).

    أما البروفسور عومر مؤاب، مستشار وزير المالية السابق يوفال شتاينتس، فهو متفائل، لكنه يحذر من أخطاء ترتكبها الحكومة، مثل زيادة العجز الذي يمنع الانتعاش بسرعة بعد انتهاء الأزمة، لذلك فهو يحذر من تعويضات القطاع الخاص، التي ستزيد العجز، ويدعو في المقابل، إلى إعادة فتح القطاع الخاص، وعودته للعمل بأسرع ما يمكن. ويؤكد التحذيرات البروفسور ريكاردو هاوسمان، مدير مركز التطوير الاقتصادي الدولي في جامعة هارفارد، والذي يستذكر آثار حرب عام 1973، حيث ذهب كل الرجال من القطاع الخاص إلى الجبهة، فانهار الانتاج، ثم تضاعفت نفقات الحكومة على التسليح فجأة، لتعويض النقص في المستودعات. واليوم، ما زال الوضع قبل الذروة، لكن الخطر من الركود ما زال قائمًا، والبطالة تجاوزت 25%، ومن المتوقع حدوث أعلى ركود في تاريخ الدولة، مع تراجع الناتج المحلي الخام بـ 5 – 6.3%، وعجز بين 10% و 13%، ومع زيادة الديْن إلى 70% للناتج المحلي، مقابل 61% الموجود اليوم. ويضيف دهان أن التهديد الأمني في السبعينيات، الذي زاد النفقات العسكرية، موجود اليوم أيضا، وحينها عانى العالم من أزمة طاقة. ولكن منذ منتصف الثمانينيات وحتى اليوم، لا يعاني العالم، بل لديه فائض لـ 50 سنة قادمة. ويؤكد غباي أن هناك فروقًا كبيرة عن عقد السبعينيات، فاليوم لا توجد مواجهة مع عدد كبير من الدول العربية، ولا يوجد عجز حكومي في الإنتاج بـ 15%، ولا عجز في ميزان المدفوعات، ولا تضخم كبير، ولا مستوى عالٍ من الدين العام. فمن كل هذه النواحي، الوضع اليوم أفضل بكثير. ويضيف ارياب، أن لدى “إسرائيل” اليوم، احتياطي عملات أجنبية يبلغ 126 مليار دولار، وهي تشكل 32% من الناتج المحلي الخام، وهو ما لم يكن في عقد السبعينيات، الذي شهد فجوة هائلة بين مصروفات الدولة ومدخولاتها، بسبب الإنفاق العسكري المتصاعد، ورفض الحكومة تقليص نفقاتها المدنية، ولجوئها لطباعة عملة ساهمت بزيادة التضخم كثيرًا (بيلوت 2020).

    توصيات مركز دراسات الأمن القومي

    نظم مركز دراسات الأمن القومي، ورشتي عمل تحت عنوان “محاكاة كابينيت الكورونا”، الأولى في 23 نيسان/ إبريل، والثانية في 27 منه، حاول فيهما التعرف على استراتيجيات مواجهة الكورونا، التي من شأنها إعادة الاقتصاد والمجتمع إلى الوضع الروتيني السابق. تناولت ورشتا العمل كيفية مواجهة المخاطر بشكل منظم وتشاركي، بين الصحة والاقتصاد والمجتمع، وآلية اتخاذ القرار. وتحدثت عن سيناريوهات بداية شهر أيار/ مايو، وفي مركزها ارتفاع عدد الإصابات الصعبة، وعدد الوفيات، نتيجة التسهيلات التي أعلنت عنها الحكومة، وضعف التزام الجمهور، وارتفاع نسبة البطالة، ووصول عدد فاقدي العمل المسجلين إلى 900 ألف، مع عودة 200 ألف إلى أعمالهم، و200 ألف مستقلون ليسوا عاملين، وانخفاض الانتاج بـ 70 مليار شيكل، مع زيادة عدد المحتاجين للمساعدة النفسية، إضافة إلى إطلاق صواريخ الجهاد الإسلامي، التي سبقت ورشة المحاكاة (بارون و ييدلين 2020).

    شارك في المحاكاة مجموعة من الخبراء بأدوار وزراء وقادة أجهزة مختلفة، ولعب دور رئيس الحكومة، اللواء المتقاعد عاموس ييدلين، الذي لخص توصيات (قرارات) كابينيت المحاكاة، فأوصى بإدارة عقلانية للأزمة، مثل عودة تدريجية للعمل، وبشكل مدروس وانتقائي، بحيث يميز بين المناطق حسب حجم انتشار المرض، وبين الناس حسب درجة الخطورة، ككبار السن مثلًا. وهذا يتطلب حجمًا كبيرًا للفحوصات، وشفافية مع الجمهور، ومتحدثين جيدين لمخاطبته. وكما قال ييدلين، لا حاجة لإخفاء معلومات عن الجمهور، فالكورونا لن تسمع، ولن تعرف، ولن تتخذ تدابير بناءً على المعلومات المنشورة. ومن أهم التحديات التي ناقشها كابينيت المحاكاة، إلى جانب الاقتصاد والصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية، التهديدات الأمنية، مثل الصواريخ من غزة، وغيرها، حيث يمكن لأعداء “إسرائيل”، على حد وصفهم، استغلال أزمة الكورونا، لبناء قوتهم التقليدية، وغير التقليدية، وتطويرها (بارون و ييدلين 2020).

