• التقدير الاستراتيجي (94): آفاق الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط

    تقدير استراتيجي (94) – كانون الأول/ ديسمبر 2016.

    ملخص:

    تسعى روسيا تحت قيادة بوتين إلى استعادة جانب من دورها ونفوذها الدولي، الذي فقدته إثر انهيار الاتحاد السوفييتي. وتحاول الاستفادة من عدم الرغبة الأمريكية في التدخل المباشر في صراعات المنطقة، غير أنها تعلم أنه من الصعوبة بمكان تجاوز الخطوط الحمراء الأمريكية، التي ترى في الشرق الأوسط منطقة لنفوذها. وما زال سقف تدخلها في سورية وغيرها مراعياً لهذه الخطوط، ومتجنباً لأي صراع مباشر مع الأمريكان. وفي هذا الإطار تنسج روسيا علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، مع إيران، وتركيا، وسورية، والعراق، ومصر، وغيرها. ومن المحتمل أن يتطور الدور الروسي ضمن أفضل ما يستطيع الروس تحقيقه. وبالرغم مما أبداه الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب من رغبة في التعاون مع روسيا، إلا أن طبيعته البراجماتية وقاعدته الانتخابية الجمهورية قد تجنح إلى دفعه ليكون أكثر تشدداً بما يظهر قوة أمريكا وقدرتها على فرض سياساتها.

    مقدمة:

    انتهت الحرب الباردة التي استمرت عقوداً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بهزيمة الأخير بل وتفككه، وورثت روسيا الاتحادية تركة الاتحاد السوفياتي بجميع استحقاقاته ومكتسباته. وعلى خلاف الاتفاق الذي كان بين الرئيسين السوفياتي غورباتشوف والأمريكي بوش والذي كان يبدو في ظاهره أنه اتفاق بين ندّين، شعر الروس بأن الغرب يعاملهم بغطرسة شديدة وأن تسوية ما بعد الحرب الباردة ليست عادلة، بل واصل الغرب الضغط على روسيا لإنهاكها داخلياً واقتصادياً وضمّ ساحات النفوذ التاريخية التابعة لها لنفوذه، خصوصاً تدخل الناتو في حرب كوسوفا ثم جمهوريات آسيا الوسطى وجورجيا فيما بعد، مما عُدَّ مساساً بالأمن القومي الروسي، وأوجد شعوراً عاماً عند النخبة الروسية بأن روسيا لا يمكن أن تكون مجرد دولة أوروبية ذات وزن إقليمي؛ فهي إما أن تكون دولة عظمى —بالرغم من قلة إمكاناتها— وفي موقع الشريك مع الغرب، أو أنها ستنهار.

    كان مجيء بوتين للسلطة في روسيا نقطة تحول رئيسية في التوجهات السياسية، وقد عبر عن ذلك في خطابه السنوي في المجلس التشريعي الروسي (الدوما) في سنة 2005، حيث قال بأن انهيار الاتحاد السوفياتي كان ”كارثة جيوسياسية كبيرة“، وبأن الغرب لم يحسن التصرف بعد نهاية الحرب الباردة، وأنه أخطأ عندما ظنّ بأن روسيا ستستمر في الانحدار.

    إن هذا المدخل مهم جداً لشرح معظم الدوافع والتوجهات الروسية في منطقة الشرق الأوسط، واستشراف المدى الذي من الممكن أن يتطور إليه الدور الروسي، والذي لا يمكن حصره في التدخل العسكري في سورية وإن كان هذا التدخل يمثل العنوان الرئيسي.

    أولاً: دوافع روسيا في الشرق الأوسط:

    من حيث الأهمية في التسلسل الهرمي التقليدي للسياسة الروسية الخارجية يأتي ترتيب الشرق الأوسط تالياً لأمريكا وأوروبا والصين ودول آسيا الصاعدة، لكن بما أن موسكو قد حددت توجهاتها بأنها يجب أن تعود كقوة عالمية، عظمى، وأن تنهي النظام العالمي أحادي القطبية، فلا يمكن لها أن تتجاهل هذه المنطقة بما تمثله من موقع جغرافي فريد وثروات طبيعية هائلة. ورأت في حالة الاضطراب والفوضى في منطقة الشرق الأوسط فرصة لاستعادة مناطق نفوذها التي فقدتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وبالتالي اكتسبت تلك المنطقة صفة ”منطقة اختبار“، تختبر فيها روسيا قدرتها في العودة للساحة العالمية كشريك أساسي ومؤثر.

    وفق هذا التصور، يصبح الدافع الجيو-سياسي هو الدافع الرئيسي —وليس الوحيد— لاهتمام روسيا في المنطقة العربية، وهو المنطلق الأساسي الذي على أساسه تَنسج شبكة علاقاتها بدءاً من التدخل العسكري في سورية، والتحالف مع إيران، وعقد اتفاقات مع تركيا، والاحتفاظ بعلاقات جيدة مع ”إسرائيل“، وليس انتهاءً بالسعي لإقامة علاقات مع العراق ومصر ودول الخليج، وهو دافع مرتبط بالأمن القومي الروسي.

    وبطبيعة الحال ليس هذا هو الدافع الوحيد، فبالإضافة لذلك يوجد الدافع الاقتصادي وهو حاضر بقوة خصوصاً عند الحديث عن العلاقات الروسية التركية، أو العراقية، أو الإيرانية، فالتبادل التجاري بين روسيا وهذه الدول في مستوى عالٍ، وتسعى روسيا لمزيد من الاستثمار، خصوصاً في مجال الطاقة البديلة، والنفط، والغاز، وصفقات السلاح.

    كما يبرز هدف أساسي ثالث وهو محاربة ما يُسمى التطرف والإرهاب، وما يمثله من تهديد أمني على الداخل الروسي، حيث تشير تقارير متفاوتة بوجود ما بين ألفين إلى خمسة آلاف ”جهادي“ يحملون الجنسية الروسية وينتمون لصفوف تنظيم الدولة الإسلامية أو التنظيمات الجهادية الأخرى. وحسب المفهوم الروسي، لا تقتصر التنظيمات الإرهابية على تنظيم الدولة، بل هو مفهوم واسع يشمل جميع الفصائل الإسلامية المسلحة التي تقاتل النظام السوري.

    ولتنظيم الدولة حضور إعلامي قوي في مواقع التواصل الاجتماعي الناطقة بالروسية، وهناك قناعة روسية بأن انتشار التطرف الإسلامي يعزز النزعات الانفصالية في داخل روسيا، ويشكل ثغرة يمكن أن يستغلها الغرب لتهديد الأمن القومي الروسي، حيث تزيد نسبة المسلمين في روسيا عن 17% من السكان.

    ثانياً: كيف تتحرك روسيا؟

    تاريخياً كانت روسيا تنظر لنفسها من موقع ”الدولة ذات الرسالة“ فهي القيصرية الروسية حامية الكنيسة الأرثوذكسية، أو هي الاتحاد السوفياتي صاحب الرسالة العالمية الشيوعية؛ بينما تطرح نفسها حالياً من موقع براجماتي تسعى لتحقيق مصالح مشتركة مع دول المنطقة، وتعمل على الحفاظ على استقرارها، وتحرص على تكوين شبكة علاقات متوازنة مع الجميع.

