• الإسلام.. وزمن "الكورونا"

    أ.محمد سالم الراشد

    رئيس جمعية مجموعة التفكير الاستراتيجي

    نستقبل التقارير العالمية حول نجاح الصين في حصار فيروس "كورونا" الذي أردى 21.116 ضحية حول العالم، وأصاب 465.274 إنساناً -حتى تاريخ كتابة هذا المقال 26 مارس 2020م- لكن تظل الصين، بسبب سياستها الترويجية الخائفة من فقدان المصداقية والثقة بمنتوجاتها الاستهلاكية، لا تعترف أخلاقياً عن مسؤوليتها عن هذا الوباء العالمي؛ الذي أثر على حياة البشر في هذا العالم؛ بتأخرها عن إبلاغ منظمة الصحة العالمية عنه.

    ومن جهة أخرى، يتضح قمة الكبر والغرور الإنساني في أوروبا والولايات المتحدة؛ حيث ظن قادة تلك الدول أن الوباء صينيّ؛ فليكن هذا الجنس الأصفر وقوداً لهذا المرض؛ وأن هذا الفيروس ربما يميز بين الجنس الأبيض والأصفر، وأتت التحذيرات متأخرة بعدما فتك الفيروس بالآلاف من الناس في أوروبا والولايات المتحدة؛ بسبب حمأة الرأسمالية المتوحشة، التي ترى أن امتصاص ملكية الإنسان من خلال العمل والضرائب هي الأولوية على حياة الإنسان؛ لأنها تخدم الطبقة الرأسمالية في مجتمعاتها، إنها تريد جني المال على حساب الحياة البشرية والإنسانية.

    في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، ما زال غرور ترمب مستمراً؛ إذ إنه على مضض يوافق على إيقاف العمل لمدة أسبوعين، لكنه مُصِرّ على أن تفتح الشركات والأعمال الحكومية مجدداً بعدها، ولا يضره ذلك، لأن الأساس هو الناتج الاقتصادي.

    في الولايات المتحدة من أجل إنقاذ "وول ستريت" على حساب الإنسان تم ضخ تريليون ونصف تريليون دولار.

    ولإنقاذ قطاعات الشركات الكبرى في النظام الرأسمالي فهو يسعى لتحقيق الأرباح، لقد كشف الفيروس عن عوار الرأسمالية والنظام العالمي السياسي، ففي الولايات المتحدة لا تستطيع الدولة تقديم الرعاية الصحية لكامل الشعب الأمريكي.

    إذاً؛ أين رفاهية الرأسمالية؟! فغالبية الشعب الأمريكي إذا حاول طلب العلاج فإنهم سيصبحون مدينين؛ لأن كل شيء إما بالتأمين الصحي، وهذا يغطي فئة محدودة في الولايات المتحدة، أو الاقتراض من البنك، وهذا يركب فوائد كبيرة على المقترض، هذه هي حقيقة الرأسمالية المتوحشة، يهمها المنفعة المادية على حساب القيمة الحياتية للإنسان؛ الأرباح أهم من الناس.

    فالرعاية الصحية الخاصة والرسمية لا تستطيع التعامل مع الأزمة بكل بساطة.

    • 30 مليون أمريكي لا يملكون تأميناً صحياً.
    • 15 مليوناً منهم لديهم تأمينات خاصة.
    • 60 مليوناً آخرون عليهم دفعات مسبقة عالية لدرجة أنهم سيصبحون مدينين بآلاف الدولارات إذا ما حاولوا أن يطلبوا العلاج.
    • 45 % لا يمتلكون أو يدخرون دولاراً واحداً.
    • 24 % لديهم أقل من 1000 دولار.

    إن زيارة واحدة إلى غرفة الطوارئ أو العناية المركزة لفيروس "كورونا" تكلف الفرد الواحد 10 آلاف دولار، وهذا يهدد بمحو الملايين من مدخرات الأمريكيين، كما أن هناك 34 مليوناً من الناس في الولايات المتحدة لا يملكون يوماً واحداً إجازات صحية مدفوعة الأجر.

