• تقدير موقف حول الإعلان الثاني لحالة الطوارئ في فلسطين (أيّار 2020)

    إعداد: بشار سلوت، إحسان عادل                                                      

    خلفية

    في يناير/كانون الثاني 2020، أصدرت منظمة الصحة العالمية نداء إلى جميع دول العالم بأن تكون جميعها على أهبة الاستعداد للوقاية من خطر الانتشار الدولي لفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”. وعلى ضوء ذلك وفي ظل ظهور بعض حالات الإصابة بالمرض في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية في أوائل مارس 2020؛ أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوما رئاسيا (رقم (1) لسنة 2020 بتاريخ 5/3/2020) بشأن إعلان حالة الطوارئ لمدة 30 يوما في جميع الأراضي الفلسطينية، في إطار المساعي لاحتواء خطر تفشي الفايروس في الأراضي الفلسطينية.

    بعد مضي مدة الشهر المعلنة بمرسوم اعلان حالة الطوارئ، وعلى ضوء توصيات رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية بضرورة تمديد إعلان حالة الطوارئ لاستمرار الجهود المبذولة في سبيل الوقاية والتعامل مع انتشار الفيروس، أصدر الرئيس عباس بتاريخ 5/4/2020 مرسومًا جديدًا يقضي بتمديد حالة الطوارئ مدة ثلاثين يومًا أخرى. والتي انتهى العمل بها يوم 5/5/2020.

    ومع انقضاء المدة السابقة لإعلان حالة الطوارئ والتمديد الأول لها، أصدر الرئيس صباح يوم الثلاثاء الموافق 5/5/2020، مرسومًا جديدًا يقضي بإعلان حالة الطوارئ مدة ثلاثين يومًا أخرى. وقد أثار هذا المرسوم الأخير عاصفة من التساؤلات حول مدى دستوريته والأساس القانوني له، وذلك في ظل أن القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003، والذي يمثل دستور فلسطين، قد نص على إمكانية إعلان حالة الطوارئ لمدة 30 يوما بمرسوم رئاسي، ويجوز تمديدها ثلاثين يوما أخرى بموافقة ثلثي أعضاء المجلس التشريعي (وهو ما لم يحصل في حينه لتعطل المجلس التشريعي)، وهي المدد التي تم استيفاؤها في كل الأحوال في المرسوم الأول ثم الثاني للرئيس.

    هناك تباين في الآراء حول إعلان حالة الطوارئ الأخير ما بين مؤيد ومعارض، ولا سيما أن نظرة أولية على القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003 (الدستور)، تظهر عدم تنظيمه لأحكام إعلان حالة الطوارئ من جديد بعد مضي مدة ال30 يوما لمرتين، ما ترك المجال لما قد يبدو تعددا في الآراء، وهو ما سنناقشه في هذه الورقة، لتبين مدى دستورية أو عدم دستورية الإعلان المذكور.

    الإطار القانوني لحالة الطوارئ في فلسطين

    تعتبر حالة الطوارئ حالة استثنائية مقيدة دستوريًا وقانونيًا، يتم بموجبها منح السلطات التنفيذية أو المختصة- وفقا لأحكام القانون الداخلي لكل دولة- صلاحيات غير مختصة بها أصلاً؛ لمواجهة ظرف استثنائي[1]. وقد قيّد القانون الدولي، فضلا عن القوانين الداخلية للدول، الحالات والإجراءات التي يمكن فيها إعلان حالة الطوارئ، لحساسيتها ولأنها تنطوي غالباً على تقييد لعدد من حقوق الإنسان وحرياته، ولأنها تطلق يد السلطات التنفيذية -نسبيا- في ممارسة صلاحيات ليست من ضمن صلاحياتها في الظروف العادية.

    فلسطينيا، نظم القانون الأساسي الفلسطيني المعدل للعام 2003 الأحكام الخاصة بإعلان حالة الطوارئ في المواد (110 – 114) منه. حيث نصت المادة (110) على أنه:

    “1- عند وجود تهديد للأمن القومي بسبب حرب أو غزو أو عصيان مسلح أو حدوث كارثة طبيعية يجوز إعلان حالة الطوارئ بمرسوم من رئيس السلطة الوطنية لمدة لا تزيد عن ثلاثين يوماً. 2- يجوز تمديد حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوماً أخرى بعد موافقة المجلس التشريعي الفلسطيني بأغلبية ثلثي أعضائه. 3- يجب أن ينص مرسوم إعلان حالة الطوارئ بوضوح على الهدف والمنطقة التي يشملها والفترة الزمنية.  4- يحق للمجلس التشريعي أن يراجع الإجراءات والتدابير كلها أو بعضها التي اتخذت أثناء حالة الطوارئ وذلك لدى أول اجتماع عند المجلس عقب إعلان حالة الطوارئ أو في جلسة التمديد أيهما أسبق وإجراء الاستجواب اللازم بهذا الشأن.”

