• الثورة السورية ثورة عفوية

    لقد انطلقت الثورة السورية ولم يكن خلفها أي تنظيم أو توجه سياسي أسوة بكل ثورات الربيع العربي التي انطلقت من مغرب الوطن العربي إلى مشرقه، ولم تكن الثورة السورية بدعة أو تختلف عن مثيلاتها في الوطن العربي، فالهمُّ واحد والآلام مشتركة والظلم والجور واقع عليهم من أنظمة سادية إقصائية فاسدة، اعتمدت تجويع شعوبها وإفقارهم وتجهيلهم واستعبادهم.

    لقد راقب السوريون بحذر ثورات الربيع العربي وهي تندلع في بلد تلو الآخر وهم يكتمون أنفاسهم متوقعين وصول رياح التغيير إليهم، في حين كان النظام السادي في دمشق يصر على نفي إمكانية انتقال عدوى الاحتجاجات إلى سورية، وكانت أول محاولة لتجمع بعض الشباب أمام السفارة التونسية ولكنها لم تكلل بالنجاح، لكن هؤلاء الشباب نجحوا في التجمع أمام السفارة المصرية يومي 29 و30 كانون الثاني، وبعدها بمنطقتي باب توما وعرنوس بدمشق.

    المعروف في سورية الأسد أن نزول المواطنين إلى الشارع كان يتم بأمر من السلطات من أجل الهتاف للرئيس الأسد الأب ومن بعده الابن، فيما عدا ذلك لا يمكن التعبير عن أي شيء آخر.

    وفكر بعض الشباب على التقدم للحصول على ترخيص من وزارة الداخلية من أجل القيام باعتصام، وكانت فكرة خرافية بالنسبة لمن قُدم الطلب إليهم في هذا الخصوص.

    كان عدد الشباب المتحمس للعصيان والتظاهر قليل جدا. حيث إن النشاط السياسي كان مقتصرا على المعارضين الذين سجنوا، بالإضافة إلى مجموعة من الشباب الذين كانوا يقومون بمجازفة.

    لجأ الشباب إلى أجهزة التواصل على قلتها يخططون للاعتصام عبر دعوات على شبكات التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) رغم أنها كانت محجوبة من قبل السلطات، وقام كل واحد بدعوة أصدقائه الذين يعرفهم شخصيا ويثق بهم. وراحت الاتصالات تتوسع لتشمل عدداً من الصحفيين والفنانين والكتاب تدعوهم للمشاركة، وكان معظم هؤلاء لا ينتمون إلى أي تنظيم أو مجموعة ذات نشاط سياسي، لذلك كانت وسيلة هؤلاء الشباب الوحيدة هي الإنترنت، وكان الناس خائفين من أن يكون هناك من جواسيس الأمن من يدفع بعض هؤلاء للتظاهر أو العصيان ومن ثم اعتقالهم وتعرضهم للتعذيب والسجن كما تعود السوريون على هذه الألاعيب الدنيئة من النظام، ناهيك عن عدم الثقة فيما بينهم للقيام بنشاط كهذا.

    كان النظام السادي في دمشق قد أبدى ترحيبا بالثورة المصرية ضد الرئيس حسني مبارك، الذي لم يكن على علاقة طيبة معه، واستغل الشباب هذه النقطة أثناء جدالهم مع ضابط الأمن أمام السفارة المصرية الذي نهرهم وطلب منهم الانصراف، ثم توعدهم بأن يفلت عليهم هؤلاء “الشوايا” وكان يقصد عناصره بذلك الوصف.

    لكن الشباب عادوا ليجادلوه بأن عليه عدم الإساءة لهؤلاء الرجال الذي يحمون الوطن، في محاولة لاستثارة النخوة فيهم، إضافة إلى التأثر بموقف الجيش في ثورتي مصر وتونس.

    وأثناء الاعتصام ركز الشباب على فكرة أن مبارك خائن وهذا يوافق رؤية النظام، وكانت الشعارات والهتاف ضده ومع الشعب المصري.

