• إيرانُ تحاربُ الربيعَ العربيَّ ” حالة اليمن ، البحرين ، سوريا ” 2 ....د. نبيل العتوم

    كيفَ تعاملتْ إيرانُ مع  ثورات الربيع  العربي ؟، ولماذا قاتلتِ الدولةُ والثورة الإيرانية للوقوف ضدّ الثورات في سوريا ومصر، وشوّهت صورتها، ودعمتْ بالمقابل  ما يجري في اليمن ومملكة البحرين ؟

                قد يظنُّ البعضُ أنَّ هذا بالفعل يكشف عن حقيقة السلوك الخارجيّ الإيرانيّ، ويعرّيه  تجاه العالم العربي؛ وهذا الأمر دقيق بمجمله، لذا فإنّ هذه الدراسة ستوضح مدى أهمية دراسة هذه الصورة للثورات العربية في الإعلام الإيراني،   وتحليلها بالاعتماد على صحف التيار المحافظ ، لسان حال المؤسسات  الفعلية الحاكمة في إيران الدولة والثورة .

               وباستعراضِ جميع وسائل الإعلام الإيرانية المحافظة، نجدُ أنّها  كانتْ تحتوي  دونَ استثناء مقالات وأخبار وتعليقات تتناولُ من خلال موضوعه  الثورات العربية ونعتها بأوصاف حسب الثورة والإطار الجغرافي الذي تجري به، ومن خلال هذه الوسائل، أمكن قياس مدى الأهمية المعطاة لمادة صورة الثورات العربية، التي وردت فيها هذه الصورة لتحليل موادها، ومضمونها، وأمكن بالتالي استخلاص المعاني الرئيسية، وتحليلها،  والتي ساهمتْ بالتالي في تشكيل هذه الصورة؛ والتي ركّزتْ أساساً على الاحتجاجات في اليمن، والبحرين ، وهذا له مغزاه ودلالاته بحكم أنّ هذه الدول ذات أغلبية شيعية. حيثُ أنّ موجةَ الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي دفعت إيران إلى إعلان دعمها للحركات المناهضة التي جرت في دول وصفتها بالدكتاتورية خلافاً لموقفها من الانتفاضة في سوريا.

                 والملاحظُ إعلانُ إيران  مباشرةً دعمها لبعض الحركات الموالية – وليس كلّها – التي وصفتها بتعطشها للديمقراطية، وتحقيق العدالة .

                  سعتْ وسائلُ الإعلام الإيرانيّة المحافظة، إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الإستراتيجية من خلال تناولها للثورات في المنطقة العربية، واعتمدت في خطابها الإعلامي على عدة وسائل وآليات، من أهمّها توفير الدعم لطوائف ” شيعية “، ولنظم سياسية تؤيّد، وتخدمُ السياسات الإيرانية وإستراتيجياتها؛ وذلك بغضّ النظر عن درجة شرعية هذه الأنظمة أو مستوى شعبيتها، وقد صنّفت طهرانُ الثورات في الدول العربية إلى اتجاهين: ثورات مشروعة، وثورات غير مشروعة، ومحرّمة شرعاً ؛ وهذا التصنيفُ جاءَ بحسب جدلية التقارب والتباعد بالنسبة للدول التي تعيشُ حالةً ثوريّةً من إيران، ومدى انسجامها مع سلوكها الخارجي، وإستراتيجيتها في المنطقة.

               وقد مثّلتْ بعضُ الثورات العربية التي تشهدها العديدُ من الدول العربية حالياً صدمة لأركان الحكم المحافظ، وذلك لخطورة بعض هذه الثورات، وتداعياتها على الأمن القوميّ الإيرانيّ، ولهذا لم يكنْ مستغرباً وصف الرئيس الإيراني (أحمدي نجاد) أن إحدى أهم ثمرات هذه الثورات  هو “تشكل الشرق الأوسط الإسلامي الجديد، ولكن هذه المرة دون هيمنة  قوى الاستكبار أمريكا وإسرائيل ” على حدّ  تعبيره ، معتبراً أن ما  يشهده الشرق الأوسط حالياً هو زلزالٌ سياسيٌّ كبيرٌ ([1])، وقد وصفَ مرشد الثورة  (آية الله علي خامنئي)  الانتفاضات العربية بأنها “صحوةٌ إسلاميّةٌ عظيمةٌ استلهمت مبادئها وتضحياتها من الثورة الإيرانية التي حدثتْ في العام  1979م، وأنّ النصر الإلهي الذي تمخَّضَ عنها  سيقضي على  كل الأنظمة الطاغوتية ([2]).

                 وقد حاولتْ  بعضُ صحف الإعلام  الإيراني المحافظة المقارنة بينَ الثورات في العالم العربي، والثورة الإسلامية في إيران من  حيثُ التركيز على محورية الاختلاف بين الثورة الإسلامية والثورات في المنطقة العربية؛ من حيث فقدان الثورات العربية للأيديولوجية  القادرة على توجيه هذه الثورات، وعدم وجود قيادة كاريزمية مؤهلة لتسيرها، إضافة إلى إعطاء أهميّة كبرى إلى دور وسائل الاتصالات الحديثة، وشريحة الشباب  في خلق البيئة المناسبة لتواصل امتداد لقيادة الثورات وتوجيهها ([3]).

               كذلك تنبّأتْ معظمْ  صحف الإعلام المحافظ عموماً على عدم قدرة الأنظمة السياسية العربية؛ خاصة ليبيا، الأردن، البحرين، المغرب، اليمن، السعودية على إجراء الإصلاحات الحقيقية التي تحظى برضا شعوبها ، الأمر الذي يعرض بقاء هذه الأنظمة لخطر الانهيار، والتنبؤ بسقوطها تباعا([4])، وتوصّلت إلى نتيجة مؤدّاها  بأنَّ التطورات الثورية التي تجري في العالم العربي سوف تكونُ ضدّ  مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على العموم ؛ لأنّ الحالة الثورية التي تعيشها بعضُ الدول العربية سوف تفرز بالتأكيد أنظمة حكم جديدة تعبّرُ عن ضمير هذه  الشعوبِ الرافضةِ لهيمنة قوى الاستكبار الغربي ([5]).

                 ولمحاولة استجلاء تداعيات هذه الثورات على إيران، تكثرُ حالياً في طهران  عقد العديد من الندوات للبحث في مستقبل العلاقات الإيرانية- العربية، بسبب ما تعيشه  وتتعرّضُ له المنطقة، من تطورات دراماتيكية غير مسبوقة وغير متوقعة.  وتجري هذه الأنشطة في أروقة الإدارات المعنية بأقسام العلوم السياسية في الجامعات الإيرانية، ووزارة الخارجية ،ومراكز الأبحاث المتخصصة ؛ومحور كل هذه النقاشات ينصب على بحث ما يجب على إيران القيام به للاستفادة من نتائج هذه الثورات ،والحد من تداعيات بعضها، حيثُ نشرت الصحف المحافظة سيناريوهات لما بعد هذه الثورات على افتراض نجاحها، واحتمالية سقوط بعض أنظمة الحكم العربية، بما فيها بعض الأنظمة الخليجية، واستشراف كيفية تبني إيران لدبلوماسية الاستفادة من هذه الفرص المتاحة؛ خاصّةً من التطورات الحاصلة في العالم العربي عموماً، والدول الخليجية خصوصاً، من حيثُ ضرورة تبني دبلوماسية قائمة على التعاون، وتبديل التهديدات السابقة بفرصٍ واعدة، وهذا ما سيمكّن إيران من أنْ تصبحَ دولة قائدة في منطقة الشرق الأوسط ( [6]).

                  تاريخياً اعتمدت إيران الثورة على التعاون مع نظم حكم عربية، خدمةً لمصالحها، ولتحقيق أهدافها الإستراتيجية في المنطقة العربية، ولطالما اتّهمت بعض الشعوب والحركات السياسية إيران بالازدواجية وتناقض المواقف، فمن ناحية كانت إيران تدعي دعمها للحركات الإسلامية، إلا أنها في الواقع كانتْ تدعمُ حكومات تسلّطية ديكتاتورية  لضرب هذه الحركات كما هي الحال بالنسبة لسوريا  سابقاً والآن .

                 على أساس هذه الرؤية، يمكنُ تصنيف الإستراتيجية الإيرانية للإعلام المحافظ من الثورات العربية – حسب الدول محل الدراسة إلى فئتين:

    الفئة الأولى: موجهةٌ بشكلٍ رئيسي إلى الثورة في اليمن والبحرين؛ إذ أقرّت طهرانُ من خلال صحف التيار المحافظ  بضرورة تغيير النظام  في هاتين الدولتين، وأن أنظمة الحكم فيهما قاما بعمليات إبادة جماعية ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية  مستهدفة شعبيهما، وأنّ بقاءهما أصبح جزءاً من المشكلة، وليس جزءاً من الحل، وقد تمَّ وصف الثورة في هاتين الدولتين، ونعتها بعدة أوصاف: ثورة العدالة والمحرومين([7])، ثورة  الحق والعدالة([8] )، الثورة الحسينية([9])، كربلاء البحرين واليمن ( [10] ) ، ربيع الحرية في البحرين)[11] ( ، ربيع الثورات والحريات في المنطقة العربية([12] )، ثورة الخلاص([13] )، ثورة المستضعفين ضد الطغاة المستبدين([14])، انتفاضة ضد المستكبرين والحكام الفاسدين([15])، “الثورة الإسلامية” المستلهمة من الثورة الإسلامية في إيران([16] )، ثورة جنود الإمام  وأحبائه([17])، وقد انتقدتْ صحف التيار المحافظ بشدة  النفاق الأميركي في التعاطي مع الاحتجاجات في البحرين واليمن، والفشل الأميركي في إدانة العنف المستخدم من جانب حكومة هذه البلدين على عكس الحالة السورية  التي انتقدت التدخل الغربية لدعم مطالب المحتجين، وهذا يكشفُ نفاق التيار المحافظ الحاكم في إيران.

                  من خلال تقديم هذه الرؤية نستخلصُ أنّ إيران تحاول  من جهة دعم الثورات الناشئة في اليمن والبحرين وتعبئة شعبيهما مذهبياً، وهذا ما اتضح من خلال النعوت والصفات التي أطلقت على هذه الثورات، ومن جهة المحافظة على مد ودعم  نفوذها التقليدي هناك، وحاولت دعم نفوذها وتعزيزه، إلا أنَّ أهم ما يميّزُ أهداف طهران هو الإطاحة بأنظمة هذه الدول، تمهيداً لقطف ثمار تغيير السياسات في هذه الدول تجاه إيران.

                 فبالنسبة للثورة في البحرين اتهمت إيران أميركا بدعم الملكحمد بن عيسى آل خليفة)، وانتقدت صمت الأميركيين إزاء ما وصفته بوحشية سلطات البحرين في قمع الانتفاضة الشعبية، وإدانة التدخل العسكري السعودي هناك، وقد اعتبرت صحف التيار المحافظ  الثورة في البحرين بأنها  حدث ثوري  فاقت التصورات ، وأن التنازلات التي قدمها النظام الحاكم هناك ليست كافية ؛ لأنها لم  تعد تلبي رغبات الشعب البحريني وطموحاته ،ولهذا فإن النظام الحاكم بات في حكم المؤكد في طريقه إلى الزوال ، واعتبار الثورة في البحرين ثورة شعبية مذهبية عارمة هدفها الإطاحة بالنظام الديكتاتوري الظالم ([18]).

                  وقد أغرقت صحف التيار المحافظ باتهام  الأسرة  الحاكمة في البحرين بالسعي لتنفيذ مخطط خارجي هدفه  زرع الفتنة بين السنة والشيعة، وأن الشعب البحريني قد تدارك الموقف بسرعة، وأجهضَ هذه المؤامرة التي حاكتها الحكومة البحرينية بالتعاون مع قوى الاستكبار العالمي، وبعض الدول العربية وفي مقدمتها السعودية ([19])، واعتبار اتهام السلطات البحرينية  للمعارضة بأنها تستمدُّ قوتها من الخارج، قد ثبت عدم صحته، وقد كشفَ مؤامرات هذه الحكومة، ومن يقفُ معها، بإعلان كلينتون، بأنَّ الثورةَ البحرينية قد تشكَّلت  داخلَ البلاد ([20]).

                 يتَّضحُ من خلال ثورة البحرين –حسب رؤية صحافة التيار المحافظ – بأنَّ هذه الأزمة ليستْ في طريقها إلى الحلّ، ويعزّي أسباب ذلك إلى  تصاعد حدّة هذه الأزمة بعد دخول القوات السعودية والإماراتية إلى البحرين، وأنَّ قرار مجلس التعاون لدول الخليج العربي إرسال قوات إلى البحرين جاء نتيجة الدعم الأمريكي لهذا القرار بهدف قمع انتفاضة الشيعة هناك ، وإنقاذ حكم أل خليفة الذي سيزول عاجلا أم أجلاً، وحماية الأسطول الخامس في البحرين، الذي يبسطُ نفوذه للسيطرة على المياه الإقليمية لدول المنطقة، وتهديد الأمن القومي الإيراني ([21] )، وتحميل دول مجلس التعاون، خاصة السعودية  تبعات ذلك ، لأنها ستدفع ثمن تدخلها في الأزمة البحرينية إن  أجلاً أم عاجلاً([22])، وقد ركّزتْ صحفُ التيّار المحافظ  على ضرورة  وجود إجماع دوليّ وإقليميّ لإدانة التدخل السعودي في الشأن الداخلي البحريني، وتورطها بشكلٍ مباشرٍ في قمع الشعب البحريني الثائر، والساعي إلى إقامته حكومته التي تعبّرُ عن طموحات الشّعبِ البحريني في التحرر، معتبرةً إرسال السعودية لقوات درع الجزيرة جريمة خطيرة لا تغتفر، مطالبة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلاميّ، وجامعة الدول العربية بإدانتها ([23]) ، ونعتتِ القوّات التي دخلتِ البحرين بالمرتزقة ([24]).

                 وقد حملتْ صحفُ التيّار المحافظ الدولة السعودية مسئولية نشر الأفكار المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط عموماً، والمنطقة العربية خصوصاً، فجاءتْ ردة ُ فعل الشعوب ضدّ حكوماتها كردة فعل على ما أنتجه هذا الفكر من سياسات راديكالية، تبنتها بعضُ الأنظمة السياسية التي حكمت دول المنطقة، وفي مقدمتها النظام الحاكم في البحرين، متهمةً أجهزة  المخابرات السعودية والإماراتية بالتنسيق مع تنظيم القاعدة، والتياراتُ التكفيريّةُ لمواجهة  الشيعة في دول منطقة الخليج ضمن مخطط مدروس ومعدّ له مسبقاً ([25]).

                    والنتيجةُ أنّ  صحفَ التيّارِ المحافظِ حمّلت السعودية مسئولية عواقب التدخل عسكرياً لقمع تظاهرات البحرين، وتحميلها عواقب ونتائج  مسئولية الدماء التي يتم إراقتها، وخلصت إلى أنَّ إيرانَ لن تقفَ مكتوفة الأيدي، أو موقف المتفرج إزاءَ ما يحدث هناك ([26])، والتحذير من أنّ السعودية قد تتعرض لغزو مشابه للبحرين، خاصّة أنّ  السعوديةَ تقوم بتبني السياسة الأمريكية الداعمة لمحاربة الإحياء الإسلامي، حيثُ أن هناك خطة إقليمية ودولية منظمة لضرب الشيعة في المنطقة  بدعم دولي، وأن  دماء الشيعة البحرينيون التي يتم سفكها بأسلحة سعودية لن تذهب هدراً ([27]).

                وقامتْ  صحفُ التيّار المحافظ بالمقارنة بالدور الذي قامتْ به السعودية في منطقة صعده اليمنية  لاستهداف الشيعة هناك، ومقارنة ذلك بالدور المماثل لما تقوم به في البحرين حالياً من قمع غير مسبوق للشيعة، وسعي السعودية إلى عقد اتفاقيات دائمة مع آل خليفة لإدارة شؤون البحرين وتأكيد احتلالها للبحرين بشكل رسمي ([28]).

                   وقد علّلتْ صحفُ التيّار المحافظ  قيام السعودية بإرسال قواتها إلى البحرين إلى عدة عوامل من أبرزها : الخشية من انتقال عدوى الثورات إلى أراضيها، حيثُ اعتبرتْ أنّ هناك حالة ذعر سرت في مؤسسات الحكم في السعودية، وزادت من حدتها أحداث البحرين ، التي باتتْ تهدّد أسس الأمن والاستقرار في السعودية، خاصّة في ظلّ تناقض الخارطة الديموغرافية والجغرافية  لهذه الدولة ، ورسمت سيناريو قائم على أساس أن استمرار التدخل السعودي في الشأن الداخلي البحريني سوفَ يؤدّي إلى اشتعال حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة الشرقية  في السعودية، وأشارتْ إلى أنَّ هناك نواة  تحرّك جاهزة للانطلاق  في القطيف والإحساء والتي تشاركُ الشّعبَ البحريني طموحاته المشروعة في التحرّر والانعتاق ([29]).

                وأمّا المثيرُ في مثل هذه التحليلات هو محاولةُ إيجاد قواسم مشتركة- تدفع باتجاه الثورة في المنطقة الشرقية -بين المنطقة الشرقية في السعودية، والأزمة في دولة البحرين تعظم من نجاح مقومات كلا الثورتين من حيث:

    • تشابه النسيج الاجتماعي والثقافي بين المنطقة الشرقية في السعودية والبحرين .
    • تعظيم دور القواسم المشتركة، ودورها في الثورة؛ مثل وحدة الأصل بينَ القبائل والعشائر، وبالتالي وجود امتداد قبائلي، يعتبر واحداً ومتجانساً، مما سيسهم في انجاز الأهداف والطموحات .

    • الحديث عن وجود وحدةٍ جغرافيةٍ واحدةٍ، وجامعة بين شعب المنطقة الشرقية وشعب البحرين، وقد سهّل الجسر الذي يربط بين المنطقة الشرقية والبحرين من الوحدة الجغرافية بينهما، خاصة في ظل وجود قواسم المشتركة والمعاناة من الظلم، وانتقاص حقوق الشيعة، وحرمانهم من الحريات السياسية والمذهبية

    4- وحدة الخطاب والمشروع الذي يأمل بتحقيقه شعب البحرين والمنطقة الشرقية ([30]).

                 على هذا الأساس تتنبّأ صحفُ التيار المحافظ أنه سيكونُ هناك ثورة منظمة في البحرين والمنطقة الشرقية للإطاحة بنظام حكم كلا الدولتين إنْ  عاجلاً أم أجلاً، حيثُ سيتمخّض عنه استقلال المنطقة الشرقية عن المملكة العربية السعودية، والاتحاد مع دولة البحرين الجديدة.

              ومما سيعزّز من تحقيق هذا الهدف؛ هو الرغبةُ الجامحةُ لشعب المنطقة الشرقية والبحرين في التحرّر، ومما سيدعم تحقيق هذا الهدف سريعاً دور الثورات في العالم العربي في الدفع باتجاه ذلك، خاصّةً بعدَ التدخل الغربي المباشر في هذه الثورات، وهذا ما يتضح من خلال دخول الغرب بشكل مباشر على خط الأزمة الليبية، والذي تمخض عنه دعم حق الشعب الليبي المشروع في تقرير مصيره، وبالمقابل فإنّ عدم التدخل الغربي لدعم حق الشعب الليبي، وعدم دعم شعب المنطقة الشرقية سوف يضع مصداقية الدول الغربية والمنظمات الدولية  على المحك، وسوف يسهم في فضح سياسة المعايير المزدوجة التي تمارسها هذه الدول، الأمر الذي سيثير الشعب البحريني، وشعب المنطقة الشرقية الذي لن يجد بداً من الاعتماد على نفسه وبقوة، أكثر من أي وقتٍ مضى  للاعتماد على نفسه لتحقيق طموحاته  وتقرير مصيره، وسوفَ يزيدُ من إصراره على تحقيق هذا الهدف، خاصّةً مع وجود قوات درع ِالجزيرة على الأراضي البحرينية، والتي سيعتبرُها الشّعب البحريني شريكة ومتواطئة مع الغرب لقمع ثورة الشعب البحريني العادلة، الأمر الذي  سيثير شعب المنطقة الشرقية، وثورتهم، والذي لن يتخلى عن أخوانه وشركائه  في الأصل والمذهب في البحرين لدعمه ونصرته، مما سيؤدي حتماً إلى إجبار السعودية إلى سحب قوات درع الجزيرة لمواجهة الانتفاضة الداخلية في السعودية، والتي لن  تتوقف هذه المرة، مما سيمهد الأرضية لتكون سانحة لشعب البحرين لتصعيد ثورة لإسقاط النظام البحريني الحاكم، ولكن هذه المرة إلى غير رجعه ([31]).

                 وقد رأتْ بعضُ صحفِ التيّار المحافظ عدم التعويل على التدخل الغربي لإنقاذ الشعب البحريني؛ فالغربُ قام بدعم الثورات في مصر، وتونس، واليمن، وذلك نتيجة عدم امتلاك هذه الدول لثروات نفطية، على عكس البحرين التي تقعُ في منطقة الخليج الغنيّةِ بالنفط، وبالتالي من مصلحة الغرب  تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة لضمان تدفق النفط وبأسعارٍ رخيصةٍ ، وتعلّل الصحفُ المحافظة تدخّل الغرب وبالذات أوربا في الأزمة الليبية بشكلٍ مباشرٍ حفاظاً على مصالحها هناك .أما في البحرين فيخشى الغربُ من وجود نظام ديمقراطيّ جديدٍ قد تؤثر على الدول الخليجية الغير ديمقراطية، الأمر الذي يهدّد معه مصالح الدول العظمى، إضافةً إلى ذلك ترى هذه الصحف أنَّ حصولَ الشيعة على حقوقهم في البحرين سوف يؤدّي إلى إثارة الأقليات الشيعية في الدول الخليجية بمجملها، مما سيثيرُ متاعبَ لا تحمد عقباها بالنسبة للغرب عموماً ([32])، من هنا ركّزتْ صحفُ التيّار المحافظ الإيرانية  على ضرورة  استمرار المظاهرات في البحرين؛ لأنه السبيلُ للرهان على تحقيق عدة أهداف :

    • حدوث انشقاق داخل العائلة المالكة، والتسليم والرضوخ للأمر الواقع، وهذا سيفضي إلى الاعتراف بحقوق الأغلبية الشيعية .
    • استمرار التظاهرات سيؤدي إلى إذكاء مشاعر الشيعة في دول الخليج العربية، وهذا سيحدث حالة تعبئة شعورية عامة غير مسبوقة، تؤدّي إلى إجبار دول الخليج للاعتراف بالحقوق المشروعة للشيعة .
    • إن استمرار التظاهرات سوف يؤدي إلى إثارة الرأي العام الدولي، وتحفيز المنظمات الدولية للقيام بدورها، وهذا سيجبر حكومات هذه الدول للانصياع لمطالب الشيعة المشروعة في تقرير مصيرهم .

    4- تكثيف مظاهرات الشيعة أمام سفارات الدول الخليجية في الخارج ، لتكثيف الضغوط الدبلوماسية عليهم .

    5-تذكير العالم أن أزمات الشيعة  في دول الخليج العربية عموما، والبحرين خصوصا، هي أزمات سياسية وليست طائفية ([33]).

    • ضرورة استنفار مراجع التقليد العظام في البقاع المقدسة في كل من قم، مشهد، النجف، كربلاء، لبنان، المنطقة الشرقية …  لتذكير العالم كي يتحمل مسئولياته لحماية الشعب البحريني الشيعي المظلوم، وما يتعرض له من جرائم إبادة  جماعية .