    ومن خلال خبرتها مع الثورات التي حدثت في المجال الحيوي لروسيا؛ في أكرانيا وجورجيا…، في العقد الماضي، ترى موسكو أن ثورات الربيع العربي لم تكن عفوية وإن كانت في البداية عفوية، لكن استطاع الغرب أن يتحكم بها ويوظفها لخدمة مصالحه، وأن الموقف الأمريكي كان مهادناً لها لدرجة أنه تخلى عن أقرب حلفائه وهو الرئيس المصري المخلوع مبارك. وكانت الضربة الكبرى هي تدخل الناتو في ليبيا. وفي خطابه أمام الجمعية العمومية في الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2015، انتقد الرئيس الروسي السياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وحمَّلها نتيجة الفوضى الحادثة فيها، وأن تلك الحالة ناتجة عن تجاوز الولايات المتحدة لمجلس الأمن في إجراءاتها، وفي تدخلها في الصراعات بشكل مباشر، مما نتج عنه ظهور تنظيم الدولة وأزمة اللاجئين في أوروبا. ووجه سؤاله للأمريكان قائلاً: ”هل تدركون ما فعلتم الآن؟“

    ثالثاً: الفرص الروسية في المنطقة:

    1. التدخل في سورية:

    بطبيعة الحال، يُعدُّ النفوذ الروسي في سورية هو العنوان الرئيسي لنفوذها في المنطقة ومنذ البداية حرصت روسيا على أن يكون تدخلها شرعياً بالاتفاق مع النظام الحاكم في سورية والمعترف به دولياً. ولأول مرة منذ انتهاء الحرب الباردة تتخذ موسكو موقفاً استباقياً وتتدخل بهذا الشكل المباشر في الأزمات الدولية، واستطاعت روسيا بتدخلها العسكري أن توقف تدهور قوات النظام السوري وأعادت له زمام المبادرة، وقامت بمناورات عسكرية حقيقية، وأعادت تقييم جاهزية قواتها المسلحة، واحتفظت بقاعدتها البحرية العريقة في طرطوس، وأنشأت قاعدة جوية في حميميم في اللاذقية، ونشرت منظومة الدفاع الجوي أس 400 المتطورة، وحمت نفسها في الوقت ذاته من تورط قواتها البرية في المستنقع السوري. وبالتالي نستطيع أن نقول بأن روسيا حققت الجزء الأكبر من أهدافها في سورية، وفرضت نفسها كلاعب دولي أساسي لا يمكن تجاوزه.

    وتتلخص الرؤية الروسية للأزمة السورية في:

    • ليس من حقّ أي دولة أن تتدخل لقلب النظام الحاكم في أي دولة أخرى، ولا تغيير حدودها الجغرافية، لذلك فروسيا مع وحدة الأراضي السورية، وأن مصير الشعب السوري يحدده الشعب دون إملاءات خارجية.

    • الأولوية لمحاربة التنظيمات الإسلامية المتشددة وفق التصنيف الروسي الذي لا يقصرها في تنظيم الدولة والنصرة.

    • حلّ الأزمة السورية هو حلّ سياسي ولا يمكن حسم المعركة عسكرياً، لذلك كان هدف الحملة العسكرية الروسية هو فرض واقع جديد ثم الدعوة للحوار السياسي.

    • وغاية ما تطمح له الديبلوماسية الروسية هو الجلوس من موقع الشريك مع الولايات المتحدة للتوصل إلى حلّ سلمي، الأمر الذي تقابله الإدارة الأمريكية بعدم اعتبار روسيا لاعباً دولياً بل هي لاعب فوق إقليمي، حسب تصريح الرئيس أوباما.

    2. التحالف مع إيران:

    لروسيا علاقات وثيقة جداً مع إيران على مختلف المستويات بالرغم من وجود ثغرات في الثقة المتبادلة بينهما، فالتدخل الروسي في سورية ما كان ليتم لولا الغطاء البري من إيران والقوات المتحالفة معها. وبالرغم من تشابك المصالح بين الدولتين، إلا أن هناك جواً من الحذر في التعامل فيما بينهما، فإيران من مصلحتها المزيد من الانخراط الروسي في المعارك في سورية، بينما تحرص روسيا على الاكتفاء بالضربات الجوية وعمليات القوات الخاصة. لكن مستوى مقبولاً من التناغم قائم بينهما فيما يتعلق بالأزمة السورية وفيما يتعلق بمواجهة السياسة الأمريكية. وأظهرت روسيا قدراً كبيراً من القدرة على التفاهم مع إيران على الرغم من تصويتها في مجلس الأمن لصالح فرض عقوبات على إيران، بسبب برنامجها النووي، لأنها تتعامل مع هذه المسألة وفق محددين، أولهما: تأييد حقّ إيران في امتلاك تكنولوجيا نووية للاستخدامات السلمية، وثانيهما: رفض امتلاك إيران أسلحة نووية.

    3. اتفاقيات مع تركيا:

    استطاعت الدولتان تجاوز أزمة إسقاط الطائرة الروسية والمضي في التعاون الاقتصادي بالرغم من الخلافات السياسية الجوهرية بين البلدين فيما يتعلق بسورية، لكن تعامل الطرفين ببراجماتية عالية أدى إلى تطور على الأرض أيضاً، فعلى مدى سنوات كانت أنقرة تُسوِّق لمشروعها القاضي بإيجاد منطقة آمنة على حدودها السورية، الأمر الذي كانت ترفضه واشنطن. لكن بعد التفاهم مع الروس تمكن الأتراك من التوغل في الأراضي السورية، وفرض أمر واقع جديد في مواجهة القوات الكردية. غير أن العنوان الأبرز للعلاقات الروسية التركية هو الاقتصاد، خصوصاً في مجالات الطاقة، والغاز، والزراعة، والبناء.

    4. العلاقة مع العراق:

    نتيجة لعلاقاتها الجيدة مع إيران، تحظى روسيا بعلاقات جيدة مع العراق وتسعى للحصول على صفقات في مجال التسليح والطاقة، كما أنها في الوقت نفسه على علاقات تاريخية مع الأحزاب الكردية.

    5. السعودية وغياب الثقة:

    لم تكن العلاقات بين السعودية وروسيا مميزَّة في يوم من الأيام. ويوجد تضارب في وجهات النظر فيما يتعلق بالتعامل مع ملفات المنطقة بما في ذلك العلاقة مع إيران، ومستقبل سورية ونظام الحكم فيها. كما تنظر روسيا إلى ما تُسمِّيه ”الفكر الوهابي“ الذي تتبناه السعودية نظرة ريبة، وبأن انتشاره بين مسلمي روسيا يهدد الأمن القومي الروسي. لكن شهدت الآونة الأخيرة اتصالات مكثفة بين الجانبين، وتريد روسيا من السعودية التفاهم حول أسعار النفط، ومن مصلحة السعودية انتهاج سياسة التنويع في العلاقات الخارجية، لذلك من المتوقع استمرار الاتصالات بين الجانبين.

    6. تحسن العلاقات مع مصر:

    تاريخياً، كانت مصر تمثل عماد المصلحة الجيو-سياسية السوفياتية في المنطقة، قبل أن تتحول باتجاه الولايات المتحدة. تحسنت العلاقات المصرية الروسية بشكل كبير بعد وصول عبد الفتاح السيسي للرئاسة، والرئيس بوتين ينظر إليه باعتباره الشخص القادر على استعادة الاستقرار في أكبر بلد عربي. ومن خلال التمويل السعودي حصلت مصر على صفقة أسلحة روسية كبيرة، الأمر الذي نُظر إليه على أنه شراء موقف، لأن الجيش المصري يعتمد بشكل أساسي على الأمريكان في التسليح والتدريب.