    وكان لإهانة شرطي مرور مواطنا سورياً أمر اعتيادي ويحدث كل يوم، لكنه عندما حدث يوم 17 شباط 2011 لم تمر تلك الإهانة كسابقاتها.

    وكتعبير عن حالة الاحتقان تجمع بضع مئات من السوريين بمنطقة الحريقة بقلب دمشق عقب تلك الحادثة بدقائق بطريقة عفوية ودون تخطيط، وانطلق هتاف “الشعب السوري ما بينذل” الذي أصبح فيما بعد من أبرز شعارات الثورة.

    وبعدها بأيام كان الاعتصام أمام السفارة الليبية يوم 22 شباط، وانطلق لأول مرة في سماء دمشق شعار “خاين يلي بيقتل شعبو”. وتمكن الشباب من الاعتصام هناك لبعض الوقت، وحملوا شموعا ولافتات تندد بالقذافي.

    وطلب منهم الأمن الانصراف وجاؤوا بسيارة البلدية الخاصة بمياه المجاري لتفريقهم، الأمر الذي جعلهم يشعرون بالإهانة، ثم بدأ المعتصمون بغناء النشيد الوطني، في إشارة إلى أن سورية كانت قضيتهم وهمهم، وانفض ذلك الاعتصام بالقوة واعتقل قرابة 12 شخصا.

    بعدها انطلقت الشرارة الأولى للثورة يوم 15 آذار، بصرخة الحرية التي أطلقتها الناشطة مروى الغميان في قلب دمشق.

    دفع المناخ الثوري الذي تشكل في عدد من الدول العربية أواخر عام 2010 وأطلق عليه الربيع العربي، دفع السوريين إلى السير على هذا الدرب أملا في الخروج من حال الطغيان والفساد واحتكار السلطة، خصوصا بعد نجاح ثورتيْ تونس ومصروبعدهما ليبيا واليمن في الإطاحة برؤوس أنظمة تلك الدول.

    فقد حاول بعض النشاطين السوريين تنظيم عدة مظاهرات تضامنية مع ثورة 25كانون الثاني المصرية بدأت في يوم 29 كانون ثاني 2011 واستمرت حتى 2 شباط بشكل يومي في دمشق، إلا أن الأمن السوري اعترض المتظاهرين وسلّطالشبّيحةعليهم.

    انطلقت الثورة السورية من احتجاجات شعبية عفوية سلمية في عدد من المدن السورية عام 2011 تطالب بالحرية والكرامة والانعتاق، ووضع حد للقمع والفساد والدكتاتورية، لكنها سرعان ما عمت معظم المدن والبلدات السورية.

    قمع النظام السادي في دمشق بالسلاح المظاهرات السلمية فسقط مئات الآلاف من الضحايا، وتشرد الملايين نزوحا في الداخل السوري ولجوءً في مختلف بقاع العالم، وتحولت سورية إلى أزمة دولية وساحة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية.

  • الثورة السورية: النصوص المفقودة

    المركز السوري سيرز - عيسى حسين المحمد17.06.2020

    أغلب ثورات العالم الكبرى وخاصةً (الأمريكية، الفرنسية، الانكليزية) استندت على نصوص مرجعية، فيها ما هو ديني، وما هو غير ذلك وفيها ما هو مستوحاً من نصوص الدين، وفيها ما يعتبر من العام المنتشر في زمن تلك الثورات، تلك النصوص ساعدت في بلورة استراتيجية شاملة لتحرك الثورة على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية... فمثلاً: الآباء المؤسسون للولايات المتحدة اعتمدوا على كتابات مفكري عصر النهضة كـ مونتسكيو وهوبز، والثورة الفرنسية، اعتمدت على كتابات ملهمها جان جاك روسو، وتم إقرار وثيقة الحقوق التي أصدرها البرلمان الإنكليزي سنة 1689 في انكلترا عقب انتهاء الثورة.