    5-الدعوة  إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق مستقلة لدراسة المجازر التي ترتكب ضد المحتجين في البحرين ([34])، ورأتْ صحفُ التيّار المحافظ  أنَّ الحلَّ لخلاص الشّعب البحريني يكمنُ في أنّ  يصعد الشعب البحريني من حدة تضحياته مهما بلغت؛ لأنَّ ارتكاب النظام  الحاكم في البحرين لمزيد من الجرائم، سوف يضعه في خانة النظام الفاقد للشرعية نتيجة ارتكابه للمجازر التي ستعتبر جرائم ضدّ الإنسانية في نهاية المطاف  ، ومن خلال هذه السياسة سيزول  حكم آل خليفة، وقد أسهبتْ صحفُ التيار المحافظ بأنّ الثوار البحرينيين يملكونَ الكثير من الأوراق التي تمكنهم من تحقيق مطالبهم المشروعة، وعليهم أنْ  يستخدمونها إذا استمرَّ النظام الحاكم  بتجاهل هذه المطالب([35])

                 من خلال هذه الإستراتيجية سيتحققُ الأمنُ والاستقرار والرفاه لشعب البحرين في النهاية، ويستطيعُ الشعب البحريني إقامة دولته بملء إرادته، والربط بين السياسة التصعيدية التي تمارسها الحكومة البحرينية مع المتظاهرين في أنها تمّت بغطاء وبضوء أخضر أمريكي، وتعليل ذلك أنَّ هذه السياسية جاءت بعد زيارة (ويليام غيتس) وزير الدفاع الأمريكي للبحرين ([36])، واعتبار أنَّ  طرح فكرة الحوار الوطني يأتي ضمن سياسة التسويف  التي تمارسها الحكومة  البحرينية ، حيث تعتبر أنه لا جدوى منها على الإطلاق ، لهذا يجب على الشعب البحريني أن يسلك طريق التصعيد ([37]).

    الفئة الثانية: موجهة بشكل مهم ومحوري إلى  دول لا تزال طهران ترجو، وتأمل بقوة الإبقاء على نظم الحكم فيها، والسعي لتقديم الدعم بكافة أشكاله وصورة لها، حفاظاً على نظامها السياسي؛ وتأكيد الالتزام غير المحدود تجاه أمنها. ومن هذه الدول: الدولة الحليفة ( سوريا) حيثُ ركّزت طهران في حديثها من خلال صحف التيار المحافظ على ضرورة الوقوف مع سوريا، ووضع مختلف إمكانات الدولة الإيرانية تحتَ تصرّفها للخروج من هذه المؤامرة التي حاكتها لها قوى الاستكبار، وخلافاً لموقف إيران من الثورات في مناطق أخرى من المنطقة العربية، ركّزت صحفُ التيّار المحافظ  على وصف الثوريين وليس الحالة الثورية  في سوريا، ونعتت الثوريين بألفاظ قاسية مثل :  “بشغب الإرهابيون”([38] )،” عملاء الفتنة”([39])،” المأجورون والعملاء”،([40]) أحداث الشغب المدعومة من الاستكبار العالمي”([41])،” قوى الشر”([42])، ” الشياطين” ([43])،” الخارجون عن القانون والوحدة الوطنية ([44]).

              ونعتت المحتجين في سوريا بأنهم: “مثيرو الفتنة ([45])”مثيرو شغب”([46] ) “إرهابيون” مأجورون من أمريكا إسرائيل لخلق الفتنة والفوضى وضرب الوحدة الوطنية،([47])عملاء قوى الشر والظلام ([48]).

                   يلاحظُ أنّ وسائلَ الإعلام المحافظة في إيران  تجاهلت عن  عمد بداية الانتفاضة في سوريا، وركّزت على الأحداث في البحرين واليمن، ثم بدأت تتحدث عن الثورة في سوريا من حيث كونها حركة إرهابية مدعومة  من الخارج للنيل من مواقف سوريا الداعمة للمقاومة اللبنانية والفلسطينية([49])، واعتبار سوريا ركناً أساسياً مهماً لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ،وركزت على بث “اعترافات” نقلتها وسائلُ الإعلام الرسميّة السورية لمجموعات وخلايا إرهابية ، وصفت هدفها ضرب استقرار سوريا، قالت : إنها تلقّت أسلحة وأموالاً من عملاء الاستكبار أمريكا و إسرائيل لإرسال معلومات وصور وفيديو للاحتجاجات إلى الخارج، والتنسيق مع المعارضة في الخارج، ومع قوى سلفية تكفيرية متطرفة مدعومة من بعض الدول العربية، ونشرتْ هذه الأخبار في عناوين صفحاتها الرئيسية ([50]).

                   وقد ركزت وسائل الإعلام الإيرانية المحافظة على أهمية الإصلاحات التي تقوم بها القيادة السورية، حيثُ تأتي هذه الإجراءات في إطار سياسة التهدئة التي تقوم بها الحكومة السورية، معتبرةً أنَّ الحكومةَ السورية قد قامت بإجراءات وخطوات متوازنة بهدف تعزيز مسيرة الإصلاح، وتعزيز الأمن ([51])، وأقرت بمراعاة سوريا للسقف الزمني لتحقيها، وعللت أنَّ  هناك فئات خارجة عن القانون قامت بافتعال التظاهرات في سوريا لتعطيل عملية التحول الديمقراطي في سوريا ([52]).

                  وأجمعتْ وسائلُ الإعلام المحافظة على  وجود مخطط دولي مدعوم بقوى إقليمية عربية للنيل من صمود سوريا، عن طريق الاستعانة بالحركات السلفية التي وصفتها بالمتطرفة، وأشارت هذه الوسائل  إلى الحملة الممنهجة التي يتعرض لها صمود الدولة السورية المناضلة ضدّ قوى الغطرسة التي تسعى للنيل منها ([53])، ودلّلتْ على ذلك من  خلال عرض الوثائق التي كشف عنها موقع ويكيليكس لكشف تاريخ المؤامرة ضدّ سوريا إلى فترة حكومة بوشالتي وضعت إستراتيجية هدفتْ إلى مد جماعات المعارضة استقرار الأوضاع وتوتيرها  في سوريا ([54])، وتحميل  الصحف المحافظة لجماعات المعارضة المسئولية عن تأخر الإصلاحات في سوريا، إضافة إلى تركيز الصحف المحافظة إلى أنّ هناك قوى داخلية سورية قد قاومت سياسة الرئيس السوري بإجراء هذه الإصلاحات باعتراف الرئيس السوري نفسه ([55]) .

                يمكنُ القولُ أنهُ كانَ من الصعب على الحكومة الإيرانية إعلان مبدأ واحد، أو سياسة موحّدة للتعامل مع الثورات في المنطقة العربية، ومحاولة تبني تطبيقه في جميع الحالات، فبعد اتساع نطاق التظاهرات في عدد من الدول العربية، عمدت مؤسسات صنع القرار الإيرانية إلى التعامل مع كل ثورة أو حالة احتجاج على حدة – حسب المصلحة البراغماتية الإيرانية -كما اتضح سابقا؛ ولا شك بأن السلوك الخارجي الإيراني قد عكس بشكل واضح لا لبس فيه هذا الموقف، وهذا ما برز من خلال تحليل محتوى الصحف المحافظ  وما حوته من أخبار ، مقالات وتحليلات  تجاه هذه الأزمات، والذي بات يستند على عدد من الاستراتيجيات من أبرزها :

    أولا : إستراتيجية الحسم والفصل في تأييد الثورة في اليمن والبحرين، خدمة لأهداف سياسية ومذهبية تندرج في إطار حفاظ إيران لبناء مجالها الحيوي المذهبي:

                 قامتِ الصحفُ المحافظة بتأييد الثورات في كل من اليمن والبحرين مباشرة، حيثُ لم تمارسْ مبدأ الانتظار والترقب قبل التسرع بإعلان موقف صريح من كل ثورة، وتبعت ذلك بتكثيف التحليلات الإعلامية لتعظيم الفوائد المرجوة من هذا التغيير؛ وممارسة سلوك تدخلي سافر في هذه الأزمات المشتعلة، وشجّعتْ مطالب المتظاهرين  “بالإطاحة بالأنظمة الحاكمة في هذه الدول”، وضرورة حدوث تغير حقيقي في سياسات الأنظمة الجديدة على أمل نشأتها في الملفات المهمة الداخلية الخاصة بضرورة إعطاء الشيعية حقوقهم كاملة غير منقوصة على اعتبار أنهم يشكلون أغلبية في البحرين، وجزء مهم من النسيج الاجتماعي والديموغرافي في اليمن، وخارجياً ضرورة إحداث تحول حقيقي في سياسة الأنظمة الجديدة تجاه الهيمنة الأمريكية، وطرد الوجود الأجنبي من هاتين الدولتين ” اليمن ، البحرين ،  وضرورة بناء علاقات جديدة  مع إيران.

    فالعلاقةُ بينَ إيران وكبار قادة الثورة- كما عرضته صحف التيار المحافظ – في اليمن والبحرين  ضرورية ومستمرة في فترة الثورة، الأمر الذي يترك انطباعاً بأنّ هناك قنوات كثيرة مفتوحة بين الثورة  ونظرائهم في اليمن والبحرين، وأنّ هذه القنوات لم تُغلق في أي وقت، ورغم أي ظرف، على عكس علاقاتها الدبلوماسية مع حكومات اليمن والبحرين التي عاشت قبل الثورة وأثناءها  بينَ مدٍّ وجزرٍ . من هنا وفَّرت هذهِ الثوراتُ فرصةً جيّدة للتواصل بين قيادتها ونخبها مع الدولة الإيرانية.

    ثانياً : إستراتيجية التشدد والتعبئة في الوقوف ضدّ الثورة السورية، ووضع مختلف إمكاناتها في خدمة النظام السوري، دعماً لمصالحها، وتعزيزاً لعلاقاتها الإستراتيجية مع هذا النظام :

    لا شك أن الثورة في سوريا تشكل تحدياً خطيراً بالنسبة  لإيران، حيثُ ترى مؤسسات صنع القرار الحاكم الإيرانية أنَّ الثورة السورية سوف  تعرَّض المصالح الإيرانية في المنطقة للخط، و سيكونُ من الصعب جدّاً حماية هذه المصالح مستقبلاً، أو تعويضها؛ خاصّةً في ظلّ التداخل الواسع بينَ  المصالح الإيرانية والسورية في مداخل الأزمات الإقليمية، واعتبار سوريا مدخلاً مهما لإيران للعبور إلى الأزمات في كل من لبنان، فلسطين، وتوظيف إيران لهذه الأزمات كأوراق رابحة تنتظرُ مقايضتها في بناء جسور العلاقات مع الغرب مستقبلاً، والولايات المتحدة خصوصاً، وقد عبّرت عن ذلك  وسائل الإعلام المحافظة بشكلٍ واسعٍ عن أهمية تقديم الدعم اللامحدود للنظام السوري  للقضاء على الثورة هناك ، خاصة أن الإيرانيين لم يتخيلوا أن تصلَ شرارةُ الانتفاضاتِ العربية إلى سوريا،  وكانوا يعتبرونَ أن انتفاضةَ الشّعب السوريّ ضدّ نظام حكمه محضُ افتراء، ولكنها بالمقابل -لا شكّ – أنها وضعتْ عدّة سيناريوهات لكيفية التعامل معَ أيّ حالةٍ جديدةٍ  قد تنشأ في سوريا خلافاً لمصالحها .

     

    جدول رقم (1) يوضّح موقفَ صحف التيار المحافظ من الثورات في كل من البحرين ، اليمن ، وسوريا ([56])

    الموقف من التدخل الغربي نتائج الثورة أهمية الثورة صفة الثورة  والموضوعات التي ركزت عليها في تناولها للثورة الصفات التي أطلقتها عليها صحافة التيار المحافظ الثورة
     

     

    إظهاره بمظهر المتواطئ مع حكومات اليمن والبحرين ، حيث

    انتقدت الموقف الغربي الذي لم يضغط على أنظمة  الحكم  في اليمن والبحرين بضرورة القيام بدعم مطالب المحتجين بإجراء الإصلاحات

    “على الرغم من قيام الغرب عموما بممارسة ضغوط على الحكومتين اليمنية والبحرينية للقيام بسلسلة من الإصلاحات تلبية لطموحات شعبي البلدين،وهذا ما لم يتطرق له  صحف التيار المحافظ

    التطورات الثورية التي تجري في البحرين واليمن سوف تكون ضد  مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على العموم ، لأن الحالة الثورية التي تعيشها بعض الدول العربية سوف تفرز بالتأكيد أنظمة حكم جديدة تعبر عن ضمير هذه  الشعوب الرافضة لهيمنة قوى الاستكبار الغربي صحوة إسلامية عظيمة استلهمت مبادئها وتضحياتها من الثورة الإيرانية التي حدثت في العام  1979، وأن النصر الإلهي الذي تمخض عنها  سيقضي على  كل الأنظمة الطاغوتية، وسوف يدعم علاقات إيران مع هذه الدول،والدعوة لاستشراف  السيناريوهات لكيفية  الاستفادة من نتائج هذه الثورات،و ضرورة تبني دبلوماسية قائمة على التعاون ، وتبديل التهديدات السابقة بفرص واعدة ، وهذه ما ستمكن إيران من أن تصبح دولة قائدة في منطقة الشرق الأوسط وصفت الثورة في اليمن والبحرين بالمشروعة ، وركزت على الجرائم التيار التي ارتكبتها القوات الحكومية في كلا البلدين ، ودور المتغير الخارجي خاصة السعودي الهادف إلى إثارة الفتنة الوطنية ، واستهداف الطائفة الشيعية في هاتين الدولتين، ضمن مشروع دولي مدعوم غربيا  . وأن التنازلات التي قدمها النظام الحاكم في البحرين  خصوصا ليست كافية ؛ لأنها لم  تعد تلبي رغبات الشعب البحريني وطموحاته ،ولهذا فإن النظام الحاكم بات في حكم المؤكد في طريقه إلى الزوال ، واعتبار الثورة في البحرين ثورة شعبية مذهبية عارمة هدفها الإطاحة بالنظام الديكتاتوري الظالم  

     

    أطلقت عليه صفة الثورات :

    ثورة العدالة والمحرومين، ثورة  الحق والعدالة الثورة الحسينية،كربلاء البحرين واليمن،ربيع الحرية في البحرين،ربيع الثورات والحريات في المنطقة العربية ثورة الخلاص ثورة المستضعفين ضد الطغاة المستبدين، الانتفاضة ضد المستكبرين والحكام الفاسدين، الثورة الإسلامية” المستلهمة من الثورة الإسلامية في إيران ،ثورة جنود الإمام  وأحبائه

     

    البحرينية واليمنية
    إظهاره بمظهر المتواطئ ضد نظام الحكم السوري، حيث

     

    انتقدت الموقف الغربي الضاغط  الذي طالب النظام السوري  بضرورة دعم مطالب المحتجين بإجراء الإصلاحات

      شكلت صدمة لأركان الحكم المحافظ ،وذلك لخطورة هذه الثورة ، وتداعياتها على الأمن القومي الإيراني، وضرورة تبني إستراتيجية للحد من تداعياتها على إيران وصفت الثورة السورية بالمحرمة شرعا،و

     

    وصفت دعم الثورة ومطالب المحتجين بغير القانوني ، وأنه تدخل سافر بالشئون الداخلية لسوريا ، حيث يستهدف الغرب وبعض الأطراف الإقليمية العربية الانتقاص من الدور السوري ، ضمن مخطط دولي يستهدف  الدور السوري الداعم لقوى التحرر والمقاومة  ، وركزت على الجرائم التي ارتكبتها المتظاهرين من نهب وسلب ، وترويع الآمنين،  ودور المتغير الخارجي خاصة الغربي في إثارة  النعرات بين أبناء الوطن الواحد ،واعتبار النظام الحاكم في سوريا  هو الضمانة الوحيدة لبقاء سوريا وقوتها، ودعم إجراء الإصلاحات التي يعزم النظام السوري على إجرائها، وإلقاء اللوم على قوى خارجية وداخلية أخرت تنفيذ هذه الإصلاحات  .

     

     

    أطلقت عليها تسمية أحداث الشغب ،

    لم  تطلق عليها صفة الثورات بل ركزت على وصف المتظاهرين عموما : شغب الإرهابيون،عملاء الفتنة، المأجورون والعملاء،أحداث الشغب المدعومة من الاستكبار العالمي”،” شغب قوى الشر”، ” الشياطين”،” الخارجون عن القانون والوحدة الوطنية. ونعتت المحتجين في سوريا بأنهم: “مثيرو الفتنة”مثيرو شغب” و”إرهابيون” مأجورون من أمريكا إسرائيل لخلق الفتنة والفوضى وضرب الوحدة الوطنية،عملاء قوى الشر والظلام.

     

     

    الثورة السورية

     

    جدول رقم (2) يوضح موقف صحف التيار المحافظ من الموقف السعودي الخاص بالثورة في البحرين ([57])

     

    إستراتيجية نجاح الثورات واستغلال الموقف السعودي الأسباب التي دفعت السعودية إلى تبني موقفها إزاء الثورات نتائج الموقف السعودي حسب رؤية صحف التيار المحافظ  

     

     

    الموقف من السعودية  

     

    الثورة
    1- استغلال وجود القوات السعودية في البحرين، والتعبئة بهدف استمرار التظاهرات  ، مما سيؤدي إلى إذكاء مشاعر الشيعة في دول الخليج العربية ، وهذا سيحدث حالة تعبئة شعورية عامة غير مسبوقة  ، في المنطقة الشرقية والبحرين

     

    2- تقديم النصح باستهداف قوات درع الجزيرة   ،فاستمرار التظاهرات سيؤدي إلى  سقوط عدد كبير من الضحايا ، وهذا سيثير الرأي العام الإقليمي والدولي ، وسيسهم في إذكاء مشاعر الشيعة في دول الخليج العربية ، وهذا سيحدث حالة تعبئة شعورية عامة غير مسبوقة  ، تؤدي إلى إجبار دول الخليج للاعتراف بالحقوق المشروعة، حيث سيتمخض عنه استقلال المنطقة الشرقية عن المملكة العربية السعودية ، والاتحاد مع دولة البحرين الجديدة.

    1- الخشية من انتقال عدوى الثورات إلى أراضيها ، حيث وصفت الأوضاع في السعودية بغير التي سرت في مؤسسات الحكم في السعودية ، وزادت من حدتها أحداث البحرين  ، التي باتت تهدد أسس الأمن والاستقرار في السعودية 

     

    2-رسمت سيناريو قائم على أساس أن استمرار التدخل السعودي في الشأن الداخلي البحريني سوف يؤدي إلى اشتعال حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة الشرقية  في السعودية ، و أن هناك نواة  تحرك جاهزة للانطلاق  في المنطقة الشرقية

    3- محاولة إيجاد قواسم مشتركة بين  الثورتين في المنطقة الشرقية والأزمة في دولة البحرين وتعظيم نجاح مقومات كلا الثورتين، ووضعت نتائج مبنية على سيناريو نجاح ثورة منظمة في البحرين والمنطقة الشرقية

    4- عدم التعويل على التدخل الغربي لإنقاذ الشعب البحريني  وشعب المنطقة الشرقية ، وضرورة وجود الإرادة وتقديم التضحيات حتى تأتي ثورات الخلاص بثمارها

    1-  إيران لن تقف مكتوفة الأيدي، أو موقف المتفرج إزاء ما يحدث.

     

    2- التحذير من أن السعودية قد تتعرض لغزو مشابه للبحرين ،خاصة أن  السعودية تقوم بتبني السياسة الأمريكية الداعمة لمحاربة الإحياء الإسلامي ، حيث أن هناك خطة إقليمية ودولية منظمة لضرب الشيعة في المنطقة  بدعم دولي.

    3- تحميل السعودية مسئولية مشروع استهداف الشيعة في المنطقة

    4- سعي السعودية لاحتلال البحرين ، وإدارة شئونها بشكل مباشر

    ضرورة  وجود إجماع دولي وإقليمي لإدانة التدخل السعودي في الشأن الداخلي البحريني ، وتورطها بشكل مباشر في قمع الشعب البحريني ،معتبرة إرسال السعودية لقوات درع الجزيرة جريمة خطيرة ومدانة، مطالبة المجتمع الدولي بإدانتها  

     

    البحرينية واليمنية

     

     المراجع

    [1] -( روزنامه قدس ، 6 فروردين ، 1390)

    -[2] (رهبر معظم انقلاب در جمع فرماندهان ومسئولان نظامى ، در اينده بيشترى در منطقه روى خواهد داد ، روزنامه جمهورى اسلامى ،16 فروردين   1390

    [3] ( در بخشين نشست ديبلماسى ايران در ال جديد مطرح شد ، عوامل ويزكى هاى جنبش هايى عربى ، روزنامه  كيهان ، 27 فروردين ، 1390)

    -[4] (  اينده سياسى رزيم كشورهايى عربى، روزنامه جمهورى اسلامى ، 3 ارديبهشت ، 1390، سقوط حكومتهايى منطقه اى عربى ، روزنامه قدس ، 6 ارديبهشت 1390 ، سر مقاله روزنامه كيهان فارسى ، 9 ارديبهشت 1390  )

    [5] (ويزكى هايى جنبشهايى در منطقه عربى ، روزنامه كيهان فارسى، 13 ارديبهشت ، 1390 )

    [6] -(ديبلماسى ايران وتحولات جديد كشورهايى عرب: تبديل تهديدات به فرصتها، روزنامه جمهورى اسلامى ، 12 ارديبهشت ، 1390 .آينده انقلابهايى منطقه اى عربى ،سمينار هفته، روزنامه قدس ، 23 ارديبهشت ، 1390)

    [7] ( روزنامه جمهورى اسلامى ، 6 فروردين ، 1390)

    [8] ( روزنامه قدس ، 3 ارديبهشت ، 1390)

    [9] ( روزنامه كيهان فارسى، 6 ارديبهشت ، 1390)

    [10] ( روزنامه جمهورى اسلامى ، 13 ارديبهشت ، 1390)

    [11] ( روزنامه قدس ، 15 ارديبهشت ، 1390)

    [12] ( روزنامه كيهان فارسى ، 18 ارديبهشت ، 1390)

    [13] ( روزنامه جمهورى اسلامى ، 23 ارديبهشت ، 1390)

    [14] ( روزنامه قدس، 24 ارديبهشت ، 1390)

    [15] ( روزنامه كيهان فارسى، 26 ارديبهشت ، 1390)

    [16] ( روزنامه جمهورى اسلامى ، 27 ارديبهشت ، 1390)

    [17] ( روزنامه كيهان فارسى ، 28 ارديبهشت ، 1390)

    [18] -(روزنامه رسالت ، آزادى براي ملت بحرين )

    [19] -(البحرين: زبان زور وبركشتن مسئله كفتكو،روزنامه اطلاعات )

    [20] -(روزنامه قدس ، 18 ارديبهشت 1390)

    -[21] (روزنامه قدس ، نكرانى أمريكا در قبال بحران بحرين)

    -[22] ( روزنامه   جمهورى اسلامي ،رهبران اعراب وسياست نا درست )

    -[23]( موضعكيرى ايران در قبال انقلاب بحرين ، روزنامه جمهورى اسلامى ، 16 فروردين ، 1390)

    -[24] ( روزنامه قدس ، 20 فروردين ، 1390 )

    -[25](روزنامه كيهان ، 21 ارديبهشت 1390)

    -[26] ( روزنامه كيهان العربي ، لن نبقى متفرجين على الجرائم ضد الشعوب، 25 فروردين ، 1390)

