• التعاطي التركي الجديد بعد حادثة مقتل الجنود الأتراك في إدلب

    طرح الرئيس التركي في خطابه الأخير بعد مقتل الجنود الاتراك في إدلب جملة من الرسائل يمكن وصفها "بالحازمة" وتدل على توجه جديد للتعاطي التركي في سورية على رأسها "تغيير قواعد الاشتباك"؛ واستهداف ممنهج لقوات النظام في منطقة خفض التصعيد؛ إلا أن هذا التوجه يعتريه العديد من العقبات مما يجعل السيناريو الأكثر توقعاً في ظل عدم إنجاز اتفاق جديد مع الروس هو استمرار التصعيد العسكري الذي سيكون مليئاً بمؤشرات الانزلاق لمواجهة كبرى.

    أولاً: رسائل أردوغان: طروحات سياسية حاسمة

    من خلال استعراض نقاط حديث الرئيس التركي الأخير بتاريخ 29 شباط 2020، يمكن استنباط أربعة محاور:

    1. "لا كلام قبل الفعل": لم يخطب أردوغان إلا بعد أن وجه الجيش التركي عدة رسائل حاسمة، منها الرد القوي على نقاط تمركز النظام وتكبده خسائر قاسية، ومنها أيضاً إظهار فعالية السلاح التركي النوعي والذي قادر على تجاوز قضية تغييب سلاح الجو التركي. (قتل اكثر 2000 عنصر من المظام وتدمير 300مركبة ومدارج طيران ومخازن أسلحة كيميائية).
    2. "دولة وشعباً: النظام عدو": على الرغم من عدم إقفال طرق المفاوضات مع الروس إلا أن ما أفرزته الأستانة من تغييب للمحددات السياسية لصالح التطبيقات الأمنية قد انتهى؛ فالدولة التركية تصنف النظام عدو وتجعله هدفاً رئيسياً؛ وبالتالي قواعد الاشتباك في الشمال السوري قد تغيرت.
    3. "الكل شريك في تحمل مسؤولياته في إدلب": تريد تركيا أن تعيد انخراط المجتمع الدولي في إدلب ضاغطة على الاتحاد الأوربي في مسألة اللاجئين وعلى الناتو في تكوين موقف واضح من دعم الجيش التركي، وعلى الولايات المتحدة الأمريكية في قضية المنطقة الآمنة.
    4. "انخراط مستدام في إدلب": فبعد الأحداث الأخيرة تقدمت "إدلب" من بوابة دفاع متقدمة عن الهواجس الأمنية التركية المركبة إلى ساحة هجوم؛ ومنافسة الروس على قضية شرعية التواجد وربطها بالطلب والدعم الشعبي.

    ثانياً: ملامح التوجه التركي الجديد

    1. إعادة تعريف العلاقة مع روسيا وفق ثنائية (إصبع على الزناد، وإصبع في المفاوضات)؛ إذ أنه بعد التطورات الأخيرة وإدراك تركيا للرضا والمعرفة الروسية بقتل جنودها، فإن تركيا لا تريد الدخول في مواجهة مباشرة مع الروس لكن ستعمل على توسيع هوامش قواعد الاشتباك سواء عبر مزيد من التنظيم للمعارضة المسلحة أو تزويدها بسلاح نوعي أو حتى بانخراطها بحرب مباشرة مع النظام لكن ضمن حدود منطقة خفض التصعيد.
    2. محاولة العودة إلى شبكة التحالفات القديمة عبر فتح مسار يعيد أولوية مبدأ التوازن للعلاقات الخارجية التركية؛ وهو ما سيساعدها على إدارة الملفات الخارجية مع روسيا بظهير أمريكي ناتوي؛ وهو ما سيتطلب التماهي مع المحددات الأمريكية خاصة بالتدرج كالتوافق على المسار السياسي وألوية جنيف، وفتح مساحة نقاش بخصوص اتفاقات شرق النهر.
    3. إدلب: (هدف تركي استراتيجي): وستعمل تركيا على تحصيلها سلماً عبر انتزاع اتفاق جديد مع روسيا، أو عبر الاستمرار في ضرب بنى النظام العسكرية في تلك المنطقة وقد يكون الأولويات العسكرية الجديدة آخذة بالتشكل والتوقع هنا أنها ضمن مفهوم تمتين خطوط الدفاع عن المنطقة الآمنة المتخيلة وإيقاف تقدم النظام على المجال الحيوي الأمني.