    7. روسيا و”إسرائيل“:

    يشكل الناطقون بالروسية في دولة الاحتلال خمس السكان، كما أنه يوجد حضور معتبر لليهود في روسيا، والعلاقات بين البلدين جيدة، على الرغم من أن روسيا ليست على اتفاق مطلق مع ”إسرائيل“ وتتبنى حلّ الدولتين، وتختلف مع وجهات النظر الإسرائيلية في الموقف من إيران وحزب الله وحماس، وهي بالتالي تنتهج نهجاً مرناً يخالف النهج الأمريكي، الذي يُعدّ حليفاً تقليدياً لدولة الاحتلال.

    رابعاً: عقبات تحد من القدرة الروسية:

    1. المُحدِّد الأمريكي: تُعد منطقة الشرق الأوسط بشكل عام منطقة نفوذ أمريكي ضمن التقسيمات التقليدية في فترة الحرب الباردة (ثنائية القطبية الأمريكية الروسية). وبالرغم من محاولات الروس الدائمة لإيجاد موطئ قدم ودوائر نفوذ وتحالفات، إلا أن الأمريكان ظلوا اللاعب الأكبر في المنطقة. وبغض النظر عن الأسلوب الذي أدار به أوباما السياسة الأمريكية في المنطقة، وما بدا وكأنه تراجعٌ في الدور الأمريكي، إلا أنه لم يحصل تغير على جوهر السياسة الأمريكية، بالرغم من سعي الأمريكان لتخفيض التكاليف والنأي عن التدخل المباشر. ولا يظهر أن التحرّك الروسي مسَّ حتى اللحظة المصالح الحيوية الأمريكية وخطوطها الحمراء، بغض النظر عن انزعاج عدد من الأنظمة الصديقة لأمريكا من طريقتها في إدارة النزاعات.

    ويبدو أن التدخل الروسي في سورية لم يتعارض مع السياسة الأمريكية في استمرار استنزاف الحكومة والمعارضة السورية، وتغذية الصراع بما يمزّق النسيج الاجتماعي السوري طائفياً وعرقياً، ويدمر الاقتصاد؛ وبما يؤدي لإضعاف الدولة المركزية في سورية لصالح الانقسامات الداخلية التي قد تنشأ في أي ترتيبات مستقبلية؛ وهي ترتيبات ما تزال لأمريكا يدٌ دولية طُولى فيها مقارنة بالروس. كما أن النظم الحاكمة في المنطقة ما تزال أكثر ميلاً في علاقاتها مع الأمريكان مقابل الروس لأسباب مختلفة. وبالرغم مما أبداه الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب من رغبة في التعاون مع روسيا، إلا أن طبيعته البراجماتية وقاعدته الانتخابية الجمهورية قد تجنح إلى دفعه ليكون أكثر تشدداً بما يظهر قوة أمريكا وقدرتها على فرض سياساتها.

    2. ضعف الإمكانيات المادية الروسية، بسبب الأزمة المالية الكبيرة التي تتعرض لها موسكو، بسبب تراجع أسعار النفط، والعقوبات الاقتصادية الأوروبية.

    3. احتمال تمدّد الحرب في سورية واتساعها، وفي هذه الحالة ستتعرض روسيا لاستنزاف شديد تحاول تجنبه، لأن الثمن الذي سيدفع حينها سيكون باهظاً جداً إذا قورن بالمكتسبات، وسيعيد ذكريات حرب أفغانستان إلى الرأي العام الروسي. وحتى الآن فالعملية العسكرية الروسية في سورية ما تزال محدودة التكاليف، وهي تقارب تكلفة أي مناورة كبيرة.

    4. التعاون الوثيق مع إيران، كما أنه يمثل فرصة لروسيا، إلا أنه أيضاً يمثل عقبة تُقِّيد يدها في المنطقة. فعلى سبيل المثال تحتاج روسيا إلى إيران في مدَّ علاقات اقتصادية قوية مع العراق.

    5. تشابك مصالحها مع نقيضين في المنطقة، وهما ”إسرائيل“ وإيران، مما سيؤثر على مصالحها في حالة حدوث صراع بين الطرفين، لذلك تتعامل روسيا مع المسألة بحذر شديد.

    6. العامل الداخلي الروسي، وهو العامل الأهم لكنه عامل بعيد المدى، مرتبط بفشل روسيا في التحول لدولة مؤسسات، وبالتالي هناك خشية من مرحلة ما بعد بوتين.

    خامساً: سيناريوهات المستقبل:

    من خلال استعراض الحراك الروسي في المنطقة، يظهر أن موسكو تحاول إيجاد صورة اللاعب الواقعي وغير العقائدي، الذي يمتلك الخبرة والقوة بما فيه الكفاية، ويمثل الشريك الذي يمكن الوثوق به، والقادر على التأثير في الوضع من خلال ثنائية الديبلوماسية والقوة. روسيا تطرح نفسها كقوة عالمية كبرى مستعدة لتقديم شراكة لجميع الذين يشتركون معها في الرؤية لعالم متعدد الأقطاب. وفي هذا الإطار يبرز أمامنا سيناريوهان:

    السيناريو الأول: سيناريو استمرار تمدد الدور الروسي:

    وهو سيناريو يدعمه ما شهدناه من القدرة على نسج شبكة علاقات متنوعة ومتشابكة تتفاوت من التحالف الاستراتيجي إلى العلاقات الاقتصادية، مستفيدة في ذلك من التحولات الدولية والإقليمية، والمهارة في التعامل مع الأحداث مثل المبادرة بالتدخل الاستباقي في سورية ومنع سقوط النظام، واحتواء حادثة إسقاط طائرة الركاب الروسية في سيناء، واستخدام سياسة التصعيد المدروس في احتواء الأزمة مع تركيا إثر إسقاط الطائرة.

    السيناريو الثاني: سيناريو انحسار الدور الروسي:

    وهو مرتبط بسير المعارك في سورية، وقدرة ورغبة الدول الداعمة لقوات المعارضة السورية على إحداث تغير استراتيجي في الميدان، وهو أمر لم تتضح بوادره حتى هذه اللحظة، كما أنه مرتبط بتفكك التحالف الإيراني – الروسي، ولا يوجد أي مؤشر على خلافات جوهرية بين الطرفين.

    سادساً: توصيات:

    من خلال الاستعراض السابق، يظهر لنا أن هناك دوراً متنامياً للروس في تفاعلات المنطقة، وتبدو القوى الشعبية الإسلامية منها والوطنية في موقف المناهض للدور الروسي، الأمر الذي يستدعي:

    1. مزيداً من الفهم للعقلية الروسية وللمصالح الروسية في المنطقة، وأنها مصالح جوهرية تمس الأمن القومي الروسي وتتجاوز أمر التطلعات الشعبية فيها.

    2. فلسطينياً تتميز السياسة الروسية بأنها تحتفظ بعلاقة جيدة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لكنها لا تتبنى جميع مواقفها، ولا تصنف الحركات المقاومة تصنيفاً إرهابياً، الأمر الذي يوفر هامشاً للمناورة.

    3. تنشيط الديبلوماسية الشعبية، من خلال الانفتاح أكثر على الرأي العام الروسي لا سيّما وأن 17% من المواطنين الروس هم مسلمون، ولهم دورهم ومكانتهم في الحياة الروسية، وكان لموقف مفتي روسيا دور إيجابي في تحسين العلاقات الروسية التركية إثر إسقاط الطائرة الروسية.

    * يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ علي البغدادي بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

     

    لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

    >> التقدير الاستراتيجي (94): آفاق الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط Word (12 صفحة، 95 KB)

    >> التقدير الاستراتيجي (94): آفاق الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط  (12 صفحة، 546 KB)

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 1/12/2016

  • خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط (صفقة القرن)

    د.ناجي خليفة الدهان – مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

           جميع النزاعات في الشرق الأوسط مستعرة، ويأتي في مقدمتها الصراع }الصهيوني (الإسرائيلي)، الفلسطيني {حيث مضى عليه 100 عام وهو الصراع الأكثر صعوبة. على الرغم من أن الجانبين وقّعا اتفاق سلام في أوسلو عام 1993، إلا أنهما -ولأكثر من ربع قرن- متباعدان أكثر من أي وقت مضى.

           بعد مرور عامين من التكتم التام على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أطلق عليها “خطة السلام” للشرق الأوسط، تمّ إعلان الخطة التي طال انتظارها للسلام في الشرق الأوسط، متعهدًا بأن تظلّ القدس عاصمة “غير مقسمة” لإسرائيل. واقترح حل دولتين، وقال: إنه لن يجبر أي إسرائيلي أو فلسطيني على ترك منزله. وقال ترامب، في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض وإلى جواره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: إن خطته “قد تكون الفرصة الأخيرة” للفلسطينيين. وتوالت ردود الفعل العربية والدولية على هذه الخطة بين التأييد والمعارضة والصمت. وطرحت الكثير من الأسئلة حول مضمون هذه الخطة.

    فما هي أبرز محاورها؟

            أُعدّ هذا المشروع خلف الكواليس بين الكيان الصهيوني (اسرائيل) والولايات المتحدة، من خلال إعادة صياغة المشاريع الصهيونية القديمة، ولكن لابد من السؤال لماذا لم يؤخذ رأي الطرف الثاني في أثناء الإعداد له، وقبل الإعلان عنه ليكن مقبولا إذا كانوا يرغبون في السلام الحقيقي؟ وماذا حقّق المشرع الجديد من امتيازات لفلسطين عن المشاريع القديمة المرفوضة فلسطينيا؟ وما هو الدور العربي لخدمة القضية المركزية قضية فلسطين؟

    مشروع جديد على أنقاض الحلول القديم

         منذ عام 1947 طرحت العديد من القرارات والمبادرات الإقليمية والدولية لحل الصراع العربي الصهيوني، تأثرت بالمجريات التاريخية ونتائج الحروب العربية الإسرائيلية وبتقلبات الأوضاع الدولية، لكن معظم هذه القرارات والحلول كانت تصطدم بتعنّت إسرائيلي يسنده انحياز أميركي لتل أبيب.

    مشاريع وخلفيات

         يبدو أنّ ما تسرّب من “صفقة القرن” يتشابه إلى حدّ كبير مع ما طرحه مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق جيورا آيلاند (Giora Eiland) في دراسة نشرها عام 2010 تحت عنوان “البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين”. كما تأخذ الصفقة أيضا أجزاء من خطة طرحها أفيغدور ليبرمان -رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” ووزير الخارجية والدفاع سابقا- المعروفة بخطة “تبادل الأراضي المأهولة”، وخطة أخرى طرحها يسرائيل كاتس القائم بأعمال وزارة الخارجية ووزير النقل والاستخبارات.

         ويأخذ المشروع أيضا أفكارًا من دراسة موسعة طرحها الرئيس السابق للجامعة العبرية البروفيسور يوشع بن آريه عام 2003، جمعت تحت عنوان خطة “تبادل أراض ثلاثية”؛ وترتكز مجمل هذه المشاريع على فكرة توطين الفلسطينيين في أرض ثالثة.

         وفي تموز/يوليو 2018، أشار الصحفي الإسرائيلي شاؤول أرئيلي -في مقال له في جريدة “هآرتس”، تعقيبا على تسريبات للخطة- إلى أنها مجرّد حزمة أفكار إسرائيلية أعدّها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يتم تقديمها في حلّة أمريكية. مما يتضح أنّ “خطة السلام” للشرق الأوسط لم تأتِ بشيء جديد بل هي جمع الأفكار بحلّة أمريكية، رغم أنّ كل هذه الأفكار والمشاريع رفضت من قبل فلسطين.

    هكذا حارب ترامب القضية الفلسطينية

         منذ فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر 2016 قدّم لدولة الاحتلال الإسرائيلي جملة من القرارات التاريخية التي تمسّ بالأراضي الفلسطينية المحتلة إضافة إلى أخرى عربية، كهضبة الجولان المحتلة.

         وكان أبرز قرارات ترامب وأشدها ألماً على الفلسطينيين والعرب اعتراف إدارته بالقدس المحتلة عاصمة لـ “إسرائيل”، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، في (ديسمبر 2017). هذا القرار جاء بعد عام تقريباً من تولي ترامب رئاسة البيت الأبيض، لكن ذلك التاريخ شهد بعده سلسلة قرارات كانت كفيلة بزيادة ثقل كاهل القضية الفلسطينية.

    1. إغلاق مكتب منظمة التحرير. في واشنطن في نوفمبر 2017 وبعدها بأسبوع تقريباً تراجع ترامب عن القرار، واستبدل به فرض “قيود” على بعثة منظمة التحرير، وهو ما لم يرق للسلطة الفلسطينية التي أعلنت تخليها عن واشنطن كـ “وسيط لعملية السلام”.
    2. القدس عاصمة لـ “إسرائيل”. في 6 ديسمبر 2017 أعلن ترامب القدس عاصمة لـ “إسرائيل. أشعل موجة غضب شعبية ورسمية واسعة في العالمين العربي والإسلامي.
    3. تجميد 125 مليون دولار من مخصصات “أونروا”. بعد شهر بالتمام من إعلان القدس عاصمة لـ “إسرائيل”، وبدأت قرارات ترامب التضييقية على القضية الفلسطينية تتضح أكثر، وخاصة عندما أمر بتجميد 125 مليون دولار أمريكي من مخصصات “أونروا”.
    4. نقل سفارة واشنطن إلى القدس. نفذ ترامب وعده بمنح ما لا يملك إلى من لا يستحق وفي 14 مايو 2018، افتتحت الولايات المتحدة سفارتها الجديدة لدى دولة الاحتلال في مدينة القدس المحتلة.
    5. في مايو 2018 نفذت الإدارة الأمريكية ما أمر به ترامب من إعادة توجيه مساعدات اقتصادية بأكثر من 200 مليون دولار كانت مخصصة إلى قطاع غزة والضفة الغربية إلى مشاريع في أماكن أخرى.
    6. وقف دعم مستشفيات القدس. في سبتمبر 2018 حجبت وزارة الخارجية الأمريكية 25 مليون دولار، كان من المقرر أن تقدمها كمساعدة للمستشفيات الفلسطينية في القدس، وعددها 6 مستشفيات.
    7. إغلاق مكتب منظمة التحرير. في سبتمبر 2018 الإدارة الأمريكية أبلغتهم رسمياً بقرارها بإغلاق مكتب المنظمة في واشنطن، وجاء القرار كـ “عقاب” على مواصلة عمل السلطة الفلسطينية مع المحكمة الجنائية الدولية ضدّ جرائم الحرب الإسرائيلية، كما قالت واشنطن: إنها ستنزل علم فلسطين في واشنطن.
    8. طرد السفير الفلسطيني. قرّرت الإدارة الأمريكية طرد السفير الفلسطيني لديها، حسام زملط وعائلته، في سبتمبر 2018 وهو ما وصفته المنظمة بـ “السلوك الإنتقامي الذي يعكس ما وصلت إليه الإدارة الأمريكية من حقد على فلسطين قيادة وشعباً”.
    9. شرعنة المستوطنات. أعلن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أن واشنطن لم تعد تعتبر أن المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية “مخالفة للقانون الدولي”.
    10. ترامب يعلن صفقة القرن. بعد سنوات من التكهنات والتمهيد الإعلامي والسياسي، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن صمته، الثلاثاء 28 يناير 2020، وأعلن خطة السلام التي أعدتها إدارته، المعروفة باسم “صفقة القرن”، وسط رفض فلسطيني لها ودعوات للمواجهة مع الاحتلال رداً على إعلانها.