    [27] -( روزنامه رسالت ، 26 فروردين 1390)

    [28] -(روزنامه كيهان ، 22 ارديبهشت 1390)

    [29] -( روزنامه جمهورى اسلامى ، 11 ارديبهشت 1390)

    -[30] (حركت انقلابى در بحرين شكست نا بذير است ، كيهان ، 23 فروردين ،1390 ، تحولات سياسى در بحرين ،  روزنامه جمهورى اسلامى ، 2 ارديبهشت ، 1390  )

    [31] -(حركت انقلابى در بحرين شكست نا بذير است، مرجع سابق . طرح نقشه انقلاب بحرين ، روزنامه قدس،  5ارديبهشت 1390 )

    [32]      -( نقش كشورهايى غربى در انقلابهايى منطقه اى ، روزنامه  كيهان فارسى ،28 ارديبهشت 1390)

    [33] -( قدردانى مردم بحرين از حمايت از ايران ، ياران انقلاب 14 فوريه بر شفاف سازى اذهان ملت هاى ازاده جهان تاكيد مى كند ، روزنامه كيهان ، 24 فروردين ،  1390 . روزنامه قدس ، 13، ارديبهشت ،1390 )

    -[34] (روزنامه كيهان ،9 فروردين 1390، روزنامه قدس فارسى ، 19 فروردين 1390، روزنامه كيهان فارسى ، 19 ارديبهشت ، 1390 )

    -[35] ( روزنامه رسالت ، 19 ارديبهشت ، 1390 )

    -[36] ( روزنامه رسالت، 17 فروردين 1390 )

    [37] -(انقلاب در بحرين وآينده رزيم سياسى ،روزنامه جمهورى اسلامى ، 19فروردين 1390)

    -[38] (روزنامه جمهورى اسلامى ، 17 ارديبهشت ، 1390)

    [39] -(روزنامه رسالت، 18 ارديبهشت ، 1390)

    -[40] (روزنامه قدس ، 19 ارديبهشت ، 1390)

    [41] -(روزنامه جمهورى اسلامى ، 21 ارديبهشت ، 1390)

    [42] -(روزنامه كيهان فارسى ، 22 ارديبهشت ، 1390)

    [43] -(روزنامه جمهورى اسلامى ، 22 ارديبهشت ، 1390)

    -[44] (روزنامه جمهورى اسلامى ، 23 ارديبهشت ، 1390)

    [45] -(روزنامه جمهورى اسلامى ، 24 ارديبهشت ، 1390)

    -[46] روزنامه رسالت ، 25 ارديبهشت ، 1390)

    -[47] (روزنامه جمهورى اسلامى ، 25 ارديبهشت ، 1390)

    -[48] (روزنامه كيهان فارسى ، 26 ارديبهشت ، 1390)

    [49] -( روزنامه قدس، 17ارديبهشت 1390)

    [50] -(روزنامه قدس ، 22 ارديبهشت ، 1390)

    [51] -( روزنامه جمهورى اسلامى ، سوريه وآينده اصلاح، 4 ارديبهشت ، 1390)

    [52] -(روزنامه كيهان فارسى ، 23 ارديبهشت ، 1390)

    -[53] (روزنامه جمهورى اسلامى، 25 ارديبهشت ، 1390)

    [54] -(روزنامه رسالت، 25 ارديبهشت ، 1390)

    [55] -(روزنامه جمهورى اسلامى، 25 ارديبهشت ، 1390)

    ( تم إعداد الجدول  رقم 1من خلال الاعتماد على معلومات الدراسة )-[56]

     -( تم إعداد الجدول  رقم 2من خلال الاعتماد على معلومات الدراسة)[57]

  • الأزمة الليبية بين المبادرة الفرنسية والدور المصري..... خالد فؤاد

    تمهيد

    في ظل استمرار إشتعال الساحة الليبية مابين انقسامات حادة بين القادة السياسين من جهة وبين الفصائل المسلحة الفاعلة من جهة أخرى، تأتي المبادرة الفرنسية كمحاولة لتسوية الأزمة الليبية، وإيجاد حل سياسي للأزمة يستند إلى واقع الأرض ويدفع بفرنسا كقوة دولية تتولى مسؤلية الملف الليبي، يحاول هذا التقدير بيان أهداف فرنسا من المبادرة؟ ومدى إمكانية نجاحها في إنهاء الأزمة الليبية؟ وحدود دور النظام المصري وتداخله في الأزمة؟

     

    أولاً: مضامين المبادرة الفرنسية .. أهم المضامين

    في الخامس والعشرين من شهر يوليو الماضي أعلن من أحد ضواحي باريس عن التوصل إلى إتفاق لإنهاء الأزمة الليبية فيما سمي بالمبادرة الفرنسية وبحضور الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" ومشاركة كلا من "فايز السراج" رئيس حكومة التوافق الوطني المنبثقة عن إتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015 والحاصلة على دعم رسمي من الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي والجنرال المتقاعد "خليفة حفتر" قائد ما يسمى الجيش الوطني الليبي الذي يسيطر على شرق ليبيا ويحظى بدعم دولي وإقليمي متمثل في روسيا ومصر والإمارات. حمل البيان الختامي للمبادرة البنود التي تم الإتفاق عليها بين الطرفين السراج وحفتر والتي اشتملت أهم مضامينها على التأكيد على الحل السياسي ووقف اطلاق النار بإستثناء عمليات مكافحة الإرهاب والدعوة إلى نزع السلاح وإدماج المسلحين الراغبين في الجيش الوطني وترتيب خطة زمنية لمكافحة الإرهاب وتهريب المهاجرين والوصول إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، على أن يكون إتفاق الصخيرات هو الإطار المرجعي لتنفيذ بنود المبادرة.

     

    ثانياً: المبادرة الفرنسية .. لماذا الآن؟

    لم يكن اللقاء بين السراج وحفتر في فرنسا هو اللقاء الأول بين الطرفين إنما جاء بعد سلسلة لقاءات جمعت بينهم في القاهرة وأبو ظبي وهو ما يبدو أنه قد مهد الطريق للقاء الذي عقد بينهم في باريس وأسفر عن المبادرة الفرنسية، الأمر الذي يستحق الإشارة إليه أن بنود مبادرة باريس لم تختلف كثيرا عن ما خرج به اجتماع القاهرة بين السراج وحفتر حيث تم الإتفاق على عدة نقاط كان أبرزها العمل على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في موعد أقصاه فبراير 2018.

    ويبدو أن الرئيس الفرنسي الجديد "ماكرون" يسعى إلى حضور فاعل للسياسة الخارجية الفرنسية في فترة رئاسته وذلك من خلال استرداد فرنسا لدورها وتأثيرها في منطقة الشمال الإفريقي وهو ما يعني بالأساس إستعادة الملف الليبي مرة أخرى بعد أن كانت فرنسا قد ابتعدت عنه في الفترة الماضية وتقديم فرنسا لنفسها كفاعل رئيسي وضامن دولي لحل الأزمة الليبية بما يفرض على القوى الإقليمية والدولية المتداخلة في الأزمة الليبية التعاون والتنسيق من خلالها.

    من ناحية أخرى بدت الأزمة الخليجية أنها تزيد وتعمق الأزمة الليبية حيث أصبحت المعركة بين الداعمين الإقليميين للأطراف الليبية معركة مباشرة وهو الأمر الذي انعكس على حدة المعارك على الأراضي الليبية، كان واضحا اتجاه مصر والامارات لإستغلال الأزمة الخليجية في تسريع حسم الملف الليبي لصالح حفتر الشريك الرئيس لهما في ليبيا وهو ما أسفر عن إعلان حفتر سيطرة قواته على مدينة بني غازي بعد عمليات عسكرية ضارية.

     

    ثالثاً: أهداف فرنسا الحقيقية

    السياسة الخارجية الفرنسية مع الأزمة الليبية لم تتغير بتبدل شخوص الرئاسة الفرنسية ما بين هولاند وماكرون حيث أن لدى فرنسا مصالح حيوية في ليبيا تتمثل في ضمان إستمرار تدفق الغاز والنفط واستكمال مكافحة الإرهاب من خلال تأمين منطقة الجنوب الليبي وتأمين القاعدة العسكرية الفرنسية "ماداما" والتي تقع داخل حدود دولة النيجر وبالتماس مع حدود ليبيا الجنوبية بهدف قطع الطريق عن أية امدادت عسكرية قادمة من الجنوب الليبي للجماعات المسلحة في مالي، والتي تخوض معها فرنسا معارك عسكرية منذ عام 2013، الأمر الذي قاد فرنسا منذ بداية الأزمة الليبية إلى الدفع بشريك يحافظ على مصالحها داخل ليبيا، وتقديم دعم عسكري مباشر له، ولم تستطع فرنسا إخفاء دعمها للجنرال حفتر حيث بدا ذلك واضحا بعد الكشف عن مقتل ثلاثة جنود فرنسيين خلال مهمة قرب مدينة بنغازي" شرقي ليبيا في يوليو 2016 ليؤكد ذلك الحادث التقارير التي كانت تشير إلى دعم فرنسي لقوات حفتر في قتالها ضد خصومها في بنغازي.

     

    رابعاً: فرنسا وأزمة متوقعة مع إيطاليا

    بالرغم أن وقف تسلل الهجرة غير الشرعية عبر السواحل الليبية يعد القاسم المشترك بين الدول الأوروبية حيال تعاملهم مع الأزمة الليبية إلا أنه بدا واضحاً منذ بداية الأزمة الليبية إختلاف رؤية أكثر من طرف أوروبي في طريقة حل الأزمة. التدخل الفرنسي المباشر بمبادرة تزاحم اتفاق الصخيرات الأممي الذي تدعمه ايطاليا يبدو انه لن يقابل بحالة من الرضا من الجانب الإيطالي الذي اتخذ موقفا مخالفا لفرنسا منذ بداية الأزمة الليبية وربما تمثل المبادرة الفرنسية بداية ساحة لمواجهة سياسية بين فرنسا وايطاليا بدأت ملامحها مع إعلان روما غضبها من المبادرة الفرنسية ثم إعلانها بعد عدة أيام من المبادرة عن عملية بحرية في المياه الإقليمية الليبية لمساعدة خفر السواحل الليبي على منع تسلل المهاجرين بناء على طلب من الحكومة الليبية.

     

    خامساً: المبادرة .. حل للأزمة أم مزيد من التعقيد؟

    يبدو هنا أن المبادرة تسعى إلى ايجاد مصالحة وطنية بين الاطراف المتنازعة في ليبيا والتي حصرتها المبادرة في طرفي النزاع السراج وحفتر على أن يكلل نجاح هذه المبادرة باجراء انتخابات كان السراج قد دعا إليها في وقت سابق، وقبل أيام من لقائه بحفتر في باريس ولكن نظرة إلى واقع الأرض وإلى بنود المبادرة سيكون من الصعوبة بمكان، وفي ظل هكذا مشهد معقد، الوصول إلى مصالحة وطنية حقيقية فضلاً عن الوصول إلى تأمين إجراءات انتخابات نزيهة لا يبدو واضحاً من سيمتلك القدرة على تنظيمها، أو إلى أي قانون ستستند اليه.

    ويمكن أن نشير هنا إلى أهم النقاط الفاصلة التي يمكن أن تتسبب في إعاقة المبادرة:

    • إخنزال الازمة الليبية بين شخصي السراج وحفتر يمثل أهم العوامل التي تؤسس إلى مزيد من تعقيد المشهد، حيث أن تغييب القوى والأطراف الفاعلة في المشهد الليبي، والتي تُمثل ثقلاً سياسياً وعسكرياً، وعدم احتضانها في مبادرة كتلك، واختزال المبادرة في طرفين يمثلان جزءاً من المشهد الكلي، لن يساهم بطبيعة الحال في توافق ومصالحة وطنية، تبدو كخطوات تمهيدية قبل أي إجراءات إنتخابية يفترض عقدها في ربيع 2018 والتي تمثل العنوان الرئيسي للمبادرة.
    • بنود البيان الذي خرج من باريس حمل استثناء لبقاء العمليات العسكرية من أجل مكافحة الإرهاب، ولا يبدو هنا من البيان من هم المقصود وصفهم بالإرهاب من الفصائل المسلحة وهو الأمر الذي سيتسبب في أزمات مشتعلة في ضوء غياب تعريف واضح وغير فضفاض للإرهاب وفي ضوء وجود العديد من الفصائل المسلحة الفاعلة على الساحة الليبية.
    • الضغوط التي ستواجه السراج وحفتر من شركائهما وداعميهما المحليين تبدو كبيرة ولا يمكن اغفالها وربما لن يتوقف الأمر فقط على مجرد عدم القدرة على إنفاذ بنود المبادرة وإنما سيكون من المتوقع حدوث إنشقاقات وخسارة تحالفات للطرفين على حد السواء إذا مضيا قدما في بنود المبادرة.
    • الأحداث والتصريحات التي تلت الإعلان عن المبادرة مباشرة لا تُشير إلى أن ثمة أمراً قد تغير في الأزمة المشتعلة بين الطرفين السراج وحفتر، حيث بدأتحرب تصريحات بين الطرفين مباشرة قبل أن يغادر الطرفين باريس، وصرح السراج بأنه من "الحماقة" التفكير في دخول طرابلس في إشارة مباشرة إلى حفتر ورد الأخير بدعوة السراج بالإبتعاد عن "العنترية"، لم يتوقف الأمر فقط عند تجاذب التصريحات بين الطرفين حيث طالب السراج في زيارة رسمية إلى ايطاليا تلت زيارته إلى باريس مباشرة، مساعدة سلطات طرابلس في مكافحة الهجرة غير الشرعية داخل المياه الإقليمية الليبية، وهو ما دفع الحكومة الإيطالية إلى الإعلان عن إطلاق مهمة بحرية في المياه الليبية لمكافحة مهربي المهاجرين وإرسال قطعة بحرية للدخول إلى ميناء طرابلس، الأمر الذي اثار خلافاً حاداً بين السراج وحفتر الذي كان قد أعطى أمراً لقواته بالتعامل مع أية قطع بحرية في المياه الإقليمية في إشارة إلى اعتراضه على إتفاق السراج مع ايطاليا.

    سادساً: الدور المصري في الأزمة الليبية

    بالرغم من إعلان القاهرة تأييدها الرسمي لإتفاق الصخيرات في نهاية عام 2015 إلا أن الدور المصري استمر في تعميق الأزمة الليبية والضغط في اتجاه عدم تنفيذ بنود إتفاق الصخيرات وسعى النظام المصري منذ بداية الأزمة الليبية إلى إستغلال تناقضات المشهد على الساحة الليبية والتنسيق والتعاون مع أكثر من طرف من أطراف المعادلة في المشهد الليبي، حيث إعتمد النظام المصري على مسارين متوازيين حيال تعامله مع الأزمة الليبية:

    الأول: الدعم الظاهري للمسار السياسي الناتج عن اتفاق الصخيرات ودعم حكومة الوفاق الوطني برئاسة "فايز السراج".

    الثاني: إستمرار الدعم اللوجيستي والعسكري والسياسي للجنرال "خليفة حفتر" والمطالبة بدمجه في العملية السياسية.

    سارع النظام المصري في الشهور القليلة الماضية لإيجاد دور سياسي لحفتر بعد ما بدا أنه يبتعد عن الساحة السياسية بإصراره على رفض إتفاق الصخيرات المدعوم أممياً ومن جهة أخرى بعد ما بدا من تواجد عسكري وأمني لقواته يفرض نفسه على أرض الواقع، وهو مادفع حفتر بالإسراع والإعلان عن تحرير بني غازي بالرغم ان العمليات العسكرية في بعض الجيوب لازالت دائرة وهو الأمر الذي يؤكد إستباق حفتر والداعمين الرئيسيين له النظام المصري والإمارات للإعلان عن مكسب عسكري يعزز من موقف حفتر على الأرض ويفرض نفسه على طاولة المفاوضات.

    ومن ناحية أخرى لم تكن نقطة الانطلاق للمبادرة الفرنسية بعيدة عن القاهرة حيث دشنت القاهرة اللقاء بين السراج وحفتر في فبراير 2017 والدفع في ايجاد دور سياسي له، ولم يمر على لقاء القاهرة سوى ثلاثة شهور فقط حتى التقى الطرفان مرة أخرى في أبو ظبي في محاولة أخرى لإيجاد دور سياسي للجنرال، وكانت محصلة هذه اللقاءات هي لقاء باريس والذي بدا فيه أن القاهرة وأبوظبي قد مهدتا الطريق أمام تفاهم بين الطرفين برعاية دولية تتمثل في فرنسا.

    بعد عدة أيام من إعلان المبادرة الفرنسية لم يتوقف النظام المصري عن إستمراره في انتهاج سياسة إستغلال تناقضات الأزمة الليبية وممارسة الضغط على أطرافها، حيث التقى محمود حجازي رئيس أركان الجيش المصري ومسؤول ملف الأزمة الليبية لدى النظام المصري مع عقيلة صالح رئيس مجلس نواب طبرق الذي غاب عن لقاء فرنسا، والذي لم يعلن موقفاً محدداً من المبادرة الفرنسية سواء بالقبول أو بالرفض، لينتهي اللقاء بتأكيد محمود حجازي من القاهرة على أن مجلس النواب الليبي يمثل الجهة المناط بها اتخاذ كل الإجراءات الدستورية والقانونية لإتمام الاتفاق السياسي في ليبيا، وهو ما يعني ضمنياً عرقلة للمبادرة الفرنسية الأمر الذي يأتي في سياق عرقلة النظام المصري لأي مبادرات يمكن أن تسير باتجاه في حل سياسي للأزمة الليبية والإستمرار في الدفع إلى الحل العسكري للأزمة وهو ما يتوافق مع مصالح النظام المصري وتوجهاته.

     

    خلاصة

    وجود فرنسا كطرف دولي مثل ضغوطاً على السراج وحفتر وإحراج لهما للإعلان عن بنود مبادرة للمصالحة الوطنية ولحل الأزمة الليبية، لكن واقع الأمر أنه ليس هناك ما يمكن أن نطلق عليه إتفاق بالمعنى السياسي حيث أن المصالحة التي هي التمهيد المبدئي لأي شكل من أشكال الإتفاقات ليست موجودة على أرض الواقع، وتظل المبادرة بما تعلن عنه من إنهاء للأزمة الليبية والدفع نحو الإستقرار بعيدة عن الواقع الليبي المشتعل، وربما المستفيد الأكبر من الإعلان عن تلك المبادرة هو الجنرال خليفة حفتر، الذي حظى من خلال المبادرة بإعتراف دولي به كفاعل سياسي في المشهد الليبي.

    من ناحية أخرى بعد تقديم فرنسا نفسها كداعم دولي لحل الأزمة الليبية يبدو أن هامش المناورات الإقليمية سيتقلص سياسياً وهو الأمر الذي ربما ينعكس على الدور السياسي للنظام المصري في الأزمة الليبية، إلا أن الامر لن يتسبب في خسارة للنظام المصري الذي يتوافق مع فرنسا في رؤيتها للأزمة الليبية سياسياً وعسكرياً، وهو ما يعني أن الأمر لا يتعدى سوى تبادل أدوار بين مصر وفرنسا حيال الأزمة الليبية، عن طريق وجود راعي دولي قوي يعطي شرعية سياسية لحفتر، مع إستمرار النظام المصري في دعمه لحفتر لوجيستياً وعسكرياً

    المقال على موقع المركز 

  • الكرد والنظام التوافقي في العراق........ د. جاسم الشمري

    اتسمت العلاقات بين كثير من الأطراف المساهمة في العملية السياسية في العراق بعد عام 2003، بأنها مبنية على المصالح الضيقة، كالقومية والطائفية والعرقية، ولم تكن مبنية على المصلحة الوطنية العليا التي تُقدم مصلحة الوطن على بقية المصالح والهويات الفرعية، وهذا ما أثبتته تجربة السنوات الماضية من عمر العملية السياسية.

    والكتل السياسية الكردية – على اختلاف توجهاتها– تُشكّل محورًا مهمًا في عراق ما بعد 2003، سواء أكان ذلك على المستوى السياسي، أم الأمني.

    والمتابع للسياسة الداخلية العراقية يجد أن العلاقات الكردية – العربية لم تشهد استقرارًا أو توافقًا، كما كان يُفترض بها أن تكون، وهي السمة الأبرز لمجمل العمل السياسي في العراق بعد عام 2003، وما مرت به من تفاهمات مؤقتة يُمكن أن يُقال عنها: إنها مرحلة تأجيل المشاكل أو محاولة تخديرها إلى أجل غير مسمى.

    وهناك من يرى أن الساسة الكرد يحاولون (استغلال) حالة الاستقرار والنمو التي يشهدها الإقليم، وكذلك ثقلهم في العملية السياسية، وإمكانياتهم العسكرية، ولاسيما في المحافظات المتاخمة للإقليم؛ للمطالبة بأمور يرونها مشروعة، في حين ينظر الشركاء العرب إلى ذلك على أنه (استغلال) لوضع شاذ بعد أن صاروا (دولة) داخل الدولة العراقية، ويؤيد ذلك أن حكومة الإقليم تُهدد بين حين وآخر بفتح ملف المناطق المتنازع عليها بين المحافظات العراقية وفقًا للمادة(140) من الدستور العراقي، بل أحيانًا، تُلوح بالانفصال وإعلان الدولة الكردية.

    وفي هذا البحث تناول الباحث آراء كافة الأطراف العربية والكردية بحيادية، ولهذا ربما أسهب في الإشارة للمصادر عند الاستشهاد بأقوال الفريقين وذلك لحساسية الموضوع وأهميته. وسنحاول تقديم لمحة تاريخية موجزة عن الكرد، وأصولهم وأهم قياداتهم، وعلاقاتهم غير الواضحة مع الحكومات العراقية منذ عشرينات القرن الماضي وحتى الآن، ثم التطرق لقضية الدولة الكردية من ناحية الإمكانيات المتوفرة لتحقيق هذا الحلم، والعقبات الحالية والمستقبلية التي يواجهونها، وكذلك سنتطرق للموقف المحلي والإقليمي والدولي من بناء هذه الدولة، ثم نعرج على دراسة أصل المشكلة بين بغداد وأربيل، وهل بينهما شراكة دائمة أم مرحلية، وأهم صور الشراكة، وكذلك أبرز المشاكل بين الطرفين، وبعدها سنحاول التطرق لمستقبل هذه العلاقة بين الفريقين، ونختم الدراسة بخلاصة للبحث وأهم النتائج والتوصيات.

    أولاً: لمحة تاريخية عن الكرد وأهم قيادتهم

    قبل الخوض في موضوع البحث نحاول التعرف ولو بومضات سريعة على أصل الكرد وأهم قياداتهم في العراق.

    اختلف المؤرخون في إعطاء الفصول الأولى من تاريخ الكرد وأصولهم ومنشأهم((1))، والكرد يصنفون من ضمن مجموعة الشعوب(الهند وأوربية). وقد تعددت الآراء والنظريات حول أصلهم، فبعضها يرى أنهم ينحدرون من أصل آري، وبعضها يظن أنهم من أصل آشوري، وفريق ثالث يرى أنهم من أصل عربي((2)).

    المؤرخون المعاصرون يختلفون في تحديد أصل الكرد، وقد ذكر المؤرخ (ماكدويل) المختص في تاريخ الكرد: أن الكرد ظهروا كقومية في المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر، بينما يرى المؤرخ (برنارد لويس): أن الشعور بالهوية الكردية، وثم القومية ظهر في بداية القرن العشرين، وتطور هذا الشعور عندهم تطورًا سريعًا لعدة عوامل، منها اعتبار الإمبراطورية البريطانية أن الكرد قضية أمة متكاملة يستوجب على الغرب الدفاع عنها((3)).