    الخاتمة

    فاز اليمين بزعامة بنيامين نتنياهو، في الانتخابات التي جرت مطلع آذار/ مارس 2020، لكنه لم يحسم المعركة الانتخابية لصالحه، كما كانت تتوقع عناوين الصحف في حينه، إلا أنه في شهر نيسان/ إبريل، حسم المعركة باستسلام الخصم، وتفكك تحالفه، وانضمامه لحكومته وفق برنامجها السياسي، مقابل مغريات من المناصب والكراسي. وكان الموضوع الفلسطيني هو الأهم في برنامج الحكومة الجديدة، حيث اتفق المتعاقدون على خطوات في هذا الاتجاه، بالتوافق مع الإدارة الأمريكية، ومن ثم يتم عرضها على الحكومة، وربما على الكنيست، الأمر الذي استدعى النخب والخبراء، من أمثال مركز دراسات الأمن القومي، لمناقشة الخيارات المتاحة أمام الحكومة، وتداعيات كل خيار، مع ضرورة التنسيق التام مع الأمريكان، والتفاوض مع السلطة الفلسطينية.

    كما شكل الاتفاق على تشكيل الحكومة، نقطة تحول بشأن العلاقة مع غزة، لا سيما التهدئة الطويلة، وملف التبادل. فقد كان غياب حكومة منتخبة وكاملة الصلاحيات، عائقا أمام تطور الموقف مع غزة، إيجابًا أو سلبًا، وساهم بشكل كبير في استمرار حالة اللا هدوء واللا حرب، وجولات التصعيد المتقطعة، والجمود الكامل في ملف التبادل. أما بعد تشكيل حكومة قوية، تستند إلى أغلبية برلمانية مريحة، فيمكن الحديث عن قرارات حاسمة ومصيرية، يمكن اتخاذها، لا سيما بشأن عملية التبادل.

    وفي ظل الكورونا، يتطلب الأمر الاستعداد لسيناريوهات ذهاب ترامب ومجيء بايدن للحكم، إضافة إلى مناقشة الوضع الاقتصادي الآن وبعد الأزمة، حيث حذر الخبراء من ركود وعجز عميقيْن، ودعوا إلى خروج عاقل من الأزمة، بإعادة نشاط الاقتصاد تدريجيا، مع الأخذ بكثير من الأسباب، لتقليص الأضرار بسبب العمل في ظل الكورونا.