    وكما نرى، حددت المادة السابقة الحالات التي تستدعي إعلان حالة الطوارئ والشروط القانونية اللازمة لإعمالها، والتي لا يجوز الخروج عنها، أو مخالفتها. فيما فرضت المواد 111-113 نطاقا للقيود التي يمكن أن تحصل على الحقوق والحريات، بحيث أنه لا يمكن فرضها إلا بالقدر الضروري ولتحقيق الأهداف المعلنة في مرسوم حالة الطوارئ، كما حددت الضوابط التي يجب مراعتها عند إجراء أي اعتقال أثناء حالة الطوارئ، حيث اشترطت مراجعة ذلك من قبل النائب العام أو المحكمة المختصة، بالإضافة لمنح الموقوف الحق بتوكيل محاميًا يختاره. إضافة إلى أنها حظرت حل المجلس التشريعي أو تعطيله طوال مدة الطوارئ.

    الإعلان الثاني لحالة الطوارئ في فلسطين  (5 أيار 2020): جدل وآراء قانونية متباينة

    أدى تزايد اعداد الإصابات بفيروس كورونا في فلسطين إلى رفع شتية، رئيس الحكومة الفلسطينية، توصية جديدة للرئيس عباس، تقضي بتجديد حالة الطوارئ لمدة شهر، لاستكمال مواجهة خطر تفشي الفيروس في فلسطين. وعلى ضوء ذلك، أصدر الرئيس عباس يوم 5/5/2020 مرسومًا جديدًا بإعلان حالة الطوارئ في جميع الأراضي الفلسطينية لمدة ثلاثين يومًا أخرى، وذلك لمواجهة استمرار تفشي فيروس “كورونا”.

    وقد سبق هذا الإعلان ورافقه تباين في الآراء وجدل مدني وقانوني واسع حول مدى قانونية ودستورية الخطوة والحاجة الضرورية إليها. حيث رأى البعض أن مرسوم تمديد حالة الطوارئ للمرة الثانية قانوني ولا يتعارض مع أحكام الطوارئ في القانون الأساسي، وحجتهم في ذلك أن هناك ثغرة في القانون الأساسي، والذي لم ينص على أحكام تمديد حالة الطوارئ لمرة ثانية، ولم يمنع إعلان طوارئ جديد بعد انتهاء إعلان حالة الطوارئ والتمديد لها لمرة واحدة، بمعنى أن القانون الأساسي لم يحدد مدة يُحظر فيها إعلان الطوارئ من جديد بعد انتهاء إعلان الطوارئ الأول والتمديد التابع له. وتستند هذه الحجة، إلى جانب السند القانوني سابق الذكر، إلى أن تغليب المصلحة العامة فوق أي اعتبار آخر.

    وكان هذا الرأي هو الذي تبناه الموقف الرسمي الفلسطيني، وذلك من خلال ما ورد عن الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية “نبيل أبو ردينة”، حيث قال في تصريح مقتضب على إعلان المرسوم “إنه كان لا بد من هذا المرسوم لأن هذه الطريقة القانونية لهذا الإجراء”. بالإضافة إلى تصريح وزير العدل الفلسطيني محمد الشلالدة، إبان تعليقه على مرسوم تمديد حالة الطوارئ في المرة الأولى، حيث قال إنه يجوز تمديد حالة الطوارئ كلما اقتضت المصلحة الوطنية العليا ذلك.

    في المقابل، عارض كثيرون، ومنهم أساتذة أكاديميون في القانون الدستوري ومؤسسات حقوقية إعلان حالة الطوارئ الجديد، مستندين في ذلك على مخالفته للقانون الأساسي الفلسطيني، والذي يخلو من منح الصلاحية للرئيس بتمديد حالة الطوارئ أصلا، حيث أن نص المادة (110) من القانون الأساسي، سابقة الذكر، منح للمجلس التشريعي -حصرًا- تمديد إعلان حالة الطوارئ، وبموافقة أغلبية ثلثي أعضائه، ولم يمنح أي صلاحية للرئيس تمنحه الحق في تمديد حالة الطوارئ.

    وفي ذات السياق، بحسب ما يقوله الخبراء، ومنهم رشاد التوام، وعاصم خليل، أستاذا القانون العام بجامعة       بيرزيت-، فإنه لا يمكن أن يكون هناك بديل مشروع عن موافقة المجلس التشريعي لغايات اعتبار التمديد دستوريًا. ويرى الخبيران التوام وخليل، في دراسة نشرت لهما، أنه من المؤكد ضرورة إقدام السلطات الرسمية الفلسطينية على اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمواجهة الأزمة الاستثنائية القائمة بما يحافظ على الصحة والمصلحة العامتين، ولكن دون التغول على الحقوق والحريات أو تقييدها إلا بالقدر الضيق الكافي لمواجهة الأزمة، وفقًا “لمبدأ التناسبية”، وعلى أن تكون تلك القيود معلنة ومحددة بموجب نص تشريعي، مع ضمان مراجعة برلمانية وقضائية لجميع الإجراءات التي تتخذ خلال الأزمة.[2]