    ونشأت(بين الكرد في أوائل القرن العشرين فكرة القومية الكردية؛ كردِّ فعل تجاه القوميات التركية والعربية التي بدأ الترويج لها منذ نهايات القرن التاسع عشر)((4)).

    والكرد مسلمون سُنِّيون في غالبيتهم، ومعظمهم على المذهب الشافعي، وتوجد قلة شيعية تعيش في كردستان وكرمنشاه، وقد دخلوا في الإسلام في الثلث الأول من القرن الأول الهجري، وأسهموا مساهمة فعالة في نشر الدين الإسلامي، ومن أبرز شخصياتهم قائد المعارك الحاسمة ضد الصليبيين، ومؤسس الدولة الأيوبية صلاح الدين الأيوبي((5)).

    وأما تسمية شمال العراق بكردستان العراق فيرجع إلى القرن السابع عشر، عندما حاول الانكليز تجزئة الإمبراطورية العثمانية، ويُعد الكابتن البريطاني جون ماكدونالد كيز أول من أطلق مصطلح كردستان في كتابه:(رحلة إلى آسيا الصغرى وأرمينيا وكردستان)عام 1818م((6)).

    ويقدر عدد السكان بمحافظات الإقليم الأربع أربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة((7)) بأكثر من (5.2) مليون نسمة. وتغطي هذه المدن مساحة (40000) كم2، أي أكبر من مساحة هولندا، وأربع مرات من مساحة لبنان((8)).

    أما سياسيًا، فالكرد في العراق منقسمون إلى حزبين سياسيين: الحزب الديمقراطي الكردستاني، والحزب الوطني الكردستاني، وقد تجاوز الحزبان خلافاتهما التي وصلت في بعض الأوقات إلى الاقتتال، وساهما بفاعلية في العملية السياسية  التي قامت في العراق بعد عام 2003 م((9) ).

    وللكرد العراقيين العديد من القيادات البارزين من بينهم: الملا مصطفى البرزاني،(1903-1979)، مؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني (بالبارتي). وجلال الطالباني (1933- ) زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي أصبح بعد الاحتلال عضوًا في مجلس الحكم، ثم اختير رئيسًا مؤقتًا للعراق عام 2005م، وجُدد انتخابه من قبل مجلس النواب لرئاسة الجمهورية لأربع سنوات أخرى في أبريل/ نيسان 2006م.

    ومن بين قياداتهم مسعود البرزاني (1946- ) الذي أصبح عضوًا ورئيسًا لمجلس الحكم ببغداد بعد الاحتلال، ويشغل الآن منصب رئيس إقليم كردستان الذي توحد في إدارة مشتركة وبرلمان موحد عام

    006م((10)). وكذلك نيشروان مصطفى، مؤسس حركة التغيير الكردية المنشقة عن الاتحاد الوطني الكردستاني عام 2006م((11)).

    ثانياً: مراحل العلاقات الكردية مع الحكومات العراقية

    شهدت العلاقات العربية (العراقية) – الكردية تطورات كبيرة منذ بدايات القرن الماضي، ويمكننا تحديد أهم مراحل تلك العلاقات على النحو الآتي:

    - في 1930 - 1933 شارك ملا مصطفى البرزاني في مقاتلة القوات العراقية المدعومة من البريطانيين، لكن الحركة فشلت((12)).

    - في عام 1943 استثمر الكرد الحرب العالمية الثانية ليعلنوا ثورتهم التي قادها مصطفى البرزاني في منطقة برزان، واستطاع الجيش العراقي القضاء عليها عام 1945م((13)).

    - في عام 1945 عاد البرزاني لمقاتلة القوات العراقية، لكن حركته انتهت ليتوجه بعدها لمهاباد الإيرانية((14) ).

    - في عام 1961، عاد البرزاني لقتال الحكومة((15)).

    - في أوائل عام 1970 قام الكرد بثورة مسلحة عندما كان صدام حسين نائبًا لرئيس الجمهورية، البكر، وفشلت ثورتهم عام 1975م((16)).

    - في عام 1976 بدأ الطالباني حركة مسلحة ضد السلطة المركزية، واستمرت حتى الحرب العراقية الإيرانية((17)).

    - في تسعينيات القرن الماضي (شارك الكرد في الحملة الأمريكية للإطاحة بنظام صدام حسين كطريقة للتعبير عن رغبتهم في الاستقلال، وازدهرت أحوالهم بعد حرب الخليج الثانية عندما أنشأت الولايات المتحدة وبريطانيا منطقة لحظر الطيران؛ إذ كان من المحرم على الطيران الحربي العراقي التحليق ما بين خطي عرض 33 – 36)((18) ). وتحت هذه الحماية الدولية، تمكن الكرد من إنشاء إقليم شبه مستقل، رغم عدم استطاعتهم الاستغناء الكامل عن حكومة بغداد((19) ).

    ثالثًا: الكرد وحلم الدولة

    لم يكن مفهوم الدولة الحديثة قد ظهر لدى الكرد أو وصلت أفكاره المنطقة حتى نهايات القرن التاسع عشر((20)). وفي عام 1920 كاد الكرد يحوزون دولة خاصة بهم، لكن بعد ثلاث سنوات تبدد هذا الاحتمال, لكن ما السبيل إلى فهم إخفاق النخب القومية الكردية في الفوز بدولة خاصة بهم، في وقت كان السياق الدولي يبدو مواتيًا على وقع تقطيع أوصال السلطنة العثمانية وبحث القوى الغربية عن حلفاء محليين. الحقيقة أن النخب الكردية ترمي بلائمة الإخفاق كلها على القوى الأوروبية ووعودها، لكن واقع الأمور أكثر تعقيدًا وتركيبًا، والسبيل إلى جواب مركب هو احتساب عدة عوامل خارجية (مصالح الغربيين المتباينة، وانتصارات مصطفى كمال العسكرية) وداخلية (انقسام اللجان الكردية) ومسارات تاريخية سابقة (الشقاق القبلي والديني الكردي)((21)).

    وقد (نعى العديد من الكرد دولتهم خلال الذكرى السنوية المئوية لاتفاقية (سايكس بيكو)، الموقعة في 16 أيار/مايو عام 1916، ووضعت الأساس لقيام الدول القومية التي نراها اليوم في الشرق الأوسط؛ ويمكن القول بأنه لا توجد مجموعة عرقية واحدة تبغض هذا الاتفاق أكثر من الكرد، فهم يعتبرون صياغة الدول العظمى له، السبب الأول في تعليق حلم قيام دولة كردية مستقلة وتعطيله إلى الآن)((22)). وفي 1919م أعلن الشيخ محمود الحفيد تشكيل حكومة كردستان الجنوبية بعد مساندة الانكليز له، واستمرت الحكومة إلى عام 1922 ثم زالت بعد ذلك((23)).

    وفي مطلع القرن العشرين(بدأ الكثير من الكرد التفكير في تكوين دولة مستقلة، باسم كردستان، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وضع الحلفاء الغربيون المنتصرون تصورًا لدولة كردية في معاهدة سيفر عام 1920، إلا أن هذه الآمال تحطمت بعد ثلاث سنوات، إثر توقيع معاهدة لوزان التي وضعت الحدود الحالية لدولة تركيا، بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية)((24)).

    وفي سنة 1929(طالب البرزانيون باستقلال المناطق الكردية، إلى أن وصل بهم الحد إلى القيام بالثورة ضد السلطات في بغداد)((25)).

    والواقع إن (جمهورية مهاباد) هي أول دولة كردية تأسست في إيران، في ٢٢ من كانون الثاني/يناير عام ١٩٤٦ إلا أنها فشلت وسقطت سريعًا. والجمهورية المهابادية كانت من الأخطاء القاتلة للقيادة الكردية، التي لم تتحسب للظروف المحلية والدولية والإقليمية((26)).

    وبعد الغزو العراقي للكويت (ظهر تأييد حلم دولة الكرد قويًا إما بطريقة رسمية، أو بطريقة فعلية على الأرض، حيث أدى فرض أمريكا مناطق الحظر الجوي في العراق، وتراجع قوى الدولة والأمن نحو مناطق الوسط المحيطة ببغداد إلى منح أكراد العراق الفرصة التاريخية لنيل وضعية تُقارب الاستقلال وتتجاوز الحكم الذاتي)((27) ).

    وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، لم يتوقف الساسة الكرد عن التهديد وترديد دعواتهم لتكوين الدولة الكردية، ففي بداية تموز/يوليو 2014، دعا مسعود البرزاني البرلمان الكردي (لتحديد موعد للاستفتاء على استقلال الإقليم عن العراق، وأن لديه دعمًا دوليًا في قضية تقرير مصير الكرد)((28)).

    والبرزاني عُرف عنه أنه أكثر زعيم كردي معاصر يدعو لاستقلال الإقليم، والذي كان من المتوقع أن ينفذه في عيد نوروز عام 2013 لكنه أرجاها لأسباب غير معلومة((29)).

    ولتأكيد وجود رغبة شعبية كردية للانفصال أظهر استطلاع أجرته الجامعة الأمريكية في كردستان (AUDK ) في آب/أغسطس 2016، بأن(أكثر من (84)% من الكرد الذين شملهم الاستبيان يؤيدون الاستقلال عن العراق)((30)).

    وفي نهاية أيلول/سبتمبر 2016، أكد رئيس مجلس الأمن في الإقليم مسرور البرزاني لصحيفة (واشنطن بوست)،أن(الإقليم جرب جميع السبل مع حكومة بغداد إلا أنه من دون أية نتيجة، وأن الإقليم يريد الاستقلال عن المركز ولكن بشكل سلمي، بلا عنف واقتتال، وأنهم ماضون في إجراء استفتاء لتقرير المصير)((31)).

    إن الذي يجعل مشروع استقلال كردستان يشق طريقه بصلابة إلى الأمام أكثر، هو دخول الأحزاب الإسلامية الكردستانية على خط المشروع، وبهذا فان مشروع الاستقلال أخذ يحوز على زخم كبير بتبني الإسلام السياسي الكردستاني له، والذي يتمتع بقاعدة جماهيرية عريضة في كردستان، وفاز بـ(17) مقعدًا في انتخابات أيلول/سبتمبر 2013 البرلمانية الكردستانية((32)).

    رابعاً: موقف الدولة العراقية من الحلم الكردي

    تؤكد الوقائع التاريخية أن الحكومات العراقية كان لها مواقف متنوعة من قضية الدولة الكردية، أو حتى استقلال شمال العراق. ويمكننا ترتيب أهم مواقف الحكومات العراقية منذ في عشرينيات القرن الماضي وحتى اليوم على النحو الآتي:

    - في عام 1920 تشكلت حكومة عراقية مؤقتة تحت الرعاية البريطانية، وتم الاتفاق على ترشيح الأمير فيصل بن الشريف حسين ملكًا على العراق، وجرى استفتاء على مبايعته من قبل كل المواطنين العراقيين، لكن الكرد العراقيين لم يشاركوا في الاستفتاء، ومع ذلك فان كل ما تحقق للعرب تحقق للأكراد بضمنها المشاركة في الحكم.

    - وجاء دستور ثورة 14 تموز 1958 لينص على: (إن العرب والكرد شركاء في هذا الوطن)، وعاد الملا مصطفى البرزاني وجماعته إلى بغداد، ومنح الزعيم عبد الكريم قاسم رواتب مجزية لهم، وأسكن البرزاني في القصر الملكي (قصر الرحاب)، ومنحه سيارة الأمير عبد الإله، ومنح الكرد حرية العمل السياسي، فنشط (الحزب الديمقراطي الكردستاني) في الشمال والمحافظات العراقية، وشكلوا ميليشيات عسكرية، (البيشمركة)، وساهموا في السلطة بقوة((33)).

    ـ في عهد الأخوين عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف (تشرين الثاني 1963ـ تموز 1968)،استمرت حالة الحرب واللا حرب بين الحركة الكردية والحكومات العراقية المتعاقبة، وفشلت كل الاتفاقيات بين الطرفين.

    - وبعد نجاح انقلاب حزب البعث بتموز 1968، استمر الكرد في الإجراءات المناوئة للحكومة واندلع قتال عنيف بين الطرفين بدءًا من تشرين الأول/أكتوبر 1968، وحتى 11 آذار/مارس 1970 حيث بادرت الحكومة إلى إعلان بيان 11 آذار/مارس، الذي يُقنن حقوق الكرد القومية على مستوى الدولة، ويشعرهم بأنهم جزء من الوطن العراق((34)).

    - في عام 1970 اتفق حزب البعث الحاكم والحركة الكردية على منحهم الحكم الذاتي خلال أربع سنوات، وطبقت كل فقرات الاتفاق، لكن الكرد رفضوا تنفيذ آخر بند في إعلان الحكم الذاتي في 11 آذار 1974، وطالبوا بضم كركوك إلى منطقة الحكم الذاتي((35)).

    - في 25 نيسان/ابريل 1974 أصدرت الحكومة العراقية بيانًا أكدت فيه تصميمها على تنفيذ قانون الحكم الذاتي، وأنها لن تتفاوض ثانية مع البرزاني، وعادت الحرب بحلول آب/أغسطس 1974 بين الجانبين((36)).

    - في عام 1975 وقع العراق اتفاقية الجزائر مع إيران، التي تنازل بموجبها عن نصف شط العرب لإيران، مقابل عدم دعمها للبرازاني((37)).

    - في عام 1995، أراد العراق أن يُنهي قضية الكرد نهائيًا بإعطائهم الاستقلال، فقد ذكر مكرم الطالباني((38)) أن صدام حسين كان يقول له:( إذا استطاعوا – أي الكرد- أن يشكلوا حكومة فانا أكون أول المعترفين بهم، لكن عندما التقيت به للمرة الأخيرة قال: (إذا يرضون بالوضع الذي هم فيه الآن أنا مستعد أن اعترف بهم وليعلنوا وقتما يشاؤون الاستقلال وعلى الحدود الحالية الآن سأعترف بهم، وكان جادًا في حديثه هذا حيث كان يرغب بالخروج من هذه المسألة)((39)).

    - بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 استمرت المطالب الكردية بالاستقلال، وبالأخص بعد ظهور "المشاكل المؤجلة" بين بغداد وأربيل بخصوص جملة من القضايا العالقة بينهما، ومنها حصة الكرد في الموازنة، والمناطق المتنازع عليها، وغيرها.

    - في حزيران/يونيو 2014، أكد مسعود البرزاني لقناة (سي أن أن):(أن العراق لم يعد على حاله، وأن الدولة تشهد عراقًا جديدًا، وآن الأوان لكي يحدد الكرد هويتهم ورسمهم لمستقبلهم)((40) ).

    هذا وقد تضاربت ردود فعل حكومات بغداد بعد العام 2003 حول استقلال الإقليم، ومن ذلك ما قاله عضو دولة القانون، سعد المطلبي:(لو كان الأمر بيدي لأعلنت انفصال العراق عن إقليم كردستان لأن الإقليم أصبح يعتاش على العراق، والإقليم يرى في الأزمات الداخلية مادة خصبة للابتزاز والضغط من اجل تنفيذ مطالبه، والكرد يمارسون بهذه المطالبات ضغوطًا على بغداد لتنفيذ مطالبهم لا أكثر)((41)).

    وربما دفع هذا الإلحاح أو الاستغلال الكردي بعض الأطراف العراقية الحاكمة للقبول بفكرة الاستقلال، وهذا ما أكده فؤاد حسين رئيس ديوان الإقليم في أيلول/سبتمبر 2016:(تحدثنا مع كبار مسؤولي الأحزاب والتحالفات العراقية بوضوح عن حق تقرير المصير واستقلال كردستان، وقالت بعض الأطراف العراقية بصراحة أن حق تقرير المصير حق طبيعي لشعب كردستان)((42)).

    وفي نهاية كانون الثاني/يناير 2017، قال عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، سعدي أحمد بيره، إن(وفدًا كرديًا سيزور بغداد، للتباحث بشكل رسمي بشأن الاستقلال). فيما قال المتحدث باسم المكتب السياسي للحزب الديمقراطي، محمود محمد، إنه (يجب الحوار بشأن كيفية الإدارة المستقبلية لهذا البلد، فنحن لم نستطع أن نتعايش معًا من خلال الحكم الذاتي ولا الحكم الفيدرالي، فماذا سيكون الوضع الآن)((43)).

    خامساً: معوقات قيام الدولة الكردية

    يُدرك القادة الكرد أن الطريق إلى تحقيق تطلعاتهم القومية ليست مفروشة بالورد، وأن هنالك شبه إجماع من الدول التي يعيشون فيها على رفض الانفصال، بل وحتى الاعتراف بالحكم المحلي لهم، ويدركون أيضًا أن المصالح هي التي تُشكل معيار الاعتراف الدولي بهم من عدمه.

    والمعوقات ليست خارجية فقط، بل منها على الصعيد الداخلي الكردي، فهنالك ثمة استحقاقات داخلية أو حزبية قد تدفع بهذا الحزب، أو الزعيم إلى ركوب موجة المطالبة بتقرير المصير والاستقلال لحساباته الخاصة، فعلى الأقل في حالة إقليم كردستان العراق، ثمة تباين بين مواقف الحزب الديمقراطي، ومواقف كل من حزب الاتحاد الوطني وحركة التغيير بخصوص الاستفتاء وإعلان الاستقلال((44)).

    فالبرزاني، رئيس الإقليم (يواجه انتقادات شديدة، خاصة من حركة نوشيروان مصطفى والإسلاميين، بل حتى من حليفه الاستراتيجي حزب الاتحاد، ويتهمونه بأنه لم يتمكن من توحيد الصف الكردي في كردستان، رغم أولوية ذلك قبيل الاتجاه للإعلان عن الدولة)((45) ).

    وهكذا ما زلنا نلحظ(غياب الخطاب الكردي المتماسك، وتشرذم القيادة الكردية، والخصومات الشخصية بينها. فبعد مرور مائة عام، يتضح لنا أن الأسباب الداخلية الخاصة بالكرد أنفسهم هي التي تحول دون تشكيل دولة كردية مستقلة)((46)).

    وساهمت العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتضارب المصالح في تشكيل أفكار انفصالية داخل الإقليم، خاصة في محافظات كركوك، والسليمانية، وسنجار لتشكيل إقليم داخل إقليم كردستان((47)).

    وعلى الرغم من أنه سيكون لدى هذه الدولة الكردية أكبر مخزون نفطي، أي أكثر من إيران والعراق وسوريا والكويت((48))، إلا أنها ستواجه معوقات اقتصادية، فمواردها الطبيعية قليلة، ووجود النفط وحده لا يكفي من دون مسرب إلى البحر لتصديره، خصوصًا أن الدولة الكردية ستكون محاطة بدول تعاديها((49)).

    وكذلك سيواجه الإقليم (تقلصًا جذريًا في سوقه المحلية، حيث سينخفض عدد المستهلكين من أكثر من (35) مليون عراقي إلى عدد مواطني كردستان العراق فقط البالغ ستة ملايين نسمة، وعلى الرغم من أن بغداد وأربيل لا تتمتعان اليوم بعلاقة ودودة، إلا أن الاستقلال سيسفر على الأرجح عن خلق حواجز داخلية، وعلى المدى القريب ستصبح كردستان أكثر اعتمادًا على مواردها الطبيعية والتجارة عبر الحدود مع تركيا لتحقيق الملاءة المالية والبقاء)((50)).

    وتشير (المشاريع الاقتصادية الفاشلة والسياسة النفطية الخاطئة والعجز عن بناء بنية تحتية استراتيجية إلى أن المنطقة الكردية ليست جاهزة للاستقلال)((51)).

    وهنالك أيضًا المعوقات الجغرافية إذ إن الكرد يعيشون في سلاسل جبلية متصلة ومعقدة تمنع بناء دولة كردية موحدة، بل وتعيق توحيد الكرد أنفسهم((52)).

    ولهذا لاحظنا أنه في نهاية أيلول/سبتمبر 2016، أكد البرزاني، أن:(استقلال الإقليم لن يتم دون الاتفاق مع الحكومة المركزية، وأن إقليم كردستان طلب الاستقلال وليس الانفصال وهو حق طبيعي)((53) ). وهذا نوع من التراجع الضمني عن الانفراد بقرار إعلان الدولة الكردية.

    وفي مقابلة مع جلال طالباني يوم 8 نيسان/ابريل 2006 صرح بأن(فكرة انفصال أكراد العراق عن العراق أمر غير وارد، وغير عملي لكون أكراد العراق محاطين بدول ذات أقليات كردية لم تحسم فيها القضية الكردية بعد، وإذا ما قررت هذه الدول غلق حدودها فإن ذلك الإجراء يكون كفيلًا بإسقاط الكيان المنفصل من العراق)((54)).

    سادساً: الموقف الدولي والإقليمي من إعلان الدولة الكردية

    قبل تسعينيات القرن الماضي كانت دول الشرق الأوسط الأربع ذات التجمعات الكردية الكبيرة - تركيا وإيران والعراق وسوريا- ترتبط بعلاقات أمنية فريدة مثلت فيها القضية الكردية حافزًا رئيسيًا. واليوم تُعيد القضية الكردية تشكيل العلاقات بين هذه الدول الأربع مرة أخرى((55)).

    ولا شك أن البرزاني يعرف العوائق التي تمنعه من تحقيق (حلم) الكرد بجمهورية مستقلة, وهو يعرف أن (العوائق ليست عراقية، أو دولية فقط، بل بعضها يتأتى من اختلاف المصالح بين الكرد الموزعين على دول أربع، وإن كان يستطيع التذرّع بالوحدة العراقية ليمتنع عن دعم أولاد عمّه في حلّ مشاكلهم فإن استقلال الإقليم على عكس ما يبدو للوهلة الأولى سيضعه في موقف ضعيف جدًا)((56)).

    وعلى كل حال فقد تنوعت المواقف الدولية والإقليمية بخصوص قيام الدولة الكردية، ويمكننا إجمال ذلك في الفقرات الآتية:

    - موقف الدول الكبرى:

    تأرجحت مواقف الدول الكبرى بخصوص استقلال الكرد, إذ ذكر (ملا بختيار) عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني بأن (28) دولة غربية ومن ضمنها الولايات المتحدة وروسيا وقعت على مذكرة وقدمتها للحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني أكدوا فيها عدم موافقتهم على إعلان استقلال إقليم كردستان((57)).

    وبالمقابل هناك من يقول: (يبدو أن الولايات المتحدة وأوروبا اتفقتا على إقامة دولة كردية كبرى تمتد من حدود إيران وتضم جزء من تركيا وسوريا إلى كردستان في العراق، ويكون فيها الاستثمار حرًا مثل ولاية كاليفورنيا، مع إعفاءات من الضرائب ووجود جيش أميركي – أوروبي دائم فيها وقواعد عسكرية أميركية, وتقول واشنطن: إن الدولة الكردية ستكون مثالًا للديمقراطية)((58)).

    وهذا التناقض في الموقف من استقلال الكرد برز بشكل كبير في الموقف الأمريكي، ففي منتصف شباط/ فبراير 2016 قال السفير الأميركي الأسبق ببغداد رايان كروكر (إن استقلال إقليم كردستان العراق وامتداد ذلك إلى سوريا سيؤدي إلى موجة عنف جديدة في المنطقة، وإن أي تقسيم للعراق سيؤدي بكارثة للمنطقة)((59)).