    علماً بأن 45% من العاملين في فنادق الولايات المتحدة وخدمات المطاعم فقط يحصلون على تعويض إجازات مرضية، وهم أمام خيارين؛ فقدان العمل، أو الفيروس.

    وكذلك فإن المدارس العامة في الولايات المتحدة، زعيم النظام العالمي، ظلت تعمل لأن الطلاب يعتمدون عليها لأجل الطعام المجاني؛ حيث إن 22 مليون طفل في الولايات المتحدة يعتمدون عليها.

    وسيتم طرد 700 ألف من إيصالات الطعام المجانية في الأول من أبريل؛ وهذا سيشكل جزءاً من المجاعة، علماً بأن الملايين من الأطفال في الولايات المتحدة مشردون ويعيشون في مآوٍ مكتظة، وسيكونون على اتصال مع أشخاص حاملين للفيروس، كل ذلك لا يعادل قيمة "وول ستريت".

    يقول جوزف إستيفال، الاقتصادي الحائز على جائزة "نوبل": "إن ديمقراطيتنا واقتصادنا في خطر كبير إذا استجبنا إلى مطالب الشركات ذات الأصوات الأعلى والأقوى، بدلاً من التفكير فيمن في الحقيقة يحتاجون الدعم".

    الحقيقة أن النظام العالمي اليوم نظام أثبت فشله وفساده ومرضه وهو قادم على كارثة اقتصادية، ومن الطبيعي ستصبح جائحة اجتماعية متطرفة ربما تتحول إلى حرب شاملة لا يعلم مداها إلا الله؛ بسبب طبيعة وغايات تركيبة النظام الذي يقود البشرية إلى الصراعات والهاوية.

    1- فعلى المستوى الصحي، فالفيروس ما زال يتفشى ويكسب الحرب ويثبت عجز أكبر العقول على حل معضلته.

    2- وعلى المستوى السياسي، فإن هذا النظام أثبت أنانيته وفشله في قيادة ثقافية للعالم لمواجهة حرب الفيروس الصغير، وانحاز إلى الأنانية والمصلحة القومية.

    3- وعلى المستوى الأخلاقي، فلا حدود للتفلت الأخلاقي العولمي؛ إذ إن كل شذوذ مباح وكل خبيث جائز أكله وشربه.

    4- وعلى المستوى الاقتصادي، فالرأسمالية المتوحشة وبحثها عن المنفعة والربح أغلى من حياة الإنسان.

    5- وعلى مستوى الحياة الاجتماعية، فإن التراحم والتكافل والاعتناء بالضعفاء والفقراء وكبار السن مفقود.

    لقد كشف فيروس "كورونا" زيف البناء الحضاري الغربي والنظام العالمي السياسي وضعف النظام الصحي في العالم المتمدن وتراجع الأخلاقيات الاجتماعية والمدنية.

    ولكن هل هذا سيدفع المسلمين إلى إعادة النظر في عمق الأخلاق الحضارية في دينهم "الإسلام العظيم"؟ وهل سيستطيع المسلمون أن يتقدموا بنموذجهم الحضاري في فرصة قد أزفت، وأن العالم اليوم يفكر بالحل الشامل لاحتمالات سقوط النظام العولمي وثقافة الحضارة الاستهلاكية المتوحشة؟

    فعلى المستوى الصحي:

    يستطيع المسلمون أن يقدموا للعالم أساسيات الطهارة التي يدرسها صغار أبناء المسلمين في مدارسهم ويتعلمونها في بيوتهم.

    الطهارة البدنية والحسية التي أسست لنظافة البدن وصحة النفس ورقي التهذيب.

    نحتاج اليوم إلى الفقيه والمفكر والطبيب من المسلمين الذين يجتمعون ليطلقوا مبادرة "الصحة الحضارية في الإسلام".

    التي تقوم أساساً على "رفع الحدث وإزالة الخبث"، لقد قدم الإسلام تعاليم ثابتة في الاهتمام بالبدن والعورة ونظافة الملبس والمكان.

