• التعاطي التركي الجديد بعد حادثة مقتل الجنود الأتراك في إدلب

    طرح الرئيس التركي في خطابه الأخير بعد مقتل الجنود الاتراك في إدلب جملة من الرسائل يمكن وصفها "بالحازمة" وتدل على توجه جديد للتعاطي التركي في سورية على رأسها "تغيير قواعد الاشتباك"؛ واستهداف ممنهج لقوات النظام في منطقة خفض التصعيد؛ إلا أن هذا التوجه يعتريه العديد من العقبات مما يجعل السيناريو الأكثر توقعاً في ظل عدم إنجاز اتفاق جديد مع الروس هو استمرار التصعيد العسكري الذي سيكون مليئاً بمؤشرات الانزلاق لمواجهة كبرى.

    أولاً: رسائل أردوغان: طروحات سياسية حاسمة

    من خلال استعراض نقاط حديث الرئيس التركي الأخير بتاريخ 29 شباط 2020، يمكن استنباط أربعة محاور:

    1. "لا كلام قبل الفعل": لم يخطب أردوغان إلا بعد أن وجه الجيش التركي عدة رسائل حاسمة، منها الرد القوي على نقاط تمركز النظام وتكبده خسائر قاسية، ومنها أيضاً إظهار فعالية السلاح التركي النوعي والذي قادر على تجاوز قضية تغييب سلاح الجو التركي. (قتل اكثر 2000 عنصر من المظام وتدمير 300مركبة ومدارج طيران ومخازن أسلحة كيميائية).
    2. "دولة وشعباً: النظام عدو": على الرغم من عدم إقفال طرق المفاوضات مع الروس إلا أن ما أفرزته الأستانة من تغييب للمحددات السياسية لصالح التطبيقات الأمنية قد انتهى؛ فالدولة التركية تصنف النظام عدو وتجعله هدفاً رئيسياً؛ وبالتالي قواعد الاشتباك في الشمال السوري قد تغيرت.
    3. "الكل شريك في تحمل مسؤولياته في إدلب": تريد تركيا أن تعيد انخراط المجتمع الدولي في إدلب ضاغطة على الاتحاد الأوربي في مسألة اللاجئين وعلى الناتو في تكوين موقف واضح من دعم الجيش التركي، وعلى الولايات المتحدة الأمريكية في قضية المنطقة الآمنة.
    4. "انخراط مستدام في إدلب": فبعد الأحداث الأخيرة تقدمت "إدلب" من بوابة دفاع متقدمة عن الهواجس الأمنية التركية المركبة إلى ساحة هجوم؛ ومنافسة الروس على قضية شرعية التواجد وربطها بالطلب والدعم الشعبي.

    ثانياً: ملامح التوجه التركي الجديد

    1. إعادة تعريف العلاقة مع روسيا وفق ثنائية (إصبع على الزناد، وإصبع في المفاوضات)؛ إذ أنه بعد التطورات الأخيرة وإدراك تركيا للرضا والمعرفة الروسية بقتل جنودها، فإن تركيا لا تريد الدخول في مواجهة مباشرة مع الروس لكن ستعمل على توسيع هوامش قواعد الاشتباك سواء عبر مزيد من التنظيم للمعارضة المسلحة أو تزويدها بسلاح نوعي أو حتى بانخراطها بحرب مباشرة مع النظام لكن ضمن حدود منطقة خفض التصعيد.
    2. محاولة العودة إلى شبكة التحالفات القديمة عبر فتح مسار يعيد أولوية مبدأ التوازن للعلاقات الخارجية التركية؛ وهو ما سيساعدها على إدارة الملفات الخارجية مع روسيا بظهير أمريكي ناتوي؛ وهو ما سيتطلب التماهي مع المحددات الأمريكية خاصة بالتدرج كالتوافق على المسار السياسي وألوية جنيف، وفتح مساحة نقاش بخصوص اتفاقات شرق النهر.
    3. إدلب: (هدف تركي استراتيجي): وستعمل تركيا على تحصيلها سلماً عبر انتزاع اتفاق جديد مع روسيا، أو عبر الاستمرار في ضرب بنى النظام العسكرية في تلك المنطقة وقد يكون الأولويات العسكرية الجديدة آخذة بالتشكل والتوقع هنا أنها ضمن مفهوم تمتين خطوط الدفاع عن المنطقة الآمنة المتخيلة وإيقاف تقدم النظام على المجال الحيوي الأمني.