    ويرى الخبير الحقوقي “عصام عابدين”، منسق المناصرة في مؤسسة الحق برام الله، والحاصلة على الصفة الاستشارية في الأمم المتحدة، أن إعلان الطوارئ بسبب انتشار فيروس كورونا غير دستوري، حيث أن ذلك -ودون التقليل من خطر انتشار الفيروس- لا يندرج ضمن الحالات الدستورية الحصرية الأربع التي تجيز إعلان الطوارئ، وهو ما يجعل هذا الإعلان يمثل انتهاكًا للقانون الأساسي.

    وفي سياق متصل، ينتقد عابدين القرار بقانون رقم (7) لسنة 2020 بشأن حالة الطوارئ، والذي كان أصدره الرئيس عباس يوم 22/3/2020، حيث يشير إلى أن نص المادة (1) منه تنص على أنه “عند إعلان حالة الطوارئ بمرسوم رئاسي وفقا للقانون الأساسي، يتولى رئيس الدولة أو من يخوله صلاحيات إنفاذ احكام ذلك المرسوم، والقرارات، والتعليمات المنبثقة عنه”، حيث أن ذلك يتجاوز -وعلى نحو مفتوح- الصلاحيات الدستورية الحصرية للرئيس الفلسطيني والمحددة في القانون الأساسي.

    قراءتنا لمدى دستورية الإعلان الثاني لحالة الطوارئ في فلسطين (5 أيار 2020)

    إن مرد الأمور حين الاختلاف إلى النص متى وجِد، حيث لا اختلاف في مورد النص. وهكذا، نجد أن نص المادة 110/الفقرة الثانية كان واضحاً، كما تبين في آراء الخبراء أعلاه، في منح صلاحية التمديد لحالة الطوارئ للمجلس التشريعي، بل إن تشدد بأن جعل ذلك مقترنا بشرط آخر وهو موافقة ثلثي أعضاء المجلس.

    هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن نص القانون الأساسي على التمديد لمرة واحدة، لا يعني وجود ثغرة بخصوص التمديد لمرة ثانية أو الإعلان من جديد كما يقول البعض، وإنما يعني أن إرادة المشرّع الدستوري قد انصرفت إلى عدم جواز التجديد أكثر من مرة واحدة، بمعنى أن القانون الأساسي، ولحساسية حالة الطوارئ كما أسلفنا وتأثيرها على الحريات العامة وحقوق الإنسان، لم يسمح بأن تبقى الأراضي الفلسطينية تحت نطاق حالة الطوارئ أكثر من 60 يوما، وهي ال30 يوماً بإعلان الرئيس، ثم 30 يوما أخرى بتمديد من المجلس التشريعي، وبهما معاً تنتهي الفرصة الممنوحة لإعلان الطوارئ بموجب القانون الأساسي.

    وهكذا، يبدو إعلان حالة الطوارئ على أساس فكرة (قطع المدة)، أي انتهاء حالة الطوارئ والتمديد الخاص بها ثم الإعلان عن حالة طوارئ من جديد، تحايلاً على القانون الأساسي وعلى إرادة المشرع الدستوري، بل اعتبره البعض أكتر خطورة ومراوغة على القانون الأساسي؛ فمن جانب هو لا يخالف القانون الأساسي -شكليًا-؛ لكنه يخالف جوهر التقييد الوارد في القانون الأساسي، ويحتال بالالتفاف عليه، كما أنه خطير في الواقع إذا جرى استخدامه في غير أغراض المصلحة العامة وبشكل يمس بالحقوق والحريات[3].

    ومن جانب آخر، يفرض القانون الدولي على فلسطين -وعبر انضمامها لمجموعة واسعة من الاتفاقيات- تنفيذ العديد من الالتزامات حتى في وقت الطوارئ، حيث أوجبت المادة 4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أن تكون حالة الطوارئ حالة استثنائية وفي أضيق نطاق، ويجب أن تكون تدابير عدم التقيد بأحكام حقوق الإنسان التي ينص عليها العهد ذات طابع استثنائي ومؤقت. وبموجب العهد، ينبغي لإعلان حالة الطوارئ توافر شرطين جوهريين، هما: أن يكون الوضع بمثابة حالة طوارئ عامة تهدد حياة الأمة، وأن تكون الدولة الطرف قد أعلنت رسميًا حالة الطوارئ. ويجب على دولة فلسطين أن تعلم الدول الأطراف الأخرى في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بإعلانها حالة الطوارئ، وبشكل فوري، وذلك عن طريق إرسال إشعار إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وينبغي أن يتضمن هذا الإشعار الحقوق التي لم تتقيد بها في العهد والأسباب التي دفعتها إلى ذلك. وعليها، في التاريخ الذي تنهي فيه حالة الطوارئ، إعلام الدول بذلك مرة أخرى وبالطريق ذاته.