         يتضح من خلال سلسلة قرارات الرئيس ترامب أعلاه شدّة كرهه للقضية الفلسطينية وانحيازه للكيان الصهيوني المحتل، وكانت كفيلة بزيادة ثقل كاهل القضية الفلسطينية.

    أبرز محاور الصفقة

        ركّزت الولايات المتحدة دائما، خلال سنوات الوساطة في محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، على رغبات إسرائيل وقيودها مع إيلاء أولوية خاصة لأمنها، بيد أن الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين قبلوا فكرة مفادها أن السلام يتطلب قيام دولة فلسطينية جنبا إلى جنب مع إسرائيل، حتى وإن كانوا غير مستعدين للسماح لها بسيادة كاملة على قدم المساواة.

         قد تبدو صفقة ترامب وثيقة استسلام أكثر من كونها أي شيء آخر، إذ تمثل فرصة لإسرائيل لتأكيد انتصارها على الفلسطينيين مرّة أخرى وإلى الأبد، بعد 7 عقود من الاستقلال وأكثر من قرن منذ بدء الاستيطان الصهيوني في فلسطين.

         الخطة كانت مختلفة، كونها تتعامل مع الوقائع التي فرضتها إسرائيل على الأرض منذ التوقيع على اتفاق أوسلو، وليست قائمة على تطلعات وأحلام الفلسطينيين بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق عودة اللاجئين.

        تقترح “صفقة القرن” إقامة دولة فلسطينية بلا جيش أو سيادة، على مساحة 70% من الضفة الغربية، يمكن أن تكون عاصمتها بلدة “شعفاط” شمال شرقي القدس. وإن الخطة تسمح لإسرائيل بضم ما بين 30 إلى 40% من أراضي الضفة الغربية.

        إن الدولة الفلسطينية الموعودة، بموجب “رؤية السلام” الأمريكية، يجب أن تكون “منزوعة السلاح” وبلا سيادة وهي لن ترى النور إلا بعد أن يعترف الفلسطينيون بيهودية الدولة الإسرائيلية. والدولة المنزوعة السلاح تعني تخلي حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة عن أسلحتها، وهو شرط يصعب تحقيقه في ظل سيطرة حماس على غزة.

    توقيت الصفقة

         اختيار دونالد ترامب لتوقيت الإعلان عن خطته للسلام حساس جدًا بسبب موقفه الحالي في مجلس الشيوخ فقد ضيّق الديمقراطيون عليه الخناق واستدعوا مزيدا من الشهود لعزله. أما نتانياهو، فهو يواجه انتخابات مفصلية في بلاده بحلول شهر مارس المقبل لذا يرى المحللون أن ترامب قد ألقى بطوق النجاة لنتنياهو لكي ينقذ نفسه وصديقه”.

       “فصفقة القرن” بمثابة صفقة بين ترامب ونتنياهو قبيل الانتخابات سواء في إسرائيل أو أميركا، مؤكدا أن الخطة تهدف إلى تمهيد الطريق أمام نتنياهو لضم جميع المستوطنات في الضفة إلى السيادة الإسرائيلية من دون أن تدفع إسرائيل أي مقابل للسلطة الفلسطينية.

        والامتحان الحقيقي للخطة الأميركية سيكون بحال انتخب ترامب رئيسا لولاية ثانية، وحتى ذلك الحين فإن الخطة ما هي إلا تدخل في الانتخابات الإسرائيلية وصرف الأنظار عن محاكمة نتنياهو الذي يواجه تهما بالفساد وخيانة الأمانة وتلقي الرشى.

    رؤية القيادة الفلسطينية للخطة الأمريكية

         أعلن الرئيس الفلسطيني رفضه الخطة رفضًا قاطعًا وعدم قبوله بالتفاوض على صفقة القرن، وأكد كذلك رفض الشعب الفلسطيني لها.

         وحول رؤية القيادة الفلسطينية للخطة الأمريكية، شدّد “نبيل شعث” على أنها “أكاذيب تحاول الولايات المتحدة من خلالها تصفية القضية الفلسطينية، وليس تحقيق السلام، وطموح الشعوب”.

        هاجم نبيل شعث، الممثل الخاص لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، حضور دول خليجية لإعلان “صفقة القرن”، معتبرًا أنّ عذر هذه الدول “أقبح من ذنب”.

        فوّضت القيادة الفلسطينية الرئيس محمود عباس، بتنفيذ كل القرارات التي صدرت عن المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير، المتمثلة بوقف التنسيق الأمني، ووقف العلاقة الاقتصادية مع “إسرائيل”، وغيرها من الالتزامات التي لم تلتزم بها “إسرائيل”،

       منذ إعلان الصفقة خرج للشوارع آلاف الفلسطينيين منددين بها، في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، والقدس، وبعض الدول العربية.

    مستقبل خطّة السلام للشرق الأوسط

        أجمعت غالبية الصحف الأوروبية على أن خطّة ترامب لحلّ أزمة الشرق الأوسط لن تجلب السلام المنشود، لأنها تحمل في طياتها خطرًا كبيرا في تصعيد الصراع بين الطرفين، كونها تراعي فقط مصالح إسرائيل على حساب الفلسطينيين.

        فقد أعلن مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، في دورته غير العادية، أمس، رفض «صفقة القرن» الأميركية الإسرائيلية، باعتبارها لا تلبي الحدّ الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني وطموحاته وتخالف مرجعيات عملية السلام. وشددت كذلك على عدم التعاطي مع هذه الصفقة التي وصفتها بـ «المجحفة»، أو التعاون مع الإدارة الأميركية في تنفيذها بأي شكل من الأشكال.

         ورغم ضعف ردود الفعل الدولية على خطة الولايات المتحدة ـالإسرائيلية الذي يطرح كثيرا من الأسئلة. والشيء نفسه يقال عن التعليقات العربية المزدوجة المعنى. فالدول العربية مرتبطة وتابعة للولايات المتحدة، ولا تستطيع اتخاذ موقف مضاد لترامب، ويجدون صعوبات متزايدة في إسناد “الجهود” التي يبذلها ترامب من أجل التوصل إلى سلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين، لأنهم متردّدون في أن يكونوا شركاء في قرارات أمريكية تعد موالية لإسرائيل.

          وهناك احتمالات لنجاح الخطة ولو بشكل محدود، “وهذا النجاح يتوقف على قبول الطرف الفلسطيني بالبدء في مفاوضات مع الطرف الإسرائيلي تحت رعاية أمريكية. وفي ظلّ الموقف المعلن للسلطة الفلسطينية برفض الخطة الأمريكية، فإن هذا المسار ونجاح الخطة غير ممكن والفشل قد يلحق بالخطة التي تؤسس لدولة فلسطينية منزوعة السيادة عاصمتها “شعفاط” (يديعوت).

         إن إعلان الخطة في هذا التوقيت وبدون توافق فلسطيني لا يمكن استبعاد عنصر الانتخابات من توقيت إعلان صفقة القرن، وذلك لخدمة ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، كذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ثالث انتخابات برلمانية تشهدها إسرائيل خلال أقل من عام.