    إن تلك التعليمات وضعت أساساً صحياً لمواجهة أي مرض وفيروس أياً كان نوعه ومصدره، لقد قدم الإسلام نموذجاً في الطيبات التي يجب أن تتناولها البشرية، والخبائث والمحرمات التي يجب أن تتركها في النظام الغذائي للإنسان المسلم، وآداباً صحية للمأكل والمشرب واللباس والزينة.

    وعلى المستوى الاقتصادي:

    فإن الإسلام وضع شرائع البيع والشراء، فأحل البيع وحرم الربا، ووضع قواعد العمل والكسب الحلال، وقدم نموذجاً في الاقتصاد المتوازن الذي يثبت الملكية ويطلق حرية السوق وضبطها بالأخلاق بعيداً عن الغرر والكسب الباطل "الحرام" والغش والاحتكار، لكنه أيضاً يضع المسؤولية الاجتماعية على عاتق المستثمر بأن يؤدي زكاة ماله للأصناف الثمانية في المجتمع.

    وعلى المستوى الاجتماعي:

    فالإسلام حث على التكافل والتعاون والحب والإخاء والتعارف بين البشرية، وإنّ رقابة الله أو تقواه مع البشر هي المعيار لكرامة الإنسان، فلا يترك ذا حاجة وإلّا على المجتمع أن يتعاون في استيفائها له.

    وألا تعلو طبقة على طبقة أخرى في المجتمع الإنساني الذي ينشئه الإسلام مهما كانت ألوانهم أو لغتهم أو جنسهم أو دينهم.

    إن لغة المساواة والحب والكرامة التي تشكلها المبادئ الحضارية للإسلام جاهزة لمعالجة الاهتزاز الاجتماعي العولمي.

    أما على مستوى الصحة النفسية:

    • فإن العقيدة الإسلامية التي أساسها أن القدر مكتوب خيره وشره، وأن المسلمين يتقبلون قضاء الله وفق مشيئته، وأن الموت لا يؤخر أو يقدم لإنسان من غير أن يحل أجله المكتوب، لهي عقيدة تغذي روح الإنسان بالطمأنينة والراحة والسعادة.
    • وإذا عرفنا أن الإنسان إذا أمسى آمناً في سربه معافى في بدنه يملك قوت يومه فقد حيزت له الدنيا، فلا صراع على المال ولا المادة ولا صراع أو خوف أو هلع من جوع، فتصبح الروح الإنسانية آمنة مطمئنة، فأي صحة نفسية عالية تلك التي يؤسسها الإسلام في حياة الناس.

    إذاً؛ من سيتجرأ لهذه المهمة "مهمة تبليغ العالم أن الإسلام لديه حل شامل لنظام الحياة الحضاري في العالم".

    وأن قادم الأيام سيثبت أن النظام الحضاري الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة والغرب سيتهاوى، وسينشأ نظام عالمي جديد، إنها فرصة للمسلمين ليُهدوا العالم أغلى كنز للبشرية وهو "الإسلام العظيم".

    إن لدينا مئات من المنظمات الإسلامية والعربية والأوروبية المتخصصة في الفكر الحضاري الإسلامي والأبحاث الشرعية سواءً كانت تلك المنظمات رسمية أم أهلية.

    إننا ندعو المنظمة الإسلامية للعلوم والثقافة واتحاد الجامعات الشرعية والمؤسسات الإسلامية للقيام بواجب الوقت.

    إن البشرية قد مرت بثلاث موجات حضارية؛ الموجة الزراعية، تلتها الموجة الصناعية، ثم أخيراً موجة "البتات"، فهل يستطيع المسلمون أن يقدموا للبشرية الموجة الرابعة؟ وهي موجة "عالم القيم"؛ حيث إن كل قيمة من قيم الإسلام العظيم لها وزن ماديّ ومعنويّ يعادل كل مكاسب الرأسمالية وتقنية "البتات" وحضارتها، وتستطيع البشرية أن تحول تلك القيم إلى "سلعة حضارية" قابلة للتداول بما يحقق الرفاهية والسعادة للبشرية.

