• التقدير الاستراتيجي (94): آفاق الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط

    تقدير استراتيجي (94) – كانون الأول/ ديسمبر 2016.

    ملخص:

    تسعى روسيا تحت قيادة بوتين إلى استعادة جانب من دورها ونفوذها الدولي، الذي فقدته إثر انهيار الاتحاد السوفييتي. وتحاول الاستفادة من عدم الرغبة الأمريكية في التدخل المباشر في صراعات المنطقة، غير أنها تعلم أنه من الصعوبة بمكان تجاوز الخطوط الحمراء الأمريكية، التي ترى في الشرق الأوسط منطقة لنفوذها. وما زال سقف تدخلها في سورية وغيرها مراعياً لهذه الخطوط، ومتجنباً لأي صراع مباشر مع الأمريكان. وفي هذا الإطار تنسج روسيا علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، مع إيران، وتركيا، وسورية، والعراق، ومصر، وغيرها. ومن المحتمل أن يتطور الدور الروسي ضمن أفضل ما يستطيع الروس تحقيقه. وبالرغم مما أبداه الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب من رغبة في التعاون مع روسيا، إلا أن طبيعته البراجماتية وقاعدته الانتخابية الجمهورية قد تجنح إلى دفعه ليكون أكثر تشدداً بما يظهر قوة أمريكا وقدرتها على فرض سياساتها.

    مقدمة:

    انتهت الحرب الباردة التي استمرت عقوداً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بهزيمة الأخير بل وتفككه، وورثت روسيا الاتحادية تركة الاتحاد السوفياتي بجميع استحقاقاته ومكتسباته. وعلى خلاف الاتفاق الذي كان بين الرئيسين السوفياتي غورباتشوف والأمريكي بوش والذي كان يبدو في ظاهره أنه اتفاق بين ندّين، شعر الروس بأن الغرب يعاملهم بغطرسة شديدة وأن تسوية ما بعد الحرب الباردة ليست عادلة، بل واصل الغرب الضغط على روسيا لإنهاكها داخلياً واقتصادياً وضمّ ساحات النفوذ التاريخية التابعة لها لنفوذه، خصوصاً تدخل الناتو في حرب كوسوفا ثم جمهوريات آسيا الوسطى وجورجيا فيما بعد، مما عُدَّ مساساً بالأمن القومي الروسي، وأوجد شعوراً عاماً عند النخبة الروسية بأن روسيا لا يمكن أن تكون مجرد دولة أوروبية ذات وزن إقليمي؛ فهي إما أن تكون دولة عظمى —بالرغم من قلة إمكاناتها— وفي موقع الشريك مع الغرب، أو أنها ستنهار.

    كان مجيء بوتين للسلطة في روسيا نقطة تحول رئيسية في التوجهات السياسية، وقد عبر عن ذلك في خطابه السنوي في المجلس التشريعي الروسي (الدوما) في سنة 2005، حيث قال بأن انهيار الاتحاد السوفياتي كان ”كارثة جيوسياسية كبيرة“، وبأن الغرب لم يحسن التصرف بعد نهاية الحرب الباردة، وأنه أخطأ عندما ظنّ بأن روسيا ستستمر في الانحدار.

    إن هذا المدخل مهم جداً لشرح معظم الدوافع والتوجهات الروسية في منطقة الشرق الأوسط، واستشراف المدى الذي من الممكن أن يتطور إليه الدور الروسي، والذي لا يمكن حصره في التدخل العسكري في سورية وإن كان هذا التدخل يمثل العنوان الرئيسي.

    أولاً: دوافع روسيا في الشرق الأوسط:

    من حيث الأهمية في التسلسل الهرمي التقليدي للسياسة الروسية الخارجية يأتي ترتيب الشرق الأوسط تالياً لأمريكا وأوروبا والصين ودول آسيا الصاعدة، لكن بما أن موسكو قد حددت توجهاتها بأنها يجب أن تعود كقوة عالمية، عظمى، وأن تنهي النظام العالمي أحادي القطبية، فلا يمكن لها أن تتجاهل هذه المنطقة بما تمثله من موقع جغرافي فريد وثروات طبيعية هائلة. ورأت في حالة الاضطراب والفوضى في منطقة الشرق الأوسط فرصة لاستعادة مناطق نفوذها التي فقدتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وبالتالي اكتسبت تلك المنطقة صفة ”منطقة اختبار“، تختبر فيها روسيا قدرتها في العودة للساحة العالمية كشريك أساسي ومؤثر.

    وفق هذا التصور، يصبح الدافع الجيو-سياسي هو الدافع الرئيسي —وليس الوحيد— لاهتمام روسيا في المنطقة العربية، وهو المنطلق الأساسي الذي على أساسه تَنسج شبكة علاقاتها بدءاً من التدخل العسكري في سورية، والتحالف مع إيران، وعقد اتفاقات مع تركيا، والاحتفاظ بعلاقات جيدة مع ”إسرائيل“، وليس انتهاءً بالسعي لإقامة علاقات مع العراق ومصر ودول الخليج، وهو دافع مرتبط بالأمن القومي الروسي.