          ويبدو أن الصفقة لها هدف سياسي أوحد: وهو مساعدة نتانياهو في معركته السياسية-القضائية وتعزيز الدعم لترامب في صفوف الناخبين المؤيدين لإسرائيل”.

         ورغم أن التعبير عن الإحباط من مواقف الحكومات العربية بشكل خاص والعالم بشكل عام  إزاء صفقة القرن، ورغم تآمر البعض على القضية الفلسطينية من خلف الكواليس وأخيرا وليس آخرًا، لقاء رئيس مجلس السيادة السوداني مع نتنياهو يوم الإثنين الموافق 3/1/ 2020، سيكون مصيرها الفشل كما في المشاريع السابقة رغم أن ظروف الدول العربية  الآن تختلف عن السابق، لأن هناك شعب فلسطيني مقاوم ورافض لكل مشاريع  الاستسلام والمساومات، والقدس ليست للبيع، وسيدافع عن القدس الشعب الفلسطيني الذي قال عنه رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى: “لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لإوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ”. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: “بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ”.

  • قراءة في كتاب ما الذي تفعله روسيا في الشرق الأوسط؟

    في هذا الكتاب، يحاول المحلل البارز في الشؤون الروسية ديمتري ترينين الخوض في غموض سياسي حول دور روسيا في منطقة الشرق الأوسط لتقديم تحليل واضح ودقيق لتدخل روسيا فيه وتداعياته الإقليمية والعالمية. ويرى المؤلف أن روسيا لا تستطيع ولن تحل محل الولايات المتحدة كقوة خارجية بارزة في المنطقة، بيد أن أعمالها تسرع من التغييرات التي ستعيد تشكيل النظام الدولي بشكل جوهري خلال العقدين المقبلين.

    ويطرح المؤلف العديد من الأسئلة، التي يحاول الإجابة عنها في الكتاب، ومن أبرز هذه التساؤلات :

    • ما الذي تفعله موسكو في الشرق الأوسط؟
    • ما مصالحها والحوافز التي تقف خلف تلك المصالح؟
    • كيف يؤثر تدخل روسيا في أجزاء مختلفة من الشرق الأوسط على الأوضاع فيه؟ هل هناك استراتيجية روسية للمنطقة، وإذا كانت موجودة، فما هي؟
    • كيف يؤثر النشاط الأخير لروسيا في الشرق الأوسط على باقي العالم، بدءاً من أوروبا؟
    • ما هو التوازن بين روسيا منافس الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وروسيا كشريك في القتال ضد «داعش» والإرهاب عموماً؟
  • مبادرة " هرمز للسلام " المبادئ .. فرص النجاح .. البدائل

    بعد مبادرة موسكو التي تعبر بصدق عن ازدياد تدخل الدب الروسي فى شؤون منطقة الشرق الأوسط، باقتراح أن تدخل عشرات الدول مياه الخليج، في مبادرة لأمنه يستمر تنفيذها عقد من السنين؛ قدمت إيران ومن خلال منبر الأمم المتحدة مبادرة " هرمز للسلام " سبقها خطوات ودعوات إيرانية للحوار في شباط/فبراير 2017 لمعالجة أسباب القلق والعنف في المنطقة. وفي شباط/فبراير 2018م أعلن روحاني استعداد بلاده لمحاورة جيرانها بشأن أمن الخليج. وفي أيار/مايو 2019 اقترحت إيران توقيع معاهدة عدم اعتداء معهم. وفي آب/أغسطس 2019 جاءت دعوة ظريف "إننا نرغبُ في إقامة علاقات مع دول الجوار، ولم نغلق أبدا باب الحوار مع جيراننا".

    وأخيرا وفي 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 الماضي تقدمت طهران بطرح «مبادرة هرمز للسلام»، لتشكيل تحالف دولي لضمان أمن الخليج، يضم إيران، والسعودية، والعراق، والبحرين، والإمارات، وقطر، وعمان، والكويت، وينشط تحت رعاية الأمم المتحدة.

    في هذه الورقة نستعرض المبادئ الأساسية التي اشتملت عليها هذه المبادرة ، والأهداف التي تريد أن تحققها إيران عبر هذه المبادرة حال قبولها خليجيا ودوليا ، وما فرص نجاحها ، وما البدائل التى يمكن تحل محل هذه المبادرة لضمان أمن الملاحة الدولية في مياة الخليج العربية خاصة عبر مضيق هرمز 

  • مراكز الأبحاث في الشرق الأوسط

    مقدمة

    قال الله تعالى (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) الآية

    وقال تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) الآية

    تشكل عملية التفكير والبحث أساسا لمنطلقات النهوض بالمجتمعات إلى أفاق التقدم ومن المهم أن تنسق عملية التفكير في إطار مؤسسي ومنهجي بما يساعد على حل المشكلات ومواجهة التحديات لأي مجتمع ناهض يسعى الى التقدم والتنمية 

    وفي منطقتنا العربية تفتقد الكثير من مراكز البحث والتفكير لعناصر المنهجية العلمية والبناء المؤسسي الموضوعي ، كما أن الاهتمام بهذه المراكز من صانعي القرار لا يحظى بالأولوية والأهمية  مما يدعوا الى أن يأخذ المهتمين بهذه المراكز والقائمين عليها بتطوير هذه المؤسسات وبناءها بالشكل المناسب لتقوم بأدوارها بأحسن صوره

    وقد أوصى المنتدى الفكري لمجموعة التفكير الاستراتيجي باسطنبول والذي عقد ما بين 11-12 ديسمبر 2015 بإعداد دراسة استقصائية عن أهم الدراسات البحثية المفقودة والغير متوفرة في الشرق الاوسط والمنطقة العربية ، وقد كلفت الإدارة التنفيذية للمجموعة مركز الديوان للدراسات والاستشارات باسطنبول لإعداد هذه الدراسة وقد انجزت هذه الدراسة بتكليف من المجموعة ودعما منها ولتقديمها كخدمه للمراكز الاعضاء بالمجموعة ولغير أعضاء المجموعة ونسأل الله أن تقدم هذه الدراسة للمراكز  البحثية ومراكز التفكير  المعلومات التي تستفيد منها في عملها ومهمتها

    رئيس مجموعة التفكير الاستراتيجي

    الاستاذ / محمد سالم الراشد 

    لتحميل الدراسة يوجد رابط تحميل بالاسفل 

  • مقال: اللعب مع ”الذئاب“ على مائدة الشرق الأوسط … د.محسن صالح

    بقلم: د.محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    عندما بدأت الدولة العثمانية بإعطاء ”الامتيازات الأجنبية“ في عهد السلطان سليمان القانوني منذ سنة 1535، لم تكن تدرك أن ذلك سيكون مدخلاً لشر مستقبلي مستطير؛ فالدولة كانت أقوى دول العالم، عندما وقعت أولى هذه الاتفاقات مع فرنسا، وكانت تعطي هذه الامتيازات من باب التسامح والرحمة وتشجيع العلاقات التجارية.

    غير أن هذه الامتيازات كانت تتضمن حق رعايا الدول الغربية (الأجنبية) بالإقامة والتنقل والتجارة، مع الإعفاء غالباً من الرسوم المالية والجمركية والعقارية، والحصانة القضائية، فلا يحاكم الأجنبي في المحاكم الوطنية (المحلية) بل أمام قنصلية بلاده، ووفقاً لقانون بلاده في معظم القضايا. ومع مرور الزمن، أخذت الدول الغربية برعاية مصالح المسيحيين الذين يتبعون مذاهبها، فالفرنسيون يرعون الكاثوليك بما في ذلك موارنة لبنان، والروس يرعون مصالح الأرثوذكس، ويرعى البريطانيون مصالح البروتستانت، وفي مرحلة لاحقة أخذ البريطانيون يرعون مصالح اليهود في فلسطين.