    المراجع

    1. i24NEWS. لجنة حزب العمل توافق على انضمام الحزب لحكومة الوحدة برئاسة نتنياهو. 26 4, 2020. https://www.i24news.tv/ar/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/middle-east/1587917867-%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A9-%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84-%D8%AA%D8%B5%D9%88%D8%AA-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%86%D8%B6%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AD%.
    2. ادريان بيلوت. إسرائيل في طريقها إلى إضافي ضائع، لكن ما زال هناك ما يمكن عمله (يسرئيل بدرخ لعسور أبود نوساف،ابال عداين يش ما لعسوت). 28 4, 2020. https://www.calcalist.co.il/local/articles/0,7340,L-3812550,00.html.
    3. آري هايستاين، و الداد شابيت. على إسرائيل أن تكون جاهزة لرئاسة بايدن (يسرئيل حييفت لهيعرخ لافشروت شبايدي اكهين كنسي). 22 4, 2020. https://www.inss.org.il/he/publication/joe-biden-israel-relationship/.
    4. الجزيرة. تقديرات.. كورونا يكبد إسرائيل خسائر بـ13 مليار دولار. 17 3, 2020. https://www.aljazeera.net/news/ebusiness/2020/3/17/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%B1-%D8%AE%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D9%85%D8%AA%D9%88%D9%82%D8%B9%D8%A9-%D8%A8%D8%B3%D8%A8%D8%A8-%D9%83.
    5. اليئور ليفي. أنباء:بادرة مصرية لتشجيع صفقة تبادل مع حماس (ديفوح: محفاه متسريت لكيدوم عسكات شبوييم عم حماس ). 23 4, 2020. https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5719528,00.html.
    6. امنون ابرموفيتش. هكذا فخخ نتنياهو غانتس واشكنازي (كاخ ميلكيد نتنياهو ات غانتس واشكنازي. 26 4, 2020. https://www.mako.co.il/news-columns/2020_q2/Article-09ecb3d94b5b171026.htm.
    7. انارايبا برسكي. נתניהו: “ערוכים לפעול במטרה להשיב את החללים והנעדרים“. 7 4, 2020. https://www.maariv.co.il/news/politics/Article-758852.
    8. اودي ديكل، ليا موران جلعاد، و عنات كورتس. ضم برعاية الكورونا (سيفوح سوت هكورونا). 26 4, 2020. https://www.inss.org.il/he/publication/the-coronavirus-and-the-annexation/.
    9. ايتان بارون، و عاموس ييدلين. محاكاة “كبينيت الكورونا”2#-مفاهيم أساسية (سيمولاتسيت “كبينيت هكورونا”2#-توبنوت عكريوت). 27 4, 2020. https://www.inss.org.il/he/publication/corona-cabinet-2/.
    10. ايسر العيس. عريقات: ائتلاف “نتنياهو-غانتس” يهدد أمن وسلام الشرق الأوسط. 21 4, 2020. https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9/%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%A6%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%81-%D9%86%D8%AA%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%87%D9%88-%D8%BA%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B3-%D9%8A%D.
    11. تال ليف رم. مسؤولون بإسرائيل:تقدم بالمفاوضات على صفقة أسرى ومفقودين (بخيريم بيسرئيل: هتكدموت بمجعيم لعسكات شبوييم ونعدريم ). 24 4, 2020. https://www.maariv.co.il/news/military/Article-761739.
    12. —. مصادر تزعم :”الكورونا خلقت فرصة للتقدم في جزئية الأسرى والمفقودين ” (جورميم طوعنيم:”هكورونا يتسرا هزدمنوت لهتكدم بسوغيات هشبوييم فهنعدريم “). 3 4, 2020. https://www.maariv.co.il/news/military/Article-758027.
    13. دانييل سيريوتي. قيادي في حماس يؤكد :”مفاوضات جدية لصفقة تبادل أسرى ” (بخير بحماس مأشر:”مغعيم مشمعوتييم لعسكات حيلوفي شبوييم”). 30 4, 2020. https://www.israelhayom.co.il/article/756365?utm_source=General&utm_medium=share&utm_campaign=IHNewApp.
    14. عرب 48. نتنياهو وغانتس يوقّعان على اتفاق تشكيل الحكومة. 20 4, 2020. https://www.arab48.com/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/%D8%A7%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%B9%D8%A7%D8%AC%D9%84%D8%A9/2020/04/20/%D8%A3%D9%86%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D8%B9%D9%86-%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%AA%D8%.
    15. عميت سيجال، و دفنا ليال. حكومة إسرائيل ال 35: الاتفاق الكامل بين نتنياهو وغانتس (ممشلات يسرئيل ه 35:ههسكيم هملي بين نتنياهو لغانتس). 20 4, 2020. https://www.mako.co.il/news-politics/2020_q2/Article-71b065d6e889171026.htm.
    16. كلكاليست. 2020. https://www.calcalist.co.il/markets/articles/0,7340,L-3806531,00.html.
    17. محمد محسن وتد. بالتناوب بين نتنياهو وغانتس.. كورونا يعجل بتشكيل حكومة وحدة بإسرائيل. 20 4, 2020. https://www.aljazeera.net/news/politics/2020/4/20/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9-%D9%88%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D9%86%D8%AA%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%87%D9%88-%D8%BA%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B3-%D8%AA%D9%86%D8%A7%D9%88%D8%A8-%.
    18. ناصر ناصر. تقدير موقف..حكومة نتنياهو غانتس ماذا تعني؟ 28 3, 2020. https://www.palinfo.com/articles/2020/3/28/%d8%aa%d9%82%d8%af%d9%8a%d8%b1-%d9%85%d9%88%d9%82%d9%81-%d8%ad%d9%83%d9%88%d9%85%d8%a9-%d9%86%d8%aa%d9%86%d9%8a%d8%a7%d9%87%d9%88-%d8%ba%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%b3-%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%aa%d8%b9%d9%86%d9%8a%d.
    19. —. غزة في حكومة الضم. 28 4, 2020. http://hadarat.net/public/post/1479#.XqlCWeE-PGs.whatsapp.
  • بحث: ”التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية“ خلال الفترة 2014-2015

    يسر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات أن يقدم للقارئ الكريم بحثاً بعنوان ”التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية“ خلال الفترة 2014-2015، ويوفره للتحميل المجاني.

    يُعالج هذا البحث التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، وهدم الاحتلال لبيوت الفلسطينيين؛ ويتناول تطورات بناء الجدار العازل وأضراره على الوضع الفلسطيني. كما يناقش الطرق الالتفافية، والاعتداءات الإسرائيلية على الزراعة وعلى مصادر المياه الفلسطينية.

    وهذا البحث هو الجزء الثاني من الفصل السادس من كتاب التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2014-2015، الذي يصدر بشكل دوري عن مركز الزيتونة؛ والذي يتولى تحريره الدكتور محسن محمد صالح، ويشترك في إعداده 12 من الخبراء والمتخصصين بالشأن الفلسطيني. وقد أصبح هذا التقرير مرجعاً أساسياً للمتخصصين والمهتمين بقضية فلسطين، نظراً لشمولية تغطيته لتطورات الوضع الفلسطيني على مدار عامين كاملين، مع التزامه بدقة بالمعايير العلمية والمهنية.


     لتحميل البحث، اضغط على الرابط التالي:
     
    >> 
    بحث: ”التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية“ خلال الفترة 2014-2015 
     (19 صفحة، 4.2 MB)


    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 21/11/2016


    التقرير الاستراتيجي الفلسطيني: 2014-2015
         
    الفصل عنوان البحث للتحميل 
         
    1 بحث: ”الوضع الفلسطيني الداخلي“ خلال الفترة 2014-2015 والمسارات المتوقعة اضغط هنا (38 صفحة، 1.3 MB)
         
    2 الجزء الأول: ”المشهد الإسرائيلي السياسي الداخلي“ خلال الفترة 2014-2015 والمسارات المتوقعة اضغط هنا (18 صفحة، 2.8 MB)
      الجزء الثاني: ”أبرز المؤشرات السكانية والاقتصادية والعسكرية الإسرائيلية“خلال الفترة 2014-2015 اضغط هنا (28 صفحة، 7.3 MB)
      الجزء الثالث: ”العدوان والمقاومة“خلال الفترة 2014-2015 اضغط هنا (12 صفحة، 2.7 MB)
      الجزء الخامس: ”مسار التسوية السلمية“ للقضية الفلسطينية
    خلال الفترة 2014-2015 والمسارات المتوقعة
    اضغط هنا (11 صفحة، 765 KB)
         