    وفي 19 شباط/فبراير 2017، قال محمد حاج محمود، عضو وفد إقليم كردستان في مؤتمر ميونخ للأمن(ناقشنا مسألة استقلال كردستان في ميونخ مع مسؤولي أمريكا وألمانيا والأمم المتحدة، وأن بعض المسؤولين كانوا يؤكدون أن من حق الشعب الكردي إعلان استقلاله، وبعضهم لم يفصحوا عن رأيهم حول المسألة، فيما آخرون يوافقون على استقلال كردستان، منهم، جو ماكين السناتور الأمريكي، الذي كان أكثر منا حماسًا لإعلان الاستقلال"((60)).

    - الموقف الإيراني:

    لا شك أن إيران تقف ضد قيام الدولة الكردية، وهنالك العديد من التصريحات التي تؤكد هذه الحقيقة، ومنها تصريح نائب وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، الذي اعتبر (الحديث عن استقلال كردستان العراق ستكون نتيجته عودة كردستان إلى ما قبل عقود عدة، وإننا لفتنا انتباه مسؤولي كردستان إلى هذا الموضوع بشكل ودّي وأخوي). وكذلك يعمل الإيرانيون سياسيًا على إنشاء كتلة كردية رافضة لاستقلال الإقليم مكوّنة من الحزبين المنافسين لحزب البرزاني، أي من الاتحاد الوطني بزعامة طالباني، والتغيير بزعامة نوشيروان مصطفى((61)).

    - الموقف التركي:

    الموقف التركي الرسمي الرافض لإعلان الدولة الكردية أكده الرئيس رجب أردوغان، نهاية حزيران/يونيو 2015، إذ أعلن:(أن تركيا لن تسمح مطلقًا بإقامة دولة للأكراد في سوريا)((62)).

    وهناك من يرى أن (القيادة التركية تناور في هذه القضية، وقد أعلن الأتراك أنهم لا يمانعون إقامة الدولة الكردية الجديدة، ويبرر بعض المحللين ذلك بأن تركيا اليوم تجمعها بكردستان العراق علاقات اقتصادية وثيقة من خلال أنابيب النفط الجديدة التي تمر عبر تركيا)((63)).

    وقد سبق لوزير الطاقة التركي الإعلان عن مغادرة ثالث ناقلة محملة بنفط إقليم كردستان وتحميل ناقلة رابعة بنفط كردستان، في إشارة إلى أن تركيا لم تعد تعارض استقلال كردستان((64)).

    وعلى الرغم من هذه المواقف فانه كثيرًا ما تتم الإشادة بـ(إقليم كردستان)باعتباره مركزًا للاستقرار في الشرق الأوسط((65)).

    وبهذا يتضح جليًا أن المواقف الدولية والإقليمية الرسمية ليست مع قيام دولة كردية على الأقل في المستقبل القريب، وربما ما زالت بعض الدول الكبرى تستخدم ورقة قيام الدولة الكردية لتحقيق مكاسب سياسية، أو كورقة ضغط ضد بعض دولة المنطقة التي يتواجد فيها الكرد.

    سابعاً: العلاقة بين أربيل وبغداد هل هي شراكة أم انتظار فرصة الاستقلال؟

    منذ مرحلة ما قبل الاحتلال الأمريكي للعراق كانت العلاقة بين الأطراف الفاعلة في ما يسمى بالمعارضة العراقية قائمة على التعاون لتحقيق هدفهم المشترك والمتمثل بإزاحة النظام الحاكم ببغداد والسيطرة على الحكم.

    وقد كانت الساحة الكردية تمثل ملاذًا آمنًا لتلك المعارضة، وآخر الفعاليات المشتركة بينهم تمثلت بانعقاد مؤتمر صلاح الدين للمعارضة بأربيل بحضور أمريكي وإيراني قبيل الاحتلال الأمريكي للعراق بعدة أسابيع.

    وبعد الاحتلال استمرت العلاقة بين حكومة بغداد والكرد على أساس المصالح المشتركة، وقد كان للكرد دور بارز في عراق ما بعد 2003، لكن هذه العلاقة بدأت تظهر على حقيقتها القائمة على المصالح الضيقة، وليس على مصلحة الوطن العراقي الجامع للعرب والكرد وغيرهم.

    والملاحظ أن خطط الزعماء الكرد بعد الاحتلال كانت تسعى (لتحقيق طموحاتهم من خلال الإسهام في قيادة الدولة العراقية، وإحياء الأمل في بناء الدولة الكردية في نطاق الفيدرالية العراقية لتكون اللبنة الأولى في بناء الدولة الكردية المستقلة مستقبلًا. وقد استخدم الكرد وسائل متعددة لتحقيق هذين الهدفين، وأبرزها:

    1. استخدام أسلوب القوة الناعمة في التعامل مع جميع الأطراف وتجنب التصعيد والمواجهات.

    2. ترتيب البيت الداخلي الكردي على جميع المستويات لضمان قدرة الدولة مستقبلًا في التصدي للتهديدات والتحديات والمحن التي تواجهها.

    3. ممارسة الضغوط على الحكومة العراقية لاتخاذ قرارات في مصلحة الكرد.

    4.تمسكهم بفكرة نائب الرئيس الأمريكي (جوزيف بايدن)الخاصة بالتقسيم الناعم للعراق، والقائمة على أساس حقائق التكوين الديمغرافي)((66)).

    وعلى الرغم من بعض صور التعاون القائمة بين بغداد وأربيل في مرحلة ما بعد الاحتلال، لكن العلاقة بينهما لم تتضح حقيقتها، هل هي علاقة شراكة حقيقة قائمة على مصلحة الوطن، أم هي علاقة تعاون مرحلي، أو مؤقت ستنتهي بعد أن تموت، أو تضعف المعوقات المانعة لانفصال الكرد عن بغداد؟

    والواقع أن من يحاول تناول قضية العلاقة بين الفريقين سيجدها متداخلة، فأحيانًا تكون في صور تعاون، وأخرى تكون في صور خلافات جوهرية.

    وهنا سنحاول تناول أهم هذه الصور، ثم نُقرر حقيقة العلاقة الرابطة بين الفريقين، وذلك على النحو الآتي:

    صور الشراكة

    هنالك بعض صور الشراكة بين أربيل وبغداد، وأهمها:

    1. دخول الكرد كطرف فاعل في العملية السياسية، وحصولهم على امتيازات كبيرة-رغم أوضاعهم الخاصة منذ بداية تسعينيات القرن الماضي-، ومن أهمها حصولهم على:

    أ. (62) مقعدًا داخل البرلمان العراقي من مجموع (325) مقعدًا، وثلاثة مقاعد كوتا.

    ب. منصب رئيس الجمهورية، إذ صار من حصة الكرد منذ الاحتلال حتى الآن.

    ج. منصب احد نواب رئيس الوزراء، منذ الاحتلال حتى الآن.

    د. منصب نائب رئيس البرلمان العراقي، منذ الاحتلال حتى الآن.

    هـ. وزارة سيادية.

    و. عشرات المناصب العليا الأخرى في عموم وزارات الدولة المدنية والعسكرية.

    2. شارك الكرد في صياغة دستور عام 2005؛ وحصلوا بموجبه على تأكيد لإقامة حكم ذاتي لهم في شمال البلاد، فبات الإقليم شبه مستقل من حينه((67)).

    3. الكرد شركاء في مجالس المحافظات التي بها أقليات كردية وهي ديالى والموصل وصلاح الدين.

    4. مشاركة قوات البيشمركة في أوقات محددة- وبطلب من حكومة بغداد- في الحفاظ على الأمن في بعض المناطق، ومنها مشاركتهم في حماية منطقة الكرادة الحيوية ببغداد وغيرها.

    أهم نقاط الخلاف الجوهرية بين بغداد وأربيل، أو الشراكة غير النقية

    يمكن تحديد بعض الخلافات الجوهرية بين بغداد وأربيل، أو بعض النماذج مما يسميه بعض السياسيين وشركاء العملية السياسية بالاستغلال، أو (الشراكة غير النقية)، أو الانتظار الكردي لفرصة ملائمة للاستقلال بدءًا من مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وحتى الآن، وذلك على النحو الآتي:

    1. المناطق المتنازع عليها

    يُقصد بمصطلح(المناطق المتنازع عليها): المدن والبلدات والقرى الاستراتيجية ذات الأغلبية الكردية المطلقة التي تشكل حدود إقليم كردستان الغربية والجنوبية والشرقية، والتي تقع بمحاذاة مدن وبلدات عربية((68)).

    بعد عام 2003 لم تظهر الخلافات بصورة واضحة بين الكرد والعرب في بغداد، لكنه في نهاية عام 2007 لوحظ أن العلاقة بين الطرفين بدأ يسودها التوتر، وبالتحديد منذ تأجيل تنفيذ المادة (140) من الدستور العراقي نهاية 2007 والمتعلقة بالمناطق المتنازع عليها، وزادت العلاقة توترًا بعد نقض نوري المالكي اتفاقية أربيل 2010، ثم ازداد التوتر أكثر بعد سيطرة (تنظيم الدولة) على الموصل في يونيو/حزيران 2014 ((69)).

    وفي 22 تموز/يوليو 2008، أقر مجلس النواب العراقي قانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي، الذي يتضمن مادة تتأجل بمقتضاها انتخابات مدينة كركوك – وهي من أهم المناطق المتنازع عليها- إلى أجل غير مسمى بموافقة (127) نائبًا من أصل (140) حضروا الجلسة((70)).

    وبعد سيطرة (تنظيم الدولة) على الموصل، ثم قيامه بعدها بعمليات كبيرة في مناطق قريبة من بغداد، وجدت الحكومة نفسها في موقف صعب؛ لذلك (عززت وجود القوات الأمنية في مداخل العاصمة؛ وكانت نتيجة التخبّط الحكومي وانسحاب الجيش من المدن صوب بغداد، استغلال الإقليم الكردي الفراغ في كركوك وقيامهم بالسيطرة عليها بعدما أدخلوا قوات البيشمركة الكردية إلى أحياءها بحجة الخوف من توغل المنظمات الإسلامية فيها)((71)).

    وقبل معركة الموصل التي تدور روحاها اليوم لاحظنا أن الكرد رفضوا المشاركة في المعركة إلا بعد ترتيب مرحلة ما بعد الموصل؛ ولهذا عُقد اجتماع مهم ضم كلًا من مسعود البرزاني، وبريت ماكغورك المتحدث باسم الرئيس أوباما، ومستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض وعلى إثره شاركت البيشمركة في معارك شرق الموصل((72)).

    وفي 27 حزيران/يونيو 2014 أكد مسعود البرزاني (أن سيطرة الكرد على كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها مع بغداد أمر نهائي بعدما اعتبر أن المادة (140) من الدستور الخاصة بهذه المناطق لم يعد لها وجود)((73)).

    وفي آب/أغسطس 2016، قال البرزاني (لقد صبرنا عشر سنوات مع الحكومة الاتحادية لحل مشاكل هذه المناطق وفق المادة (140)، ولكن دون جدوى، لا سبيل أمام كردستان غير الاستقلال)((74) ).

    وبعد معركة الموصل بعدة أسابيع بدأت عمليات تهجير ومضايقات محدودة للعوائل العربية في كركوك. ويقول الكرد (إنهم يعملون ببساطة لإصلاح أخطاء تاريخية ارتكبها قادة العراق المتعاقبون وخاصة صدام حسين. فقد أدت سياسة (التعريب) التي انتهجها في الشمال إلى إزالة قرى كردية ونزوح مئات الآلاف. غير أن آخرين في الحكومة العراقية قالوا إن: الكرد يتسببون في مظالم جديدة ويهيئون الوضع لصراعات مستقبلية، فيما يرى الكرد أن: تدعيم أراضيهم خطوة مهمة على الطريق صوب وضع الدولة المستقلة التي يسعون لإقامتها)((75)).

    وفي خطوة جديدة قرر مجلس محافظة كركوك نهاية آذار/ مارس 2017 رفع علم إقليم كردستان إلى جانب علم العراق على المباني الحكومية وسط مقاطعة العرب والتركمان، وقد لاقت هذه الخطوة غير المدروسة بعناية ردود فعل كبيرة داخل العراق، وكذلك في بعض دول الإقليم ومنها تركيا وايران((76)).

    وفي نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2016، اتهم النائب عن محافظة نينوى عبد الرحمن اللويزي إقليم كردستان(باستغلال انشغال الحكومة بتحرير الموصل لتحقيق مطامع توسعية, وأن تصريح نيجيرفان البرزاني بشأن استقلال إقليم كردستان بعد تحرير الموصل يُعد إجراءًا تمهيديًا لضم (16) وحدة إدارية في الموصل للإقليم، مثل ربيعة وغيرها بذريعة محاربة "داعش")((77)).

    والحلّ الدستوري للأراضي المتنازع عليها بين بغداد وأربيل يكون بالرجوع للدستور،  وبالتحديد للمادة (140) التي(تحيل إلى المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، والتي تنص على مجموعة خطوات تمهّد لاستفتاء سكان الإقليم على مصيرهم. وكان ينبغي أن تطبّق هذه المادة عام 2007، ولكن الخلافات بين أطراف النزاع حالت دون ذلك، واليوم يرى الكرد أن المادة (140) أنجزت، بعد سيطرتهم عليها، ولم يبق سوى أن يقرر سكان هذه المناطق مصيرهم، كما مرّ آنفًا، وهذه الرؤية تعقد القضية أكثر، ولا يمكن اعتبارها أسلوبًا سياسيًا لإنهاء هذه القضية الخطيرة.

    2. عقدة الموازنة المالية

    على الرغم من أن الكثيرين ينظرون لإقليم كردستان على أنه (دولة) داخل الدولة العراقية، إلا أن الإقليم يحصل على حصة مهمة من ميزانية العراق، إذ كانت حصته 13% منذ مرحلة ما بعد الاحتلال. وفي عام 2008، تغيرت حصة الإقليم من الموازنة من 13% إلى 17%؛ لأن برلمان المنتخب سنة 2006 ادخل نسبة 17% للإقليم في موازنة 2008 بناءًا على السلة البرلمانية والتصويت الواحد على ثلاثة قوانين بنعم واحدة، وهي قانون المحافظات، الذي كانت تطالب به كتلة من كتل المكون الشيعي، وقانون العفو العام، الذي كانت تطالب به كتل المكون السني، وقانون الموازنة بنسبة 17%، الذي كانت تطالب به كتله التحالف الكردستاني. وهذه النسبة - كما ذكر أكثر من نائب وخبير قانوني، ومنهم الخبير طارق حرب- لا تتفق ومعيار حصة الإقليم القائمة على عدد المقاعد البرلمانية، وعند اعتماد هذه المعادلة نلاحظ أن حصة الإقليم من الموازنة السنوية ستكون أقل بكثير من نسبة 17%، التي منحت للإقليم منذ موازنة 2008، وأن العدد يتقيد، والحصة تتحدد بعدد النواب الذين يمثلون الإقليم في محافظاتهم فقط، ولا يضاف إلى ذلك عدد النواب الذين ينتسبون إلى التحالف الكردستاني في المحافظات الأخرى كمحافظة نينوى وكركوك وديالى؛ وذلك لأن سكان المحافظات الكردستانيين في هذه المحافظات يكون استحقاقهم من موازنة هذه المحافظات، وليس من موازنة محافظات الإقليم((78)).

    وفي نهاية عام 2016، دعا رئيس كتلة الدعوة النيابية خلف عبد الصمد إلى تخفيض حصة الإقليم من الموازنة العامة الاتحادية للعام 2017م((79))، والبالغة ما يقارب (95) مليار دولار بسعر احتساب النفط لـ(40) دولارًا، بحسب ما كشف المستشار المالي لرئيس الوزراء حيدر العبادي((80)). وبلغت حصة إقليم كردستان في موازنة عام 2017،(17%، على أن تكون مستحقات الشركات النفطية في الإقليم من ضمنها)((81)).

    وعلى الرغم من إقرار الموازنة بحضور النواب الكرد فإن حكومة الإقليم أعلنت في كانون الأول/ديسمبر 2016 عن رفضها لقانون الموازنة الذي صادق عليه مجلس النواب، وأكدت بأن:(ما جاء ضمن الفقرات المتعلقة بإقليم كردستان من قانون الموازنة العامة لسنة 2017، مؤامرة سياسية خطيرة ضد الإقليم، وفي أفضل الأحوال سيصل مبلغ (496) مليار دينار إلى الإقليم من الحكومة العراقية، في الوقت الذي تصل نفقات الإقليم إلى ترليون، و(352) مليار دينار شهريًا، وأن إجراء محاسبة ومقارنة بسيطة بين الأرقام كاف لنعلم بأن القانون قد أعد ضد كردستان ولا يستند إلى أي أسس صحيحة، ولا تصل الحصة المخصصة للإقليم بأي شكل من الأشكال إلى ما يحققه الإقليم عبر بيع نفطه وإيراداته المحلية الأخرى، أما القول بأن التزام حكومة الإقليم بالقانون، وتسليم نفطه لبغداد، سيؤدي إلى قيام الحكومة الاتحادية العراقية بدفع رواتب موظفيه، فذلك كذب)((82)).

    وأرى أن الخروج من هذه العقدة، والمرتبطة بنسبة كل محافظة من محافظات العراق،– بما فيها محافظات الإقليم- يتطلب إجراء تعداد سكاني؛ لأن النسب اليوم غير دقيقة بسبب عدم وجود إحصاء سكاني منذ عام  1997 يحدد حصة كل محافظة وفقًا لعدد السكان، وكذلك اللجوء إلى المحكمة الاتحادية، حيث أشارت المادة (93):(تختص المحكمة الاتحادية العليا بما يأتي: ثانيًا:ـ تفسير نصوص الدستور. رابعًا:ـ الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية، وحكومات الأقاليم)((83)).

    3. بيع الإقليم للنفط دون موافقة بغداد

    ما يزال الإقليم- شأنه شأن بقية أجزاء العراق- يعتمد في إيراداته على الصادرات النفطية بشكل شبه كامل. وتذهب التقديرات إلى أن الإقليم يصدر يوميًا (600) إلى (700) ألف برميل عبر ميناء جيهان التركي، والحكومة العراقية تعتبر مبيعات الإقليم من النفط غير شرعية كونها لا تتم تحت إشرافها((84)).

    واحتجاجًا على سياسة أربيل النفطية الجديدة غير المرتبطة بالحكومة المركزية، توقفت بغداد عن تقديم حصة الميزانية المخصصة لأربيل، مما خلق أزمة مالية في القطاع العام التابع لحكومة الإقليم خلال العامين 2015 و2016م((85)).

    وكان وزير الثروات لإقليم كردستان آشتي هورامي قد أكد أن (عائدات بيع النفط من الإقليم بشكل مباشر ودون العودة لبغداد تعادل ثلاثة أضعاف ما خصصه قانون الموازنة العراقي للإقليم من حصة مالية، وأن استمرار الإقليم ببيع نفطه بشكل مستقل أفضل من الالتزام بقانون الموازنة)((86)).

    وأعتقد أن الحل الأمثل لهذه القضية يكون بالعودة للدستور العراقي، الذي أكد بحسب المادة (111): (النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات)((87))، وأيضًا اللجوء إلى المحكمة الاتحادية، كما مرّ آنفًا في الفقرة السابقة((88)).

    4. موازنة البيشمركة

    تُعد قضية رواتب قوات البيشمركة الكردية واحدة من المشاكل المتجددة بين بغداد وأربيل، إلا أنها في موازنة 2017 كانت حاضرة وبقوة، وذلك بعد مشاركة قوات البيشمركة في معارك الموصل المستمرة الآن.

    وفي بداية كانون الأول/ديسمبر 2016، هدد الكرد بعدم استمرارهم في معركة الموصل إن لم يتم حسم ملف رواتب البيشمركة، وأكد مستشار مجلس أمن الإقليم مسرور البرزاني، أن(دور قوات البيشمركة في معركة استعادة الموصل مهم جدًا، وأن أفراد البيشمركة إذا لم يتم دفع رواتبهم فاعتقد أن هذا سيؤدي إلى عدم تأدية والواجبات المناطة بهم بالشكل المطلوب) ((89)).

    وكان رئيس كتلة الدعوة النيابية علي الأديب أكد أن (حرس الإقليم ووفق الدستور لا يأتمر بأمرة القائد العام للقوات المسلحة، بل بأمرة القائد المحلي لرئاسة الإقليم؛ لذلك لا يمكنهم الحصول على مخصصات وزارة الدفاع الاتحادية لأن نسبة الكرد الـ 17 % من الموازنة تندرج ضمنها رواتب البيشمركة)((90)).

    وفي نهاية 2016، صوت مجلس النواب على المادة (٩) – تعديل فقرة خامسًا والمتعلقة بتخصيص نسبة من تخصيصات وزارة الدفاع إلى البيشمركة باعتبارها جزء من المنظومة العراقية بما يضمن رواتب البيشمركة وبالتنسيق بين القيادة العامة للقوات المسلحة وقيادة البيشمركة)((91)).

    وعلى الرغم من أن هذه المنظومة لا تأخذ أوامرها من حكومة بغداد، لكن أرى أن الحل يكون بالرجوع إلى المادتين (111)، و(93) من الدستور العراقي لإنهاء هذه الإشكالية بين الفريقين، وبحسب ما تقدم آنفًا.

    5. واردات المنافذ الحدودية

    تُعد المنافذ الحدودية من الموارد المهمة للميزانية في العراق، وهنالك في إقليم كردستان العديد من المنافذ المهمة التي تربط العراق بإيران وتركيا، ومنها معابر باشماخ، وإبراهيم الخليل، وحاج اومران، وبرويزخان، التي لا تعود وارداتها لخزينة الحكومة المركزية ببغداد.

    وحسب إحصاءات رسمية فان (المنافذ الحدودية البرية التي تربط إقليم كردستان بتركيا وإيران تؤمن نحو (100) مليون دولار شهريًا لحكومة الإقليم)((92)).

    وفي نهاية عام 2016، قال النائب عن دولة القانون، عباس البياتي إن (الموازنة ووفق الدستور تعتمد على الموارد النفطية والمنافذ الحدودية ضمن الحسابات الختامية، وإن كردستان لم تعط الحكومة الاتحادية أي شيء من واردات المنافذ الحدودية)((93)).

    وأظن أن الحل لهذه المسألة بين الفريقين يكون بالرجوع إلى المادتين (111)، و(93) من الدستور العراقي، وبحسب ما تقدم آنفًا.

    6. المطالبة بتعويضات عن النظام السابق

    الخلافات بين بغداد وأربيل لم تتوقف عند المرحلة الحالية، بل تعدت ذلك إلى مرحلة ما قبل الاحتلال الأمريكي للعراق. وفي نهاية عام 2013 طالبت حكومة الإقليم الحكومة الاتحادية ببغداد بدفع أكثر من (384) مليار دولار كتعويضات للخسائر التي لحقت بالإقليم نتيجة سياسات النظام السابق. وقال وزير شؤون الشهداء و المؤنفلين في حكومة الإقليم آرام أحمد إن(السياسات التي مارسها النظام المباد خلال السنين الماضية خلفت خسائر بشرية ومادية كبيرة، ناهيك عن الأضرار النفسية والبيئية التي لحقت بالشعب الكردي؛ وكون الحكومة الاتحادية الحالية وريثة النظام السابق فعليها تعويض هذه الأضرار)((94)).

    وفي المقابل انتقد سامي العسكري النائب عن ائتلاف رئيس الوزراء – حينها- نوري المالكي مطالبة الإقليم بدفع التعويضات للخسائر قائلًا: إن (الدولة العراقية غير مسؤولة عن ممارسات صدام، ونعتقد أن هذا الطرح يأتي متزامنًا مع الموازنة المالية، وأصبحت هذه المطالب ذات السقوف العالية من اجل تحصيل أشياء أخرى مثل موازنة قوات البيشمركة، والإبقاء على نسبة 17% من الموازنة كحصة الإقليم)(()).