    وبطبيعة الحال ليس هذا هو الدافع الوحيد، فبالإضافة لذلك يوجد الدافع الاقتصادي وهو حاضر بقوة خصوصاً عند الحديث عن العلاقات الروسية التركية، أو العراقية، أو الإيرانية، فالتبادل التجاري بين روسيا وهذه الدول في مستوى عالٍ، وتسعى روسيا لمزيد من الاستثمار، خصوصاً في مجال الطاقة البديلة، والنفط، والغاز، وصفقات السلاح.

    كما يبرز هدف أساسي ثالث وهو محاربة ما يُسمى التطرف والإرهاب، وما يمثله من تهديد أمني على الداخل الروسي، حيث تشير تقارير متفاوتة بوجود ما بين ألفين إلى خمسة آلاف ”جهادي“ يحملون الجنسية الروسية وينتمون لصفوف تنظيم الدولة الإسلامية أو التنظيمات الجهادية الأخرى. وحسب المفهوم الروسي، لا تقتصر التنظيمات الإرهابية على تنظيم الدولة، بل هو مفهوم واسع يشمل جميع الفصائل الإسلامية المسلحة التي تقاتل النظام السوري.

    ولتنظيم الدولة حضور إعلامي قوي في مواقع التواصل الاجتماعي الناطقة بالروسية، وهناك قناعة روسية بأن انتشار التطرف الإسلامي يعزز النزعات الانفصالية في داخل روسيا، ويشكل ثغرة يمكن أن يستغلها الغرب لتهديد الأمن القومي الروسي، حيث تزيد نسبة المسلمين في روسيا عن 17% من السكان.

    ثانياً: كيف تتحرك روسيا؟

    تاريخياً كانت روسيا تنظر لنفسها من موقع ”الدولة ذات الرسالة“ فهي القيصرية الروسية حامية الكنيسة الأرثوذكسية، أو هي الاتحاد السوفياتي صاحب الرسالة العالمية الشيوعية؛ بينما تطرح نفسها حالياً من موقع براجماتي تسعى لتحقيق مصالح مشتركة مع دول المنطقة، وتعمل على الحفاظ على استقرارها، وتحرص على تكوين شبكة علاقات متوازنة مع الجميع.

    ومن خلال خبرتها مع الثورات التي حدثت في المجال الحيوي لروسيا؛ في أكرانيا وجورجيا…، في العقد الماضي، ترى موسكو أن ثورات الربيع العربي لم تكن عفوية وإن كانت في البداية عفوية، لكن استطاع الغرب أن يتحكم بها ويوظفها لخدمة مصالحه، وأن الموقف الأمريكي كان مهادناً لها لدرجة أنه تخلى عن أقرب حلفائه وهو الرئيس المصري المخلوع مبارك. وكانت الضربة الكبرى هي تدخل الناتو في ليبيا. وفي خطابه أمام الجمعية العمومية في الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2015، انتقد الرئيس الروسي السياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وحمَّلها نتيجة الفوضى الحادثة فيها، وأن تلك الحالة ناتجة عن تجاوز الولايات المتحدة لمجلس الأمن في إجراءاتها، وفي تدخلها في الصراعات بشكل مباشر، مما نتج عنه ظهور تنظيم الدولة وأزمة اللاجئين في أوروبا. ووجه سؤاله للأمريكان قائلاً: ”هل تدركون ما فعلتم الآن؟“

    ثالثاً: الفرص الروسية في المنطقة:

    1. التدخل في سورية:

    بطبيعة الحال، يُعدُّ النفوذ الروسي في سورية هو العنوان الرئيسي لنفوذها في المنطقة ومنذ البداية حرصت روسيا على أن يكون تدخلها شرعياً بالاتفاق مع النظام الحاكم في سورية والمعترف به دولياً. ولأول مرة منذ انتهاء الحرب الباردة تتخذ موسكو موقفاً استباقياً وتتدخل بهذا الشكل المباشر في الأزمات الدولية، واستطاعت روسيا بتدخلها العسكري أن توقف تدهور قوات النظام السوري وأعادت له زمام المبادرة، وقامت بمناورات عسكرية حقيقية، وأعادت تقييم جاهزية قواتها المسلحة، واحتفظت بقاعدتها البحرية العريقة في طرطوس، وأنشأت قاعدة جوية في حميميم في اللاذقية، ونشرت منظومة الدفاع الجوي أس 400 المتطورة، وحمت نفسها في الوقت ذاته من تورط قواتها البرية في المستنقع السوري. وبالتالي نستطيع أن نقول بأن روسيا حققت الجزء الأكبر من أهدافها في سورية، وفرضت نفسها كلاعب دولي أساسي لا يمكن تجاوزه.