    3 بحث: القضية الفلسطينية والعالم العربي خلال الفترة 2014-2015 والمسارات المتوقعة اضغط هنا (45 صفحة، 1.9 MB)
         
    4 بحث: القضية الفلسطينية والعالم الإسلامي خلال الفترة 2014-2015 والمسارات المتوقعة اضغط هنا (31 صفحة، 1.9 MB)
         
    5 بحث: القضية الفلسطينية والوضع الدولي خلال الفترة 2014-2015 والمسارات المتوقعة اضغط هنا (43 صفحة، 978 KB)
         
    6 الجزء الأول: ”القدس والمقدسات“ خلال الفترة 2014-2015 اضغط هنا (31 صفحة، 1.5 MB)
      الجزء الثاني: ”التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية“ خلال الفترة 2014-2015 اضغط هنا (19 صفحة، 4.2 MB)
         

    >> للمزيد حول كتاب التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2014-2015: اضغط هنا

    معلومات النشر:

     

    – العنوان: التقرير الاستراتيجي الفلسطيني: 2014-2015
    – تحرير: د. محسن محمد صالح
    – عدد الصفحات: 392 صفحة
    – تاريخ الصدور: الطبعة الأولى، 2016
    – السعر: 20 $
    – ردمك: 9-49-572-9953-978
    – الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت

      PSR-14-15_Ar-Cover-3d
  • مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات يصدر التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2014-2015

    English_Versionيسر مركز الزيتونة أن يقدم للقارئ الكريم التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2014-2015 الذي يصدر للمرة التاسعة على التوالي. ويعالج التقرير القضية الفلسطينية خلال سنتي 2014 و2015 بالرصد والاستقراء والتحليل، كما يحاول استشراف المسارات المحتملة.

    ويُعدّ التقرير الاستراتيجي الفلسطيني من أهم الدراسات العلمية التي تصدر بشكل دوري عن مركز الزيتونة؛ حيث أصبح مرجعاً أساسياً للمتخصصين والمهتمين بالشأن الفلسطيني، نظراً لشمولية تغطيته لتطورات القضية الفلسطينية على مدار عامين كاملين، مع التزامه بدقة بالمعايير العلمية والمهنية، بالإضافة إلى غناه بالمعلومات والإحصاءات المحدّثة الدقيقة، وتدعيمه بعشرات الجداول والرسوم البيانية، فضلاً عن الرؤى الاستراتيجية والاستشراف المستقبلي للأحداث.

    معلومات النشر:

     

    – العنوان: التقرير الاستراتيجي الفلسطيني: 2014-2015
    – تحرير: د. محسن محمد صالح
    – عدد الصفحات: 392 صفحة
    – تاريخ الصدور: الطبعة الأولى، 2016
    – السعر: 20 $
    – ردمك: 9-49-572-9953-978
    – الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت

      PSR-14-15_Ar-Cover-3d

     

    وجاء تقرير هاتين السنتين في 392 صفحة من القطع المتوسط. وقد شارك في كتابته 12 باحثاً متخصصاً في الشأن الفلسطيني، وأشرف على مراجعته أربعة مستشارين، وقام بتحريره د. محسن محمد صالح. ويتألف من سبعة فصول، ويدرس الأوضاع الفلسطينية الداخلية، والمؤشرات السكانية والاقتصادية الفلسطينية، والأرض والمقدسات، ويناقش العلاقات الفلسطينية العربية والإسلامية والدولية، كما يناقش الوضع الإسرائيلي وعمليات المقاومة ومسار التسوية.

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 21/6/2016


     >> للاطلاع على ”الملخص التنفيذي للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2014-2015“، اضغط هنا

     

  • مركز الزيتونة يصدر كتاب ”النزاع على السيادة في فلسطين في ظل اتفاقيات أوسلو: المخزون المائي في الضفة الغربية نموذجاً“

    أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت كتاباً جديداً بعنوان النزاع على السيادة في فلسطين في ظل اتفاقيات أوسلو، المخزون المائي في الضفة الغربية نموذجاً، من تأليف الأستاذ فرحان موسى حسين علقم.

    والكتاب، الواقع في 214 صفحة من القطع المتوسط، هو رسالة نال بها المؤلف درجة الماجستير في برنامج الدراسات الإسرائيلية من معهد الدراسات الإقليمية بكلية الدراسات العليا، جامعة القدس سنة 2012.

    تسعى هذه الدراسة لتوسيع فهمنا حول تأثير النزاع على السيادة في فلسطين في ظلّ اتفاقيات أوسلو، على المخزون المائي وعلى سياسة ”إسرائيل“ المائية في الضفة الغربية، والتعرف على إمكانية التصدي لهذه السياسة من خلال هذه الاتفاقيات.