  • الضمانات المانعة من استبداد الحاكم (الإسلام أكثر الشرائع محاربة للاستبداد)

    د.أكرم كساب – مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

    الحلقة الثانية

    لما كانت ظاهرة الاستبداد ظاهرة مقيتة؛ ظاهرة تأبها الفطر السوية، والعقول السليمة، فليس هناك من دين حاربها كما حاربها الإسلام؛ نعم لقد وضع الإسلام من الضمانات ما يمنع من وقوع الاستبداد لو أن الناس تشبثوا بهذه الضمانات، ولم تكن مجرد كلام يقال، أو نظريات تدرّس، وقد أحسن الغزالي حين قال: الإسلام والاستبداد ضدان لا يلتقيان، فتعاليم الدين تنتهي بالناس إلى عبادة ربهم وحده، أما المراسيم والاستبداد فترتدّ بهم إلى وثنية سياسية.

    الشريعة الإسلامية تندّد بالاستبداد والمستبدين:

    والحق أنه ليس هناك من شريعة حملت حملة شعواء على الاستبداد والمستبدين كما هو الحال في شريعة الإسلام. ومن تأمل نصوص الشريعة القرآن والسنة يرى كيف يرفضان الاستبداد بصورة مختلفة.

    فتارة يقصّ القرآن علينا استبداد المستبدين وكيف كانت نهايتهم، ويأتي على رأس هؤلاء فرعون الذي قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24]، فكان جزاؤه {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس: 92].

    ومن هؤلاء نمرود الذي قال له إبراهيم عليه السلام: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} فردّ عليه قائلا: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} فقال له إبراهيم: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} فكان الردّ القرآني مصورا حال هذا المستبد {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 258].

    وتارة يعبر القرآن عن الاستبداد بالظلم، وتارة يعبر عنه بالفساد، وتارة يعبر عنه بالغلو، وتارة يعبر عنه بالكبر، وتارة يعبر عنه بالطغيان، وفي كل الأحوال هو صفة ذميمة وخلق مقيت.

    وأحيانا يأتي التعريض بالأتباع الأغرار الذين رضوا لأنفسهم أن يستخدمهم المتكبرون والمستبدون. ومن ذلك قوله تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف: 54]، ومن التنديد بهؤلاء الأغرار يخبرهم القرآن بما يكون منهم يوم القيامة من الندم فيقول: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: 166، 167].

    وما أقبح هؤلاء المستبدين حين يصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالسفه، وذلك في قوله لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: ” أَعَاذَكَ اللهُ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ “، قَالَ: وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ؟، قَالَ: “أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي، لَا يَقْتَدُونَ بِهَدْيِي، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي، وَلَسْتُ مِنْهُمْ، وَلَا يَرِدُوا عَلَيَّ حَوْضِي… ” (رواه أحمد).

    للراضي بالاستبداد والمشارك فيه نصيب:

    والعجيب أن القرآن والسنة حملا على أنواع ليسوا في الظاهر من أهل الاستبداد، وإنما لهم في بقائه أثر، ومن هذه الأنواع:

    النوع الأول: جند المستبدين وأدواته، وهؤلاء قال الله تعالى فيهم: {إنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} [القصص: 8]. فجنود المستبدين يتحملون من الأوزار بقدر ما كان لهم من دور في بقاء الاستبداد، ولن يعذروا لطاعتهم الكبراء والسادة، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. يقول القرضاوي: أكثر من يتحمّل المسؤولية مع الطغاة هم (أدوات السلطة) الذين يسميهم القرآن (الجنود) ويقصد بهم (القوة العسكرية) التي هي أنياب القوة السياسية وأظفارها، وهي السياط التي ترهب بها الجماهير إن هي تمرّدت أو فكرت في أن تتمرد.. ((من فقه الدولة في الإسلام/ ص 135)).