    وأتصور أن هذه القضية ليست منطقية ولا قانونية لأن حكومة بغداد التي جاءت بعد 2003، كانت جزءًا من المنظومة المعارضة لحكومة العراق قبل 2003، فكيف تطالبها حكومة الإقليم بتعويضات عن مرحلة ما قبل الاحتلال، وفي كل الأحوال يمكن اللجوء للمحكمة الاتحادية المختصة بالفصل في الخلافات بين الحكومة المركزية والأقاليم، بحسب المادة (93) من الدستور العراقي المذكورة آنفًا.

    ومن خلال ما مرّ استعراضه من تصريحات المسؤولين لكلا الطرفين يتضح لنا أن غالبية شركاء العملية السياسية ينظرون للمواقف الكردية على أنها استغلال لظروف غير صحية يمر بها العراق، وهذا مؤشر خطير، ويؤكد فرضية أن العلاقات بين الفريقين غير دائمة، وإنما هي مرحلية تنتهي بانتهاء الظروف المانعة لاستقلال الكرد، أو إعلان دولتهم.

    ثامناً: مستقبل العراق في ضوء العلاقات العربية الكردية

    في ضوء ما تقدم نلاحظ أن الكرد مقتنعون بضرورة الاستقلال لكن يبدو أن الظروف الداخلية والخارجية لم توفر لهم الأرضية  الصالحة لهذا الإعلان.

    إذن - وفي ظل اقتناع الكرد بعدم وجود أرضية صالحة لإعلان دولتهم- فان ذلك يدفعهم للتعايش المرحلي، أو المؤقت مع الحكومة المركزية في بغداد.

    وفي كل الأحوال فإنه (إذا لم تبق الثقة المتبادلة بين بغداد والكرد فإن الشعب الكردي يصل إلى قناعة باستحالة العيش وحينذاك لا مفر من إعلان الاستقلال، لكن الشعب الكردي اختار العيش مع العراق الديمقراطي التعددي الفدرالي الموحد، بشرط أن يتمتع الشعب الكردي بحقوقه العادلة، وبدون هذه الحقوق لن تبقى وسيلة إلا أن يتركوا العراق العربي، ليؤسسوا دولة مستقلة على أرض وطنهم إقليم كردستان)((96)).

    ورغم بقاء حالة التعايش (المرحلي) بين الفريقين إلا أننا نلاحظ أن الكرد حققوا الكثير من الخطوات المشجعة لانفصالهم، ومن أبرزها:

    1. بناء مؤسسات الدولة المستقلة المتمثلة في حكومة الإقليم ووزارته وبرلمانه المنتخب ودستوره وجيشه المكون من "البيشمركة".

    2. سعي الكرد لتحديد حدود إقليمهم متضمنة كركوك بوصفها الركيزة الاقتصادية لمتطلبات الدولة مستقبلًا.

    3. إصدار دستور لإقليم كردستان وإقراره في حزيران 2009، الذي يحتوي على الأسس والركائز التي تحقق أمل الكرد في إقامة دولتهم المستقلة.

    4. محاولة الكرد الوصول بإقليمهم إلى مستوى مشابه لاستقلال الدولة العراقية نفسها بهدف تحقيق انفصالهم، فمثلًا إن الشأن الكردي غير مسموح مناقشته في البرلمان العراقي خاصة الدستور الكردي، ولا يحق للحكومة المركزية إصدار قرارات بشأن الإقليم ولا تصديق قرارات الحكومة الكردية.

    5.  تأسيس دائرة للعلاقات الخارجية خاصة بإقليم كردستان، وقد تم فتح أكثر من (14) ممثلية للإقليم في دول العالم المختلفة، وأكثر من(14) ممثلية لدول أجنبية في الإقليم، ومكاتب دائمة وممثلين لبعض المنظمات الدولية.

    6. إبرام كثير من الاتفاقات الدولية التجارية والنفطية، وتبادل الزيارات الخارجية مع عدد كبير من الدول، والمشاركة في المؤتمرات والمنتديات الدولية واستضافتها((97)).

    المشكلة في العراق اليوم هي:(أن بعض دعاة الفدرالية لا يريدون إقامة حكومة فيدرالية، كما هو حال الحكومات الفدرالية الموجودة في العالم، وإنما إقامة حكومة اتحادية خاضعة لحكومات الأقاليم ومشلولة الإرادة تجاههم، وهذا خطأ جسيم من جانبين:

    - الأول: مخالفتها للأصول الدستورية المتعارف عليها في الدول الفدرالية.

    - الثاني: البيئة الإقليمية للعراق تقتضي وجود حكومة قوية تتخذ إجراءات حازمة في حماية الأمن والوحدة الوطنيين، ومن بينها حقها في دخول أي من الأقاليم المكونة للاتحاد بالقوة عند الضرورة، دون أن يكون في ذلك مخالفة للأصول الدستورية المتعارف عليها في الدول الفدرالية)((98)).

    أخيرًا فالعراق بلد التنوع والتعدد والثقافات المختلفة. ورغم جميع المحاولات لبناء شراكة سياسية دائمة إلا أنها لم تتعد حيز الشعارات والإعلام بسبب عدم الجدية في المحاولة، ورجحان مفهوم المحاصصة الحزبية بصبغة طائفية على جميع المفاهيم، والذي أدى إلى عدم وجود شراكة سياسية حقيقية في العراق((99)). وفي كل الأحوال فإن القيادة الكردية تسعى للانفصال بعد توفر الظروف الموضوعية لذلك، وانتهاء الخلافات الكردية - الكردية، وكل هذه العقبات لا يمكن أن تذوب بسهولة((100)).

    ويتضح من مجمل ما تقدم أن البلاد مهددة بالتقسيم سواء بوجود تطلعات المكون الكردي بالانفصال، أو نتيجة طبيعة الأحزاب والقيادات الحاكمة التي أسهمت بشكل مباشر في تقسيم بنية المجتمع، ونهب الثروات، وتأجيج الصراع وإصدارها التشريعات التي تخدم مصالحها الضيقة((101)).

    وهكذا نلاحظ استمرار حالة الغموض في العلاقة بين بغداد وأربيل، حيث لا يمكننا الجزم بوجود شراكة حقيقية بينهما، وذلك بسبب جدية الطرف الكردي في الانفصال، وعدم نجاح الحكومات المركزية ببغداد باستيعاب الحالة الكردية الخاصة داخل إطار الدولة العراقية، ذات الأغلبية العربية.

    وبناءًا على ذلك أظن أن العلاقة بين العرب والكرد ستبقى في حالة مد وجزر إلى أن تتوفر الظروف الموضوعية لتحقيق الحلم الكردي بإعلان دولتهم القومية.

    خاتمة:

    من خلال القراءة التاريخية للعلاقات بين الحكومات التي تناوبت على حكم العراق والكرد، ومن خلال ما مرّ استعراضه من توجهات سياسية وتصريحات المسؤولين من جميع الأطراف السياسية في العراق بعد احتلاله من قبل أمريكا يمكننا أن نلخص ما توصلنا إليه من نتائج بما يلي:-

    1. نشأت عند الكرد في أوائل القرن العشرين الميلادي فكرة القومية الكردية؛ وتسمية شمال العراق بكردستان العراق ترجع إلى القرن السابع عشر، ويقدر عدد سكان إقليم كردستان العراق بأكثر من (5.2) مليون نسمة في محافظات الإقليم الأربع أربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة.

    2. أول دولة كردية تأسست هي جمهورية مهاباد في إيران عام ١٩٤٦ إلا أنها سقطت سريعًا.

    3. سياسيًا، الكرد في العراق منقسمون إلى حزبين سياسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني، والحزب الوطني الكردستاني، واليوم أضيف لهما حركة التغيير.

    4. شهدت العلاقات العربية (العراقية)– الكردية تطورات كبيرة منذ بدايات القرن الماضي، وبقيت علاقات الطرفين قائمة على الاقتتال منذ عام 1932 إلى تسعينيات القرن الماضي، ثم بعدها شارك الكرد في الحملة الأمريكية لاحتلال العراق عام 2003.

    5. بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 لم يتوقف الساسة الكرد عن دعواتهم بالدولة الكردية.

    6. حصل الكرد في العراق على امتيازات كبيرة داخل العملية السياسية بعد عام 2003، ومنها حصولهم على (62) مقعدًا داخل البرلمان العراقي، وعلى مناصب مهمة منها: منصب رئيس الجمهورية، ونائب رئيس الوزراء، ونائب رئيس البرلمان، ووزارة سيادية واحدة، وعشرات المناصب العليا الأخرى في عموم وزارات الدولة.

    7. شارك الكرد في دستور عام 2005 وحصلوا بموجبه على تأكيد لإقامة حكم ذاتي.

    8. الكرد شركاء في مجالس المحافظات التي بها أقليات كردية وهي ديالى والموصل وصلاح الدين.

    9. وجود كثير من المشاكل الآن بين بغداد وأربيل منها: المناطق المتنازع عليها وحصتهم من الموازنة المالية، وبيع النفط دون موافقة بغداد، وموازنة البيشمركة، وواردات المنافذ الحدودية، ومطالبة الكرد بتعويضات عن مرحلة النظام السابق.

    10. الحل لجميع المسائل العالقة بين بغداد وأربيل يكون بالرجوع إلى المادتين (111) و(93)من الدستور العراقي.

    11. الكرد مقتنعون بصعوبة إعلان دولتهم في العراق لممانعة اغلب دول الجوار العراقي إن لم يكن جميعها، إضافة إلى  المشاكل الكردية – الكردية، وكذلك لوجود مشاكل اقتصادية وغيرها.

    12. يتضح مما سبق أنه لا يمكن القول: إن العلاقة بين بغداد وأربيل هي علاقة دائمة، وإنما هي علاقة مرحلية، ستنتهي بمجرد توفّر الظروف الموضوعية لإعلان الدولة الكردية.

    - المقترحات:

    من خلال ما مرّ تناوله في بحثنا هذا بدت لنا بعض الاقتراحات التي نرى ضرورة تطبيقها؛ من أجل الوصول إلى نتائج أكثر دقة وموضوعية، وهي:

    1. إجراء ورشة عمل لكل جزئية من جزئيات المشاكل بين الكرد والحكومة العراقية، ومنها على سبيل المثال: الموازنة، والمنافذ الحدودية، وهكذا.

    2. ورشة عمل تدرس قضية مفهوم الفيدرالية، هل هو دولة مستقلة تمامًا داخل الدولة الأم، أم هي جزء منها؟

    3. ضرورة توجيه دعوات رسمية للأطراف في حكومتي بغداد وأربيل للمشاركة في أي حوارات تتعلق بالطرفين وذلك لحساسيتها، وضرورة الاستماع لرأي للأطراف ذات العلاقة لبيان وجهات نظرهم ((102)).

    -----------------------

    الهامش

    (1) لقد أثبتت الدراسات والبحوث الانثرلوبولجية والأثنولوجية بالأدلة القاطعة أن الكرد من أصل آري). أنظر: تاج الدين، أحمد، الأكراد تاريخ شعب وقضية وطن، (القاهرة، الدار الثقافية للنشر، ط1، 2001)، ص: 15. والآريون (Aryans ): (تسمية أطلقت في القرن التاسع عشر على مجموعة من الشعوب الناطقة باللغات الهندية - الأوربية, لوجود قرابة بين تلك اللغات. ومصطلح «آري» Aryan يستخدم للدلالة خاصة على الفرع الشرقي, أي الهندي - الإِيراني من أسرة اللغات الهندية - الأوربية, وهو مصطلح لغوي, ولا يتضمن بالضرورة خصائص إِثنية أو عرقية أو ثقافية أو قومية محددة).أنظر: الآريون الموسوعة العربية، الرابط

    (2) الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، نقلا عن: موسوعة سفير للتاريخ الإسلامي، 12/12.

    (3) أياد محمود حسين، تاريخ الكرد ومستقبلهم، الحلقة الأولى - الرابط

    (4) الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، مصدر سابق، 12/12.

    (5) أنظر: محمود رزوق أحمد، الحركة الكردية في العراق، دور البرزانيين في طريق الحكم الذاتي، 1918-1968، (الأردن، عمان، دار المعتز، ط1، 2014)، ص: 20، أنظر كذلك: الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، مصدر سابق، 12/12.

    (6) أياد محمود حسين، تاريخ الكرد ومستقبلهم، الحلقة الأولى، مجلة تحولات، مصدر سابق.

    (7) في (31 كانون الأول 2013)، وافق مجلس الوزراء العراقي على طلب حكومة الإقليم بجعل قضاء حلبجة محافظة جديدة في الإقليم والعراق. أنظر: وكالة باسنيوز، الرابط

    (8) الموقع الرسمي لحكومة إقليم كردستان، الرابط

    (9) أنظر: البي بي سي، من هم الكرد، الرابط

    (10) مسعود عبد الخالق، الحركات الإسلامية في كردستان، مجموعة باحثين، مركز المسبار للدراسات والبحوث،(الإمارات العربية المتحدة، ط2، شباط 2011)، ص: 47، / أنظر أيضًا: شخصيات كردية، الجزيرة نت.

    (11) شبكة رووداو الإعلامية، الرابط

    (12) جالياند، جيرارد، شعب بدون وطن، الكرد وكردستان، ترجمة: عبد السلام النقشبندي، (العراق، أربيل، إقليم كردستان، دار اراس، ط1، 2012)، ص: 287.

    (13) هادي حسن عليوي، الدولة الكردية، وتقسيم العراق، كتابات.

    (14)نيكيتين، باسيلي، الكرد: دراسة سوسيولوجية وتاريخية، ترجمة: نوري طالباني، مكتب الفكر والتوعية، الاتحاد الوطني الكردستاني،(العراق، السليمانية، ط3، 2007)، ص: 336.

    (15) أياد محمود حسين، تاريخ الكرد ومستقبلهم، الحلقة الثانية، المصدر السابق.

    (16) البي بي سي، من هم الكرد؟، مصدر سابق.

    (17) شخصيات كردية، الجزيرة نت، مصدر سابق.

    (18) أنظر: البي بي سي، من هم الكرد؟، مصدر سابق.

    (19) المصدر سابق.

    (20) لقاء مكي، الدولة الكردية هل من فرصة، الجزيرة نت

    (21) جوردي تيجيل، كيف تبدّدت فرصة إنشاء الدولة الكرديّة في 1920؟ صحيفة الحياة اللندنية نقلًا عن«ليستوار» الفرنسية، وتيجيل أستاذ – باحث في كلية التاريخ الدولي في معهد الدراسات العليا الدولية والتنموية في جنيف.

    (22) فرزند شيركو، معهد واشنطن، هل سيؤدي الاستفتاء إلى قيام دولة كردية مستقلة؟

    (23) أنظر: موقع الحزب الديمقراطي الكردستاني.

    (24) البي بي سي، من هم الكرد، مصدر سابق.

    (25) موقع الحزب الديمقراطي الكردستاني، مصدر سابق.

    (26) أنظر: أياد محمود حسين، تاريخ الكرد ومستقبلهم - الحلقة الثانية، مصدر سابق.

    (27) عبد العظيم محمود حنفي، سيناريوهات ثلاث.. الموقف التركي من دولة الكرد، معهد العربية للدراسات.

    (28) الجزيرة نت، كردستان العراق. هل تقرير المصير ممكن؟

    (29) أنظر: شخصيات كردية، الجزيرة نت، مصدر سابق.

    (30) كردستان 24

    (31) فضائية الشرقية العراقية، لا ثقة بين الكرد وبغداد، الرابط

    (32) أنظر: عبد الغني علي يحيى، هل إن الأوان لإعلان استقلال كردستان؟ ميدل ايست أونلاين، http: //www.middle-east-online.com/?id=174588

    (33) أنظر: هادي حسن عليوي، الدولة الكردية.. وتقسيم العراق، كتابات، مصدر سابق.

    (34) أنظر: موسوعة المقاتل، الكرد في ظل حكم البعث العراقي، الرابط

    (35) أنظر: هادي حسن عليوي، الدولة الكردية.. وتقسيم العراق، كتابات، مصدر سابق.

    (37) أنظر: موسوعة المقاتل، الكرد في ظل حكم البعث العراقي، مصدر سابق.

    (37) أنظر: هادي حسن عليوي، الدولة الكردية.. وتقسيم العراق، كتابات، مصدر سابق.

    (38) وهذا الحديث منقول من مذكرات مكرم الطالباني، والطالباني عمل كوسيط بين حكومة بغداد والكرد لإنهاء الخلافات قبل الاحتلال، كما ذكر جريدة آوينة، العدد: (145).

    (39) أنظر: مكرم طالباني يروي أسرار وساطته بين صدام والطالباني والبارازاني.جريدة آوينة، موقع الحقيقة في العراق، الرابط. وهذا الحديث منقول من مذكرات مكرم الطالباني، والطالباني عمل كوسيط بين حكومة بغداد والكرد لإنهاء الخلافات قبل الاحتلال، كما ذكر جريدة آوينة، العدد: (145).

    (40) صحيفة الصباح الجديد العراقية، بارزاني: آن الأوان لكي يحدد الكرد هويتهم، الرابط

    (41)  صوت كردستان، دولة القانون : لو كان الأمر بيدنا لأعلنا انفصال العراق من إقليم كردستان، الرابط

    (42) يكيتي ميديا/ المركز الإعلامي لحزب يكيتي بسوريا

    (43) شبكة رووداو، وفد من إقليم كردستان يزور بغداد حاملًا معه ملف الاستقلال، الرابط

    (44) أنظر: خورشيد دلي، الجزيرة نت، الدولة الكردية من وحي الربيع العربي.

    (45) أحمد الزاويتي، استقلال كردستان.. إصرار البارزاني وعدم اتفاق كردي، الجزيرة نت

    (46) يريفان سعيد، من المسؤول عن غياب الدولة الكردية بعد سايكس بيكو؟ معهد واشنطن، الرابط

    (47) أنظر: لقاء مكي، الدولة الكردية، هل من فرصة، الجزيرة نت، مصدر سابق.

    (48) جريدة الديار اللبنانية، أهم دولة ستكون الدولة الكردية.

    (49) أنظر: «الدولة الكردية» بين قبول تركي وحماس إسرائيلي، صحيفة القدس العربي، الرابط

    (50) دوف فريدمان، الوقت ليس ملائمًا لنشهد تأسيس كردستان المستقلة، فورن بوليسي، ترجمة وتحرير نون بوست الرابط

    (51) فرزند شيركو، هل سيؤدي الاستفتاء إلى قيام دولة كردية مستقلة؟ معهد واشنطن، مصدر سابق.

    (52) لقاء مكي، الدولة الكردية هل من فرصة، الجزيرة نت، مصدر سابق.

    (53) قناة السومرية، البارزاني: استقلال كردستان لن يتم دون الاتفاق مع بغداد.

    (54) موقع حكومة إقليم كردستان، التاريخ الكردي وكردستان، الرابط

    (55) أنظر: سونر چاغاپتاي، جينز إسلاميك آفيرز آناليست، (الربيع العربي) يُشعل القضية الكردية، معهد واشنطن.

    (56)حسن عباس، الحلم المستحيل، رصيف 22/ استقلال كردستان، الرابط

    (57) أنظر: موقع كتابات،  نجل بارزاني: من الآن وصاعدا نحن لسنا مواطنين عراقيين، الرابط

    (58) أنظر: صحيفة الديار اللبنانية، أهم دولة ستكون الدولة الكردية، مصدر سابق.

    (59) شبكة أخبار العراق، استقلال كردستان سيؤدي إلى موجة عنف جديدة في المنطقة الرابط

    (61) وكالة رووداو الكردية، محمد حاج محمود: وفد مجلس الشيوخ الأمريكي كان أكثر منا حماسًا لإعلان استقلال كردستان ،الرابط

    ()حسن عباس، رصيف 22/ استقلال كردستان، الحلم المستحيل، مصدر سابق.

    (62) صحيفة العرب القطرية، أردوغان: لن نسمح أبدًا بدولة كردية في سوريا، الرابط

    (63) عبد العظيم محمود حنفي، سيناريوهات ثلاث.. الموقف التركي من دولة الكرد، العربية نت ، معهد العربية للدراسات، مصدر سابق.

    (64) أنظر: رندة تقي الدين، هل أصبح إعلان الدولة الكردية وشيكًا؟ المركز العربي للبحوث والدراسات، الرابط

    (65) يريفان سعيد مستقبل «إقليم كردستان» ما بين الوحدة و(البلقنة)، معهد واشنطن، الرابط

    (66) ابتسام العامري، الكرد واستراتيجية بناء الدولة في العراق بعد الاحتلال، مركز العراق للدراسات، جامعة بغداد/ مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. الرابط

    (67) أنظر: مجلة المسيرة في 30 حزيران 2014 (العدد رقم: 1463).

    (68) كفاح محمود كريم، المناطق المتنازع عليها في العراق، شبكة رووداو الإعلامية، الرابط

    (69) أنظر: رصيف 22، استقلال كردستان، الحلم المستحيل، حسن عباس، مصدر سابق.

    (70) أنظر: راديو سوا، البرلمان يقر قانون انتخابات مجالس المحافظات، الرابط

    (71) أنظر: مجلة المسيرة، (العدد رقم: 1463)، مصدر سابق.

    (72) قناة روسيا اليوم، ما سر الخلاف بين بغداد وأربيل؟ الرابط

    (73) صحيفة القدس العربي، البرزاني يؤكد أن سيطرة الكرد على كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها أمر نهائي ، الرابط

    (74) أحمد الزاويتي، الجزيرة نت، مصدر سابق.

    (75) ايزابيل كولز وستيفن كالين، رويترز، في الحرب على الدولة الإسلامية.. الكرد يوسعون نطاق سيطرتهم، وكالة رويترز، الرابط

    (76) صحيفة رأي اليوم، أكراد كركوك يرفعون علم كردستنا على المباني الرسمية، الرابط

    (77) وكالة كنوز ميديا، نائب يتهم كردستان باستغلال انشغال الحكومة بمعركة الموصل لتحقيق (مطامع توسعية ( ، الرابط

    (78) أنظر: طارق حرب، مقاعد الإقليم تحدد حصته في الموازنة، جريدة الزمان، الرابط

    (79) وكالة دواڕۆژ الكردية، كتلة نيابية تدعو لتخفيض نسبة كردستان من الموازنة، الرابط

    (80) مؤيد الكناني، صحيفة المدى العراقية، العدد(3766) الرابط

    (81) وكالة الفرات نيوز، نائبة كردية: تخصيصات الإقليم في موازنة 2017 حبر على ورق، الرابط

    (82) صحيفة العربي الجديد، إقليم كردستان: قانون الموازنة العراقي (مؤامرة)، الرابط

    (83) نص الدستور العراقي، الموقع الرسمي لرئاسة الوزراء العراقية، الرابط

    (84) وكالة DW ، كردستان العراق - من الازدهار إلى حافة الإفلاس!، الرابط

    (85) فرزند شيركو، هل سيؤدي الاستفتاء إلى قيام دولة كردية مستقلة؟ معهد واشنطن، مصدر سابق.

    (86) صحيفة العربي الجديد، إقليم كردستان: قانون الموازنة العراقي (مؤامرة ( ، مصدر سابق.

    (87) نص الدستور العراقي، الموقع الرسمي لرئاسة الوزراء العراقية، مصدر سابق.

    (88) المصدر السابق.

    (89) وكالة سكاي برس، البرزاني يفجرها: إذا لم تدفع بغداد رواتب البيشمركة فلن يؤدوا واجباتهم المناطة لهم، الرابط

    (90) المصدر السابق.

    (91) وكالة الفرات نيوز، نائبة كردية: تخصيصات الإقليم في موازنة 2017 حبر على ورق، مصدر سابق.