    ثالثاً: معوقات هذا التوجه

    1. الكلفة الباهظة لسيناريو الانزلاق لحرب الاصلاء في الشمال السوري؛ خاصة في ظل الموقف الأمريكي والأوروبي الناعم، واحتمالية عدم تماسك الجبهة الداخلية.
    2. تعقد وتضارب الملفات التي يتطلبها مبدأ التوازن في إدارة العلاقات الدولية التركية فمن جهة قطعت تركيا أشواطاً مهمة مع روسيا ومن جهة ثانية تتبدى في إدارة ترامب الفرصة الاستراتيجية لانتزاع مصالح تركية أكثر إلا أن هذه الفرصة ستبقى معلقة حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة أو بقبول تركيا التعامل مع قسد وإنجاز تفاهم جديد.
    3. ضريبة تأخر تغيير قواعد الاشتباك؛ فالنظام بات مسيطراً على أجزاء واسعة من إدلب وكامل ريف حلب الغربي والجنوبي، أي نفذ عبر الدعم الروسي تحركاً بات فيه قاب قوسين أو أدنى من استعادة الطريقين؛ ومواجهة هذا التمدد فيها العديد من الألغام التي تجعل قد سيناريو الانزلاق سيناريو حتمي.
    4. التعامي الروسي عن متطلبات تركيا: فالروس بعد اتفاقات آستانة وسوتشي استعاد السيطرة بشكل وبآخر على جل مناطق المعارضة مؤجلاً إدلب؛ لكن وفي ظل أولوية الحل الصفري المتحكمة بالذهنية الروسية وفي ظل عدم الاستجابة الروسية المطلوبة لإنجاز اتفاقات جديدة في إدلب، فإن روسيا ستفرض على تركيا مساراً تفاوضياً طويلاً إما أن يفرز تثبيتاً للواقع بشكل مؤقت أو لا يفرز شيئاً.

    رابعاً: السيناريو الأكثر توقعاً

    • انتهاء مسار آستانة وإلغاء اتفاقية سوتشي بحكم انتهاء صلاحيتها.
    • استمرار العمليات العسكرية التركية واستهداف بنى النظام مباشرة في الشمال السوري
    • استمرار معارك إعادة السيطرة يقابله استمرار لقضم النظام للعديد من المناطق جنوب إدلب. أي الامر متروك للميادين في الآونة الراهنة.
    • سلسلة مفاوضات مارثونية قد تفضي بمكان لما لمنطقة آمنة بعمق 30 كم.
    • بدء التقارب مع حلف شمال الأطلسي.
    • توقف السير في استكمال شراء منظومة صواريخ اس 400.
  • سوء الأوضاع الاقتصادية في المناطق المحررة الأسباب وآلية الحل إدلب (درع الربيع) – غصن الزيتون – درع الفرات - نبع السلام

    المركز السوري سيرز - د. عبادة التامر

    تشكل الحاجات الاقتصادية والمعيشية الحاجة الأكثر أهمية والتي تلي الحاجة إلى الأمن وربما تسير معها جنباً إلى جنب في حالة الشمال السوري.

    ومع الإقرار بتحسب الواقع الأمني إلى حدٍ ما في المناطق الأربعة إلا أن التوجس والقلق مازال يتسرب إلى المجتمع وأفراده في هذا الجانب، فمن جهة منطقة ادلب (درع الربيع) مازال المجتمع غير متأكدٍ تماماً من إمكانية صمود وقف إطلاق النار الحالي وكيفية عودة الهجرين إلى منازلهم ومن هي الجهة التي ستشرف على تلك المناطق وآلية التعاون التركي-الروسي لإدارتها، إضافة لمسألة التنظيمات الراديكالية وآلية حل هذه العقدة ومداها الزمني.

    أما منطقة غصن الزيتون فتشهد توجساً أمنياً من نوعٍ مختلف إلى حدٍ ما يتعلق بالتفجيرات والسيارات المفخخة من جهة والتي يمكن أن يقف ورائها إحدى جهتين (قسد أو مخابرات النظام السوري)، وهذه المسألة إضافة لحالة الاقتتال بين بعض الفصائل المسلحة وضعف دور المؤسسة العسكرية (الجيش الوطني) والشرطة الحرة في ضبط الحالتين يشكل هاجساً أمنياً لدى المجتمع. وتنسحب هذه الحالة على منطقتي درع الفرات ونبع السلام.

    لذلك يشكل هذا الجانب الحاجة الأولى لدى المجتمع المحلي للانطلاق نحو تثبيت نتائج نجاح العمليات العسكرية والجهد السياسي التركي وتحويلهما إلى واقعٍ يعيشه المجتمع المحلي بشكل أفضل.