    النوع الثاني: الراضي بهذا الاستبداد دون رفض أو مقاومة، وهؤلاء قال الله جلّ شأنه فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [النساء: 97]، وقال أيضا: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25].

    النوع الثالث: الراكن إلى الاستبداد وأهله، والعجيب أن الله سبحانه وتعالى جعل نهاية الطغاة والراكنيين إليهم واحدة، حيث قال سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 37 – 39]، وقال سبحانه: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [هود: 113]. يقول سيد قطب: لا تستندوا ولا تطمئنوا إلى الذين ظلموا. إلى الجبارين الطغاة الظالمين، أصحاب القوّة في الأرض، الذين يقهرون العباد بقوتهم ويعبّدونهم لغير الله من العبيد… لا تركنوا إليهم فإن ركونكم إليهم يعني إقرارهم على هذا المنكر الأكبر الذي يزاولونه. ومشاركتهم إثم ذلك المنكر الكبير (فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) جزاء هذا الانحراف… ((في ظلال القرآن/ (4/ 1931().

    وحين تتحمل الشعوب الراضية بالاستبداد جزءاً من المسؤولية فذلك لأنها هي التي تصنع الفراعنة والجبارين، بل إن من الشعوب من يسعى سعيا حثيثا لإيجاد فرعون كلما هلك فرعون، وكلما انزاحت غمامة استبداد صنعوا مظلّة جديدة ربما على حساب كرامتهم ودمائهم.

    الإسلام لم يأت بالخنوع والخضوع للحاكم:

    والذي يقرأ القرآن ويطالع السنّة ويدرس سيرة السلف الصالح لا يرى منهم استسلاما مزريا كما يريد البعض، فإنهم وإن حرّموا الخروج على الحاكم فلم يحرموا قول الحق، إن صورة الإسلام تشوه حين يتم التسليم المطلق للحاكم في الشر والخير، في المعصية والطاعة، وها هو القرآن يصف أتباعه فيقول: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب: 39]، وهذا يعني أنهم في الحق لا يحسبون لمخلوق حسابا مهما كلفهم الأمر.

            وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يجعل الصادع بالحق، والواقف في وجه المستبد مشاركا لحمزة بن عبد المطلب في السيادة والشهادة، كقوله صلى الله عليه وسلم:” سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَام إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ” (رواه الحاكم)، وقوله صلى الله عليه وسلم:” أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، أَوْ أَمِيرٍ جَائِرٍ”(رواه أبو داود)، يقول أبو حامد الغزالي: ولما علم المتصلبون في الدين أن أفضل الكلام كلمة حق عند سلطان جائر، وأن صاحب ذلك إذا قتل فهو شهيد كما وردت به الأخبار، قدموا على ذلك موطنين أنفسهم على الهلاك، ومحتملين أنواع العذاب، وصابرين عليه في ذات الله تعالى، ومحتسبين لما يبذلونه من مهجهم عند الله.. ((إحياء علوم الدين (2/ 343)). بل كان النص النبوي صريحا في أن ترك المستبد دون نصحه يعرّض الأمة كل الأمة للعقاب، روى أحمد عن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ”((رواه أحمد)).

    أما كيف حارب الإسلام الاستبداد فهذا ما نؤصّله تباعًا في المقال القادم وما بعده…

    يتبع…

  • المعادون للإسلام خطر على الديموقراطية في أوروبا..... د. هيثم عياش

    برلين - لا يكاد يمر يوم في المانيا وبعض الدول الاوروبية دون ان يقع فيه اعتداءات على المسلمين ومساجدهم، صحيح ان الاعتداءات على المساجد تراجعت بعض الشيء في المانيا خلال فترة ما بين كانون ثان / يناير ونهاي حزيران / يونيو من عام 2016 الحالي الى 2،7  بالمائة عن الفترة نفسها من عام 2015 الماضي  اذ وصلت الاعتداءات الى حوالي  واحد وستون اعتداءً الا ان نسبة الدعايات المناهضة للإسلام والمسلمين والاعتداء الجسدي ارتفع بشكل ملحوظ، فعلى حسب تأكيد الحكومة الالمانية لأعضاء لجان شؤون السياسة الامنية والثقافية بالبرلمان الالماني ، فقد وصل عدد الدعايات والمهرجانات الخطابية الى حوالي  الفين وثمانمائة وسبع وستون دعاية ومهرجان خطابيا بينما وصل عدد الاعتداءات الجسدية الى حوالي مائة وواحد وعشرون اعتداءً .