    تلك النصوص على اختلافها، أدت الى انتهاج نهج خاص بكل ثورة، فكان السمتُ الراديكالي (التغيير الجذري) ظاهراً على الثورة الفرنسية، والطبعُ الإصلاحي بادياً على الثورة الإنجليزية، والسجيةُ المركبة التي جمعت بين التحرر من الأجنبي، والثورة على الاستبداد أُلبست للثورة الأمريكية. وفي النهاية كلهم وصلوا الى مبتغاهم رغم اختلاف الوسائل.

    إنّ الثورة السورية التي تعتبر شبيهة بتلك الثورات خاصةً ما يتعلق بالثورة المضادة، كما أشار الى ذلك محمد مختار الشنقيطي في كتابه الازمة الدستورية في الحضارة الإسلامية، مازالت تفتقر الى مثل تلك النصوص كهادٍ لها يهديها الطريق نحو الخلاص.

    وهذه النصوص موجودة في تراثنا الإسلامي الغني، إلا أنّه لم يتم صياغتها بما يتناسب مع الوضع الخاص للثورة السورية، ويمكن إجمالها بما يلي:

    أولاً: الميتا أيديولوجية/ما وراء الأيديولوجيةMeta ideology:

    يقول د. جاسم سلطان في كتابه" من الصحوة الى اليقظة" ما نصه:... مفهوم ما وراء الأيديولوجية يمكن أن نقول عنه أنه مجموع النصوص المرجعية، سواء كانت مقدسة أو غير مقدسة، وبصفتها نصوصاً مرجعية فعادة ما يحتكم إليها في الحديث.

    إنها مادة خام للأيديولوجية، فكل أيديولوجية سمعنا بها تكون نتيجة لأفكار أو فلسفة سابقة لها، فالشيوعية نتيجة لفلسفة هيجل، والليبرالية نتيجة لفلسفة جون لوك، وهكذا.

    وثقافتنا الإسلامية غنية جداً بهذه النصوص الما وراء أيديولوجية، وأهمها وعلى رأسها القرآن الكريم والسنة النبوية، ثم ما أجمع عليه فقهاء الإسلام، وكلها مجتمعة لم تترك أمراً إلا وتحدثت عنه أو أشارت اليه.

    المعنى، هذه النصوص يجب أن تكون أساساً لأي أيديولوجية محتملة، فهي الموافقة لفطرة الانسان السوري ووجدانه. بشكل عام كل فصائل الثورة السياسية والعسكرية، لم تتفق حتى الآن على نص مرجعي يكون أساساً لأيديولوجية واضحة، والخطأ المشترك بينهم هو محاولة استجلاب منظومات فكرية جاهزة وتطبيقها على المجتمع السوري والذي من المعروف بأنه مجتمع محافظ، حتى أنّ الفصائل التي تصنف بأنها معتدلة -رغم اعتمادها على نصوص مرجعية إسلامية- الا انها لم تستطع صوغ أيديولوجية جامعة لكل أطياف الثورة، وهي بذلك سيان مع باقي الحركات الإسلامية.

    فحتى تكون معادلة الثورة صحيحة يجب أن تكون هذه النصوص أساساً للتحرك، وأظن أنّ قادة إحدى الحركات الإسلامية المحسوبة على الثورة السورية انتبه لهذا الأمر عندما قال: الثورة على الأوراق تنتهي في المقاهي، والثورة بالسلاح تنتهي في الجبال، وثورة الأوراق والسلاح تبني الدول. وهذه الأوراق ليست بيضاء، وإنما نصوص مرجعية أساسية. والله اعلم.

    ثانياً: الأيديولوجيةideology:

    يمكن القول بأنّ الثورة السورية شهدت صراعاً بين ثلاث أيديولوجيات مختلفة كل منها عن الأخرى، وهي الأيديولوجيا الإسلامية، واليسارية، والقومية.