    وبموجب التعليق العام رقم 29 للجنة المعنية بحقوق الإنسان على المادة 4 سابقة الذكر، فإنه

    “يتعين على الدول عند إعلانها حالة طوارئ تترتب عليها آثار يمكن أن تستتبع عدم التقيد باي حكم من أحكام العهد، أن تتصرف في حدود أحكام قانونها الدستوري…”

    وهكذا، يبدو واضحا أن اللجنة أخذت بعين الاعتبار أن السلطات تلجأ عادة في ظروف الطوارئ إلى تجاوز الدستور مبررة ذلك بمواجهة الكارثة وعدم التشدد في القوانين وذلك من أجل حماية المجتمع. لكن اللجنة شددت على أن لا تتجاوز الدولة دستورها، والذي يُفترض أنه ينظم حالة الطوارئ ويتعامل معها، فلا مبرر إذن لتجاوزه وانتهاكه. واستناداً إلى ذلك، لا يمكن القبول بحجة المحافظة على الصحة العامة من أجل تبرير انتهاك القانون الأساسي الفلسطيني، لا سيما أن القوانين الأخرى السائدة في فلسطين كافية للتعامل مع الأزمة، بما في ذلك فرض تدابير لتقييد التنقل وفرض التباعد الاجتماعي، وهو الأمر الذي رمت إليه اللجنة في تعليقها ذاته على المادة 4 بقولها إنه “لا يمكن وصف كل اضطراب أو كارثة بأنها حالة طوارئ عامة تهدد حياة الأمة”.

    وفضلا عن ذلك، أضافت اللجنة بأن “استعادة الوضع الطبيعي الذي يمكن في ظله مرة أخرى ضمان الاحترام الكامل للعهد يجب أن يكون هو الهدف الرئيسي للدولة الطرف“. وإذا كانت هذه توصية اللجنة المعنية بحقوق الإنسان حتى في حالة كان القانون الأساسي يسمح بتجديد حالة الطوارئ، يغدو من الأولى الأخذ بها في ظل أن التمديد أو الإعلان الجديد لحالة الطوارئ سوف يمثل انتهاكا للقانون الأساسي.

    البدائل المطروحة

    هناك العديد من البدائل التي كان بالإمكان اللجوء إليها بدل تجديد العمل بحالة الطوارئ، وعلى رأسها الاستناد إلى التشريعات الفلسطينية العادية (القوانين السارية). وفي هذا الإطار، يبرز قانونان هما:

    قانون الصحة العامة رقم (20) لسنة 2004[4]، والذي نصت المادة رقم (14) منه على أنه: “بقرار من الوزير، للوزارة فرض الحجر الصحي في فلسطين لمنع انتقال الأمراض الوبائية منها وإليها”. كما منحَ القانون الوزارة في المادة رقم (9) منه صلاحية مكافحة الأمراض المعدية وغير المعدية والوراثية بالوسائل كافة، وبالتنسيق مع الجهات المختصة.

    قانون الدفاع المدني الفلسطيني رقم (3) لسنة 1998[5]، والذي نص في المواد (1، 26) منه “إمكانية اتخاد إجراءات موسعة للتعامل مع الأزمات، خاصة في حالات الطوارئ”.

    وبالتالي، تشكل هذه التشريعات العادية مسارا قانونيا يكفي لمواجهة الجائحة بما يجعل هذا البديل هو الأقوى دون المسً بالقانون الأساسي ومكانته.

    ويرى البعض أيضاً أن الرئيس كان بإمكانه -إن كان ولا بد من استمرار إعلان الطوارئ- إصدار “قرار بقانون” عوضاً عن المرسوم، فعلى الرغم من اشتراط المادة (110) من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 أن يجري إعلان حالة الطوارئ عبر مرسوم، إلا أن المادة (43) من القانون الأساسي منحت رئيس السلطة الوطنية حق إصدار قرارات لها قوة القانون في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير وفي غير انعقاد أدوار المجلس التشريعي. وبما أن حالة الضرورة تنطبق على تفشي فيروس كورونا، وكذلك شرط غياب المجلس التشريعي متحقق في السياق السياسي الراهن، وبالرغم من أن المراسيم الرئاسية تقع في مرتبة التشريع الفرعي – الثانوي في هرمية التشريعات، بحيث لا يصل إلى قوة التشريع العادي الصادر عن المجلس التشريعي، إلا أن إصدار قرار بقانون يتضمن شروط حالة الطوارئ ستشكل فرص استخدامه ضررا أقل من إصدار مرسوم آخر بالتمديد.