    وتتلخص الرؤية الروسية للأزمة السورية في:

    • ليس من حقّ أي دولة أن تتدخل لقلب النظام الحاكم في أي دولة أخرى، ولا تغيير حدودها الجغرافية، لذلك فروسيا مع وحدة الأراضي السورية، وأن مصير الشعب السوري يحدده الشعب دون إملاءات خارجية.

    • الأولوية لمحاربة التنظيمات الإسلامية المتشددة وفق التصنيف الروسي الذي لا يقصرها في تنظيم الدولة والنصرة.

    • حلّ الأزمة السورية هو حلّ سياسي ولا يمكن حسم المعركة عسكرياً، لذلك كان هدف الحملة العسكرية الروسية هو فرض واقع جديد ثم الدعوة للحوار السياسي.

    • وغاية ما تطمح له الديبلوماسية الروسية هو الجلوس من موقع الشريك مع الولايات المتحدة للتوصل إلى حلّ سلمي، الأمر الذي تقابله الإدارة الأمريكية بعدم اعتبار روسيا لاعباً دولياً بل هي لاعب فوق إقليمي، حسب تصريح الرئيس أوباما.

    2. التحالف مع إيران:

    لروسيا علاقات وثيقة جداً مع إيران على مختلف المستويات بالرغم من وجود ثغرات في الثقة المتبادلة بينهما، فالتدخل الروسي في سورية ما كان ليتم لولا الغطاء البري من إيران والقوات المتحالفة معها. وبالرغم من تشابك المصالح بين الدولتين، إلا أن هناك جواً من الحذر في التعامل فيما بينهما، فإيران من مصلحتها المزيد من الانخراط الروسي في المعارك في سورية، بينما تحرص روسيا على الاكتفاء بالضربات الجوية وعمليات القوات الخاصة. لكن مستوى مقبولاً من التناغم قائم بينهما فيما يتعلق بالأزمة السورية وفيما يتعلق بمواجهة السياسة الأمريكية. وأظهرت روسيا قدراً كبيراً من القدرة على التفاهم مع إيران على الرغم من تصويتها في مجلس الأمن لصالح فرض عقوبات على إيران، بسبب برنامجها النووي، لأنها تتعامل مع هذه المسألة وفق محددين، أولهما: تأييد حقّ إيران في امتلاك تكنولوجيا نووية للاستخدامات السلمية، وثانيهما: رفض امتلاك إيران أسلحة نووية.

    3. اتفاقيات مع تركيا:

    استطاعت الدولتان تجاوز أزمة إسقاط الطائرة الروسية والمضي في التعاون الاقتصادي بالرغم من الخلافات السياسية الجوهرية بين البلدين فيما يتعلق بسورية، لكن تعامل الطرفين ببراجماتية عالية أدى إلى تطور على الأرض أيضاً، فعلى مدى سنوات كانت أنقرة تُسوِّق لمشروعها القاضي بإيجاد منطقة آمنة على حدودها السورية، الأمر الذي كانت ترفضه واشنطن. لكن بعد التفاهم مع الروس تمكن الأتراك من التوغل في الأراضي السورية، وفرض أمر واقع جديد في مواجهة القوات الكردية. غير أن العنوان الأبرز للعلاقات الروسية التركية هو الاقتصاد، خصوصاً في مجالات الطاقة، والغاز، والزراعة، والبناء.

    4. العلاقة مع العراق:

    نتيجة لعلاقاتها الجيدة مع إيران، تحظى روسيا بعلاقات جيدة مع العراق وتسعى للحصول على صفقات في مجال التسليح والطاقة، كما أنها في الوقت نفسه على علاقات تاريخية مع الأحزاب الكردية.

    5. السعودية وغياب الثقة:

    لم تكن العلاقات بين السعودية وروسيا مميزَّة في يوم من الأيام. ويوجد تضارب في وجهات النظر فيما يتعلق بالتعامل مع ملفات المنطقة بما في ذلك العلاقة مع إيران، ومستقبل سورية ونظام الحكم فيها. كما تنظر روسيا إلى ما تُسمِّيه ”الفكر الوهابي“ الذي تتبناه السعودية نظرة ريبة، وبأن انتشاره بين مسلمي روسيا يهدد الأمن القومي الروسي. لكن شهدت الآونة الأخيرة اتصالات مكثفة بين الجانبين، وتريد روسيا من السعودية التفاهم حول أسعار النفط، ومن مصلحة السعودية انتهاج سياسة التنويع في العلاقات الخارجية، لذلك من المتوقع استمرار الاتصالات بين الجانبين.

    6. تحسن العلاقات مع مصر:

    تاريخياً، كانت مصر تمثل عماد المصلحة الجيو-سياسية السوفياتية في المنطقة، قبل أن تتحول باتجاه الولايات المتحدة. تحسنت العلاقات المصرية الروسية بشكل كبير بعد وصول عبد الفتاح السيسي للرئاسة، والرئيس بوتين ينظر إليه باعتباره الشخص القادر على استعادة الاستقرار في أكبر بلد عربي. ومن خلال التمويل السعودي حصلت مصر على صفقة أسلحة روسية كبيرة، الأمر الذي نُظر إليه على أنه شراء موقف، لأن الجيش المصري يعتمد بشكل أساسي على الأمريكان في التسليح والتدريب.