  • العنف ضد المدنيين: سياسية النظام لإنهاء شرعية المعارضة

    المركز السوري - بلال صطوف

    مقدمة

    تعتبر الثورة السورية إحدى أكثر ثورات الربيع العربي التي شهدت أعمال عنف مصدره السلطة، طالت مئات ألاف المدنيين، فمنذ انطلاقة المظاهرات السلمية عمد النظام إلى استخدام الحل الأمني في قمع المظاهرات وذلك من خلال استهداف المتظاهرين بشكل مباشر ، ومع حمل الثوار السلاح وسيطرتهم على مناطق واسعة من الجغرافية والمدن السورية تحول النظام إلى الحل العسكري من خلال زج الجيش بشكل مباشر في معركته ضد قوى الثورة ، مستخدماً الدبابات والطائرات في قصف المدن والاحياء الشعبية والأسواق بشكل خاص ، فضلاً عن ارسال مفخخاته إلى مناطق الثورة ، كثيراً ما سمعنا من يحاول سوق الأسباب والدوافع التي تقف خلف ممارسات النظام هذه ، عبر إرجاعها إلى أسباب طائفية أو انتقامية.

    تحاول هذه الورقة التعرف على أسباب ودوافع العنف المفرط الذي ارتكبه النظام، وذلك من خلال تقديم تصور لطبيعة الصراع السوري، ودور العنف في تثبيت حكم النظام السوري.

    أولاً: ماهية الصراع في الثورة السورية:

    يدور الصراع في الثورة السورية كما هو الحال في جميع الثورات حول مدى شرعية كل طرف من الأطراف المتصارعة،ففي حين تعمل قوى الثورة على بيان الجوانب التي تظهر عدم شرعية النظام القائم، وإثبات شرعيتها وأحقيتها في تسلم سلطة البلاد، يحاول النظام القائم هو الأخر منع الثوار من امتلاك الوسائل المناسبة لحصولهم على شرعية الحكم فضلاً عن سلطة البلاد، وتبقى لكل دولة خصوصيتها المتعلقة بمفهوم الأسس التي تقوم عليها شرعية نظام الحكم، فلكل دولة أركان شرعية تختلف عن بقية الدول.

    وتشهد الثورة السورية صراع يدور في مجمله حول نفي أو تأكيد شرعية الحكم، إلا انها تتميز في اختلاف أركان شرعية الحكم بين النظام والمعارضة.

    ثانياً: مفهوم الشرعية لدى نظام الأسد:

    هناك العديد من أسس الشرعية على مستوى الحياة اليومية التي حاول النظام السوري بناءها وسوقها كل ما دعت الحاجة إليها وتنقسم هذه الاركان إلى:

    • ·توفير "الاستقرار الأمني" : لقد حاول النظام السوري طوال عقود حكمه إظهار قدرته على ضبط الأمن وتحقيق الاستقرار داخل البلاد من خلال بناء عدد كبير من الأجهزة الأمنية " أمن الدولة ، الأمن السياسي، المخابرات الجوية، المخابرات العامة" وتوسيع حلقة نفوذ هذه الأجهزة ، وإقرار قانون الأحكام العرفية "الطوارئ" ، وأن كانت مهمة هذه الأجهزة تتركز في حماية النظام ، إلا أنها تمكنت من تحقيق " الاستقرار الأمني" القائم على القمع والترهيب بالدرجة الأولى، ثم عمد النظام إلى رفع الشعارات التي تتغنى بالسلام الذي يعم البلاد " سورية الله حاميها" ، واكساب هذا النموذج من "الاستقرار" طابعاً مقدساً.