    ومع تدهور الدولة العثمانية وضعفها، كانت ”الامتيازات“ مدخلاً أجنبياً للعبث في أحشائها وإثارة الفتن والنعرات الطائفية، والتضخيم غير العادل للأرباح التجارية للأجانب، والاعتداء على الحقوق، والتهرُّب من القضاء. وكان ذلك أحد الأسباب التي أدت إلى تفسُّخ وسقوط الدولة العثمانية.

    وعلى سبيل المثال، فقد شكلت الاضطرابات التي شهدها جبل لبنان، خصوصاً بين الموارنة والدروز سنة 1860 فرصة للتدخل الغربي وخصوصاً الفرنسي، تحت ذريعة حماية المسيحيين، ففرضت الدول الغربية نظاماً على الدولة العثمانية، نشأت بموجبه ولاية جبل لبنان، شرط أن يكون الوالي مسيحياً، تقترحه الدولة العثمانية، ولكنه لا يستلم مهامه قبل أن توافق عليه ستّ دول أوروبية هي فرنسا وبريطانيا وروسيا والنمسا وإيطاليا وبروسيا (ألمانيا)!!

    ***

    العلاقات الخارجية ضرورة لا بد منها بين الدول، غير أن هذه العلاقات يجب أن تكون على قاعدة التكافؤ والمساواة واحترام السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وعادة ما تضع الدول ضمن مقاييس ”المناعة الوطنية“ مسألة الاستقلال والبعد عن الهيمنة الخارجية ضمن أبرز معاييرها. غير أن ضعف أي دولة قد يجعلها عرضة للتدخل الخارجي الذي سينفذ من نقاط الضعف لتحقيق مصالحه وأجنداته الخاصة. وقد يكون هذا الضعف متمثلاً في صراع سياسي، أو تدهور اقتصادي، أو اضطرابات أمنية، أو قلاقل اجتماعية وعرقية ودينية، أو استقواء من أطراف محلية بقوى خارجية في صراعاتها الداخلية.

    يضع دارسو التحليل السياسي وتقدير الموقف معيار ”اللاعبون“ ضمن أبرز المعايير عند القيام بأي تحليل أو تقدير. ويتم تحديد اللاعبين الكبار والصغار والمحليين والخارجيين وإعطاء كلّ لاعبٍ ثقلاً نوعياً محدداً، لمعرفة دوره وحدود تأثيره. وكثيراً ما تقع الأخطاء والاختلافات نتيجة سوء تقدير أحجام اللاعبين وطرق واحتمالات تدخلهم. وكثيراً أيضاً ما تحدث مبالغات في تقدير الدور الخارجي، مع تكريس ”نظرية المؤامرة“، كما يتم أحياناً إهماله وعدم الالتفات إليه، وفي أحيان أخرى يتم تضخيم أو إضعاف دور دولة خارجية على حساب دول أخرى،… وفي كل الأحوال، فإن أي سوء تقدير قد يؤدي إلى نتائج كارثية.

    ***

    لم يستطع محمد علي باشا الذي تمكن من الحكم والياً للعثمانيين على مصر منذ 1805، أن يحقق طموحاته في التوسع على حساب الدولة العثمانية أو الحلول مكانها، حيث كان للدور الخارجي تأثير حاسم في قصقصة أجنحته والهبوط بمستوى طموحاته. فبعد أن قام (مستعيناً بالدعم الفرنسي) بالسيطرة على بلاد الشام، وتقدم في الأناضول حيث هزم العثمانيين في موقعة قونية 1832؛ اضطر العثمانيون للاستعانة بعدوهم التقليدي روسيا لحماية الأستانة (إسطنبول). وتدخلت القوى الكبرى لعمل معاهدة كوتاهية 1833 بما يضمن سيطرة محمد علي باشا على بلاد الشام، وانسحابه من الأناضول. وعندما اندلع الصراع مرة أخرى، وتمكن محمد علي من هزيمة العثمانيين وتدمير جيشهم سنة 1839 تدخلت قوى دولية أربع هي بريطانيا وروسيا والنمسا وبروسيا لتفرض على محمد علي الانسحاب من الشام والاكتفاء بحكم مصر حكماً وراثياً، تحت السلطة الاسمية للدولة العثمانية.

    كان سبب تدخل بريطانيا وحلفاؤها يكمن في أن بقاء دولة عثمانيةٍ ضعيفةٍ (بانتظار نضج ”الكعكة“، وتوفر بيئة أنسب للحصول على حصص أكبر عند اقتسامها) أفضل من صعود محمد علي قوي، يخلف الدولة العثمانية، وقد يقطع الطريق على طموحاتها.

    كان على محمد علي عندما قرر التحالف مع ”الذئب“ الفرنسي أن يعلم أن ثمة ”ذئاب“ أخرى متربصة، وأن خصومه قد يضطرون للاستعانة بها. ولم تنفع محمد علي ميوله الغربية وجهوده التحديثية، ليعلم في النهاية أن ثمة سقف لطموحاته.

    وهكذا أصبح من الواضح أن شأن المنطقة العربية لم يعد شأناً محلياً، وأن رسم أي خرائط جديدة لقوى النفوذ والحدود بين الدول، تدخل فيه العوامل الخارجية بدرجات متفاوتة وفق درجات المصالح والأولويات والقوة للاعبين الكبار.

    ***

    ولعل العثمانيين استفادوا لفترة من التنافس والصراع الاستعماري بين القوى الكبرى، غير أن بروز ما يعرف بـ ”توازن القوة الاستعماري“ Colonial Balance of Power، جعل القوى الكبرى تسعى لتجنب الاصطدام المباشر، وتنسق فيما بينها عملية تقاسم المستعمرات ومناطق النفوذ، على حساب الدول الأضعف منها. وقد دفعت الدولة العثمانية ثمن ذلك غالياً إثر انتصار الروس عليها سنة 1878 وإثر انعقاد مؤتمر برلين في السنة نفسها؛ وفيه توافقت القوى الكبرى المعنية على توزيع أجزاء من الدولة العثمانية فيما بينها رغم أنف العثمانيين؛ فمقابل السكوت (الموافقة الضمنية) على انفصال رومانيا وبلغاريا عن الدولة العثمانية، تم السكوت عن سيطرة النمسا على البوسنة والهرسك، في مقابل السكوت عن استعمار بريطانيا لقبرص، واستعمار فرنسا لتونس.

    وبعد ذلك بسنوات اضطرت فرنسا للسكوت عن الاستعمار البريطاني لمصر (1882)، مقابل السكوت البريطاني عن الاستعمار الفرنسي للمغرب لاحقاً. أما ألمانيا التي كانت طامعة في استعمار المغرب فتم إقناعها بالسكوت، مقابل استعمار مساحات شاسعة في شرق إفريقيا في تنزانيا ورواندا وبوروندي!! كما تم إرضاء الإيطاليين بالسكوت عن استعمارهم لليبيا وجنوب الصومال.

    وبالتالي أخذت الذئاب تتوزع ”الفرائس“ دون أدنى شفقة أو رحمة، وكانت الضحية هي البلدان الضعيفة، وخصوصاً مناطق الدولة العثمانية التي آذنت بالرحيل.