    ثالثاً: معوقات هذا التوجه

    1. الكلفة الباهظة لسيناريو الانزلاق لحرب الاصلاء في الشمال السوري؛ خاصة في ظل الموقف الأمريكي والأوروبي الناعم، واحتمالية عدم تماسك الجبهة الداخلية.
    2. تعقد وتضارب الملفات التي يتطلبها مبدأ التوازن في إدارة العلاقات الدولية التركية فمن جهة قطعت تركيا أشواطاً مهمة مع روسيا ومن جهة ثانية تتبدى في إدارة ترامب الفرصة الاستراتيجية لانتزاع مصالح تركية أكثر إلا أن هذه الفرصة ستبقى معلقة حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة أو بقبول تركيا التعامل مع قسد وإنجاز تفاهم جديد.
    3. ضريبة تأخر تغيير قواعد الاشتباك؛ فالنظام بات مسيطراً على أجزاء واسعة من إدلب وكامل ريف حلب الغربي والجنوبي، أي نفذ عبر الدعم الروسي تحركاً بات فيه قاب قوسين أو أدنى من استعادة الطريقين؛ ومواجهة هذا التمدد فيها العديد من الألغام التي تجعل قد سيناريو الانزلاق سيناريو حتمي.
    4. التعامي الروسي عن متطلبات تركيا: فالروس بعد اتفاقات آستانة وسوتشي استعاد السيطرة بشكل وبآخر على جل مناطق المعارضة مؤجلاً إدلب؛ لكن وفي ظل أولوية الحل الصفري المتحكمة بالذهنية الروسية وفي ظل عدم الاستجابة الروسية المطلوبة لإنجاز اتفاقات جديدة في إدلب، فإن روسيا ستفرض على تركيا مساراً تفاوضياً طويلاً إما أن يفرز تثبيتاً للواقع بشكل مؤقت أو لا يفرز شيئاً.

    رابعاً: السيناريو الأكثر توقعاً

    • انتهاء مسار آستانة وإلغاء اتفاقية سوتشي بحكم انتهاء صلاحيتها.
    • استمرار العمليات العسكرية التركية واستهداف بنى النظام مباشرة في الشمال السوري
    • استمرار معارك إعادة السيطرة يقابله استمرار لقضم النظام للعديد من المناطق جنوب إدلب. أي الامر متروك للميادين في الآونة الراهنة.
    • سلسلة مفاوضات مارثونية قد تفضي بمكان لما لمنطقة آمنة بعمق 30 كم.
    • بدء التقارب مع حلف شمال الأطلسي.
    • توقف السير في استكمال شراء منظومة صواريخ اس 400.
  • الحملة العسكريّة على إدلب.. قراءة في مراحل الطرق الدوليّة

    لم تكن الحملة العسكرية التي بدأها نظام الأسد وحلفائه في 19 كانون الأول /ديسمبر 2019 على ريف محافظة إدلب
    مفاجئة أو غير متوقعة، سواء لناحية التوقيت أو الشكل، إذ تأتي ضمن سلسلة من المراحل بدأها النظام على المحافظة
    منذ مطلع العام 2019 ، كان آخرها الريف الجنوبي. إضافة إلى أن بوادر الحملة العسكرية الحالية قد لاحت قبل عملية
    "نبع السلام" وما تخللها من قرار أمريكي بالانسحاب الجزئي ومن ثم التراجع عنه، والذي غيّر أولويات النظام وموسكو
    ً
    عسكريا باتجاه شرق الفرات، لاستغلال تردد الإدارة الأمريكية وما أتاحه من هوامش لإعادة رسم خرائط النفوذ في
    المنطقة، عبر اتفاق النظام مع "قسد" ب وساطة روسية وآخر روس ي-تركي استطاع النظام من خلاله العودة إلى الحدود،
    لتعود بعد ذلك أ ولوية النظام وحلفائه إلى إدلب، خاصة ريفها الجنوبي الشرقي.

  • الساعة تدقّ في إدلب.. على روسيا أن تقرر ما الذي تريده

    د.ياسين أقطاي

    إن استهداف قوات النظام السوري للجنود الأتراك وسقوط 8 شهيدًا من الجنود، يُعتبر من كل الزوايا بمثابة لحظة تصدّع من شأنها إعادة ترتيب جميع الأوراق في القضية السورية. العساكر الأتراك الذين سقطوا شهداء كانوا في مهمة تقوية لنقاط المراقبة التي أقيمت في إدلب كمنطقة خفض تصعيد، والتي نتجت عن اتفاق سوتشي وأستانة بين تركيا-روسيا-إيران والنظام السوري. منذ فترة من الوقت وروسيا إلى جانب قوات النظام السوري، يحاولان انتهاك تلك الاتفاقية في إدلب، وتحويل نقاط المراقبة التركية إلى حالة من الشلل.