    معلومات النشر:

    – العنوان: النزاع على السيادة في فلسطين في ظل اتفاقيات أوسلو: المخزون المائي في الضفة الغربية نموذجاً
    – تأليف: فرحان موسى حسين علقم
    – الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات -بيروت
    – عدد الصفحات: 214 صفحة
    – الطبعة الأولى: 2016
    – السعر: 10$

    Book_Conflict_Sovereignty_Palestine_Oslo_Water-Reserve_WB-200

    ويتضمن الكتاب خمسة فصول، تناولت الخصائص الجغرافية للضفة الغربية ومصادر المياه فيها، والمياه الفلسطينية في القوانين والمعاهدات الدولية، والهيمنة الإسرائيلية عليها بعد سنة 1967. واختتم الكتاب بجملة من النتائج والتوصيات التي تركزت حول مبدأ امتلاك الشعب الفلسطيني الحق الدائم في السيادة على أرضه، وأن الاحتلال الإسرائيلي هو السبب الرئيسي في حرمانه منها، بالإضافة إلى بعض الوثائق.

    وقد اعتمدت الدراسة على المنهج التاريخي لتتبع تطور سياسية ”إسرائيل“ المائية في منطقة الدراسة. إضافة إلى المنهج الوصفي والتحليلي لوصف وتحليل آثار اتفاقيات أوسلو على سياسية ” إٍسرائيل” المائية، وذلك من خلال بحث في الكتب المنشورة، باللغتين العربية والإنجليزية، وإجراء مقابلات مع مسؤولين وخبراء ومستشارين في موضوع المياه.

    لقد توصل الباحث إلى ان ”إسرائيل“ حرصت على إفراغ هذه الاتفاقيات من مضامينها وهذا ما توضحه الأرقام التي تشير إلى تراجع كميات المياه التي حصل عليها الفلسطينيون في سنة 2008 بقرابة 50 مليون م3 عما هو مقدر لهم في اتفاقيات أوسلو، حيث بلغ مجموع ما حصل عليه الفلسطينيون في سنة 2008 هو فقط 88 مليون م3 من المياه، في الوقت الذي ازداد فيه عدد السكان الفلسطينيين بنسبة 42.8% لم يرتفع المجموع العام لم حصل عليه الفلسطينيون إلا بمقدار 5.3%، وتراجعت صحة الفرد السنوية بنسبة 26.3%. وشهدت هذه الفترة تراجعاً في الإنتاج المحلي بنسبة 16.7% وزيادة في الاستيراد من ”إسرائيل“ بنسبة 98.6%.

    يرى الباحث أن الأولوية الأولى تكمن في وضع حدّ لمعاناة الفلسطينيين في موضوع المياه، وذلك من ناحيتين، الأولى تمكين الفلسطينيين من ممارسة سيادتهم على أرضهم وعلى مواردهم الطبيعية، والموارد المائية تحديداً وفق قانون المياه الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية التي تعنى بتنظيم الإدارة المشتركة للمياه المشتركة، أما الثانية فهي إيجاد حلً سريع لازمة المياه الفلسطينية من خلال زيادة الإنتاج من المياه الجوفية للسكان في الضفة الغربية، وإمداد قطاع غزة بما يلبي احتياجاتهم من المياه.

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 7/3/2016

  • مركز رؤية يطلق حملة للتعريف بالمشروع الاستيطاني في الضفة الغربية

    اسطنبول/رؤية:

    أطلق مركز رؤية للتنمية السياسية اليوم الجمعة حملة إعلامية للتعريف بالمشروع الاستيطاني الصهيوني على أراض الضفة  الغربية المحتلة.

    وتأتي الحملة الإلكترونية في ذكرى النكبة الفلسطينية وتستمر مدة عشرين يوما، وتتضمن نشر مواد مرئية من انفوغرافيك وفيديوهات للتعريف بالمشروع الاستيطاني في الضفة الغربية المتمثل في السيطرة على الأرض الفلسطينية والموارد الطبيعية وبناء المستوطنات، وبناء جدار الفصل العنصري، وشق الطرق الالتفافية، وتنفيذ مشروع القدس الكبرى، وكذلك انتهاكات المستوطنين المستمرة ضد الفلسطينيين والأرض الفلسطينية، وتتزامن مع الحديث المتزايد من حكومة الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية عن ضم أراض من الضفة الغربية.

    وقال منسق الحملة فراس القواسمي أن مواد الحملة هي عبارة عن نتائج دراسات علمية أعدها باحثو قسم الاستيطان في المركز لذا فهي تستند إلى أرقام ومعلومات دقيقة من واقع البيئة التي يعيشها الفلسطينيون.

    وأضاف أن الحملة انطلقت بثلاث لغات هي العربية والإنجليزية والتركية وساهمت وسائل إعلام ووكالات أنباء محلية وأخرى دولية في نشر موادها لتعريف الرأي العام الفلسطيني والدولي بما يحدث على الأرض الفلسطينية.

    وبين أن الحملة تحمل شعار “بين ذكرى النكبة والنكسة” (#حملة_20_يوم)، وهي مستمرة بالنشر اليومي للمواد المرئية بين تاريخي النكبة والنكسة في الفترة بين 15/5-5/6، داعيا وسائل الإعلام للتفاعل معها والمساهمة في خلق الوعي الفلسطيني والدولي بالمشروع الاستيطاني التهويدي للأرض الفلسطينية والانتهاكات المستمرة لها.

     
  • مقال: ”لعبة“ المصالحة الفلسطينية … د.محسن صالح

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات. 

    لست متفائلاً بنجاح المصالحة الفلسطينية بالشكل الذي هي عليه، وإن كنت من أشد الراغبين في تحقيق وحدة وطنية حقيقية؛ وفي جمع طاقات الشعب الفلسطيني ضمن برنامج عمل جاد موجّه ضدّ العدو الصهيوني، ويوقف استنزاف طاقاتهم في نزاعاتهم الداخلية.