    7. روسيا و”إسرائيل“:

    يشكل الناطقون بالروسية في دولة الاحتلال خمس السكان، كما أنه يوجد حضور معتبر لليهود في روسيا، والعلاقات بين البلدين جيدة، على الرغم من أن روسيا ليست على اتفاق مطلق مع ”إسرائيل“ وتتبنى حلّ الدولتين، وتختلف مع وجهات النظر الإسرائيلية في الموقف من إيران وحزب الله وحماس، وهي بالتالي تنتهج نهجاً مرناً يخالف النهج الأمريكي، الذي يُعدّ حليفاً تقليدياً لدولة الاحتلال.

    رابعاً: عقبات تحد من القدرة الروسية:

    1. المُحدِّد الأمريكي: تُعد منطقة الشرق الأوسط بشكل عام منطقة نفوذ أمريكي ضمن التقسيمات التقليدية في فترة الحرب الباردة (ثنائية القطبية الأمريكية الروسية). وبالرغم من محاولات الروس الدائمة لإيجاد موطئ قدم ودوائر نفوذ وتحالفات، إلا أن الأمريكان ظلوا اللاعب الأكبر في المنطقة. وبغض النظر عن الأسلوب الذي أدار به أوباما السياسة الأمريكية في المنطقة، وما بدا وكأنه تراجعٌ في الدور الأمريكي، إلا أنه لم يحصل تغير على جوهر السياسة الأمريكية، بالرغم من سعي الأمريكان لتخفيض التكاليف والنأي عن التدخل المباشر. ولا يظهر أن التحرّك الروسي مسَّ حتى اللحظة المصالح الحيوية الأمريكية وخطوطها الحمراء، بغض النظر عن انزعاج عدد من الأنظمة الصديقة لأمريكا من طريقتها في إدارة النزاعات.

    ويبدو أن التدخل الروسي في سورية لم يتعارض مع السياسة الأمريكية في استمرار استنزاف الحكومة والمعارضة السورية، وتغذية الصراع بما يمزّق النسيج الاجتماعي السوري طائفياً وعرقياً، ويدمر الاقتصاد؛ وبما يؤدي لإضعاف الدولة المركزية في سورية لصالح الانقسامات الداخلية التي قد تنشأ في أي ترتيبات مستقبلية؛ وهي ترتيبات ما تزال لأمريكا يدٌ دولية طُولى فيها مقارنة بالروس. كما أن النظم الحاكمة في المنطقة ما تزال أكثر ميلاً في علاقاتها مع الأمريكان مقابل الروس لأسباب مختلفة. وبالرغم مما أبداه الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب من رغبة في التعاون مع روسيا، إلا أن طبيعته البراجماتية وقاعدته الانتخابية الجمهورية قد تجنح إلى دفعه ليكون أكثر تشدداً بما يظهر قوة أمريكا وقدرتها على فرض سياساتها.

    2. ضعف الإمكانيات المادية الروسية، بسبب الأزمة المالية الكبيرة التي تتعرض لها موسكو، بسبب تراجع أسعار النفط، والعقوبات الاقتصادية الأوروبية.

    3. احتمال تمدّد الحرب في سورية واتساعها، وفي هذه الحالة ستتعرض روسيا لاستنزاف شديد تحاول تجنبه، لأن الثمن الذي سيدفع حينها سيكون باهظاً جداً إذا قورن بالمكتسبات، وسيعيد ذكريات حرب أفغانستان إلى الرأي العام الروسي. وحتى الآن فالعملية العسكرية الروسية في سورية ما تزال محدودة التكاليف، وهي تقارب تكلفة أي مناورة كبيرة.

    4. التعاون الوثيق مع إيران، كما أنه يمثل فرصة لروسيا، إلا أنه أيضاً يمثل عقبة تُقِّيد يدها في المنطقة. فعلى سبيل المثال تحتاج روسيا إلى إيران في مدَّ علاقات اقتصادية قوية مع العراق.

    5. تشابك مصالحها مع نقيضين في المنطقة، وهما ”إسرائيل“ وإيران، مما سيؤثر على مصالحها في حالة حدوث صراع بين الطرفين، لذلك تتعامل روسيا مع المسألة بحذر شديد.

    6. العامل الداخلي الروسي، وهو العامل الأهم لكنه عامل بعيد المدى، مرتبط بفشل روسيا في التحول لدولة مؤسسات، وبالتالي هناك خشية من مرحلة ما بعد بوتين.