    إنّ تركيا تدرك المحاولات الرامية لفرض أمر واقع وتحويل نقاط المراقبة إلى أداة مشلولة، وإنها تعترض على ذلك.

    من الواضح للغاية أنّ هجمات النظام السوري على إدلب، برفقة القوات الروسية وتحت حمايتها ورعايتها، كانت قبل أي شيء محاولات متغطرسة للتجاهل والانتهاك الصريح لجميع الجهود الدبلوماسية التي انطلقت منذ وقت طويل تحت سقف سوتشي وأستانا.

    إن تركيا كما هو الحال في كل الملفات، فإنها كذلك في الملف السوري تتعقب -إلى آخر درجة- سياسةً تقوم على أمل إحياء حل سياسي، سواء مع روسيا أو إيران أو حتى النظام السوري. هناك نظام دموي وإجرامي تسبب بهجرة 12 مليون سوري سواء في داخل وطنهم أو خارجه. والطريقة الوحيدة التي يجيدها هذا النظام في التعامل مع معارضيه، هي القتل والتهجير وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها. وبيد أن هذا النظام من المفترض أن لا يكون له مكان في هذا العالم، فإنه مع الأسف يتلقى الدعم تلو الدعم من روسيا وإيران.

    في الحقيقة، إن تركيا جلست على طاولة المفاوضات في أستانا وسوتشي مع كل من روسيا وإيران اللتين هما المسبب الرئيسي لمأساة القرن الإنسانية التي تعيشها سوريا؛ سعيًا منها في إيقاف نزيف الدم السوري. وهذا السعي قد ولّد توقعات عاجلة لدى البعض الذين رأوا فيه اتفاقًا وتحالفًا دوليًّا جديدين. على الرغم من ذلك، كانت الأولوية بالنسبة لتركيا كما هو الحال دائمًا، الوقوف إلى جانب المنحى الإنساني.

    لم يكن الشعب السوري يريد الكثير من الأسد، بل كان يريد العيش بشكل إنساني فقط. إلا أن الأسد كان يرى ذلك كثيرًا على شعبه، ولم يجد ردًّا مناسبًا على هذا المطلب الإنساني البسيط إلا من خلال الإبادة الجماعية. ولا تزال آثار تلك الإبادة حاضرة: 12 مليون مهجر من وطنه ومنزله، مليون ضحية، ملايين المعتقلين والمصابين.

    لقد كان الموقف التركي واضحًا للغاية منذ البداية ضد ما يحصل، ولقد تم اتهامها بسبب هذا الموقف. تم اتهامها بأنها طرف من أطراف الصراع السوري. إلا أن الطرف الذي تبنّته تركيا هو الجانب الإنساني. إن الذين ينصحون تركيا حتى الآن بالتفاهم مع الأسد، إن لم يكونوا قد استوعبوا درسًا مما يحصل في إدلب، على الرغم من وجود اتفاقات أستانة؛ فإنهم مصابون بعمى الأبصار وقد خُتم على قلوبهم.

    في الحقيقة لقد اتفقت تركيا مع المعارضة السورية لضبط الأوضاع من أجل الاتجاه نحو حل سياسي، وذلك خلال مرحلة تفاهمات أستانة، مع روسيا وإيران اللذين كانا الحامي الرئيسي للنظام السوري. لقد رسخت تلك الاتفاقيات أن المعارضة في ظل مواجهة عشرات المجازر والإبادات من طرف النظام؛ قد باتت تمتلك أحقية لا يمكن التنازع حولها، كما أن معارضي نظام الأسد لا يمكن اعتبارهم إرهابيين. إن الاضطهاد والظلم والعنف الذي يقوم بها النظام قد بات حقيقة واضحة، والوقوف بوجه هذا الظلم يعتبر حقًّا مشروعًا، وبالتالي لا يمكن توجيه التهم لمن يستخدم هذا الحق. بل على العكس، إن المتهم الأول والأخير هو النظام الذي يستخدم كل منشآت الدولة وإمكانياتها، من أجل مواجهة مواطنيه العزل وقمعهم.

    في الأصل، حينما نتحدث عن هجرة جماعية بهذا الحجم، فإن هؤلاء المهاجرين قد ضربوا بأحقية ومشروعية هذا النظام. هناك 8 ملايين سوري على الأقل خارج بلدهم، يشهدون على أنهم لم يكونوا في دولة، بل في بنية يحكمها سفاح مجرم إرهابي.