    احتكار الخدمات العامة: عمل نظام الأسد منذ وصوله إلى السلطة على احتكار الخدمات العامة وذلك من خلال تبنيه نموذج الاقتصاد المخطط والتي تتحكم فيه السلطة بكل أشكال العمل الاقتصادي ومنها الخدمات العامة كشبكات الكهرباء والمياه والاتصالات، بالإضافة إلى توسيع نطاق عمل القطاع الصحي الحكومي عبر بناء مشافي ومراكز صحة حكومية "

     

  • عقل الشمال السوري المحرر

    عقل الشمال السوري المحرر

    المركز السوري سيرز-عيسى حسين المحمد

    استهلال:

    فتحت الثورة السورية منذ انطلاقها المجال لأفكار لم تكن مألوفة لدى السوريين في ظل حكم البعث، ومع الوقت تحولت هذه الأفكار إلى مشاريع واقعية، وكون هذه الأفكار جديدة على العقلية السورية فقد تمت صياغتها بشكل جعلها تبدو مشوهة.البعض يظن أنها كاملة البناء والأداء، وهذا حال كثير من الأفكار الدخيلة على الثورة السورية ولم تكن موجودة في زمن البعث، أو ربما كانت موجودة ولكنها تسير في مسار حدده البعث فقط.

    من أهم هذه الأفكار فكرة مراكز البحث والدراسات، فهي وإن كانت موجودة في سوريا منذ السبعينيات إلا أنها كانت تستخدم لمصلحة النظام فقط، وكان أغلبها(وما زال)يعمل في مجال تطوير الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، كمركز جمرايا للبحوث العلمية، ومركز البحوث والدراسات العلمية في برزة، ومركز الدراسات والبحوث العلمية في مصياف.

    بين الحقيقة والواقع

    مراكز البحث والدراسات أشبه ما تكون مكان يجتمع فيه ثلة من الأكاديميين لكتابة المقالات فقط!، فليس لهم دور في توجيه السياسات أو صناعتها، وهذا ما يفترض أن تكون عليه الحال، أي أنها يجب أن تكون أماكن خبرة، توجه وتصنع السياسات والاستراتيجيات، وتقدم الاستشارات والمعلومات، هذا ما نراه من خلال النظر الى مراكز البحث والدراسات الغربية، حيث أن دورها قيادي في السياسة والإدارة والاقتصاد، وأصبحت معيار من معايير التقدم المعاصر.

    السؤال هنا، هل مراكز البحث والدراسات التي تعتبر حديثة النشأة في المنطقة تتمتع بالقدرة على أن يكون لها دور مؤثر في حياتنا العامة!؟

    عرّفت مؤسسة راندRand Corporation الأمريكية مراكز الأبحاث والدراسات بالتعريف التالي:تلك الجماعات أو المعاهد المنظمة التي يتحدد هدفها بإجراء أبحاث مركزة ومكثفة، وتشتغل على تقديم الحلول والمقترحات للمشاكل المدروسة بصورة عامة وخصوصاً في المجالات التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية أو ما يتعلق بها.

    من خلال هذا التعريف نقول إنّ ما يسمى مراكز أبحاث ودراسات ما زالت بعيدة كل البعد عن التأثير في محيطها المحرر، فليس لهذه المراكز أبحاث ودراسات تتعلق بالاقتصاد أو الثقافة والإعلام، ولا علاقة تذكر بينها وبين الدراسات الإستراتيجية أو التكنولوجية.

    إن جلَ ما تقوم به هو ورشات تدريبية في مجال المهارات الشخصية أو الإدارة، وبعض المقالات عن الشارع السوري.

    الطريق وعر!

    يمكن القول بأن هذه المراكز تحاول التأثير في المجال العام ولكنها تعاني من نقاط ضعف عديدة تجعل الطريق أمامها وعراً وشاقاً ومن أهم هذه النقاط:

    1_المحتوى النظري: أغلب ما تقدمه مراكز المحرر يقع في دائرة العمل النظري فلا دراسات عمليه ولا أبحاث علمية يمكن أن تكون أساس للبناء العلمي التطبيقي، فنحن أحوج ما نكون الى هذا النوع من الدراسات، الدراسات والابحاث سواء أكانت في السياسة أو الاقتصاد(الدراسات في الاقتصاد تكاد تكون معدومة)أو التكنولوجيا أو التاريخ أو الديموغرافيا.