    يترافق مع الحاجات الأمنية وربما يتجاوزها في بعض الحالات الحاجات الاقتصادية والمعيشية للمجتمع المحلي في الداخل السوري – يتجاوزها لأنه في بعض الحالات يصبح العمل شديد الخطورة أمنياً ومع ذلك لا يستطيع الشخص إلا أن يقوم بعملٍ ما حتى يسد احتياجات الأسرة ولو كانت نسبة المخاطرة الأمنية تصل إلى 70 أو 90 في المئة-

    ولمناقشة هذه المسألة بشكل علمي يجب التنويه إلا أن الشمال السوري يعتمد على ثلاثة مصادر أساسية للدخل وسد الاحتياجات المعيشية للمجتمع.

    المصدر الأول: المنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني العالمية والتي تقدم رواتب لموظفيها في الداخل ومساعدات عينية للمستفيدين.

    المصدر الثاني: الرواتب التي يتلقاها المقاتلون وعناصر الشرطة والمعلمون والقضاة في الشمال المحرر عدا منطقة إدلب* وهي رواتب قد تكون رمزية (بين 500-800 ليرة تركية وربما تصل إلى 1000 في حالات نادرة).

    المصدر الثالث: التبادل التجاري مع مناطق النظام وتسويق المنتجات المحلية الزراعية وغيرها عن طريق تجارٍ في مناطق النظام.

    ومع تزايد انخفاض قيمة العملة السورية بشكل كبير وضعف المصادر الثلاثة للدخل في المناطق المحررة وواقع النزوح والعيش في المخيمات، يعيش المجتمع المحلي وتحديداً الطبقات الأشد فقراً فيه حالة من العوز والافتقار إلى بعض أبسط مقومات الحياة.

    هذا الأمر أيضاً إلى جانب الشق الأمني يشكل أهمية فائقة لجهة خطورته ونتائجه التي قد تشمل بعض الانحرافات الاجتماعية وانتشار حالات الفلتان الأمني. لذلك يشكل هذان المحوران كلاً واحداً، ولا يجب الفصل بينهما. (الاقتصادي والأمني)

    ومن الواجب التعاون مع الجهات الرسمية والشعبية التركية لإيجاد طرقٍ لتثبيت نجاح الجهد العسكري والسياسي في تلك المناطق عبر تعميق حالة احساس المجتمع بالأمن –النسبي- وسد حاجاته المعيشية.

    فعلى سبيل المثال تشكل عملية التبادل التجاري مع تركيا أحد أبرز الجوانب التي يمكن العمل عليها لتحسين الواقع الاقتصادي في المنطقة وتسويق المنتجات المحلية عبر التجار والمؤسسات التركية المختصة بعد وضع المعايير والمواصفات الضرورية لهذه العملية.

    كما يمكن العمل مثلاً على انتاج بعض المنتجات التي تتمتع المنطقة بميزة نسبية في انتاجها الزراعية أو غيرها لصالح التصدير أو السوق المحلية التركية وعبر الشركات التركية.

    كذلك تشكل مسألة التدهور المتزايد لقيمة العملة السورية هاجساً للطبقة الفقيرة من المجتمع وقد طرحت أفكارٌ عديدة من قبل مختصين محليين سواء في منطقة إدلب أو المناطق الأخرى لاستبدال النقد المتداول بالليرة التركية أو الدولار الأميركي.

    أن تحسين الواقع المعيشي والخدمي والاقتصادي للمنطقة المحررة يشكل بلا أدنى شك المدخل الأكثر أهمية لتثبيت نجاح العمليات العسكرية والسياسية التركية، وتعميق الأخوة التي لمسها المجتمع المحلي، إضافة لإمكانية عودة اللاجئين أو بعضهم من تركيا.

    وكذلك فإن تدهور هذا الواقع قد يحمل معه تحديات أمنية وسياسية واجتماعية خطيرة جداً وقد تهدد بنسف بعض الانجازات في المسارات الأخرى.