    لقد اعتادت روسيا والنظام شنّ الهجمات في إدلب تحت ذريعة وجود نشاطات إرهابية، إلا أن ما يبدو الآن هو استهداف المدارس والمشافي والأفران حيث تتعرض ولا تزال للقصف الجوي، إلى جانب قتل المدنيين. هناك الآن مليون إنسان على الأقل اضطروا لأن يتوجهوا نحو الحدود التركية هربًا من حملات القصف العنيف. ولو استمر الوضع بهذا الشكل، فإن مصير إدلب كما هو بقية المناطق السورية الأخرى، ستضحي تحت سيطرة النظام بعد تحويلها لمدينة أشباح، إلا أنّ تدفق الناس من هناك، يعني حملًا على عاتق المسؤولية بالنسبة لتركيا.

    إن ارتكاب إبادة جماعية ضد المدنيين تحت ذريعة مكافحة الإرهاب يعتبر جريمة ضد الإنسانية، وانتهاك اتفاقيات مع تركيا جريمة أخرى أيضًا.

    في ضوء ذلك يتضح إذن، أن المسألة بالنسبة لروسيا لا تعني وجود أناس، بل تراهم كآلات تتنفس. ومن أجل السيطرة على منطقة ما، لا يوجد أهمية لما يحصل إثر ذلك من قتل وتهجير ومآسي إنسانية. ويمكن من ذلك أن نتصور لأي درجة من الخطورة قد وصلت الإنسانية عبر القتل بدم بارد من هذا النوع. لا يوجد لديها متسع من الوقت ولا تريد أن تتعب نفسها، بل همها هو السيطرة على هذه المنطقة وتلك. ومن أجل القضاء على معارض واحد بين آلاف من المدنيين، فإنها مستعدة أن تضحي بآلاف المدنيين من أجل ذلك. حتى ولو أن السيطرة على سوريا تكلف قتل مئات ومئات الآلاف، فلا مشكلة بالنسبة لها بل هي على أهبة الاستعداد.

    إنها لا تقوم بدفع أي فاتورة مقابل ممارساتها غير الإنسانية تجاه المعارضة التي هي حسب معايير روسيا مجرد إرهابيين، بل إن الفاتورة يدفعها المدنيون وتركيا فحسب.

    إن مشهد مليون إنسان مدني قرب الحدود التركية، فيهم الأطفال والنساء، لا يوحي بأية حال إلى أنها حرب ضد الإرهاب، بل مجرد إبادة جماعية وحشية.

    لا يمكن لتركيا أن تبقى متفرجة على ذلك. ولن تبقى. لقد بدأت مرحلة العمل.

  • تنظيم حراس الدين.. النشأة والديناميات والاتجاهات المستقبلية

    لا تزال تواجه محافظة إدلب والمناطق المحيطة العديد من المهددات الأمنية الداخلية والخارجية، وترسم مشهداً مليئاً بالارتكاسات المحتملة؛ ومن بين تلك المهددات والتحديات ملف تنظيم "حراس الدين" الذي يتسم بآليات عمل ذاتية خاصة؛ وديناميات متعددة في العلاقة مع الفواعل الآخرين؛ وتصاعدت أهمية هذا الملف من خلال انتقال العلاقة مع هيئة تحرير الشام من علاقة مضطربة محكومة بالمصلحة إلى المواجهة العسكرية. وفي ظل أسئلة التحديات الداخلية للمحافظة وما يشكله من عبء و"حجج" تدخل عسكري تزيد من الأعباء السياسية والاجتماعية والأمنية المحلية؛ يحاول هذا التقرير تبيان ماهية تنظيم "حراس الدين" وأبرز تحولاته وعلاقاته المحلية؛ محاولاً الوقوف على الاتجاهات العامة المتوقعة لمستقبل صراعه مع "الهيئة". 