    خامساً: سيناريوهات المستقبل:

    من خلال استعراض الحراك الروسي في المنطقة، يظهر أن موسكو تحاول إيجاد صورة اللاعب الواقعي وغير العقائدي، الذي يمتلك الخبرة والقوة بما فيه الكفاية، ويمثل الشريك الذي يمكن الوثوق به، والقادر على التأثير في الوضع من خلال ثنائية الديبلوماسية والقوة. روسيا تطرح نفسها كقوة عالمية كبرى مستعدة لتقديم شراكة لجميع الذين يشتركون معها في الرؤية لعالم متعدد الأقطاب. وفي هذا الإطار يبرز أمامنا سيناريوهان:

    السيناريو الأول: سيناريو استمرار تمدد الدور الروسي:

    وهو سيناريو يدعمه ما شهدناه من القدرة على نسج شبكة علاقات متنوعة ومتشابكة تتفاوت من التحالف الاستراتيجي إلى العلاقات الاقتصادية، مستفيدة في ذلك من التحولات الدولية والإقليمية، والمهارة في التعامل مع الأحداث مثل المبادرة بالتدخل الاستباقي في سورية ومنع سقوط النظام، واحتواء حادثة إسقاط طائرة الركاب الروسية في سيناء، واستخدام سياسة التصعيد المدروس في احتواء الأزمة مع تركيا إثر إسقاط الطائرة.

    السيناريو الثاني: سيناريو انحسار الدور الروسي:

    وهو مرتبط بسير المعارك في سورية، وقدرة ورغبة الدول الداعمة لقوات المعارضة السورية على إحداث تغير استراتيجي في الميدان، وهو أمر لم تتضح بوادره حتى هذه اللحظة، كما أنه مرتبط بتفكك التحالف الإيراني – الروسي، ولا يوجد أي مؤشر على خلافات جوهرية بين الطرفين.

    سادساً: توصيات:

    من خلال الاستعراض السابق، يظهر لنا أن هناك دوراً متنامياً للروس في تفاعلات المنطقة، وتبدو القوى الشعبية الإسلامية منها والوطنية في موقف المناهض للدور الروسي، الأمر الذي يستدعي:

    1. مزيداً من الفهم للعقلية الروسية وللمصالح الروسية في المنطقة، وأنها مصالح جوهرية تمس الأمن القومي الروسي وتتجاوز أمر التطلعات الشعبية فيها.

    2. فلسطينياً تتميز السياسة الروسية بأنها تحتفظ بعلاقة جيدة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لكنها لا تتبنى جميع مواقفها، ولا تصنف الحركات المقاومة تصنيفاً إرهابياً، الأمر الذي يوفر هامشاً للمناورة.

    3. تنشيط الديبلوماسية الشعبية، من خلال الانفتاح أكثر على الرأي العام الروسي لا سيّما وأن 17% من المواطنين الروس هم مسلمون، ولهم دورهم ومكانتهم في الحياة الروسية، وكان لموقف مفتي روسيا دور إيجابي في تحسين العلاقات الروسية التركية إثر إسقاط الطائرة الروسية.

    * يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ علي البغدادي بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

     

    لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

    >> التقدير الاستراتيجي (94): آفاق الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط Word (12 صفحة، 95 KB)

    >> التقدير الاستراتيجي (94): آفاق الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط  (12 صفحة، 546 KB)

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 1/12/2016

  • درعاستان سلاح إيران القادم لتهديد الأردن والسعودية ... د. نبيل العتوم

        د.نبيل العتوم                       

    رئيس وحدة الدراسات الإيرانية            

    مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

    ما هي  مصادر التهديد التي يمكن أن يتعرض لها الأمن الأردني والسعودي والخليجي   في الفترة القادمة جراء سيطرة إيران ومليشياتها على درعا ؟ قد تتزايد بعد انتشار الحرس الثوري الإيراني ، ومليشيا حزب الله ، ، كما تتزايد مع احتمال وصول تنظيم داعش إلى جنوبي سورية ،و تزايد  عمليات نزوح  اللاجئين السوريين ، ودخول إسرائيل على الخط  بعد تلاشي فكرة  استكمال المسيرة السلمية ، و إبعاد فرص بناء الدولة الفلسطينية عن طريق إشغال الدول الإقليمية والكبرى عن دعم تحقيق هذا الهدف ،وصعود أصوات وتوجهات متعددة تطالب بحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن ،أو من خلاله- بعد إضعافه طبعاً-، بعد أن تبدّت مصادر تهديد خطيرة على الأردن من جانب إيران ومحورها ، إلى جانب ضبابية الموقف الأمريكي والروسي إزاء هذه التطورات ، مما يوحي  بوجود مسار جديد لإعادة رسم التوازنات السياسية والعسكرية في المنطقة .

    هذه المتغيرات بمجملها تُمثل تهديداً للمملكتين الأردنية والسعودية على حد سواء ، لكن كيف ؟؟ .

    لا شك بأن هذه  التطورات الدراماتيكية المتسارعة لا بد من  أن ترفع من مستوى التهديد ؛و في هذا السياق لا بد من إجراء تحليل علمي وواقعي و منطقي واستشرافي لتبعات ما يجري على حدود الأردن الشمالية ، والتي باتت  تشكل مصدر تهديد غير مسبوق  .