    هذه النتيجة كانت ضمن دراسة علمية  قام بها خبراء حول تنامي ظاهرة العداء للإسلام الذي يُطلق عليهم بـ "أسلامفوبي" والذي يعني المعادين للإسلام شملت خمس وعشرون دولة في اوروبا بتكليف من جامعة هومبولدت البرلينية والمعهد الالماني لحقوق الانسان ومعهد الدراسات الاستراتيجية الاوروبي الذي يتخذ من لندن وبرلين مقرا له الى جانب مجلس الشورى الاوروبي في شتراسبوج بدعم من البرلمان الالماني والاوروبي وبتكليف ودعم من رئاسة مجموعة التفكير الاستراتيجي التركي "ثينك تانك سيتا برهان الدين دوران"  تم عرضها يوم الاحد 28 آب أوجسطس 2016 بمعهد برلين – براندينبورج العلمي أقدم صرح علمي بالعاصمة الألمانية، وحيث كان كاتب هذا التقرير  من بين اللجنة العلمية.

    تشمل ظاهرة المعاداة للإسلام الى جانب الاعتداءات على المساجد والدعايات المناهضة والاعتداء الجسدي، ايضا ظاهرة العنصرية والتمييز الديني ففي بعض مناطق الشرق الالماني اضافة الى هنغاريا والتشيك وبولندا وفي فرنسا وبريطانيا وغيرها لا تستطيع امرأة مسلمة ترتدي الزي الاسلامي بالمشي وحدها بالشوارع فنزع حجابها اصبحت ظاهرة عادية.

    وتحمل الاحزاب المعادية للإسلام في المانيا مثل الحزب البديل لألمانيا وأحزاب الحرية ورينانيا الشمالية والحزب النازي الالماني، وفي فرنسا الحزب القومي وهولندا الحزب الجمهوري اضافة احزاب تكمن حاليا بولندا والتشيك راية المعاداة للإسلام والمسلمين، وقد بدأت حملة الدعايات الانتخابية بولاية العاصمة برلين التي ستجري يوم 18 أيلول سبتمبر، بحملة الاحزاب المعادية هذه وفي مقدمتها الحزب البديل لألمانيا والنازي بشعاراتهم المناهضة للإسلام، وتدعم جميع هذه الاحزاب ما يُطلق عليه بـ "الجبهة القومية الاوروبية لحماية الغرب من الإسلام" هذه الجبهة التي تقوم كل يوم اثنين بتنظيم مهرجانا خطابيا مناهضا للمسلمين تطالب بتنظيف اوروبا من المسلمين ، حتى أن ماركوس زودر سكرتير عام الحزب المسيحي الاجتماعي الذي يشارك المسيحيين والديموقراطيين في حكم المانيا حاليا أعلن يوم أمس السبت 27 شهر آب الحالي  اعادة اكثر من مائة الف لاجئ سوري وعراقي وافغاني وغيرهم من المسلمين الى بلادهم لوجود صعوبات كثيرة بدمجهم بالمجتمع الالماني اضافة الى تمسكهم بأهداب تعاليم الدين الاسلامي وحرص النساء منهم على ارتداء الزي الاسلامي وأداء بعضهم الصلاة بالأماكن العامة.