  • قراءة في الموقف التركي في إدلب

    محمد أديب عبد الغني* – تقدير موقف
    المركز السوري سيرز
    مقدمة
    أعلنت تركيا في 2020\3\1م عن انطلاق عملية "درع الربيع" في منطقة إدلب السورية بهدف استعادة المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام السوري في الآونة الأخيرة، والتخفيف من حدة موجة اللجوء تجاه الحدود التركية التي تسببت بها هذه الحملة، وقد سبق إعلان انطلاق العملية ارتفاع حدة المواجهات بين الجيش التركي وقوات النظام، حيث سيطر الجيش الوطني السوري بدعم من أنقرة على مدينة سراقب الاستراتيجية وتمكن من قطع الطريقين الدوليينM4 وM5 تلى ذلك استهداف قوات النظام بتاريخ 27- فبراير- 2020 رتلاً من القوات التركية مما تسبب بمقتل عدد من الجنود الأتراك، والذي أدى بدوره إلى التسريع في بدأ العملية التركية.
    تتضارب الآراء حول تفسير هذه العملية بين مشكّك في مصداقيتها وبين من يراها خطوة متأخرة، فكيف يمكن تفسير السلوك التركي في إدلب وأسباب إعلان انطلاق العملية في هذا التوقيت وماهو المدى المحتمل لنطاق العملية؟
    أولاً: مراحل تصاعد الموقف التركي في إدلب
    بدأ النفوذ التركي في إدلب بالانحسار لصالح قوات النظام السوري مدعوماً بالقوات الروسية مع بدأ الحملة العسكرية التي تسببت بحصار نقطة المراقبة التركية في مدينة مورك بتاريخ 2019\8\20، تبعها حصار عدة نقاط تركية" الصرمان- تل الطوقان- العيس- سراقب- شير مغار" وظهرت تركيا عاجزة عن الحفاظ على مناطق خفض التصعيد بوصفها ضامن في اتفاقية استانا وسوتشي، ويمكن تقسم المواقف التركي من هذه الأحداث إلى مرحلتين أساسيتين
    1. مرحلة استخدام الأدوات الدبلوماسية: استخدمت تركيا هذه الأدوات بعد سيطرة النظام على منطقة ريف حماه وحصار نقطة المراقبة في مورك حيث عقدت تركيا مع روسيا عدة لقاءات بهدف تثبيت وقف إطلاق النار بين قوات المعارضة من جانب وقوات النظام السوري من جانب أخر نتج عنها الهدنة التي أعلنت عنها وزارة الدفاع التركية في 12 كانون الثاني (يناير) ،ولم تنجح هذه الهدنة في تحقيق أهدافها بسبب خرق قوات النظام المستمر لها، أصرت أنقرة على المحافظة على تواجد نقاطها على الرغم من حصار هذه النقاط وتعرضها للقصف عدة مرات، ويمكن تفسير سلوك تركيا في هذه المرحلة واقتصارها على الأدوات الدبلوماسية في رغبتها بالالتزام ببنود اتفاقية وقف التصعيد وتجنباً للتكلفة الباهظة التي يمكن أن تحدثها الأدوات العسكرية.

    2. مرحلة النزاع العسكري: يعتبر استخدام القوة العسكرية الأداة الأخيرة التي تلجأ إليها الدولة لتحقيق أهدافها وبعد استنفاذ استخدام الوسائل الدبلوماسية بسبب ارتفاع تكلفة الأداة العسكرية لتحقيق أي هدف تغييري. وتقسم هذه المرحلة إلى:
    أ‌- مرحلة مراكمة القوة العسكرية والتهديد باستخدامها: بدأت هذه المرحلة بعد سيطرة قوات النظام السوري على منطقة معرة النعمان أواخر شهر يناير من العام الحال حيث ظهر الموقف التركي في هذه المرحلة أكثر حدة، وتجلى ذلك بدفع عدد كبير من القوات العسكرية إلى داخل الأراضي السورية و إنشاء عدد جديد من النقاط العسكرية خارج اتفاقية خفض التصعيد*، ترافق ذلك من تصريحات تركية باستخدام القوة لإعادة النظام السوري إلى خطوط خفض التصعيد مع عقد لقاءات جديدة مع المسؤولين الروس لحثهم على وقف العمليات العسكرية ومع سيطرة قوات النظام السوري على أرياف حلف الجنوبية والغربية زادت تركيا من وتيرة إرسالها للأرتال العسكرية ونصب منظومة دفاع جوي للتشويش على طائرات النظام وتزويد قوات المعارضة بصواريخ دفاع جوي محمولة على الكتف ونشر عدد من القوات التركية داخل بعض المدن ووضع القوات في مواجهة قوات النظام السوري.