    خاتمة

    يتضح مما سبق، أن الإعلان الجديد لحالة الطوارئ والصادر في 5 أيار 2020، وإن كان لضرورة المحافظة على المصلحة العامة، إلا أنه غير دستوري، ولا يوجد أساس قانوني له، حسب ما يظهر باستجلاء أحكام الطوارئ في القانون الأساسي الفلسطيني، سيما وأن القانون الأساسي منح الرئيس الأحقية بإعلان حالة الطوارئ وفق أحكام الباب السابع منه مرة واحدة فقط، وبذلك يخالف هذا الإعلان إرادة المشرع الدستوري، وكان الأجدر احترام تلك الإرادة التي تتغلب على أي اعتبار، وإعمالاً للقاعدة التي تقول بأن لا اجتهاد مع مورد نص.

    يستدعي مواجهة خطر تفشي الفايروس التعامل بموجب القوانين المحلية، كونها كافية لاتخاذ إجراءات طارئة لمواجهة أزمة فيروس كورونا، وحث الرئيس لإنهاء حالة الطوارئ المعلنة احتراماً لأحكام القانون الأساسي الفلسطيني الذي ينبغي أن يبقى مصانا وألا يتم المساس به أو تمرير أو تبرير انتهاكه تحت أي ظرف من الظروف، سيما وأن البدائل القانونية متوفرة، وبما يكفي ويغني عن وضع الحق في الصحة في مفاضلة أمام سمو القانون الأساسي.

    ويجدر التنويه، ختاماً، إلى أن هذا الجدال كله ينبغي أن يدفعنا إلى التفكير بخطيئة تعطيل عمل المجلس التشريعي وعدم إجراء انتخابات لانتخاب أعضاء مجلس تشريعي جديد. وطالما بقي الانقسام الفلسطيني قائما، والاعتبارات السياسية تغلب الاعتبارات القانونية، سيبقى المشهد السياسي والقانوني الفلسطيني في دوامة منحدرة من التخبط وعدم الاستقرار، ما يبعدنا عن مشروع دولة القانون والسيادة واحترام حقوق الإنسان.

    [1] نورا بدير، عاصم خليل، حالة الطوارئ، سلسلة أوراق عمل بيرزيت للدراسات القانونية (5/2018)، وحدة القانون الدستوري، كلية الحقوق والإدارة العامة، جامعة بير زيت،2018.

    [2] توام، رشاد وعاصم خليل. ما بعد حالة الطوارئ المعلنة في فلسطين لمواجهة فايروس الكورونا: السيناريوهات ومحاذيرها. سلسلة أوراق عمل بيرزيت للدراسات القانونية، فئة أوراق سياساتية، (2/2020).

    [3] توام، رشاد وعاصم خليل. ما بعد حالة الطوارئ المعلنة في فلسطين لمواجهة فايروس الكورونا: السيناريوهات ومحاذيرها، مرجع سبق ذكره.

    [4] قانون الصحة العامة رقم (20) لسنة 2004، الوقائع الفلسطينية، العدد (54)، 2004.

    [5] قانون الدفاع المدني الفلسطيني رقم (3) لسنة 1998، الوقائع الفلسطينية، العدد (24)، 1998.

  • مقال: ”لعبة“ المصالحة الفلسطينية … د.محسن صالح

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات. 

    لست متفائلاً بنجاح المصالحة الفلسطينية بالشكل الذي هي عليه، وإن كنت من أشد الراغبين في تحقيق وحدة وطنية حقيقية؛ وفي جمع طاقات الشعب الفلسطيني ضمن برنامج عمل جاد موجّه ضدّ العدو الصهيوني، ويوقف استنزاف طاقاتهم في نزاعاتهم الداخلية.

    محمود عباس وقيادة حركة فتح يديرون المصالحة ”كلعبة“، تهدف في النهاية إلى تطويع حماس تحت قيادتهم للشعب الفلسطيني، وتحت سقف التزاماتهم السياسية والأمنية وفق اتفاق أوسلو.

    وفكرة ”الإدارة“ وليس ”الحل“ مشابهة إلى حدٍّ كبير لعملية إدارة ”إسرائيل“ للعبة التسوية السلمية مع عباس وفتح، لتطويعهم في النهاية لإرادة الاحتلال وتصوراته للحكم الذاتي الفلسطيني.

    ويبدو ”هجوم المصالحة“ الحمساوي في الآونة الأخيرة ”حباً من طرف واحد“، سيحرج قليلاً قيادة فتح (التي هي قيادة السلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية) لكنها ستقوم باستيعابه.

    ثم يتم تحقيق ما يمكن من مكاسب على الأرض بناء عليه، مع إفراغ المصالحة القائمة على الشراكة الوطنية من محتواها؛ ثم إعادة تصعيد الأزمة بحشر حماس في زاوية عدم الاستجابة لمتطلبات جديدة للمصالحة حسبما ترتئيها قيادة فتح.

    والذين هللّوا لنجاح المصالحة هذه المرة… ربما استعجلوا كثيراً، لأن الأمر بدا من ناحية وكأن حماس كانت هي العقبة وأن إجراءاتها ستحل المشكلة، ولأنهم من ناحية ثانية لم يعطوا التقدير الحقيقي لجوهر الخلاف الفلسطيني.