    محمود عباس وقيادة حركة فتح يديرون المصالحة ”كلعبة“، تهدف في النهاية إلى تطويع حماس تحت قيادتهم للشعب الفلسطيني، وتحت سقف التزاماتهم السياسية والأمنية وفق اتفاق أوسلو.

    وفكرة ”الإدارة“ وليس ”الحل“ مشابهة إلى حدٍّ كبير لعملية إدارة ”إسرائيل“ للعبة التسوية السلمية مع عباس وفتح، لتطويعهم في النهاية لإرادة الاحتلال وتصوراته للحكم الذاتي الفلسطيني.

    ويبدو ”هجوم المصالحة“ الحمساوي في الآونة الأخيرة ”حباً من طرف واحد“، سيحرج قليلاً قيادة فتح (التي هي قيادة السلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية) لكنها ستقوم باستيعابه.

    ثم يتم تحقيق ما يمكن من مكاسب على الأرض بناء عليه، مع إفراغ المصالحة القائمة على الشراكة الوطنية من محتواها؛ ثم إعادة تصعيد الأزمة بحشر حماس في زاوية عدم الاستجابة لمتطلبات جديدة للمصالحة حسبما ترتئيها قيادة فتح.

    والذين هللّوا لنجاح المصالحة هذه المرة… ربما استعجلوا كثيراً، لأن الأمر بدا من ناحية وكأن حماس كانت هي العقبة وأن إجراءاتها ستحل المشكلة، ولأنهم من ناحية ثانية لم يعطوا التقدير الحقيقي لجوهر الخلاف الفلسطيني.

    ***

    يبدو موضوع المصالحة وكأن شخصين اتفقا مضطرين على ركوب سيارة واحدة، واضطر أحدهما للتسليم للآخر بأن يجلس خلف مقود السيارة، غير أن السيارة لم تستطع التحرك لأن كلاً منهما اختار اتجاهاً لمسار السيارة معاكساً لمسار زميله؛ ورأى كل منهما أن الموافقة على تحرك أي منهما بالاتجاه الذي يريده تعني دمار السيارة وضياع الوقت والفرص.

    واختلفا في الدليل ”المانيول“ الذي يمكن الرجوع إليه، كما اختلفا في قوانين السير التي سيلتزمان بها في تحرك السيارة، وتفسير العلامات الإرشادية على الطريق، واختلفا إن كانا سيعبئانها بالبنزين أو بالديزل؛ كما اختلفا في من يمكنه أن يركب معهما.

    وعندما حانت لحظة الركوب، اختلفا على نوع السيارة إن كانت صناعة وطنية أم إقليمية أم أجنبية. كما اختلفا على كيفية تغطية تكاليفها، ومن الجهة التي ”سترعاها“ وستقوم ”بصيانتها“، ومن أين سيحصلون على قطع غيارها!!

    إن أخطر ما في الأمر أن اختلاف الاتجاه يفقد أي شخصين ابتداء مبرر ركوب سيارة واحدة؛ وكذلك فإن اختلاف الاتجاه في المصالحة، يفقد الأساس الذي يمكن أن يقوم عليه مشروع وطني جاد.

    هذا النوع من شراكات ”الضرورة والاضطرار“ يسهل نسفه وإفشاله، في أي فرصة يشعر فيها أي طرف بعدم حاجته للطرف الآخر، أو عندما تحين له الفرصة للاستقواء بقوى خارجية لتركيع وتطويع وتهميش شريكه.

    وهذا النوع من الشراكة يجنح إلى إدارة تقاطعات المصالح، وإلى التعامل التكتيكي مع الأمور البسيطة واليومية، وليس القضايا الجوهرية والكبرى. فإذا كانت ثمة رغبة في إدارة من هذا النوع، فلتتم مصارحة الفلسطينيين والعالم بذلك، حتى نخفض سقف التوقعات، ولنتعامل مع الأمر ”كإدارة أزمة“ وليس ”كإدارة شراكة“.

    ***

    يُبَسِّط عدد من المحللين الخلاف الفلسطيني في كونه ”صراعاً على السلطة“؛ ولكن هذا ليس جوهر المشكلة في الشأن الفلسطيني؛ مع الإقرار بأن الصراع على السلطة هو أحد أوجه المشكلة.

    إذ لو كان الأمر مجرد صراع من هذا النوع لأمكنت تسويته بالتوافق على آليات عادلة وشفافة، وضمانات للأطراف المتصارعة ”المتصالحة“ بأن تأخذ حجمها التشريعي والقيادي التنفيذي، حسبما تمليه القواعد الانتخابية والديمقراطية والشورية… والتداول السلمي للسلطة.

    جوهر المشكلة يكمن في أن أطراف الخلاف الفلسطيني مختلفون في الثوابت وفي المرجعيات (الميثاق الوطني)، وفي البرنامج الوطني، وفي الأولويات، وفي إدارة الأطر الوطنية الكبرى.

    ومما يعقد المشكلةَ التدخلُ الخارجي الإسرائيلي والعربي والإقليمي والدولي، واستقواء بعض أطراف الخلاف بذلك، كما يُعقِّدها عدم وجود الجميع تحت بنية مؤسسية جامعة يحتكمون إليها، وأزمة الثقة الطويلة، والتشتت الجغرافي.