    ***

    أدى انكسار معايير توازن القوة Balance of Power بين القوى الكبرى (بالإضافة إلى عوامل أخرى) إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى 1914–1918؛ فسعت هذه الدول إلى بناء تحالفات تضمن لها الانتصار في النهاية. وفي مثل هذه البيئة قرر الشريف حسين بن علي ”الرقص مع الذئاب“ فأطلق ثورته ضد الدولة العثمانية بناء على وعودٍ (مراسلات الحسين – مكماهون 1915–1916) فَهِمَ منها دعم البريطانيين لقيام دولة عربية بقيادته في الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق. غير أن البريطانيين كانوا يتفاوضون في الوقت نفسه مع الفرنسيين فعقدوا اتفاقية سايكس–بيكو في أيار/ مايو 1916، ليتوزعوا السيطرة فيما بينهما على بلاد الشام والعراق وجنوب تركيا في حال انتصارهم على العثمانيين، كما عقد البريطانيون اتفاقاً ثالثاً مع الحركة الصهيونية أصدروا بموجبه وعد بلفور بوطن قومي لليهود في فلسطين.

    كان الشريف حسين يظن أن الحكومة البريطانية تحفظ عهودها، ولم يكن يدرك أن استدعاء القوى الكبرى أو التحالف معها في صراعات المنطقة، في بيئة غير متكافئة، يفتح لها أبواب التدخل وفرص رسم خرائط. ولذلك فإن بريطانيا التزمت بعهودها مع الفرنسيين والصهاينة، بينما قلبت للشريف حسين وللعرب ظهر المِجَنّ. ولم يأبه البريطانيون أن يكونوا قد التزموا في الحرب العالمية الأولى بثلاث التزامات متناقضة تجاه فلسطين، أحدها يُفهم منه استقلالها ضمن الدولة العربية، وثانيها يجعلها منطقة دولية ضمن اتفاق سايكس–بيكو، وثالثها يجعلها وطناً قومياً لليهود!!

    ***

    الحسابات الخاطئة لصدام حسين عندما احتل الكويت في صيف 1990، أدت إلى استدعاء القيادة الكويتية للقوى الكبرى والدول العربية لإجبارها على الانسحاب من الكويت، مما أدى إلى ما يعرف بحرب الخليج، مما انعكس دماراً على الكويت، وحصاراً خانقاً على العراق، وانتفاضات واضطرابات في العراق تم قمعها بقسوة، وتأسيساً للحكم الذاتي الكردي في شمال العراق بمظلة حماية جوية أمريكية؛ وفوق ذلك كله مزيداً من التشرذم العربي والإسلامي، ومزيداً من النفوذ والقواعد الأمريكية في المنطقة.

    ويتجلى جزء كبير من الأزمة اللبنانية في استعانة أطراف الصراع والتنافس بقوى خارجية عربية وإقليمية ودولية والاستقواء بها في تحقيق المكاسب والنفوذ، وبالتالي تحول لبنان إلى ساحة صراع وتصفية حسابات بين القوى الإقليمية والدولية، كان الخاسر الأكبر فيه لبنان نفسه بإنسانه وأرضه ومؤسساته وبناه التحتية، حتى وإن حققت بعض الزعامات الطائفية والعائلية مكاسب مؤقتة. بينما وجد اللبنانيون أنفسهم مرتهنين بدرجات متفاوتة (على مر السنوات السبعين الماضية) بالإرادات الخارجية الدولية الفرنسية والأمريكية والإقليمية المصرية والسورية والسعودية والإيرانية…إلخ؛ بالإضافة إلى محاولات الطرف الإسرائيلي فرض أجندته.

    ***

    ومن جهة أخرى، كان الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003، الذي رحبت به، ودعت له، أطراف عراقية عديدة علناً أو ضمناً ذو نتائج كارثية. ولم تنجح الأطراف العراقية في بناء نموذج وطني متماسك بعد إسقاط نظام صدام حسين، ودخلت في صراعات داخلية ضربت النسيج الاجتماعي والبنى السياسية والاقتصادية. وبينما استفاد النظام الجديد في بغداد من الدعم الأمريكي والإيراني في ترسيخ نفوذٍ ذو لون طائفي معيَّن؛ فقد استفاد الأكراد في شمال العراق من القوى الغربية في ترسيخ حكمهم الذاتي؛ بينما سعت باقي الأطراف (العربية السنية) للاستعانة بقوى عربية خليجية وغيرها؛ أو اتجهت إلى أشكال مقاومة مسلحة ضد الأمريكان، أو ضد ما ترى أنه أجندة طائفية تستهدفها.

    أما في الحالة السورية، ففي اللحظة التي قرر فيها النظام استخدام الحل الأمني العسكري ضد الحراك الشعبي الواسع؛ وفي اللحظة التي قرر فيها الاستعانة بقوى خارجية صديقة (إيران وروسيا…) في قمع الانتفاضة، فإن القوى الشعبية التي أُغلقت أبواب التغيير السلمي في وجهها، وجدت نفسها بين خيار الخضوع من جديد للنظام وشروطه، وبين الاستعانة بقوى خارجية لتواجه بطريقة مكافئة التحدي الأمني والعسكري الجديد الذي فرضه النظام. وقد كان ذلك مدخلاً لتدخل قوى إقليمية أخرى كتركيا والسعودية وقطر وقوى دولية أخرى كأمريكا وفرنسا وبريطانيا… .

    ومرة أخرى، كان ثمن التدخل الخارجي باهظاً دفعه السوريون من كافة أطيافهم (شعباً وسلطة ومعارضة) دماء وأشلاء ودماراً اقتصادياً وتمزيقاً للنسيج الاجتماعي وانهياراً للمؤسسات والخدمات… ليجد السوريون أنفسهم في النهاية مرتهنون، حتى لمجرد اتفاق هدنة في أحياء حلب، لاتفاقات بين الروس والأمريكان… الذين يسعون لفرض أجندتهم الخارجية وفق مصالحهم وليس وفق مصالح وأولويات الشعب السوري؛ وليكون الكاسب الأكبر في اللحظة الراهنة هو الكيان الإسرائيلي؛ بانتظار أن يتمكن السوريون من العودة لإمساك زمام المبادرة التي لا يمكن أن تقف على رجليها دون التخلص من التدخل الخارجي أو على الأقل إضعاف دوره إلى الحد الأدنى.

    ***

    وهكذا، فإن القاعدة الأساسية التي يجب أن يفهمها أهل المنطقة:

    • أن القوى الكبرى ليست ”جمعيات خيرية“،
    • وأنها تسعى لخدمة مصالحها بعيداً عن المعايير الأخلاقية التي يتوقعها أو يرغبها أهل المنطقة،
    • وأن المفهوم السائد في العلاقات الدولية هو: لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة… ولكن مصالح دائمة،
    • وأن الضعفاء لا بواكي لهم في النظام الدولي،
    • وأن الذي يستدعي أياً من القوى الكبرى لدعمه… عليه أن يتوقع دفع أثمان باهظة من سيادته واقتصاده ودماء شعبه وحتى من حضارته وهويته الوطنية والثقافية…
    • وأن أثمان التفاهم الداخلي مهما ارتفعت تظل أفضل من استدعاء القوى الخارجية… التي ستفرض أجندتها ومصالحها على الجميع.

    ولعلنا نستكمل في مقال قادم معايير التعامل اللازم من أبناء المنطقة ودولها مع بيئات التدخل الخارجي.

    المصدر: الجزيرة.نت، الدوحة، 27/10/2016