    ***

    يبدو موضوع المصالحة وكأن شخصين اتفقا مضطرين على ركوب سيارة واحدة، واضطر أحدهما للتسليم للآخر بأن يجلس خلف مقود السيارة، غير أن السيارة لم تستطع التحرك لأن كلاً منهما اختار اتجاهاً لمسار السيارة معاكساً لمسار زميله؛ ورأى كل منهما أن الموافقة على تحرك أي منهما بالاتجاه الذي يريده تعني دمار السيارة وضياع الوقت والفرص.

    واختلفا في الدليل ”المانيول“ الذي يمكن الرجوع إليه، كما اختلفا في قوانين السير التي سيلتزمان بها في تحرك السيارة، وتفسير العلامات الإرشادية على الطريق، واختلفا إن كانا سيعبئانها بالبنزين أو بالديزل؛ كما اختلفا في من يمكنه أن يركب معهما.

    وعندما حانت لحظة الركوب، اختلفا على نوع السيارة إن كانت صناعة وطنية أم إقليمية أم أجنبية. كما اختلفا على كيفية تغطية تكاليفها، ومن الجهة التي ”سترعاها“ وستقوم ”بصيانتها“، ومن أين سيحصلون على قطع غيارها!!

    إن أخطر ما في الأمر أن اختلاف الاتجاه يفقد أي شخصين ابتداء مبرر ركوب سيارة واحدة؛ وكذلك فإن اختلاف الاتجاه في المصالحة، يفقد الأساس الذي يمكن أن يقوم عليه مشروع وطني جاد.

    هذا النوع من شراكات ”الضرورة والاضطرار“ يسهل نسفه وإفشاله، في أي فرصة يشعر فيها أي طرف بعدم حاجته للطرف الآخر، أو عندما تحين له الفرصة للاستقواء بقوى خارجية لتركيع وتطويع وتهميش شريكه.

    وهذا النوع من الشراكة يجنح إلى إدارة تقاطعات المصالح، وإلى التعامل التكتيكي مع الأمور البسيطة واليومية، وليس القضايا الجوهرية والكبرى. فإذا كانت ثمة رغبة في إدارة من هذا النوع، فلتتم مصارحة الفلسطينيين والعالم بذلك، حتى نخفض سقف التوقعات، ولنتعامل مع الأمر ”كإدارة أزمة“ وليس ”كإدارة شراكة“.

    ***

    يُبَسِّط عدد من المحللين الخلاف الفلسطيني في كونه ”صراعاً على السلطة“؛ ولكن هذا ليس جوهر المشكلة في الشأن الفلسطيني؛ مع الإقرار بأن الصراع على السلطة هو أحد أوجه المشكلة.

    إذ لو كان الأمر مجرد صراع من هذا النوع لأمكنت تسويته بالتوافق على آليات عادلة وشفافة، وضمانات للأطراف المتصارعة ”المتصالحة“ بأن تأخذ حجمها التشريعي والقيادي التنفيذي، حسبما تمليه القواعد الانتخابية والديمقراطية والشورية… والتداول السلمي للسلطة.

    جوهر المشكلة يكمن في أن أطراف الخلاف الفلسطيني مختلفون في الثوابت وفي المرجعيات (الميثاق الوطني)، وفي البرنامج الوطني، وفي الأولويات، وفي إدارة الأطر الوطنية الكبرى.

    ومما يعقد المشكلةَ التدخلُ الخارجي الإسرائيلي والعربي والإقليمي والدولي، واستقواء بعض أطراف الخلاف بذلك، كما يُعقِّدها عدم وجود الجميع تحت بنية مؤسسية جامعة يحتكمون إليها، وأزمة الثقة الطويلة، والتشتت الجغرافي.

    هناك اختلاف على الثوابت نفسها وأولها تعريف فلسطين نفسها؛ فقيادة فتح تنازلت عن نحو أربعة أخماس فلسطين التاريخية واعترفت بـ”إسرائيل“ وشرعيتها، وبنت برنامجها على أساس حل الدولتين؛ بينما ترفض قيادتا حماس والجهاد التنازل عن أي جزء من فلسطين وترفض الاعتراف بـ”إسرائيل“.

    وبناء على ذلك، دخلت فتح في اتفاقيات أوسلو التي فرضت عليها التزامات حقيقية مرتبطة بالتزام التسوية السلمية، وعدم اللجوء إلى المقاومة المسلحة، ونبذ العنف، وبإدارة حكم ذاتي (السلطة الفلسطينية) تحت هيمنة الاحتلال الإسرائيلي، ومحكوم سياسياً واقتصادياً وأمنياً بالشروط الإسرائيلية الأميركية الغربية.