    هناك اختلاف على الثوابت نفسها وأولها تعريف فلسطين نفسها؛ فقيادة فتح تنازلت عن نحو أربعة أخماس فلسطين التاريخية واعترفت بـ”إسرائيل“ وشرعيتها، وبنت برنامجها على أساس حل الدولتين؛ بينما ترفض قيادتا حماس والجهاد التنازل عن أي جزء من فلسطين وترفض الاعتراف بـ”إسرائيل“.

    وبناء على ذلك، دخلت فتح في اتفاقيات أوسلو التي فرضت عليها التزامات حقيقية مرتبطة بالتزام التسوية السلمية، وعدم اللجوء إلى المقاومة المسلحة، ونبذ العنف، وبإدارة حكم ذاتي (السلطة الفلسطينية) تحت هيمنة الاحتلال الإسرائيلي، ومحكوم سياسياً واقتصادياً وأمنياً بالشروط الإسرائيلية الأميركية الغربية.

    فقد أملت حركة فتح من ذلك تحويل هذا الحكم الذاتي إلى دولة فلسطينية كاملة السيادة في بضع سنين، لكنها تجد نفسها بعد 24 عاماً تدير سلطة تخدم أغراض الاحتلال أكثر مما تخدم تطلعات الشعب الفلسطيني.

    وفي الوقت نفسه، فإن قيادة فتح وأنصارها أعادوا إدارة حياتهم ”النضالية“ ضمن سقف السلطة في رام الله، وتكونت طوال سنوات شبكة من المصالح وطريقة حياة اجتماعية اقتصادية تحت هذا السقف.

    أما حماس ومعها باقي الفصائل العشر فقد رفضت اتفاقات أوسلو واستحقاقاتها، وتابعت المقاومة المسلحة؛ وعندما اضطرت للتعامل أو التعايش مع السلطة الفلسطينية حاولت السعي ”لتثويرها“ أو تطوير دورها في خدمة الشعب الفلسطيني دون دفع استحقاقات أوسلو.

    وهو ما يرفضه الإسرائيليون والأميركان وحلفاؤهم… الذين يضعون الالتزام بشروط الرباعية الدولية الأربعة (وعلى رأسها الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، ووقف المقاومة، والموافقة على ما وافقت عليه منظمة التحرير بشأن مسار التسوية السلمية).

    وهو ما يضع حماس أمام طريق مغلق في قيادة السلطة أو في شراكة حقيقية فاعلة متوافقة مع برنامجها المقاوم، حيث ستُتخذ إجراءات الحصار والإسقاط والإفشال ضدها.

    وهو ما يعني أن برنامج المصالحة أو الشراكة الذي سينزل على الأرض يجب أن يتضمن قبولاً -ولو ضمنياً- من حماس بأن الأمور المرتبطة بالقيادة والعمل التنفيذي والأجهزة الأمنية والعلاقات السياسية، هي أمور من تخصص فتح أو مَن يَقبل بما قبلت به فتح. أي أن المطلوب في النهاية أن تبقى حماس على الهامش مهما كان حجمها وشعبيتها، إذا أرادت لمسار المصالحة الحالي أن يسير.

    إن إدارة حماس لملف المقاومة ومتابعته سيعني بالنسبة لفتح خرقاً لالتزاماتها كقيادة للسلطة، وستَعدُّ المقاومة معوقاً لمسارها السياسي الوطني في الوصول إلى اتفاقيات تؤدي إلى تطبيق حل الدولتين، وبالتالي ستسعى إلى تفكيك المقاومة وضربها تحت ستار ”سلطة واحدة… قرار واحد… أمن واحد“؛ فالسلطة في جوهرها هي عملية احتكار للقوة.

    أما استمرار فتح في مسار التسوية السلمية فسيعني بالنسبة لحماس استمراراً في ”المسيرة العبثية“ لاتفاق أوسلو، وتضييعاً للحقوق والثوابت الفلسطينية، وتمكيناً للاحتلال من فلسطين؛ وبالتالي فإن حماس لن تتخلى عن مقاومتها وسلاحها.

    وعلى ذلك، لن يطول الوقت الذي ستسعى فيه فتح -بعد استلام إدارة قطاع غزة- إلى محاولة السيطرة على الجوانب الأمنية والعسكرية وتفكيك العمل المقاوم؛ كما لن يطول الوقت الذي ستسعى فيه حماس لتوسيع وتقوية وتنشيط العمل المقاوم في الضفة الغربية، وهو ما سيؤدي -إن عاجلاً أو آجلاً- إلى مواجهات وأزمات تقود إلى إفشال المصالحة.

    ***

    منذ نحو خمسين عاماً (صيف 1968) وحركة فتح تحتكر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وسلوك قيادتها على الأرض لا يقدم نموذجاً مشجعاً لديمقراطية شفافة أو شراكة أكفاء.

    وعندما وقعت قيادة فتح اتفاق أوسلو لم تعبأ بالمعارضة الفلسطينية الشعبية والفصائلية الواسعة لها (الفصائل العشر)، وقامت باحتكار قيادة السلطة الفلسطينية وإدارتها التنفيذية وأجهزتها الأمنية منذ إنشائها. وعندما فازت حماس في انتخابات 2006 لجأت قيادة فتح إلى نزع صلاحيات أساسية من المجلس التشريعي ومن الحكومة، فضلاً عن تعطيل وإفشال حكومة حماس.