    سيناريو  درعاستان و خطرها على الأمن الأردني والسعودي

     حتى نفهم  ما يجري لابد من تحليل  المتغيرات التالية  :

    المتغير  الأولهو الانتصارات التي حققتها إيران وحلفاؤها على الأرض في محافظة درعا ، حيث  باتت  طهران ومن خلفها في وضع شبه مسيطر ؛ حيث  دعم ذلك فرص تركيز نفوذ ها  في درعا ، بعد  تقهقر المعارضة المسلحة السورية على الأرض .

      المتغير الثاني :حسابات صانع القرار السياسي والعسكري والأمني  الإيراني والسوري في كيفية استغلال هذا الحدث المهم  لإحداث ضغط أكبر على الأردن والسعودية  ومنطقة الخليج عموماً ، واستراتيجيات تحقيق ذلك وأدواته  الفعلية على الأرض .

    المتغير الثالث :كيف يُمكن توظيف أرض درعا  لتصدير الأزمات والمشاكل للمحور الأردني السعودي الخليجي  ليصبح الأمر في نهاية الأمر  في وضع أسوأ مما كانت عليه ، واستنزاف قدرات هذه الدول وإمكاناتها ، بهدف ثنيها عن دعم المعارضة السورية ، والضغط على هذا المحور لإجباره على الابتعاد عن فكرة تغيير النظام  السوري ، فضلا عن توجيه البوصلة السعودية والخليجية عن القضية اليمنية عن طريق استنزافها بأزمة جديدة .

    المتغير  الرابع :القضاء على الأردن اقتصادياً واستنزاف طاقاته السياسية والعسكرية وتشويه القاعدة الذهبية  التي تعتمد على فكرة مفادها أن الأردن وفي ظل التغيرات الجيوسياسية في المنطقة بات أكثر قدرة  وأهمية   من ذي قبل بالنسبة لدول المنطقة ، حيث بات يُمثل المثال والساحة  الوحيدة التي تحتفظ بمقومات الأمن والاستقرار ليس لشعبها فقط ؛ بل بالنسبة لدول المنطقة  ، وبيئة  آمنة جالبة للاستثمار.

    المتغير الخامسالتأثير على الأردن اقتصاديًا في ظل وجود مجموعة من العوامل يأتي في مقدمتها تقتير دول مجلس التعاون الخليجي عن دعم الأردن ، وانكفاء المجتمع الدولي عن تقديم مساعدات مجزية له ، ومحاولات إيران المتكررة من خلال أدوات النظام السوري نقل الفوضى للأردن ، وتهديد اقتصاده  عن طريق التلاعب  بأمنه الداخلي .

    لا شك بأن  كل هذه  العوامل ليست  في مصلحة الأردن ، وسوف تسهم في نهاية المطاف في تعقيد الظروف المعيشية للشعب الأردني ، مما سيخلق – حسب رؤية النظامين الإيراني والسوري – أرضية خصبة لنمو التيارات الراديكالية المتطرفة ، وسيُسهل مهمة بناء الخلايا النائمة التي يطمح تنظيم داعش فرع المخابرات السورية والإيرانية بالتواصل معها لنقل الفوضى إلى الأردن ، ودول الجوار وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية .

    المتغير السادستأجيج إيران وحلفائها  للأوضاع الأمنية  في سوريا عموماً ، وفي محافظة درعا على وجه الخصوص سوف يسهم في تكثيف عمليات اللجوء السوري للأردن ، ومحاولة استغلال موجات اللجوء لزرع خلاياه النائمة ، وهو ما تنبه له صانع القرار الأمني بصورة مبكرة .

    المتغير السابع:ما تُمثله محافظة درعا من أهمية استراتيجية بالنسبة لإيران بعد أن اتضح هذا الأمر بشكل جلي من خلال تصريحات المسئولين الإيرانيين المتكررة وكان أخرها ما صرح به مساعد قائد الحرس الثوري  بعد الانتصارات التي حققتها ايران وحلفاؤها هناك بأن ” الحرس الثوري الإيراني بات على مشارف عمان، وقريباً من عاصمة آل سعود أكثر من أي وقت مضى” .

     المؤكد أن   إيران تسعى للنفوذ  إلى الأردن  بشكل دائم ومتكرر  من خلال توظيف المعادلة السياسية الداخلية؛ وتحديداً  متغير علاقات الدولة الأردنية  المضطرب مع الإسلاميين، التي ينبغي لصانع القرار الأمني والسياسي التنبه لخطورتها ، وتفويت الفرصة على طهران  لتحقيق ذلك من خلال نسج علاقة جديدة، وعلى أسس واضحة مع الإسلاميين ، إلى جانب ذلك تحاول إيران استغلال  متغير أخر وهو المتمثل بفرصة الجفاء بين إيران وحماس ،من هنا على الأردن تبني إستراتيجية جديدة تتمثل  بالسعي لتوظيف هذا المتغير  لصالحه بدلاً من أن يكون ضده ، لأن هذه الحركة ستبقى في نهاية المطاف ورقة رابحة  للوقوف ضد المشروع الإيراني والإسرائيلي على حد سواء اللذين باتا يتقاطعان معاً، مع رفع احتمالية الحوار مع حركة الجهاد الإسلامي أيضاً  ، وهو ما نجحت  الرياض في تخطيه .  