    وأكدت دراسة اللجنة العلمية ان ظاهرة المعاداة للإسلام لا تقتصر على الطبقة العادية بالمجتمع الاوروبي بل تشمل الطبقة الوسطى والطبقة العليا من المجتمع بل ان الطبقتين الوسطى والعادية متأثرتان بالطبقة العليا أي طبقة الاثرياء وخريجي وأساتذة الجامعات والمعاهد العليا وفي مقدمتهم اولئك الذين يزعمون خبرتهم بالإسلام والمسلمين ولا سيما تركيا وبلدان الشرق الاوسط. وتشير الدراسة ان آثار الحروب الصليبية وقيام دولة الخلافة الاسلامية العثمانية وقبلها فتوحات المسلمين وخاصة على عهد الدولة الاموية التي تعتبر دولة فتوحات لها تأثيرها القوي على بروز شعبية وقوة الاحزاب القومية المعادية للاسلام، فمؤسس البروتسانت مارتين لوثر (1483- 1546) كان يرى ببروز قوة العثمانيين وقبلهم فتوحات الامويين بأوروبا عقابا إلهيا يتطلب من الاوروبيين النصارى العودة الى دينهم وحمايتهم قارتهم العجوز. هذه الافكار متغلغلة بالمجتمع الالماني والاوروبي الى حد قيام حرب صليبية حقيقية كان الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن قد دعا اليها عقب حوادث 11 ايلول  سبتمبر من عام 2001، وتصريحات مرشح الجمهوريين للرئاسة الامريكية دونالد ترامب بمنع المسلمين دخول الولايات المتحدة الامريكية تحظى بتأييد كبير من الاحزاب القومية الاوروبية، فالحزب القومي البولندي الذي يحكم بولندا حاليا ومعه الحزب الشعبي الهنعاري والقومي التشيكي يؤكدون عدم رغبتهم بكثرة المسلمين في بلادهم بالرغم من وجود اقليات مسلمة ببولندا وهنغاريا منذ اكثر من خمسمائة عام .

    واعتبرت هذه اللجنة العلمية التي شارك بها ايضا كل من استاذ العلوم السياسية في الجامعة الالمانية التركية بإستانبول انس بيرقلي واستاذ علوم السياسية والاجتماعية في جامعة سالتسبورج فريد حافظ وبرئاسة استاذ علوم التاريخ والسياسة الاوروبية والاجتماعية في جامعة هومبولدت البرلينية اولريخ فينكلر الاحزاب المعادية للإسلام خطر يحدق على الديموقراطية والحرية في اوروبا وهم الاسس الرئيسية لانهيار الاتحاد الاوروبي ومحرضين على حرب ضروس تقع بين الاسلام والمسيحية تأكل الاخضر واليابس. وطالب فينكلر الحكومة الالمانية والاوروبيين عدم اعطاء المجال للأحزاب القومية المعادية للإسلام اي نصيب من النجاح بأهدافهم، معتبرا أن اخطاء الاوروبيين بسياستهم التي ينتهجونها على الصعيدين الداخلي والخارجي وخاصة موقفهم المتخاذل لنصرة الشعب السوري وعدم اكتراثهم بمطالب تركيا الغاء تأشيرة دخول الاتراك دول الاتحاد الاوروبي ومماطلتهم دخول تركيا عضوية الاتحاد الاوروبي الى جانب صمتهم عن الدعايات المناهضة للدين الاسلامي وراء ارتفاع قوة هذه الأحزاب.

    ورأت هذه اللجنة ضرورة ربط الحكومات الاوروبية المنظمات الاسلامية في اوروبا معها لمواجهة المعادين للإسلام علميا وسياسيا واجتماعيا والمعادين للإسلام لا علاقة لهم بما يطلق عليه بمنتقدي الاسلام فأولئك يستندون بانتقاداتهم للتعاليم الاسلامية الى الكتب والمراجعات التي استندوا اليها من كتب المستشرقين الاوائل والخلاف الفقهي بين علماء المسلمين اضافة الى تاريخ اوروبا الملي بالافتراءات على الإسلام.

    والضرورة ملحة لحوار منطقي علمي لدحض افتراءات منتقدي الاسلام وجذبهم لجبهة موحدة تواجه جبهة المعادين للإسلام في اوروبا.

    هـ/ع

     رابط المقال في موقع المركز