    ومنذ حصول الانقسام وسيطرة فتح على الضفة وسيطرة حماس على القطاع سنة 2007؛ وقيادة فتح تعطي الشرعية لرئاسة السلطة وللحكومة التي يشكلها رئيس السلطة. أما المجلس التشريعي الذي يعطي الشرعية للحكومة ويحاسبها ويسقطها، فإنها تمنع انعقاده منذ عشر سنين.

    وذلك لمعرفتها مسبقاً أيّ حكومة ستأخذ الشرعية وأي حكومة ستسقط، وأي حكومة سيُقرر أنها حكومة ”انقلاب أسود“، وأي أجهزة أمنية سيحاسب ويضبط معاييرها ومسارها، وأي مدراء ومسؤولين وموظفين سيضع معايير تعيينهم أو إنهاء خدماتهم. وبالطبع فإن قيادة فتح تستفيد من بيئة عربية ودولية داعمة لها، بسبب التزامها بأوسلو واستحقاقاته.

    بالنسبة لقيادة فتح وللدول العربية والأجنبية الممسكة بالملف الفلسطيني، فإن فوز حماس في الانتخابات القادمة لا يعني سوى إعادة إنتاج للأزمة من جديد بالحصار والإفشال والتعطيل.

    وبالتالي فمن المرجح ألا تُجرى انتخابات لا تضمن فتح الفوزَ فيها، بعد أن تعلمت الدرس من الانتخابات السابقة؛ لأن المطلوب من الانتخابات هو نزع شرعية التمثيل الشعبي من حماس وخط المقاومة، وليس ”إعادة إنتاج الأزمة“ مرة أخرى. وهذه هي خلفية تأجيل الانتخابات البلدية السنة الماضية.

    وحكومة عباس/ رامي حمد الله تريد تسلُّم قطاع غزة بصلاحيات كاملة، وهو ما وافقت عليه حماس مؤخراً؛ ولكن حكومة عباس لم تقدم شيئاً في إطار الشراكة الحقيقية. والعقلية نفسها تحكم إدارة منظمة التحرير، وعلى حماس ألا تتوقع شراكة حقيقية فيها حتى لو فازت في الانتخابات القادمة.

    لقد تعاملت قيادة فتح ببرودة مع تنازلات حماس في قطاع غزة، وهي ترى أن هذه التنازلات إنما جاءت بسبب نجاح إجراءاتها (هي وحلفائها) في خنق قطاع غزة ووضعه في حالة انهيار اقتصادي، وبعد أن تستقر لها الأمور وتشعر بأنها في وضع أقوى ستقوم لاحقاً بالسعي للسيطرة على الأجهزة الأمنية وتفكيك العمل المقاوم.

    ***

    لن تكون هناك مصالحة حقيقية ما دامت عقليات كهذه تدير القيادة الفلسطينية، وما دامت تستفيد من بيئة عربية ودولية وإسرائيلية تتوافق أو تتقاطع معها في التعامل مع حماس وقوى المقاومة.

    وبالتالي، لن تكون هناك مصالحة حقيقية إذا لم يحدث تقدُّم حقيقي في الاتفاق على:

    – مرجعية ومبادئ وأسس تحكم الأطراف (ميثاق وطني مثلاً).

    – برنامج سياسي تُبنى عليه أولويات المرحلة، ويتم التعامل فيه بمعايير واضحة تجاه مسار التسوية ومسار المقاومة.

    – آلية حقيقية لاستيعاب جاد لكافة القوى الفلسطينية بالداخل والخارج في منظمة التحرير الفلسطينية ومشاركتهم في تفعيلها وإعادة بنائها، وعلى أسس تعكس أوزان القوى الحقيقية، وتستفيد من الطاقات الهائلة للشعب الفلسطيني.

    – استعداد جاد من كافة الأطراف لإدارة الاختلاف بشكل حضاري تحت سقف واحد، وبما يحفظ المصالح العليا للشعب الفلسطيني، ويمنع التدخل الخارجي وخصوصاً الإسرائيلي الغربي في الشأن الداخلي الفلسطيني.

    وهذا من الناحية العملية يستحيل أن يكون تحت سقف اتفاق أوسلو واستحقاقاته، ودون مراجعة تجربة السلطة الفلسطينية وإعادة توجيهها وتوظيفها بشكل يخدم إرادة الشعب الفلسطيني، وليس إرادة الاحتلال الإسرائيلي.

    ***

    في مقابلة قائد حماس في غزة مع شباب القطاع؛ قال -حسبما نقلته وكالة ”سما“- إنه سيقدم تنازلات كبيرة جداً من أجل المصالحة، وكل تنازل سيكون ”صاعقاً ومفاجئاً أكبر من الذي قبله“؛ وقال إنه ”سيكسر عنق كل من لا يريد المصالحة سواء كان من حماس أو غيرها“.

    لست أدري إن كانت التعبيرات المستخدمة تعبّر بدقة عن قرار حماس المؤسسي، إلاّ أنها تصريحات تبرز مدى جدية حماس في تحقيق المصالحة. غير أن ما نخشاه وما نرجو ألا يحدث هو أن يجد السنوار -في نهاية المطاف- أن الطرف الذي يحتاج إلى كسر عنقه (لأنه يعوق المصالحة كما يفهمها) هو الطرف نفسه الذي سيقدم له تنازلات كبيرة جداً!! وأننا قد نعود إلى المربع الأول من جديد.

    المصدر: الجزيرة نت، الدوحة، 2/10/2017