    ب‌- مرحلة استخدام القوة العسكرية: انتهجت أنقرة سياسة الرد بالمثل عند أي استهداف تتعرض له نقاط المراقبة التركية مطلع الشهر المنصرم حيث قصفت المدفعية التركية 46 هدف لقوات النظام السوري وقتلت 35 عنصر من قوات النظام رداً على استهداف نقطة المراقبة شرق إدلب ومقتل 4 جنود أتراك وإصابة تسعة أخرين ، تلى ذلك إسقاط عدد من طائرات النظام في إدلب وريف حلب الغربي ثم بدأت بدعم تركي عملية تحرير قرية النيرب ومدينة سراقب الاستراتيجية، وبعد مقتل 33 جندي من القوات التركية أعلنت تركيا عن انطلاق عملية " درع الربيع".
    ثانياً: التحديات التي تواجه عملية "درع الربيع"
    بالرغم من إعلان تركيا عن انطلاق العملية إلا أن هناك عدد من التحديات التي يمكن أن تواجها وذلك بسبب غموض موقف حلف شمال الأطلسي " الناتو" الذي اكتفى بتقديم الدعم الإعلامي للعملية تارةً والتصريح بإمكانية المساعدة بتقديم المعلومات الاستخباراتية تارةً أخرى ، مقابل موقف روسي أكثر حزماً في دعم النظام السوري.
    أعلنت تركيا عن هدف العملية المتمثل بتحقيق حالة الاستقرار في منطقة خفض التصعيد وإعادة قوات النظام إلى خلف خطوط نقاط المراقبة وحماية المدنيين في إدلب، يمكن لتركيا إيقاف العملية إذا ما استطاعت تحقيق هذه الأهداف من خلال الوسائل الدبلوماسية بالاتفاق مع الجانب الروسي بسبب ارتفاع تكلفة الوسائل العسكرية مقارنةً بالوسائل الدبلوماسية. يضاف إلى ذلك الأثر السلبي الكبير الذي يمكن أن يترتب على فشل العملية وامتداده إلى الدور التركي في الملف السوري إجمالاً.

    ثالثاُ: السيناريوهات المتوقعة لنطاق العملية
    1. استعادة كامل منطقة خفض التصعيد الرابعة في ظل الموقف الحالي للناتو: وهو أكثر السيناريوهات ترجيحاً ويمكن لهذا السيناريو أن يتحقق بفعل إصرار تركيا على تحقيق استعادة كاملة لمنطقة خفض التصعيد ويستند ذلك إلى التصريحات المتكررة للمسؤولين الأتراك وتلاحم الجبهة الداخلية لتركيا خلف هذا الموقف بعد مقتل 34جندي من الجيش التركي، وإمكانية حدوث أثر سلبي على الموقف الداخلي لحزب العدالة والتنمية في حال العجز عن تحقيق الهدف من العملية، أو بإمكانية التوصل لتفاهم تركي روسي يقضي بإنهاء وجود قوات النظام السوري في منطقة خفض التصعيد والحفاظ على المصالح الروسية مع تركيا والتي قد تتعدى تمسك موسكو بالوجود العسكري لقوات النظام داخل منطقة خفض التصعيد مع تخوف روسيا من خوضها حرب مباشرة مع تركيا في ظل الخسائر الفادحة لقوات النظام السوري.

    2. استعادة جزء من منطقة خفض التصعيد: قد يحدث هذا السيناريو إذا ما استمرت روسيا في تقديم الدعم لقوات النظام أو اشتراك قوات روسية بشكل مباشر في العمليات العسكرية وهذا ما قد يدفع تركيا للتوافق مع روسيا على حدود جديدة لمنطقة خفض التصعيد ويرتبط هذا السيناريو بالموقف المحدود للناتو ورغبة أنقرة بوضع حد للتصعيد العسكري مع موسكو، ويعزز هذا السيناريو مجريات العمليات الميدانية فإلى الآن لم تشهد المواجهات بين تركيا والنظام تصعيداً خارج حدود غرب الطريق الدولي M5.

    3. استعادة كامل منطقة خفض التصعيد الرابعة وبعض المناطق الأخرى: ويستند هذا السيناريو لما تروج له بعض المنصات الإعلامية عن رغبة تركيا في بسط سيطرتها على مدينة حلب استناداً لعوامل تاريخية وثقافية ومنطقة جبل التركمان في ريف اللاذقية استناداً لعوامل عرقية ويشترط تحقق هذا السيناريو دعم العمليات التركية من قبل الولايات المتحدة أو حلف الناتو رغبةً منهم بتقليص النفوذ الإيراني - خصوصاً بعد أن استهدفت القوات التركية مليشيات حزب الله في إدلب وضباط إيرانيين جنوب حلب مما يشير لإمكانية اشتراك أنقرة في أي عملية عسكرية ضد النفوذ الإيراني في سوريا - ويضاف إلى ذلك رغبة الولايات المتحدة في إعادة الروس لمسار جنيف للحل في سوريا.