    (92) صحيفة العربي الجديد، إغلاق تركيا لمعبر حدودي يزيد متاعب كردستان العراق، الرابط.(93) قناة الاتجاه، موازنة 2017 خضعت للابتزاز السياسي، الرابط

    (94) وكالة أنباء براثا، تعويضات كردستان، الرابط

    (95) صحيفة الأخبار، ائتلاف المالكي: مطالبة الإقليم بدفع تعويضات عن سياسات صدام مرفوضة. ، الرابط

    (96) خالد يونس خالد، القضية الكردية ومشاكل العراق الإقليمية والدولية، موقع باهور، الرابط

    (97) ابتسام العامري، الكرد واستراتيجية بناء الدولة في العراق بعد الاحتلال، مركز العراق للدراسات، جامعة بغداد/ مصدر سابق.

    (98) خالد عليوي العرداوي، الفيتو الكردي على قرارات الحكومة الاتحادية، مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، الرابط

    (99) احمد جويد، الشراكة السياسيةـ شبكة النبأ المعلوماتية، الرابط

    (100) أنظر: الزيباري، عبد الكريم يحيى، سؤال الهوية الكردية، (لبنان، بيروت، دار الفارابي، ط1، 2012)، ص: 12- 14.

    (101) مؤيد الونداوي، قراءة في التجربة العراقية في الشراكة السياسية، مركز دراسات الشرق الأوسط، الرابط

    (102) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن "المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية".

  • المد والجزر في العلاقات التاريخية بين تركيا و إسرائيل

    شكلت فلسطين موضع توتر في العلاقات بين تركيا و"اسرائيل" وذلك منذ محاولات الحركة الصهيونية انتزاع فلسطين من السلطان عبدالحميد الثاني. استمر التباين في العلاقات بين الطرفين حتى يومنا هذا، فتقاربت حيناً من الزمن الى أن وصل التحالف بينهما مرحلة التحالف الاستراتيجي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً كما حصل في اواسط تسعينات القرن الماضي، وتوترت العلاقات بين الطرفين حيناً من الزمن أيضاً إلى حد كبير خاصةً بعد  الاعتداء على سفينة مافي مرمرة عام 2010.
     ورغم الاعتراف المبكر من قبل تركيا "باسرائيل" إلا أن العلاقة بين الطرفين لم تبلغ مرحلة التحالف الاستراتيجي الا في منتصف تسعينات القرن الماضي أي بعد توقيع اتفاقيات السلام بين "اسرائيل" وبعض الدول العربية. من جانب آخر ورغم حالة الجفاء التي أصابت العلاقات بين الطرفين بعد حادثة أسطول الحرية إلا أن التعاون بين البلدين اقتصادياً وأمنياً وعسكرياً استمر بشكل كبير ومتقدم وكان بمعزل عن الخلافات الدبلوماسية والسياسية بين البلدين.
    حالة الشد والجذب في العلاقات بين الطرفين ومدى انعكاس ذلك على القضية الفلسطينية إضافة إلى مقاربات حزب العدالة والتنمية في التعاطي مع ملف الصراع العربي الاسرائيلي  كانت أهم ما تناولته الدراسة.

  • ترجمات الزيتونة (81): الموقف التركي المتمثل بإنشاء القواعد العسكرية المتقدمة

    سلسلة ترجمات الزيتونة (81) – آب/ أغسطس 2017.

    مقدمة المترجم:

    ترتكز أهمية هذه الدراسة على أنها تبحث بالتفصيل توسّع تركيا، الدولة الإقليمية المتزايدة النفوذ، عبر قواعدها المتقدمة. وقد تختلف هذه القواعد في أجندتها السياسية والعسكرية، إلا أنها تعكس طموحات تركيا الإقليمية في العشرينيات القادمة من هذا القرن، من خلال عمليات الانتشار خارج البلاد، والتي ستبني من خلالها علاقات ثقافية استراتيجية قوية مع الدول المضيفة.

    هذه الدراسة هي من إعداد الدكتور جان كسب أوغلو من مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية في إستانبول، وهو حاصل على درجة الدكتوراه من ”معهد الأبحاث الاستراتيجية“ في ”الكلية العسكرية التركية“. وهي تبحث بالتفصيل عمليات الانتشار المتقدمة لتركيا في الصومال، وقطر، وقبرص الشمالية، جنباً إلى جنب مع قواعد العمليات المتقدمة في شمال العراق، والوحدة العسكرية المتنامية المتمركزة في مدينة الباب السورية، بالإضافة إلى مشروع منصة هبوط طائرات الهليكوبتر أو ما يعرف بمفهوم ”القاعدة العائمة“.

    تأتي هذه الدراسة وسط تزايد في حدة الصراع في المنطقة، حيث نشهد المزيد من التقلبات في المواقف والتحالفات. وبالتالي ستساعد الباحثين والمتابعين لشؤون المنطقة على فهم خلفيات ومفاعيل القواعد المتقدمة التركية، ومآلات انتشارها وانعكاسها على دوائر النفوذ.

     

    للاطلاع على الترجمة، اضغط على الرابط التالي:

    >> ترجمات الزيتونة (81): الموقف التركي المتمثل بإنشاء القواعد العسكرية المتقدمة  (48 صفحة، 1.7 MB)

    * * *

    العنوان الأصلي: Turkey’s Forward-Basing Posture
    المؤلفون: د. جان كسب أوغلو Dr. Can Kasapoğlu
    المصدر: مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية Center for Economics and Foreign Policy Studies (EDAM)
    تاريخ النشر: تموز/ يوليو 2017

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 17/8/2017

     

  • تركيا: الأبعاد الاستراتيجية لصفقة S400 الروسية ....... د. سعيد الحاج

    أولى العدالة والتنمية منذ وصوله للحكم في تركيا عام 2002 بملفين افتقدتهما تركيا قبل عهده أهمية بالغة في السنوات الأخيرة لما لهما من آثار استراتيجية على مستقبلها، وهما أمن الطاقة والتسلح.

    فيما يتعلق بملف التسلح الذي اعتمدت أنقرة فيه على مدى عشرات السنين بشكل كامل على الخارج وخصوصاً المنظومة الغربية، سارت حكومات العدالة والتنمية في مشروع يتكون من مسارين متوازيين: الاستيراد والتصنيع المحلي، وقد قطعت في ذلك أشواطاً متقدمة بحيث صنّعت محلياً حتى الآن دبابات ومدرعات وسفناً حربية ومروحيات عمودية وطائرات بدون طيار وغيرها.

    بعد أشهر من المفاوضات الثنائية، أعلن الرئيس التركي قبل أيام إتمام صفقة شراء منظومة S400 الدفاعية الجوية من روسيا، وهو ما أكدته المصادر الروسية أيضاً. بل قال اردوغان إن الدفعة الأولى من الصفقة أو "العربون" قد دفعت فعلاً ما يعني أن الخطوة المقبلة هي التوافق على آلية النقل والنشر على الأراضي التركية.

    استدعت الخطوة بطبيعة الحال تحفظات غربية باعتبار أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يعتبر روسيا أكبر تهديد/عدو له، رغم أن التصريحات الرسمية لاحقاً أكدت على أن أي دولة عضو في الحلف هي من تقرر مصدر أسلحتها بنفسها دون تدخل من الحلف أو دوله الأعضاء.

    وتعتبر S400 روسية الصنع من أفضل أنظمة الدفاع الجوي في العالم إن لم تكن أفضلها فعلاً، وهي نظام مطور عن S300 الروسية أيضاً وتتميز عنها بأنها متوسطة -بعيدة المدى (3500 كلم) وقادرة على رصد وتدمير الأهداف على بعد 400 كلم، وتشمل أهدافها الطائرات بما فيها تلك المسماة "الشبح" والصواريخ البالستية وصواريخ كروز وغيرها. ولأهميتها، ورغم إبداء عدد كبير من الدول رغبتها في شرائها، إلا أن موسكو لم تقدم على هذه الخطوة إلا مع الصين ثم تركيا اليوم.

    وفق هذا السياق، يتخطى الأمر معنى شراء دولة سلاحاً من دولة أخرى إلى أبعاد استراتيجية، أهمها:

    الأول: تحصين تركيا نفسها جوياً:

    وهي التي تفتقر إلى منظومة للدفاع الجوي والصواريخ البالستية بما جعلها في مرحلة سابقة عرضة لهجوم صاروخي محتمل من خصومها في الأزمة السورية (النظام، طهران، موسكو) وأدى إلى نشر الناتو بطاريات صواريخ باتريوت على أراضيها، تلك التي سحبتها الدول الأوروبية لاحقاً بذرائع مختلفة.

    اليوم، تعول أنقرة على ما هو أكثر من امتلاكها هذا السلاح الدفاعي شراءً، وهو نقل التقنية وتوطينها بما يتناغم مع مشروع التصنيع الدفاعي المحلي، وهو أمر كان متعذراً مع دول الناتو التي حاولت سابقاً الشراء منها، بينما اتفقت مع روسيا في هذه الصفقة على تحقيقه مستقبلاً.

    الثاني: دعم مسار التعاون التركي – الروسي:

    إعطائه زخماً غير مسبوق، فلم يعد الحديث اليوم مقتصراً على التعاون الاقتصادي والتجاري واستيراد الغاز الطبيعي (%55 من حاجة تركيا يأتي من روسيا)، ولا عن المشاريع العملاقة مثل محطة "أك كويو" للطاقة النووية ومشروع "السيل التركي" لنقل الغاز الطبيعي، ولا حتى تلاقي المصالح أو المهددات المشتركة في سوريا مثلاً. ما نحن بصدده اليوم هو تعاون ذو بعد استراتيجي واضح يشمل سلاحاً غير عادي لم تقدم موسكو حتى الآن على بيعه إلا للصين التي تجتمع معها على حالة التنافس و/أو الخصومة مع المنظومة الغربية، وهذه إشارة مهمة لموقع تركيا في المنظور الاستراتيجي الروسي مستقبلاً إن لم يكن حالياً.

    الثالث: هزة عنيفة للعلاقات التركية – الأطلسية:

    فقد بقيت أنقرة طوال الحرب الباردة بمثابة قاعدة متقدمة للناتو في مواجهة التمدد السوفياتي وفق خطة مارشال، بينما تسعى في السنوات القليلة الأخيرة -مع العدالة والتنمية -لنوع من الاستقلالية النسبية والعلاقات الندية مع "حلفائها" الغربيين، الأمر الذي لم ولا يروق لهم.

    تعيش تركيا اليوم إحدى أكثر الفترات توتراً في علاقاتها الغربية، مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، حتى وصل تدهور العلاقات إلى تصويت البرلمان الأوروبي على مشروع قرار/توصية بتجميد ملف عضوية تركيا في الاتحاد، وحديث ميركل عن نيتها تفعيل هذا المسار في تشرين الثاني/أكتوبر القادم، ودعوة وزير خارجيتها إلى وقف تصدير السلاح تماماً لتركيا، وتصاعد أصوات لإعادة النظر في عضوية تركيا في حلف الناتو نفسه.

    لطالما اشتكت تركيا أنها تخضع لقرار حظر بيع سلاح غير معلن من الدول الغربية التي يفترض أنها حليفة لها، وخصوصاً في ملف المنظومة الدفاعية، حيث كانت عروض تلك الدول مماطلة وباهظة الثمن فضلاً عن رفض فكرة نقل التقنية لتركيا، ما دفع الأخيرة إلى التفاوض مع الصين أولاً ثم مع روسيا.

    مسار التباعد بين أنقرة وحلفائها الغربيين وتقاربها مع موسكو ليس جديداً، فهو حصيلة سنوات من خطوات متدرجة شملت طلب عضوية منظمة "شنغهاي" التي تقودها روسيا والصين في مواجهة الناتو. تعرض هذا المسار لانتكاسة شديدة مع أزمة إسقاط المقاتلة الروسية (نوفمبر 2015)، لكنه استؤنف لاحقاً ليصل اليوم إلى مستوى شراء S400 ، وإذا ما قدر له التطور أكثر فسيكون محطة فارقة في العلاقات التركية -الغربية وبوصلة السياسة الخارجية التركية، وربما ينبغي أن يسجل كعلامة نجاح كبيرة لتركيا أولاً ثم لروسيا التي تسعى منذ سنوات إلى احتوائها بعيداً عن الناتو والولايات المتحدة الأمريكية.

    المشكلة الرئيسة بالنسبة للناتو فيما يتعلق بالمنظومة الدفاعية S400 أنها غريبة عن منظومته وبالتالي فلا يمكن دمجها معه أو التنسيق بينهما. أكثر من ذلك، فهذا النوع من الأسلحة الاستراتيجية يعمل على تصنيف الأهداف إلى "صديقة" و"عدوة". وعليه فالمشهد هو أن روسيا "العدوة" أو مصدر الخطر بالنسبة للناتو ليست كذلك بالنسبة لتركيا عضوة الحلف، والعكس بالعكس.

    يعني ذلك تحديات معينة بالنسبة لتركيا نفسها وحاجتها -كما يتحدث بعض الخبراء الاستراتيجيين -لمنظومة أخرى مكملة لها لتشمل كافة الأهداف "المعادية" المحتملة من الشرق والغرب. لكن التحدي الأبرز لشراء أنقرة لهذه المنظومة يتعلق بخياراتها بين الناتو وروسيا والرؤية الاستراتيجية لسياستها الخارجية على المدى البعيد.

    تؤكد أنقرة أن هذه الصفقة حق سيادي لها لتأمين مصالحها والدفاع عن نفسها، وهذا صحيح. وتقول أيضاً إن الأمر تقني أو إجرائي بحت ولا يشكل خطراً على الناتو أو تغييراً في علاقاتها معه، وهذا أمر قابل للنقاش وأعتقد أنه سيكون مناط جدل كبير في أروقة الحلف ولقاءاته الثنائية مع الساسة الأتراك من الآن فصاعداً. والسؤال هو: هل ستتنبه الولايات المتحدة والدول الأوروبية لخطورة خسارة تركيا لصالح روسيا فتحاول الاستدراك، أم إن مسار "التوقع ذاتي التحقق" سيفرض نفسه تباعداً أكثر بين الطرفين، أم إن تركيا قد حسمت أمرها فعلاً وأن التحول إلى نوع من التوازن مع الشرق (روسيا والصين) مجرد مسألة وقت وإن طال؟

  • مركز الزيتونة يصدر كتاب ”العلاقات التركية الإسرائيلية 2002-2016“

    أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت كتاب ”العلاقات التركية الإسرائيلية 2002-2016“، من تأليف أحمد خالد الزعتري، وهو في أصله بحث نال به المؤلف درجة الماجستير في الدراسات الإسرائيلية من جامعة القدس سنة 2015. ويقع هذا الكتاب في 110 صفحات من القطع الكبير.

    يُمكِّن هذا الكتاب القارئ من الاطلاع على الجوانب المختلفة للعلاقات التركية الإسرائيلية، والمراحل والتطورات التي مرت بها خلال الفترة 2002-2016. وكيفية التعامل من قِبل الطرفين في مراحل المد والجزر التي واجهت هذه العلاقات في مختلف الاتجاهات.

      لتحميل الفصل الثاني من الكتاب، اضغط على الرابط التالي:
    المصالح المشتركة بين تركيا و”إسرائيل“  (22 صفحة، حجم الملف 962 KB)
    معلومات النشر:

     

    – العنوان: العلاقات التركية الإسرائيلية 2002-2016
    – تأليف: أحمد خالد الزعتري

    – عدد الصفحات: 112
    – الطبعة: الأولى 2017
    – السعر: 6$
    – الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت
    – ISBN: 978-9953-572-61-1

     

    يتوزع الكتاب على أربعة فصول؛ وقد قدم الفصل الأول من الكتاب نبذة تاريخية عن العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية بين البلدين منذ 1949 حتى 2002، موضحاً بدء تَغيُّر منحى هذه العلاقات، تبعاً لسياسات الرئاسة التركية واهتماماتها الخارجية، مع بقاء حرصها على عدم تزلزل العلاقة بشكل كامل. ويسلط الضوء على فترة التسعينيات حيث بدأت تركيا بعد حرب حزيران/ يونيو 1967 باتخاذ مواقف مؤيدة للعرب، ثم مالت باتجاه ”إسرائيل“ بعد حرب الخليج الثانية بسبب المصالح التجارية لتركيا. إضافة إلى شرحٍ وافٍ عن التعاون المائي بينهما، مع التركيز على المشاريع الكبرى التي أُبرمت بين البلدين ومآلها، والمصالح المترتبة عليها لكلا الطرفين.

    وأما الفصل الثاني فقد تناول المصالح المشتركة بين تركيا و”إسرائيل“ في ظلّ الرؤية الجديدة للسياسة الخارجية التركية، بعد فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات سنة 2002؛ واضعاً بين يدي القارئ أهم المحطات التي مرت بها العلاقات على الصعيد الأمني والعسكري والاستخباراتي بشكل خاص، مبيناً كيف استمرت تلك العلاقات في هذه المجالات، على الرغم من التوتر الذي حصل على الصعيد السياسي، حيث انتقدت تركيا بشدة اغتيال مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، كما عارضت الحرب التي شنتها ”إسرائيل“ على لبنان في تموز/ يوليو 2006. معرجاً على حجم التبادل التجاري الذي يسير بوتيرة عالية، وكذلك استمرار السياحة بينهما مع ازدياد أعداد السياح الإسرائيليين حتى وصلوا إلى نصف مليون زائر إلى تركيا سنة 2008، ثم بدأت الأعداد بتراجع ملحوظ بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة نهاية سنة 2008، على إثر المواقف التركية الناقدة والمعارضة لهذا العدوان.

    وفي الفصل الثالث يتناول الكاتب نقاط الخلاف بين البلدين، وتأثيرها على العلاقات بينهما في مختلف النواحي. مستفيضاً في سرد أبرز المواقف التي أدت إلى تدهور كبير في العلاقات في بعض الأحيان؛ بالأخص حادثة إهانة السفير التركي في تل أبيب، والاعتداء على السفينة التركية مرمرة، وسقوط الشهداء الأتراك على متنها، مع ما رافق تلك الأحداث من مواقف تركية غاضبة وتصعيد في لهجة اللوم لـ ”إسرائيل“، ومطالبتها بالاعتذار والتعويض. كما يَقرِن ذلك كله بسعي تركيا لتكون لاعباً سياسياً فاعلاً في المنطقة من خلال تقوية دورها المؤثر في القضية الفلسطينية. وقد استعرض الكتاب بشيء من التفصيل التخوفات التركية من تدخل ”إسرائيل“ في بعض الملفات الإقليمية مثل الحرب في سورية، وعلاقاتها بأكراد العراق، والتقارب الإسرائيلي القبرصي، والتنافس على سوق الغاز الطبيعي، إضافة إلى ضغوطات اللوبي اليهودي على الحكومة التركية من خلال إثارة مسألة تهجير الأرمن.

    ويكمل الكتاب في الفصل الرابع والأخير عرض التطورات التي شهدتها العلاقات التركية الإسرائيلية سنتي 2015-2016، في ظل سعي السياسة الخارجية الواضحة لأنقرة لمد الجسور مع المشرق العربي والإسلامي، وإصرارها على ضرورة رفع الحصار عن غزة في المواقف كلها. فعلى الرغم من تذبذب العلاقة وفتورها، إلا أن حرص البلدين على استمرار التعاون التجاري والاقتصادي بينهما بات واضحاً لوجود المصالح لكليهما في ذلك. كما أن الموقف الإسرائيلي المتأني من محاولة الانقلاب الفاشلة في 15/7/2016، ومن ثم تصريح الخارجية الإسرائيلية بدعم الديموقراطية التركية، أسهم في إعادة بعض التوازن لتلك العلاقات.

    ويخلص الكاتب في نهاية الكتاب إلى أن العلاقات التركية الإسرائيلية تشهد تقدماً بعد قطيعة ديبلوماسية استمرت ستة أعوام، إذ إن أنقرة تدرك أن سعيها لتحقيق دورٍ مهم وفاعل لها في المنطقة يُحتم عليها تحسين علاقتها بـ ”إسرائيل“ كي تستطيع صناعة التأثير المطلوب، كما أن ”إسرائيل“ تعلم جيداً أن مصلحتها تفرض عليها تحسين هذه العلاقات وبالتالي إعطاء تركيا الدور الذي تريده. وهذا لا يعني بالضرورة أن العلاقات ستعود إلى سابق عهدها المزدهر، لكن ما سيحصل هو المحافظة على التوازن من قبل الطرفين، مع بقاء التباين والاختلاف في ملفات مهمة وعلى رأسها حصار غزة والعلاقة مع حركة حماس.

    ويسر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات أن يوفر الفصل الثاني من هذا الكتاب للتحميل المجاني.

      لتحميل الفصل الثاني من الكتاب، اضغط على الرابط التالي:
    المصالح المشتركة بين تركيا و”إسرائيل“  (22 صفحة، حجم الملف 962 KB)


    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2017/9/7

  • مضيق هرمز في العقيدة الأمنية العمانية......محمد بن سعيد الفطيسي

    "أيها المواطنون لا شك انكم سمعتم الكثير عما قيل بشأن اهمية مضيق هرمز الذي هو جزء من مياهنا الاقليمية...... لذلك فإن عمان تعهدت بالدفاع عن حق جميع السفن المسالمة بالمرور عبر هذا المضيق وهذا واجب علينا وفقا للقانون الدولي.... فاذا تعرض المضيق للخطر فإننا في عمان لن نتردد في الدفاع عن سيادتنا الوطنية وسلامة الملاحة الدولية". من خطاب السلطان قابوس بمناسبة العيد الوطني التاسع بتاريخ 18 / 11 / 1979م.

    يعد مضيق هرمز نقطة ارتكاز وعبور لمصالح الكثير من القوى الاقليمية والدولية، وتختلف أهمية المضيق بحسب النظرة الجيوسياسية والجيواستراتيجية إليه من قبل تلك الدول، ما بين اعتباره (الحد الشرقي للوطن العربي والمجال الحيوي للاستيراد والتصدير والمنفذ الوحيد للخليج العربي، وهو بالنسبة لإيران يمثل حدودها الجنوبية وخاصرتها الامنية والاقتصادية. كما يراه الاتحاد السوفيتي السابق، المجال الأمني لحدوده الجنوبية وحلقة وصل للدول المطلة على الخليج العربي، أما بالنسبة للدول الاخرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا الغربية واليابان فللمضيق أهمية اقتصادية عظمى لكونه أكبر منطقة منتجة ومخزنة للطاقة (1).

    ويقع المضيق بين إيران من الشمال الشرقي وسلطنة عمان من الجنوب. ويربط الخليج العربي بخليج عمان، وبالنسبة لسلطنة عمان فإن مضيق هرمز يعد جزء لا يتجزأ من أمنها القومي وامتداد لسيادتها الوطنية، حيث يعد من الناحية الاستراتيجية والأمنية (مضيقا عمانيا يستخدم للملاحة الدولية وينطبق عليه حق المرور العابر وحق المرور البريء الوارد في اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار في المادة 36 لعام 1982م، وباستثناء حق المرور العابر فان المضيق يخضع كليا لما تخضع له باقي المجالات البحرية العمانية نظرا لوقوع الممرات البحرية في المياه الاقليمية العمانية بحيث تمارس السلطنة عليه سيادتها على المجالات البحرية العائدة لها والقاع وما تحت القاع وعلى الحيز الجوي الواقع فوق هذه المجالات، غير ان ممارسة هذه السيادة يجب ان لا تمس بحقوق الدول الاجنبية في المرور العابر. وفي هذا السياق وقعت سلطنة عمان وإيران بلاغا مشتركا في مارس 1974 للتعاون المشترك من أجل الاستقرار وسلامة الملاحة عرف باسم الدوريات المشتركة، واتفاقيات تحديد الجرف القاري في يوليو من العام 1974م).