    2_البعد عن مراكز صنع القرار: إنها بعيدة عن صناع القرار، وليس لها صلة بها.البعد عن مراكز صنع القرار جعل مراكز الأبحاث تعيش حالة من الاغتراب، فمراكز البحث العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً كان لها دور في انتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة، ولها دور كبير في توجيه السياسة الخارجية الأميركية، ومؤسسة راند أفضل دليل على ذلك، ولهذا السبب أطلق عليها في الولايات المتحدة السلطة الخامسة.

    3_المال السياسي: يعتبر المال السياسي من أهم المخاطر على سوريا المستقبل وهو داء متفشي في كثيرٍ من الدول وفي تاريخ سوريا الماضي في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي.

    الحالةالطبيعية أن تكون مراكز الابحاث مستقلة ماليا وبحثيا ويمكن أن يكون تمويلها حكومي ولكن يجب وبكل تأكيد ان تكون مستقلة بحثيا، ولكن ما الحيلة في وضع يكون فيه المال السياسي سيد الموقف فلا عبرة للمستوى الأكاديمي ولا عبرة للهدف من وجود هذه المراكز، فمن المعروف عالميا بأن هذه المراكز هدفها تقديم تحليل أكاديمي وموضوعي صرف.

    يلعب التمويل دوراً كبيراً في توجيه مراكز الدراسات، فيجعلها تسبح بحمد الداعم دون مراعاة للواقع ويجعل المحتوى المقدم تجاري من الدرجة الأولى.

    أكاديميين ولكن

    يمكن القول أن مراكز الشمال المحرر فيها عدد لابأس به من الأكاديميين الذين يمتلكون الأدوات العلمية تمكنهم من تقديم محتوى علمي نافع للثورة، ولكن إلى الآن ما زلنا نقرأ ما تقدمه مراكز الابحاث الغربية، كمؤسسة راند ومعهد كارنيغي وغيرهما من دراسات وأبحاث عن الأمن والاقتصاد والسكان والأمور العسكرية الخاصة بالثورة السورية، ورغم وجود الأكاديميين إلا أننا لم نقرأ لهم سوى مقالات عن أمور غير مفيدة للثورة، فلا ندوات علمية ولا مؤتمرات سياسية، أو اقتصادية أو تاريخية.وجُلَّ ما يكتبه هؤلاء الأكاديميين يتعلق بالأمور الخارجية(لا صلة لها بالثورة)ومن جهة أخرى فان هؤلاء الأكاديميين أغلبهم لم يمتهن السياسة، وهذا على عكس ما نراه في المراكز الغربية التي تضم في صفوفها قامات علمية سياسيةوعسكرية يعملون في الوزارات وبيوتالرئاسة.

    ليس لأي مركز من المراكز في المناطق المحررة هدف واضح ورؤيا تبنى عليها أعمال تلك المراكز، قد يكون هذا هو السبب في عدم وجود دراسات وأبحاث تهتم بالأمور الأمنية والعسكرية والاقتصادية للثورة السورية.

    خاتمة

    تعتبر مراكز الأبحاث والدراسات عقل الدولة وهي خزانات للأفكارThink tanks تشارك بفاعلية في صنع السياسة وتوجيهها فأين مراكز المناطق المحررة من هذا؟

    يمكن القول بأن سبب في عدم فاعلية المراكز في المحرر قلة التمويل من جهة، وعدم وضوح الهدف من جهة الاخرى، وعدم وجود الأكاديميين المختصين في المجالات الحيوية في الأمن والاستراتيجية والاقتصاد، وضعف الفاعلية له دور كبير في عدم وجود تفاعل مع المواطنين.انها بحاجة للمساعدة المالية حتى تكون قادرة على المشاركة بشكل أكثر جدية في صنع القرار والتأثير في المجتمع.

    يجب أن تتغير استراتيجية هذه المراكز(إن وجدت)وتتحول إلى المجال العملي وأن تقترب من الثورة أكثر، إنها عقل الثورة وليست متجر للمواد الغذائية.