  • مستقبل قطاع التعليم في المناطق المحررة بعد كورونا

    المركز السوري سيرز- الباحث أحمد ناصيف

    التاريخ: السابع من حزيران 2020

    تعتبر سوريا عمومًا مركز حضاري هام في منطقة الشرق الأوسط، وفيها وجدت أول أبجدية متكاملة في التاريخ وهي الأبجدية الأوغاريتية. تطور وتغير نظام التعليم فيها حسب الانظمة الحاكمة مرورا بالدولة الاموية حيث انشأت المدارس في دمشق وكان أشهر المدارس المدرسة السيمساطية التي تقع شمال الجامع الأموي، ثم العصر العباسي حيث كان أهم المراكز العلمية في تلك الفترة كانت في مدن دمشق وحلب وقنسرين والرها وغيرها من المدن السورية. الى العصر العثماني حيث نشط التعليم في الكتاتيب، قبل احداث 2011 في سورية حظي التعليم بالاهتمام والرعاية، إذ يكفل الدستور السوري حق التعلم لكل مواطن، وهو إلزامي ومجاني في مرحلة التعليم الأساسي.

    في السنوات الاخيرة مرَ قطاع التعليم في سوريا بأيام عصيبة نتيجة الحرب الدائرة في البلاد، واعتمد التعليم في البلاد على الأسلوب التقليدي من خلال المدارس، ومع تفشي جائحة كورونا هذا العام أغلقت المدارس في عموم البلاد ومنها المدارس في المناطق المحررة (شمال غرب سوريا) حيث أغلقت 2,349 مدرسة منتشرة في المحرر أبوابها مما أثر على نحو 766,545 طالب فيها أي ما يعادل 100% من الطلاب المسجلين في المدارس بعموم المدن والقرى والمخيمات في المناطق المحررة، فاحدث ذلك تغييرا في طرق التعليم التقليدي ودفع نحو تحولات جذرية للبدائل مختلفة عن التعليم التقليدي لضمان استمرارية التعليم في المناطق المحررة، هذه التحولات أحدثت تغييرات في ثقافة المجتمع والطالب والمعلم في المنطقة وفتحت أفق جديدة للتعليم غير التقليدي، مما عزز إمكانية متابعة فئات متعددة لتعليمهم المدرسي والجامعي بعد أن كانوا متسربين بسب ظروفهم الخاصة، ومع توافر العديد من المقومات لنجاح طرق بديلة عن التعليم التقليدي هيئتها ظروف كورونا وظروف أخرى سياسية وإقليمية فلابد أن هناك تغيرات هامة في قطاع التعليم بعد كورونا ستحدث.

    تتمحور المشكلة التي تتناولها الدراسة في التساؤل الرئيسي التالي كيف سيتغير قطاع التعليم في المناطق المحررة بعد كورونا؟

    وتنبع أهمية هذه الدراسة من أهمية العلم ومخاطر الانقطاع عن التعليم وتفشي الجهل في المجتمع إضافة لخطورة إغفال دور بدائل التعليم التقليدي في ظل تفشي جائحة كورونا والأزمات والحروب على المجتمع ككل في المناطق المحررة.

  • موقف تركيا من الضيوف السوريين لم ولن يتغير

    د.ياسين أقطاي

    أعلن الاتحاد الأوروبي توصله إلى قرار يقضي بمنح 700 مليون يورو لدولة اليونان بهدف تحصين حدودها، 350 مليونا منها ستُدفع مباشرةً، أما بقية المبلغ فسيتم تقديمها بناء على طلب اليونان.

    صدر هذا القرار مباشرة بعد تخلي تركيا عن سياستها المتبعة لمنع اللاجئين السوريين من الخروج من أراضيها والدخول إلى أوروبا أو أي مكان آخر، الأمر الذي أدى إلى تزاحم ما يقارب 150 ألف لاجئ على أبواب اليونان.

    إن الحدود التي ستتكفل اليونان بحمايتها هي حدود الاتحاد الأوروبي التي تمثل أيضا حدود اليونان. وقد دفع وصول اللاجئين إلى هذه النقطة أوروبا إلى أخذ الأمور على محمل الجد، وجعلها تفهم أن منع اللاجئين من الوصول إلى أوروبا يقتضي مصاريف مالية ضخمة.

    ما هي طبيعة هذه العوائق والتحصينات التي ستقيمها اليونان؟ لم يُفصح عن ذلك بعدُ. هل ستُستخدم هذه الأموال من أجل إنشاء أسوار سلكية شائكة مكهربة، أم لإنشاء جدران سميكة مرتفعة، أم ستوظَّف التكنولوجيا المتقدمة من أجل مراقبة الحدود، أم سيتم استخدامها من أجل تطوير طرق معينة لتوطين وتأمين معيشة اللاجئين داخل حدود اليونان؟

    إن المعاملة التي يتلقاها اللاجئون في اليونان واضحة؛ فإطلاق القنابل الغازية، ومهاجمة خيام اللاجئين بالمياه العادمة وبالرصاص الحي، أسفرت كلها حتى الآن عن موت ثلاثة أشخاص. ونظرًا لأننا لم نسمع حتى الآن أي شكاوى أو انتقادات من قبل الاتحاد الأوروبي بخصوص هذه المعاملة؛ فإن هذه الأموال سيتم إنفاقها فقط من أجل التدابير الأمنية الوقائية.