    من هنا تبرز الحاجة إلى ضرورة وأهمية  إعادة تشكيل مؤسسات صنع القرار الوطني الأردني ، ورفد مطبخ القرار بنخب قادرة ومؤهلة وغير معتلة  بما ينسجم مع المرحلة الجديدة  ، لأن هذه التحولات ترتبط، بلا شك بوجود نخب قادرة على النهوض بأعباء المسؤولية ، وأن لا تسهم في خلق بيئة تصادمية مع الأحزاب والقوى  السياسية ، وأن تكون قادرة على المساهمة الفعالة لتخفيف الأعباء عن صانع القرار السياسي والأمني على حد سواء ، والدفع باتجاه انتخابات نيابية مُمثلة لكل الأطراف وبعيداً عن ممارسة سياسة الإقصاء والتهميش .

    إيران تتلاعب بورقة درعاستان : البناء والتفكيك

    تلعب الجغرافيا دوراً مهماً في تشكيل المصالح الإيرانية في درعا ؛ فهي ستعطي طهران وحلفاءها ميزات كثيرة تجعلها متحكمة في عدد متزايد من ملفات المنطقة ؛ ومن أبرزها التأثير على الأوضاع الداخلية  في كل من  الأردن والسعودية ، وهو ما يعني مزيداً من النفوذ وتنامي الدور الإقليمي، ولكن من ناحية أخرى فإن الجبرية الجغرافية  السورية مع الأردن  ، ستضع عمان والرياض على شفير عدد من الأزمات المعقدة والمتشابكة  بسبب هذا الموضوع .

    أولاً : الاستراتيجية الأولى لإيران في التعامل مع موضوع درعا  أنهلا يوجد تقدم فعلي على الارض   لمشروعها هناك دون  التوسل لتكون الطائفية أحد أهم أدوات  السياسة الإيرانية كونها منطلقاً أساسياً له، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لدولة ولي الفقيه ، لأن هذا المنطلق مرتبط بالأمن القومي الإيراني والمصالح الاقتصادية والسياسية المختلفة، وعلى ضوء ذلك من المتوقع أن تلعب طهران ب بورقة  السكان داخل محافظة درعا  ومحاولة تفريغها من سكانها السنة الأصليين بعد سيناريو عمليات الذبح والتهجير ، حيث من المتوقع أن تتبنى إيران  سيناريو عملية  الإحلال الديموغرافي عن طريق نقل وتوطين  سكان شيعة من سوريا ، ولبنان والعراق وأفغانستان وباكستان وتوطينهم في درعا بحجج وذرائع  الشحن المذهبي؛ وفي مقدمتها سياسة إيران للتمدد ألقبوري بعد أن يخرج علينا أحد مراجع التقليد الشيعة الإيرانيين ويبشرنا باكتشاف أضرحة لآل البيت في محافظة درعا ، أو في أحد قراها المتناثرة ، مما يُسهل ذريعة التعبئة المذهبية للتوطين، و تسهيل عملية الحج نحوالمزارات المفترضة في  درعاستان المقدسة .

    ثانياً:ستعمل إيران على تشكيل واجهات عسكرية ومن ثم سياسية  في حال نجحت في تحقيق هدفها  السابق ، لتعبر عن هذه الأقليات الشيعية في درعا ، والعمل  على توحيد عملها  لكي تتمكن من ترجمة أهميتها الديموغرافية إلى نفوذ سياسي، وبالتالي تعزيز السيادة الشيعية في دمشق الجديدة  المقبلة ، بعد أن تنشط فيها مؤسسات الثورة الإيرانية تحت غطاء العمل الخيري والاجتماعي والدعوي وإنشاء الحوزات … .

    والتأسيس للطائفية والمذهبية، سعياً وراء تقسيم الشعب السوري .

    ثالثاًالتطورات في درعا  سُتسهم في النهاية في تغيير معادلة الجغرافيا السياسية لتكتسب إيران وضعاً تفاوضياً قوياً  مع الأردن والسعودية ،وبالتالي تتمكن من  إمتلاك نفوذ كبير في المنطقة؛ بعد أن  تدخلت روسيا لصالحها ؛ وبعد أن  سقِط النظام السُّني غرب إيران ممثلاً بالعراق الذي كان يُشكل العمق الجيوبولتيكي للأردن والسعودية على حد سواء ، وهو أفضل مما كانت تحلم به إيران؛ مع حرية مطلقة للدخول والخروج من وإلى الدولتين العراق وسوريا للنفوذ لدول المنطقة وفي مقدمتها الأردن والسعودية ، بعد أن تبنت طهران  إستراتيجية مذهبية خيالية شعارها الأساس  أن لدولة أم القرى “إيران” الحق بالاستيلاء على الجغرافيا التي تراها ضرورية لبناء مجالها الحيوي المذهبي، وبعد أن  رفعت أيضاً شعار” أن الوصول لمكة عبر البوابة السورية سوف يكون من خلال بوابة دولة وادي اليابس ” الأردن” .  وتمكنت من تعبئة شيعة الشتات ، وحقنهم بهذه الفكرة  .