    فقد أملت حركة فتح من ذلك تحويل هذا الحكم الذاتي إلى دولة فلسطينية كاملة السيادة في بضع سنين، لكنها تجد نفسها بعد 24 عاماً تدير سلطة تخدم أغراض الاحتلال أكثر مما تخدم تطلعات الشعب الفلسطيني.

    وفي الوقت نفسه، فإن قيادة فتح وأنصارها أعادوا إدارة حياتهم ”النضالية“ ضمن سقف السلطة في رام الله، وتكونت طوال سنوات شبكة من المصالح وطريقة حياة اجتماعية اقتصادية تحت هذا السقف.

    أما حماس ومعها باقي الفصائل العشر فقد رفضت اتفاقات أوسلو واستحقاقاتها، وتابعت المقاومة المسلحة؛ وعندما اضطرت للتعامل أو التعايش مع السلطة الفلسطينية حاولت السعي ”لتثويرها“ أو تطوير دورها في خدمة الشعب الفلسطيني دون دفع استحقاقات أوسلو.

    وهو ما يرفضه الإسرائيليون والأميركان وحلفاؤهم… الذين يضعون الالتزام بشروط الرباعية الدولية الأربعة (وعلى رأسها الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، ووقف المقاومة، والموافقة على ما وافقت عليه منظمة التحرير بشأن مسار التسوية السلمية).

    وهو ما يضع حماس أمام طريق مغلق في قيادة السلطة أو في شراكة حقيقية فاعلة متوافقة مع برنامجها المقاوم، حيث ستُتخذ إجراءات الحصار والإسقاط والإفشال ضدها.

    وهو ما يعني أن برنامج المصالحة أو الشراكة الذي سينزل على الأرض يجب أن يتضمن قبولاً -ولو ضمنياً- من حماس بأن الأمور المرتبطة بالقيادة والعمل التنفيذي والأجهزة الأمنية والعلاقات السياسية، هي أمور من تخصص فتح أو مَن يَقبل بما قبلت به فتح. أي أن المطلوب في النهاية أن تبقى حماس على الهامش مهما كان حجمها وشعبيتها، إذا أرادت لمسار المصالحة الحالي أن يسير.

    إن إدارة حماس لملف المقاومة ومتابعته سيعني بالنسبة لفتح خرقاً لالتزاماتها كقيادة للسلطة، وستَعدُّ المقاومة معوقاً لمسارها السياسي الوطني في الوصول إلى اتفاقيات تؤدي إلى تطبيق حل الدولتين، وبالتالي ستسعى إلى تفكيك المقاومة وضربها تحت ستار ”سلطة واحدة… قرار واحد… أمن واحد“؛ فالسلطة في جوهرها هي عملية احتكار للقوة.

    أما استمرار فتح في مسار التسوية السلمية فسيعني بالنسبة لحماس استمراراً في ”المسيرة العبثية“ لاتفاق أوسلو، وتضييعاً للحقوق والثوابت الفلسطينية، وتمكيناً للاحتلال من فلسطين؛ وبالتالي فإن حماس لن تتخلى عن مقاومتها وسلاحها.

    وعلى ذلك، لن يطول الوقت الذي ستسعى فيه فتح -بعد استلام إدارة قطاع غزة- إلى محاولة السيطرة على الجوانب الأمنية والعسكرية وتفكيك العمل المقاوم؛ كما لن يطول الوقت الذي ستسعى فيه حماس لتوسيع وتقوية وتنشيط العمل المقاوم في الضفة الغربية، وهو ما سيؤدي -إن عاجلاً أو آجلاً- إلى مواجهات وأزمات تقود إلى إفشال المصالحة.

    ***

    منذ نحو خمسين عاماً (صيف 1968) وحركة فتح تحتكر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وسلوك قيادتها على الأرض لا يقدم نموذجاً مشجعاً لديمقراطية شفافة أو شراكة أكفاء.

    وعندما وقعت قيادة فتح اتفاق أوسلو لم تعبأ بالمعارضة الفلسطينية الشعبية والفصائلية الواسعة لها (الفصائل العشر)، وقامت باحتكار قيادة السلطة الفلسطينية وإدارتها التنفيذية وأجهزتها الأمنية منذ إنشائها. وعندما فازت حماس في انتخابات 2006 لجأت قيادة فتح إلى نزع صلاحيات أساسية من المجلس التشريعي ومن الحكومة، فضلاً عن تعطيل وإفشال حكومة حماس.

    ومنذ حصول الانقسام وسيطرة فتح على الضفة وسيطرة حماس على القطاع سنة 2007؛ وقيادة فتح تعطي الشرعية لرئاسة السلطة وللحكومة التي يشكلها رئيس السلطة. أما المجلس التشريعي الذي يعطي الشرعية للحكومة ويحاسبها ويسقطها، فإنها تمنع انعقاده منذ عشر سنين.