  • قراءة في الموقف التركي في إدلب

    محمد أديب عبد الغني* – تقدير موقف
    المركز السوري سيرز
    مقدمة
    أعلنت تركيا في 2020\3\1م عن انطلاق عملية "درع الربيع" في منطقة إدلب السورية بهدف استعادة المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام السوري في الآونة الأخيرة، والتخفيف من حدة موجة اللجوء تجاه الحدود التركية التي تسببت بها هذه الحملة، وقد سبق إعلان انطلاق العملية ارتفاع حدة المواجهات بين الجيش التركي وقوات النظام، حيث سيطر الجيش الوطني السوري بدعم من أنقرة على مدينة سراقب الاستراتيجية وتمكن من قطع الطريقين الدوليينM4 وM5 تلى ذلك استهداف قوات النظام بتاريخ 27- فبراير- 2020 رتلاً من القوات التركية مما تسبب بمقتل عدد من الجنود الأتراك، والذي أدى بدوره إلى التسريع في بدأ العملية التركية.
    تتضارب الآراء حول تفسير هذه العملية بين مشكّك في مصداقيتها وبين من يراها خطوة متأخرة، فكيف يمكن تفسير السلوك التركي في إدلب وأسباب إعلان انطلاق العملية في هذا التوقيت وماهو المدى المحتمل لنطاق العملية؟
    أولاً: مراحل تصاعد الموقف التركي في إدلب
    بدأ النفوذ التركي في إدلب بالانحسار لصالح قوات النظام السوري مدعوماً بالقوات الروسية مع بدأ الحملة العسكرية التي تسببت بحصار نقطة المراقبة التركية في مدينة مورك بتاريخ 2019\8\20، تبعها حصار عدة نقاط تركية" الصرمان- تل الطوقان- العيس- سراقب- شير مغار" وظهرت تركيا عاجزة عن الحفاظ على مناطق خفض التصعيد بوصفها ضامن في اتفاقية استانا وسوتشي، ويمكن تقسم المواقف التركي من هذه الأحداث إلى مرحلتين أساسيتين
    1. مرحلة استخدام الأدوات الدبلوماسية: استخدمت تركيا هذه الأدوات بعد سيطرة النظام على منطقة ريف حماه وحصار نقطة المراقبة في مورك حيث عقدت تركيا مع روسيا عدة لقاءات بهدف تثبيت وقف إطلاق النار بين قوات المعارضة من جانب وقوات النظام السوري من جانب أخر نتج عنها الهدنة التي أعلنت عنها وزارة الدفاع التركية في 12 كانون الثاني (يناير) ،ولم تنجح هذه الهدنة في تحقيق أهدافها بسبب خرق قوات النظام المستمر لها، أصرت أنقرة على المحافظة على تواجد نقاطها على الرغم من حصار هذه النقاط وتعرضها للقصف عدة مرات، ويمكن تفسير سلوك تركيا في هذه المرحلة واقتصارها على الأدوات الدبلوماسية في رغبتها بالالتزام ببنود اتفاقية وقف التصعيد وتجنباً للتكلفة الباهظة التي يمكن أن تحدثها الأدوات العسكرية.

    2. مرحلة النزاع العسكري: يعتبر استخدام القوة العسكرية الأداة الأخيرة التي تلجأ إليها الدولة لتحقيق أهدافها وبعد استنفاذ استخدام الوسائل الدبلوماسية بسبب ارتفاع تكلفة الأداة العسكرية لتحقيق أي هدف تغييري. وتقسم هذه المرحلة إلى:
    أ‌- مرحلة مراكمة القوة العسكرية والتهديد باستخدامها: بدأت هذه المرحلة بعد سيطرة قوات النظام السوري على منطقة معرة النعمان أواخر شهر يناير من العام الحال حيث ظهر الموقف التركي في هذه المرحلة أكثر حدة، وتجلى ذلك بدفع عدد كبير من القوات العسكرية إلى داخل الأراضي السورية و إنشاء عدد جديد من النقاط العسكرية خارج اتفاقية خفض التصعيد*، ترافق ذلك من تصريحات تركية باستخدام القوة لإعادة النظام السوري إلى خطوط خفض التصعيد مع عقد لقاءات جديدة مع المسؤولين الروس لحثهم على وقف العمليات العسكرية ومع سيطرة قوات النظام السوري على أرياف حلف الجنوبية والغربية زادت تركيا من وتيرة إرسالها للأرتال العسكرية ونصب منظومة دفاع جوي للتشويش على طائرات النظام وتزويد قوات المعارضة بصواريخ دفاع جوي محمولة على الكتف ونشر عدد من القوات التركية داخل بعض المدن ووضع القوات في مواجهة قوات النظام السوري.