    رابعًا :  تفعيل  إيران وحلفائها للمزايا الجيوبوليتيكية التي تتمتع بها من خلال التوسل ببوابة درعا من خلال دعم عمل مليشياتها وتقديم الدعم ألاستخباراتي والعسكري والاقتصادي والسياسي للنفوذ والعبور إلى الأردن، حيث تمتلك طهران تحكُّماً في عدد من الاستراتيجيات الخطيرة والمؤثرة  للتأثير مستقبلاً على الأردن والسعوديه  ، حيث ستوكل  لقيادة الحرس الثوري الإيراني  تنفيذ أجندته التخريبية مثل:زراعة  المخدرات التي كان للحرس الثوري دوراً في جعل أرض أفغانستان وجنوب لبنان أكبر مكان لزراعة المخدرات وصنوفها  في العالم ، لهذا سينشط في مهمة جعل أرض درعا مكاناً خصباً لزراعة المخدرات والتفنن بها ، تمهيداً لتهريبها  للأردن ودول المنطقة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ، إضافة إلى تسهيل الحرس الثوري لعمليات تهريب الأسلحة للأردن ودول المنطقة من خلال بوابة درعا  ، و التحكم في مسار ملف  اللاجئين، وإعادة رسم  الخارطة السكانية من خلال دعم توطين الشيعة فيها ، كذلك التحكم في ملف التبادل التجاري مع الأردن الذي كان يعتبر درعا شريانه البري الحيوي للتواصل مع سوريا ولبنان وتركيا ، إلى جانب تقديم الدعم العسكري لمجموعات قد تقوم بالتحالف معها من بعض عشائر درعا إذا لم يتم التواصل معها ودعمها وتسليحها قبل فوات الأوان ، لتكون أحد المصدات للوقوف بوجه النفوذ الإيراني ” نموذج الصحوات ”  ، إضافة إلى موضوع استغلال إيران لفكرة الحرب على الإرهاب لتسهيل مهمة نفوذ داعش وأخواتها إلى الأردن والسعودية بعد توفير الدعم اللوجستي والتسليحي والاستخباري لها .

      خامسًاترويج وافتعال إيران  لخلق حالة  من الفوضى في درعا ، عن طريق سياسة تفريخ المليشيات من مختلف العشائر والمناطق التابعة لمحافظة درعا ، واستدراج بعضها من خارج المنطقة ، واللعب على وتر الخلافات العشائرية وتناقضاتها كما فعلت في العراق وأفغانستان ،  بحيث تكون سهلة  التوجيه والانقياد إضافة إلى محاولة الاستثمار في سلسلة واسعة من العشائر  المتنوعة القاطنة هناك ، الذين كثيرا ما يكونون  مستعدين لتقديم الخدمات نتيجة للظروف الاقتصادية والسياسية المزرية ، حيث ستسعى طهران لتوظيفهم كمنافسين لتقليل المخاطر عنها  إلى الحد الأدنى ،وذلك  لضمان استمرار نقل الفوضى  وبثها على مقياس متعدد الدرجات ، ولكن قابل للسيطرة عليه من جانب إيران ، على اعتبار أنها  مفتاح الحل ، مما يجعل صانع القرار السياسي والأمني الأردني في حالة قلق دائم . ومن هنا فإنه من المحتمل أن تنظر إيران إلى توظيف ملف درعا  كجزء من منافستها الأوسع مع مخاوفها تجاه  الأردن والسعودية   وإلى قلقها المتعاظم بعد تشكيل التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب الذي اعتبرته موجهاً ضدها ، إضافة إلى التحالف السعودي التركي والتهديد بحرب برية ضد  النظام السوري من جهة تركيا ، وبالتالي فإن طهران ستكون مستفيدة بشكل أوسع من خلال إنتاج حالة عدم استقرار أكبرمن جبهة جنوب سوريا ” درعا ” للتأثير على خصومها .

    سادساً : تزامن  تعاظم التأثير الإيراني من خلال الأزمة السورية وموضوع درعا  مع تغير الرؤى في الولايات المتحدة  بالنسبة لموضوع بقاء حالة الاقتتال على ما هي عليه، دون السماح  لتغيير الموازين  على الأرض لصالح المعارضة السورية ، مع الدعم غير المعلن للإستراتيجية الروسية والإيرانية الماضية في تقدمها وسحق المعارضة والشعب السوري معاً  ، مما سيشجع طهران على   محاولة «أقلمة» القضية  السورية  حسب مقاسها ؛ خاصة مما يتعلق بموضوع درعاستان ، واستغلال فكرة انشغال أميركا بانتخاباتها الرئاسية  لتحقيق أهدافها، لتصفية حساباتها مع الخصوم  .