    وذلك لمعرفتها مسبقاً أيّ حكومة ستأخذ الشرعية وأي حكومة ستسقط، وأي حكومة سيُقرر أنها حكومة ”انقلاب أسود“، وأي أجهزة أمنية سيحاسب ويضبط معاييرها ومسارها، وأي مدراء ومسؤولين وموظفين سيضع معايير تعيينهم أو إنهاء خدماتهم. وبالطبع فإن قيادة فتح تستفيد من بيئة عربية ودولية داعمة لها، بسبب التزامها بأوسلو واستحقاقاته.

    بالنسبة لقيادة فتح وللدول العربية والأجنبية الممسكة بالملف الفلسطيني، فإن فوز حماس في الانتخابات القادمة لا يعني سوى إعادة إنتاج للأزمة من جديد بالحصار والإفشال والتعطيل.

    وبالتالي فمن المرجح ألا تُجرى انتخابات لا تضمن فتح الفوزَ فيها، بعد أن تعلمت الدرس من الانتخابات السابقة؛ لأن المطلوب من الانتخابات هو نزع شرعية التمثيل الشعبي من حماس وخط المقاومة، وليس ”إعادة إنتاج الأزمة“ مرة أخرى. وهذه هي خلفية تأجيل الانتخابات البلدية السنة الماضية.

    وحكومة عباس/ رامي حمد الله تريد تسلُّم قطاع غزة بصلاحيات كاملة، وهو ما وافقت عليه حماس مؤخراً؛ ولكن حكومة عباس لم تقدم شيئاً في إطار الشراكة الحقيقية. والعقلية نفسها تحكم إدارة منظمة التحرير، وعلى حماس ألا تتوقع شراكة حقيقية فيها حتى لو فازت في الانتخابات القادمة.

    لقد تعاملت قيادة فتح ببرودة مع تنازلات حماس في قطاع غزة، وهي ترى أن هذه التنازلات إنما جاءت بسبب نجاح إجراءاتها (هي وحلفائها) في خنق قطاع غزة ووضعه في حالة انهيار اقتصادي، وبعد أن تستقر لها الأمور وتشعر بأنها في وضع أقوى ستقوم لاحقاً بالسعي للسيطرة على الأجهزة الأمنية وتفكيك العمل المقاوم.

    ***

    لن تكون هناك مصالحة حقيقية ما دامت عقليات كهذه تدير القيادة الفلسطينية، وما دامت تستفيد من بيئة عربية ودولية وإسرائيلية تتوافق أو تتقاطع معها في التعامل مع حماس وقوى المقاومة.

    وبالتالي، لن تكون هناك مصالحة حقيقية إذا لم يحدث تقدُّم حقيقي في الاتفاق على:

    – مرجعية ومبادئ وأسس تحكم الأطراف (ميثاق وطني مثلاً).

    – برنامج سياسي تُبنى عليه أولويات المرحلة، ويتم التعامل فيه بمعايير واضحة تجاه مسار التسوية ومسار المقاومة.

    – آلية حقيقية لاستيعاب جاد لكافة القوى الفلسطينية بالداخل والخارج في منظمة التحرير الفلسطينية ومشاركتهم في تفعيلها وإعادة بنائها، وعلى أسس تعكس أوزان القوى الحقيقية، وتستفيد من الطاقات الهائلة للشعب الفلسطيني.

    – استعداد جاد من كافة الأطراف لإدارة الاختلاف بشكل حضاري تحت سقف واحد، وبما يحفظ المصالح العليا للشعب الفلسطيني، ويمنع التدخل الخارجي وخصوصاً الإسرائيلي الغربي في الشأن الداخلي الفلسطيني.

    وهذا من الناحية العملية يستحيل أن يكون تحت سقف اتفاق أوسلو واستحقاقاته، ودون مراجعة تجربة السلطة الفلسطينية وإعادة توجيهها وتوظيفها بشكل يخدم إرادة الشعب الفلسطيني، وليس إرادة الاحتلال الإسرائيلي.

    ***

    في مقابلة قائد حماس في غزة مع شباب القطاع؛ قال -حسبما نقلته وكالة ”سما“- إنه سيقدم تنازلات كبيرة جداً من أجل المصالحة، وكل تنازل سيكون ”صاعقاً ومفاجئاً أكبر من الذي قبله“؛ وقال إنه ”سيكسر عنق كل من لا يريد المصالحة سواء كان من حماس أو غيرها“.

    لست أدري إن كانت التعبيرات المستخدمة تعبّر بدقة عن قرار حماس المؤسسي، إلاّ أنها تصريحات تبرز مدى جدية حماس في تحقيق المصالحة. غير أن ما نخشاه وما نرجو ألا يحدث هو أن يجد السنوار -في نهاية المطاف- أن الطرف الذي يحتاج إلى كسر عنقه (لأنه يعوق المصالحة كما يفهمها) هو الطرف نفسه الذي سيقدم له تنازلات كبيرة جداً!! وأننا قد نعود إلى المربع الأول من جديد.

    المصدر: الجزيرة نت، الدوحة، 2/10/2017