  • قانون قيصر.. وماذا سيغير في المشهد السوري للثورة

    د. جهاد الاتاسي – المركز السوري سيرز

    كيف جاءت تسمية القانون؟

    تعود تسمية قانون “سيزر” (قيصر) نسبة إلى اسم مستعار أطلق على مصور سوري منشق عن جيش الأسد عام 2013، واتخذ هذا اللقب كاحتياط أمني للحفاظ على حياته، وكان مصوراً لدى الشرطة العسكرية السورية، وكلف بتصوير جثث المدنيين من ضحايا التعذيب والقتل، وقام بتسريب 55 ألف صورة، بمعدل أربع صور تحديداً لكل جثة، أي أن صوره وثقت ما يزيد عن 11 ألف ضحية سقطوا تحت التعذيب في سجون الأفرع الأمنية لنظام الأسد.

    هرب المدعو قيصر إلى فرنسا ومنها إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 2014، وعرض شهادته وقدم الملفات التي بحوزته أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، مما أدى الي تشكيل فريق تحقيق دولي لبحث جرائم الحرب المرتكبة في سوريا، للتأكد من صدقية الصور.

    كانت رحلة القانون الذي سمي بقانون قيصر (فيما بعد) قد بدأت عام 2016 حيث تم تقديمه في مجلس النواب في الكونغرس الأميركي مرتين في عامي 2016 و2017، ولم يتمكن من تحقيق الفوز بأغلبية الأصوات حينها إلا في نهاية عام بموافقة 377 نائباً ومعارضة 47 آخرين 2017، ثم تم تمرير القانون لإقراره في مجلس الشيوخ عام 2019، حيث تم التصويت عليه بأغلبية 86 صوتاً بمقابل رفض 8، والحاقه ضمن موازنة وزارة الدفاع لعام 2020، وأصبح نافذاً من تاريخ 21 كانون الأول/ ديسمبر عام 2019 عندما وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

    فقرات من أهم بنود هذا القانون

    Ü     مدة القانون 5 سنوات تبدأ من تاريخ توقيع الرئيس الأميركي عليه،

    Ü     في موعد لا يتجاوز 180 يوماً من تاريخ سن هذا القانون، اللوائح اللازمة لتنفيذ مثل.

    • عقوبات تشمل البنك المركزي السوري
    • وتشمل العقوبات أي شخص أجنبي متورط في أحد الأعمال التالية:
    • يوفر دعماً مالياً أو مادياً أو تقنياً مهماً، أو قام وساعد في صفقة كبيرة مع أي كيان للحكومة السورية أو شخصية سياسية رفيعة في الحكومة السورية، أو شخص أجنبي، مقاول عسكري، أو مرتزق، أو قوة شبه عسكرية يعمل عن عمد، بصفة عسكرية داخل سوريا لمصلحة حكومة سوريا أو باسمها،
    • تخضع حكومتي روسيا أو إيران، أو شخص أجنبي تابع لتلك الدولتين يكون مشمولا" بالعقوبات فيما يتعلق بسوريا وبموجب قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولي أو أي حكم قانوني آخر يفرض عقوبات على سوريا.
    • أي شخص أو جهة دولية أخرى قام بالبيع أو خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات أو دعماً مهماً أو أي دعم آخر يسهل بشكل كبير صيانة أو توسيع الإنتاج المحلي للحكومة السورية للغاز الطبيعي أو البترول أو المنتجات البترولية.
    • أي شخص أو جهة يقوم في بيع قطع غيار للطائرات أو قطع الغيار التي تستخدم لأغراض عسكرية خدمات بناء أو هندسة مهمة في سوريا لمصلحة الحكومة السورية أو نيابة عنها، أو لأي شخص أجنبي يعمل في منطقة تخضع لسيطرة مباشرة أو غير مباشرة من قبل الحكومة السورية أو القوات الأجنبية المرتبطة مع الحكومة السورية.