    لذا كانت وجهة النظر السلطانية واضحة وصريحة منذ بداية قيام الدولة العمانية الحديثة في 23 يوليو من العام 1970م تجاه أمن وسلامة واستقرار منطقة الخليج العربي ككل ومضيق هرمز بوجه خاص، وذلك انطلاقا من نظرة شاملة للأمن القومي العربي الاستراتيجي من جهة ونظرة متوازنة بين الحقوق السيادية العمانية والمصالح الإقليمية والدولية من جهة اخرى، وهو ما أكده جلالته في العديد من الخطابات السلطانية واللقاءات الاعلامية والصحفية.

    ويعد اللقاء الصحفي للسلطان قابوس بن سعيد مع مجلة المجالس الكويتية في العام 1973م اللقاء الابرز والأهم والأول من نوعه الذي تطرق فيه صراحة إلى هذه المسألة الغاية في الأهمية الاستراتيجية من الناحيتين السياسية والأمنية الوطنية والإقليمية والدولية، فقد أجاب حول سؤال وجه إليه بخصوص وجود اتفاق عماني – ايراني لتفتيش السفن التي تمر عبر مضيق هرمز في وقتها أو أنه أصبح لإيران وجود في المضيق، قائلاً: (نحن نعتبر أن مضيق هرمز ممر مائي دولي، ولا نقبل بأي وجود أجنبي فيه) ( 2)

    وإذا كانت هذه النظرة السلطانية لأهمية هذه القضية، أي قضية الامن والاستقرار في منطقة "الخليج العربي / ومضيق هرمز" قد انطلقت مع بواكير عهد السلطان قابوس بن سعيد، وفي ذلك دلالة الأهمية الاستراتيجية والسيادية الوطنية لهذا الجزء من العالم الجيوسياسي.

    وقد كان للصراع الايراني العراقي في العام 1980م الدور البالغ والمحفز الاكبر لرفع الوعي الوطني الحاضر أصلا من جهة، والوعي الاقليمي والدولي من جهة اخرى تجاه اهمية وحساسية هذا المضيق، نظرا للمخاطر المرتفعة التي يمكن ان تنتج عن اي اغلاق أو تضييق أو تحرك غير سلمي فيه، وهو ما لم يستبعد ابدا في الرؤية السلطانية رغم صعوبة ذلك، وهو ما أكده قابوس في عام 1982م بقوله (لا أعتقد أن المضيق يمكن أن يغلق بسهولة، ولكن في المقابل ليس من المستحيل على أي كان أن يجعل هذا المضيق عرضة للخطر، وأبسط شيء مثلا القيام بزرع ألغام في المضيق، أو حتى مجرد اشاعة من هذا القبيل ستؤدي الى تعطيل مرور السفن. لا أعتقد أن الأمر سيكون بهذه السهولة، ولكن لابد من حساب كل الاحتمالات).

    على ضوء ذلك اعتبرت عمان نفسها بوابة لأمن واستقرار الجزيرة العربية، وتحملت نتيجة ذلك العديد من التحديات، وهو ما أكده قابوس بقوله (لذا فانه إذا ادت حالة عدم الاستقرار الراهنة في الشرق الاوسط -ارهاصات ومقدمات عدم الاستقرار التي سادت المنطقة قبل الحرب العراقية الايرانية بشهور – إلى عرقلة أو وقف امدادات النفط عبر هذا المضيق فان النتائج التي قد تنجم عن ذلك ستكون خطيرة.... ونحن نرى ان جميع الدول التي تستفيد من الملاحة في هذا المضيق سواء اكانت الدول المنتجة أو المستهلكة للنفط تقع عليها مسؤولية المساهمة في حماية هذا الممر المائي الحيوي ضد خطر الاعمال الارهابية أو اي شكل اخر من العدوان )، كما أشار لهذه المخاوف الاستراتيجية في لقاء مع مجلة المستقبل الصادرة في فرنسا في العام 1981م بقوله: (إننا بوابة الجزيرة العربية وطريق النفط وتستطيع أية طائرة في القرن الافريقي أو في كابول أو في طشقند ان تطير الى مسافة 450 ميلا بحمولة من الالغام البحرية في مضيق هرمز فيقفل المضيق ويختنق شريان الغرب الاقتصادي) ().

    لذا برز المشروع العماني في العام 1979، والذي يقترح الحصول على كاسحات ألغام وقوارب خفر ساحلية وطائرات استطلاع ومعدات اكتشاف الكترونية ( 4). واقترحت السلطنة هذا المشروع الذي لم تكن تستفيد منه بشكل مباشر، إضافة إلى تحملها عبء الحماية والصيانة، بأن يتم تمويله من قبل دول الخليج العربية والدول الغربية بوصفها أطرافا ذات مصلحة، إلا أن المشروع لم يكتب له النجاح بسبب معارضة بعض الدول الخليجية بحجة انه يمهد للتدخل الاجنبي في المنطقة، أو بأنه يهدف إلى (إقامة حلف اقليمي تسيطر عليه القوى الاجنبية، ومرة أخرى أوضحت السلطنة أن هذا تفسير خاطئ) ( 5).

    وهو ما جاء على لسان السلطان قابوس، حيث أكد في خطاب العيد الوطني التاسع في العام 1979، في سياق حديثه عن مضيق هرمز، قائلا: (إن عمان لا تطالب بتدخل القوات الاجنبية، فباستطاعة السلطنة القيام بالإجراءات اللازمة شريطة أن تتوفر لها الوسائل الضرورية لذلك)، لذا أعلنت سلطنة عمان عن استعدادها للتخلي عن إشراك الدول الاجنبية في التمويل إذا ما تعهدت دول المنطقة بتغطية تكاليفه (). و(بالرغم من ذلك فإنها لم تتلق ردا على طلبها، إذ كانت المنطقة قد شغلت باجتياح الاتحاد السوفيتي السابق لأفغانستان وبقيام الثورة في إيران) ( 7).

    وفي عام 1985م عاد قابوس ليؤكد أنه بالرغم من كل الظروف والاختلافات في وجهة النظر الخليجية والعربية تجاه أمن مضيق هرمز، بأن أمن المضيق سيبقى مسؤولية جماعية، وأن عمان لن تكون طرفا متطرفة في رأيها أو رؤيتها تجاه ذلك أبدا، ولذلك، قال قابوس، ردا على سؤال ما هو تقدير جلالتكم لمدى الخطر الذي يُهدد مضيق هرمز الآن وخاصة بعد اشتعال حرب الناقلات بين إيران والعراق، وما هو موقف عمان في حالة اغلاق المضيق: (في هذه الحالة فإننا ينبغي من خلال مجلس التعاون الخليجي أن نجتمع ونبحث كيف يمكن مواجهة هذا الموقف، لذلك فإنه لن يكون لعمان موقف فردي إزاء هذه الحالة، وإنما لابد أن يكون هناك موقفاً جماعياً).

    وقال قابوس: "بحكم موقع المضيق ومرور السفن من وإلى المنطقة والعالم في مياهنا الاقليمية، علينا مسؤولية كبرى تجاه سلامة هذا الممر، وبقدر امكانياتنا، نراقب مراقبة دقيقة دخول السفن وخروجها في المضيق، وبحريتنا متواجدة هناك بشكل دائم".

    هذا الطرح يؤكد أن سلطنة عمان لا تحتاج إلى اعادة كتابة التاريخ من جديد، أو تكرار وجهة النظر الرسمية تجاه ما يتعلق بمضيق هرمز، فقد أكدت عليها منذ العام 1973م، ولا زالت من الثوابت الوطنية حتى اليوم، وهي العقيدة الأمنية التي تسير عليها سياساتها الداخلية والخارجية تجاه أمن وسلامة المضيق ().

    -------------------------

    الهامش

    ( 1 ) العيسائي. د. علي بن احمد، ازمة الملاحة والمرور في مضيق هرمز – خلال الفترة من 1979م – 1989م) سلطنة عمان، ط1 / 2014م.

    ( 2 ) مجلة المجالس الكويتية في العام 1973م.

    ( 3 ) مجلة المستقبل الصادرة في فرنسا في العام 1981

    ( 4 ) مراد. خليل الياس، حرب الخليج وانعكاساتها على الامن القومي العربي، بغداد / دار الحرية للطباعة والنشر، بدون ط/ 1987م

    ( 5 ) صحيفة الوطن الكويتية. بتاريخ 17 / نوفمبر/1979م

    ( 6 ) أحاديث السلطان قابوس في: يوميات ووثائق الوحدة العربية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية لعام 1979م

    ( 7 ) العريمي. د. محمد مبارك، الرؤية العمانية للتعاون الخليجي، مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، رقم 121، ط 1 / 2007.

    ( 8 ) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن "المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية".

  • مقال: وثيقة كامبل بنرمان.. حقيقية أم مزيفة؟! … د.محسن صالح

    بقلم: د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

    هذه الوثيقة التي رجع إليها العشرات من الكتاب والباحثين منذ أواسط القرن العشرين، والتي يعدونها أساساً لفهم خلفيات إنشاء مشروع يهودي صهيوني في فلسطين لدى القوى الإمبريالية الغربية؛ أصبحت أقرب إلى ”الأحجية“ لأننا لم نجد لها حتى الآن مصدراً علمياً موّثقاً، يمكن الاعتماد عليه وفق مناهج البحث العلمي.

    وفي الأشهر الماضية تابعتُ -على أكثر من صعيد- الجدل حول هذه الوثيقة، كما انتشر مقطع فيديو على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي ينبه إلى هذه الوثيقة وخطورتها.

    والوثيقة ”المدّعاة“ تنص -كما جاء في الجزء الأول من ”ملف وثائق فلسطين“ الصادر عن الهيئة العامة للاستعلامات في وزارة الثقافة والإرشاد القومي بمصر سنة 1969 (إبان حكم جمال عبد الناصر)، صفحة 121- على عقد ”مؤتمر لندن الاستعماري“ سراً بلندن في الفترة 1905-1907 بدعوة من حزب المحافظين البريطاني.

    وأنه قد اشتركت فيه مجموعة من كبار علماء التاريخ والاجتماع والجغرافيا والزراعة والبترول والاقتصاد. وأن هذا المؤتمر رفع توصياته سنة 1907 إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بنرمان (Campbell Bannerman Henry)، حيث أكد المؤتمرون على:

    ”إن إقامة حاجز بشري قوي وغريب على الجسر البري الذي يربط أوروبا بالعالم القديم، ويربطهما معاً بالبحر الأبيض المتوسط، بحيث يشكل -في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس- قوة عدوة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها؛ هو التنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة“.

    وهذا يعني وفق الوثيقة أن ”خبراء الغرب“ وجدوا في إنشاء كيان غريب (هو الكيان اليهودي الصهيوني لاحقاً) في غربي البحر المتوسط (وخصوصاً فلسطين) وسيلة لإيجاد قلعة متقدمة ترعى المصالح الغربية، وتضمن ضعف المنطقة وتمنع وحدتها، وهو ما حدث ويحدث فعلاً بغض النظر عن صحة الوثيقة أو زيفها.

    ***

    وكاتب هذه السطور -مثل غيره من الباحثين- وجدوا هذه الوثيقة في مصادر ومراجع عربية محترمة؛ ولكتَّاب معروفين بحرصهم على الدقة، بالإضافة إلى ملف وثائق فلسطين الذي صدر عن المؤسسة الرسمية المصرية التي يُفترض فيها علمياً مصداقية عالية. وبالتالي فقد كان كاتب هذه السطور ممن استخدم هذه الوثيقة في كتاباته ومحاضراته قبل أن يتنبه إلى إشكاليتها.

    قبل نحو 14 عاماً؛ التقيت الأستاذ منير شفيق الذي حثني على السعي للتوثيق العلمي للوثيقة من مصادرها البريطانية الأصلية، خصوصاً بعد أن علم بتخصصي في هذه الوثائق حيث اعتمدت في معظم رسالتي للدكتوراه على الوثائق البريطانية غير المنشورة، والمحفوظة في دار الوثائق البريطانية (ما يُعرف الآن بالأرشيف الوطني The National Archives، وكان يعرف سابقاً بمكتب السجل العام Public Record Office PRO)، وكنت أعود إليها بين الفينة والأخرى لبعض المتابعات والدراسات الأكاديمية.

    كما لفت نظري لاحقاً إلى هذه الوثيقة الدكتور أنيس صايغ الذي يُعدُّ أحد أبرز أعمدة البحث العلمي في التاريخ الفلسطيني الحديث، ورأس لعشرة أعوام مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية1966-1976. وأخبرني عن قصته في البحث عنها وتشككه في حقيقتها.

    وعلى أي حال، فقد أثار الأمرُ فضولَ كاتب هذه السطور، وفي سفرة لبريطانيا تفرغ للبحث عن هذه الوثيقة، غير أنه لم يجد لها أثراً أو مصدراً؟!!

    وما أثار الشك حقاً هو أن ملف وثائق فلسطين -وكذلك غيره من المصادر- لا يذكر توثيقاً علمياً للوثيقة، فلا يوجد اسم للملف في الوثائق البريطانية، ولا الترقيم الخاص به، ولا تاريخه الدقيق، وما إن كان محفوظاً في مجموعات الخارجية البريطانية F.O، أو وزارة المستعمرات C.O، أو وزارة الحرب W.O، أو رئاسة الوزراء Prem وغيرها.

    وقصة د. أنيس صايغ مع هذه الوثيقة قصة ”شيّقة ومريرة“، وقد لخّصها في مذكراته ”أنيس صايغ عن أنيس صايغ“ في الصفحات 279-281. وفيها يذكر أنه عندما تولى رئاسة مركز الأبحاث حرص على الوصول إليها لأهميتها، لكنه لم يعثر على مصدر واحد موثق لها في عشرات المراجع والكتب التي أشارت إليها؛ والعديد منها لكتّاب موثوقين أمثال برهان الدجاني ومنذر عنبتاوي وخيري حماد وشفيق ارشيدات؛ حيث ظهر أن كل كاتب كان يحيل إلى الآخر في دوامة أو حلقة مُفرغة دونما نتيجة.

    ولذلك فقد قرر د. أنيس التفرغ للبحث عنها -في بريطانيا- شهراً كاملاً قضاه في دار الوثائق البريطانية، ومكتبة المتحف البريطاني، وجامعة كامبردج حيث درس كامبل بنرمان وأودع في مكتباتها كل أوراقه الخاصة. كما انكبّ د. أنيس على فهارس جريدة التايمز في الفترة 1904-1907 فوجد فيها آلاف الإشارات إلى المؤتمر الاستعماري الإمبريالي، ولكنه لم يجد شيئاً عن الوثيقة نفسها.

    وبعد عودته ”الفاشلة“ إلى بيروت أتيح له أن يعرف أن أول عربي أشار إلى وثيقة كامبل في كتاب منشور هو أنطون كنعان، فذهب إلى مصر حيث يقيم أنطون والتقى به بعد بحث وجهد، وفوجئ به يخبره أنه عندما سافر من فلسطين إلى لندن لدراسة القانون في أواسط الأربعينيات، التقى في الطائرة رجلاً هندياً كان يجلس إلى جانبه، وقال له إنه يتذكر أنه قرأ عن مؤتمر استعماري عُقد في لندن حضره مندوبون عن عدة دول استعمارية للتباحث في تقسيم البلاد العربية ومنع وحدتها وإقامة دولة يهودية؛ ولكن الهندي لم يزود كنعان بأي مادة علمية موثقة حول الوثيقة.

    وهكذا يعود د. أنيس محبطاً فلا الهندي ولا كنعان اطلعا على الوثيقة الأصلية، ولا يملكان توثيقاً علمياً لها!!! وبالتالي قرر د. أنيس منع استخدامها أو الاقتباس منها في الدراسات الصادرة عن مركز الأبحاث الفلسطيني. أما كاتب هذه السطور، فقد امتنع هو أيضاً عن استخدامها أو الاستدلال بها منذ أن لم يجد دليلاً عليها.

    ***

    وبعد هذا الاستعراض، يمكن أن نثبت بعض الملاحظات والنقاط:

    1- إن انعقاد مؤتمرات استعمارية إمبريالية في تلك الفترة كان أمراً صحيحاً وحقيقياً، وتوجد في الوثائق البريطانية مئات الملفات والوثائق والشواهد حولها. غير أن نص الوثيقة المسماة وثيقة كامبل بنرمان غير موجود بين هذه الوثائق.

    2- إن عدم حصولنا على وثيقة كامبل لا يثبت بالضرورة أنها غير موجودة بالصيغة نفسها أو بأي صيغٍ مشابهة. ولكننا في الوقت نفسه لا نستطيع الادعاء بوجود شيء لم يثبت وجوده بشكل قاطع.

    3- إن عدم وجود الوثيقة بين أيدينا يُفقدنا القدرة -من الناحية العلمية الموضوعية ووفق مناهج البحث العلمي- على استخدامها وثيقةً مرجعيةً، خصوصاً لما تتميز به من حساسية وخطورة. كما أن النتائج التي توصل إليها د. أنيس -بعد بحثه المضني- تشكك بشكل جدّي في حقيقتها.

    4- وفق متابعات كاتب هذه السطور في الأرشيف البريطاني طوال سنوات، وبناء على استفساراته من موظفي الأرشيف المعنيين بمساعدة الباحثين؛ اتضح أنه يتم تقسيم الوثائق البريطانية إلى أقسام:

    • قسم يتم نشره، حيث يُنشر معظمه بعد ثلاثين سنة، ويؤجل بعضه إلى خمسين أو خمسة وسبعين أو حتى مئة سنة.
    • وقسم يُحفظ دون قرار بنشره.
    • وقسم يتم إتلافه.

    وهذا يعني أن ثمة عملية غربلة متأنية مسبقة تتم للوثائق، تراعَى فيها المصالح العليا للدولة وأسرارها الخطيرة، وانعكاسات نشر الوثائق على الدول والمؤسسات والأفراد، وعلى الحلفاء والأعداء. وهذا قد يسمح باستنتاج أن ثمة وثائق يتم إخفاؤها أو إتلافها إذا كانت -حسبما يرى المعنيون- تضر بمصالح الدولة أو تتسبب في إدانتها.

    5- إن الاستعمار البريطاني والقوى الاستعمارية هي بشكل عام من الذكاء والخبرة والحذر بحيث لا تضع وثائق كهذه -إن وجدت- بين أيدي الباحثين، بسبب ما تتضمنه من أدلة إدانة قاطعة. وفي بعض الأحيان يكون هذا النوع من التوجهات والتوجيهات والقرارات شفوياً أو غير مكتوب في نصوص موثقة، أو غير قابل للنشر والتداول، كما تفعل دول عديدة في وقتنا المعاصر.

    6- لعل مسار الأحداث على الأرض يدعم مضمون وثيقة كامبل، لكنه لا يكفي لإثبات صحتها من ناحية علمية. فقد تمّ إصدار ”وعد بلفور“ سنة 1917، وأصرَّت بريطانيا على أن تتولى بنفسها رعاية ونمو وتطور المشروع الصهيوني في فلسطين وإنشاء دولة يهودية، وقمعت إرادة الشعب الفلسطيني وسحقت ثوراته طوال ثلاثين عاماً (1917-1948) إلى أن اكتملت البنى التحتية ”للدولة اليهودية“ عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وإدارياً.

    وتشكَّل في سنة 1948 كيانٌ صهيوني (إسرائيل) في قلب الأمة العربية والإسلامية، وهو كيان -من الناحية العملية على الأقل- يرتبط شرط بقائه وازدهاره بضعف وانقسام وتخلّف ما حوله، لأن المشاريع النهضوية الوحدوية الحقيقية التي تعبِّر عن إرادة شعوب المنطقة والأمة، هي بطبيعتها معادية وتُشكّل خطراً وجودياً على الكيان الصهيوني، الذي اغتصب قلب المنطقة العربية والإسلامية (فلسطين) وشرَّد أهلها.

    7- إن ثمة وثائق وكتابات تشير إلى مضامين وسياقات قريبة أو داعمة لمعطيات وثيقة كامبل بنرمان المدَّعاة؛ فعندما التقى مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل برئيس الوزراء البريطاني جوزيف تشمبرلن سنة 1902، قال له هرتزل: إن قاعدتنا يجب أن تكون في فلسطين التي يمكن أن تكون ”دولة حاجزة“ بحيث تؤمن المصالح البريطانية.

    فقد كانت الحركة الصهيونية تدرك أن مشروعها لن يكتب له النجاح إلا برعاية دولة كبرى وحمايتها، وكان عليها أن تعرضه في ضوء المصالح التي يمكن أن تجنيها القوى الكبرى.

    وفي أثناء الحرب العالمية الأولى ظهرت كتابات لشخصيات بريطانية غير يهودية مثل تشارلز سكوت C. Scott (رئيس تحرير جريدة مانشستر غاردين) وهربرت سايدبوتام H. Sidebotham الذي كانت لمقالاته شهرة واسعة، ودعا إلى إيجاد دولة حاجزة في فلسطين مدَّعياً أن العنصر الوحيد المناسب لإقامتها هو اليهود.

    وبشكل عام؛ فإن العامل الإستراتيجي كان سبباً رئيسياً في ذهن من اتخذوا قرار إصدار ”وعد بلفور“ (كنقطة اتصال ومواصلات، وكمنطقة حاجزة، وكقاعدة متقدمة…)، ونجد مثل هذه الإشارات الاستراتيجية في تصريحات لويد جورج رئيس الوزراء، واللورد كيرزون (الذي خلف بلفور في منصبه)… وغيرهم.

    كما أن هربرت صمويل -اليهودي الصهيوني والوزير في الحكومة البريطانية التي كان يرأسها أسكويث H. Asquith- قدَّم مذكرة سرية للحكومة البريطانية في يناير/كانون الثاني 1915، طالب فيها باحتلال فلسطين وفتح باب الهجرة والاستيطان لليهود ليصبحوا أغلبية السكان، مشيراً إلى المزايا الإستراتيجية للسيطرة على فلسطين.

    8- وأخيراً، فإن ”وثيقة كامبل بنرمان“ لا يصلح الاستشهاد بها علمياً ولا إعلامياً إلى أن توجد أدلة قاطعة عليها، وما يترتب على استخدامها من أضرار تمس المصداقية والموضوعية، وتفتح المجال للخصوم والأعداء للطعن والاستهزاء والإساءة، والإضرار بجوانب القوة الأخرى التي يملكها الباحثون المؤيدون للقضية الفلسطينية؛ هي أضرار أكبر من النفع التعبوي والإعلامي الذي قد يسعى إليه البعض بحسن نية.

    خصوصاً أن هناك قدراً كبيراً من الوثائق والممارسات الاستعمارية الفعلية على الأرض تكشف مدى الدعم الاستعماري المقدم للمشروع الصهيوني، ومحاولة قطع الطريق على المشاريع النهضوية والوحدوية في المنطقة.

    وبذلك، تنضم وثيقة كامبل إلى ”بروتوكولات حكماء صهيون“ وما يُعرف بـ”وعد نابليون 1798“ والتي لم تثبت أيضاً…، وما زالت تُستخدم في الأدبيات العربية والإسلامية دونما أدلة قاطعة على وجودها. وتبقى معايير المصداقية والموضوعية والتثبّت والتّبيُّن وموازين الجرح والتعديل -التي اشتهر بها المسلمون- أفضل ”رأس مال“ في التعامل مع معلومات أو تقارير كهذه.

    المصدر: الجزيرة نت، الدوحة، 12/9/2017