    ب‌- مرحلة استخدام القوة العسكرية: انتهجت أنقرة سياسة الرد بالمثل عند أي استهداف تتعرض له نقاط المراقبة التركية مطلع الشهر المنصرم حيث قصفت المدفعية التركية 46 هدف لقوات النظام السوري وقتلت 35 عنصر من قوات النظام رداً على استهداف نقطة المراقبة شرق إدلب ومقتل 4 جنود أتراك وإصابة تسعة أخرين ، تلى ذلك إسقاط عدد من طائرات النظام في إدلب وريف حلب الغربي ثم بدأت بدعم تركي عملية تحرير قرية النيرب ومدينة سراقب الاستراتيجية، وبعد مقتل 33 جندي من القوات التركية أعلنت تركيا عن انطلاق عملية " درع الربيع".
    ثانياً: التحديات التي تواجه عملية "درع الربيع"
    بالرغم من إعلان تركيا عن انطلاق العملية إلا أن هناك عدد من التحديات التي يمكن أن تواجها وذلك بسبب غموض موقف حلف شمال الأطلسي " الناتو" الذي اكتفى بتقديم الدعم الإعلامي للعملية تارةً والتصريح بإمكانية المساعدة بتقديم المعلومات الاستخباراتية تارةً أخرى ، مقابل موقف روسي أكثر حزماً في دعم النظام السوري.
    أعلنت تركيا عن هدف العملية المتمثل بتحقيق حالة الاستقرار في منطقة خفض التصعيد وإعادة قوات النظام إلى خلف خطوط نقاط المراقبة وحماية المدنيين في إدلب، يمكن لتركيا إيقاف العملية إذا ما استطاعت تحقيق هذه الأهداف من خلال الوسائل الدبلوماسية بالاتفاق مع الجانب الروسي بسبب ارتفاع تكلفة الوسائل العسكرية مقارنةً بالوسائل الدبلوماسية. يضاف إلى ذلك الأثر السلبي الكبير الذي يمكن أن يترتب على فشل العملية وامتداده إلى الدور التركي في الملف السوري إجمالاً.

    ثالثاُ: السيناريوهات المتوقعة لنطاق العملية
    1. استعادة كامل منطقة خفض التصعيد الرابعة في ظل الموقف الحالي للناتو: وهو أكثر السيناريوهات ترجيحاً ويمكن لهذا السيناريو أن يتحقق بفعل إصرار تركيا على تحقيق استعادة كاملة لمنطقة خفض التصعيد ويستند ذلك إلى التصريحات المتكررة للمسؤولين الأتراك وتلاحم الجبهة الداخلية لتركيا خلف هذا الموقف بعد مقتل 34جندي من الجيش التركي، وإمكانية حدوث أثر سلبي على الموقف الداخلي لحزب العدالة والتنمية في حال العجز عن تحقيق الهدف من العملية، أو بإمكانية التوصل لتفاهم تركي روسي يقضي بإنهاء وجود قوات النظام السوري في منطقة خفض التصعيد والحفاظ على المصالح الروسية مع تركيا والتي قد تتعدى تمسك موسكو بالوجود العسكري لقوات النظام داخل منطقة خفض التصعيد مع تخوف روسيا من خوضها حرب مباشرة مع تركيا في ظل الخسائر الفادحة لقوات النظام السوري.

    2. استعادة جزء من منطقة خفض التصعيد: قد يحدث هذا السيناريو إذا ما استمرت روسيا في تقديم الدعم لقوات النظام أو اشتراك قوات روسية بشكل مباشر في العمليات العسكرية وهذا ما قد يدفع تركيا للتوافق مع روسيا على حدود جديدة لمنطقة خفض التصعيد ويرتبط هذا السيناريو بالموقف المحدود للناتو ورغبة أنقرة بوضع حد للتصعيد العسكري مع موسكو، ويعزز هذا السيناريو مجريات العمليات الميدانية فإلى الآن لم تشهد المواجهات بين تركيا والنظام تصعيداً خارج حدود غرب الطريق الدولي M5.

    3. استعادة كامل منطقة خفض التصعيد الرابعة وبعض المناطق الأخرى: ويستند هذا السيناريو لما تروج له بعض المنصات الإعلامية عن رغبة تركيا في بسط سيطرتها على مدينة حلب استناداً لعوامل تاريخية وثقافية ومنطقة جبل التركمان في ريف اللاذقية استناداً لعوامل عرقية ويشترط تحقق هذا السيناريو دعم العمليات التركية من قبل الولايات المتحدة أو حلف الناتو رغبةً منهم بتقليص النفوذ الإيراني - خصوصاً بعد أن استهدفت القوات التركية مليشيات حزب الله في إدلب وضباط إيرانيين جنوب حلب مما يشير لإمكانية اشتراك أنقرة في أي عملية عسكرية ضد النفوذ الإيراني في سوريا - ويضاف إلى ذلك رغبة الولايات المتحدة في إعادة الروس لمسار جنيف للحل في سوريا.