    “إن ما حدث خلال أسبوع واحد فقط على الحدود اليونانية يُظهر مقدار التفاني الذي بذلته تركيا على مدار سنوات، وكيف شكلت جدار أمان بالنسبة لأوروبا، كما يتجلى للعيان ما تدين به أوروبا لتركيا وكيف تغاضت وتجاهلت أوروبا هذا الدَّين. لا شك أن ما فعلته تركيا حتى الآن من أجل اللاجئين السوريين لم يكن بهدف حماية أوروبا فقط”

    إن ما حدث خلال أسبوع واحد فقط على الحدود اليونانية يُظهر مقدار التفاني الذي بذلته تركيا على مدار سنوات، وكيف شكلت جدار أمان بالنسبة لأوروبا، كما يتجلى للعيان ما تدين به أوروبا لتركيا وكيف تغاضت وتجاهلت أوروبا هذا الدَّين.

    لا شك أن ما فعلته تركيا حتى الآن من أجل اللاجئين السوريين لم يكن بهدف حماية أوروبا فقط. بل على العكس من ذلك؛ هناك أزمة إنسانية حقيقية، والعالم كله -بدءًا من الأطراف التي تسببت في هذه المشكلة- يتقاعس ويتجاهل هذه الأزمة، في حين أن تركيا -التي لم تكن من الأطراف المتسببة في اندلاعها- لم تقف مكتوفة الأيدي تشاهد المشاكل الإنسانية التي أنتجتها هذه الأزمة.

    لقد طبقت تركيا -ودون أي حسابات مسبقة- سياسة الأبواب المفتوحة مع اللاجئين. وفي إطار هذه السياسة؛ تتولى تركيا -إلى جانب استضافة ما يقارب أربعة ملايين لاجئ على أراضيها- مسؤولية ستة ملايين لاجئ يعيشون في مناطق عمليات “نبع السلام”، و”غصن الزيتون”، و”درع الفرات”، وكذلك عملية إدلب التي ما زالت مستمرة حتى الآن؛ لتكون بذلك مسؤولة عن عشرة ملايين لاجئ. وهذا العدد يزيد على عدد السكان في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد في سوريا.

    لقد فعلت تركيا ذلك دون حسابات مسبقة، ولم تتوان عن تشكيل مأوى آمن للبشر الذين يفرون من ظلم النظام الدموي. وبالإضافة إلى ذلك؛ إنّ تخلي تركيا عن سياستها القاضية بمنع اللاجئين من مواصلة المسير نحو أوروبا لا يعني أنها تخلت عن سياستها اتجاه اللاجئين.

    ففي الحقيقة؛ أرادت تركيا من خلال اتخاذ هذه الخطوة السياسية تنبيه بعض الأطراف المؤثرة وخصوصا الاتحاد الأوروبي، ودفعهم لتحمل المسؤوليات الملقاة على عاتقها، سعيا منها لحقن دماء السوريين. وأثناء تطبيقها لهذه الخطوة؛ لم ترسل أي لاجئ عنوة، ولن تقوم بذلك في المستقبل.

    إن اللاجئين الذين وصلوا إلى أبواب اليونان -بعد تخلي تركيا عن سياسة المنع- كان هدفهم منذ البداية الوصول إلى أوروبا. وكل ما في الأمر أن تركيا كانت تقطع عليهم هذا الطريق، وقد تخلت الآن عن تلك السياسة. لكن أنقرة لن تغيِّر السياسة المتعبة مع الأربعة ملايين ضيف الذين أسسوا حياة في تركيا مفضلين البقاء فيها.

    من خلال ممارسة الضغوط على أوروبا؛ لم تكن تركيا تهدف إلى التخلص من اللاجئين الذين تستضيفهم على أراضيها، وإنما أرادت دفع أوروبا لممارسة المزيد من الضغط على الأسد وحاميته روسيا، من أجل وقف المذابح التي تنتج موجات اللاجئين.

    فسيول اللاجئين لن تتوقف دون إيقاف الأسد، بينما تُركت تركيا وحيدة في سعيها لإيقاف الأسد. وأينما نظرت في الاتفاق الذي توصل إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين يوم الخميس الماضي في موسكو- فستجد أن الخطوات التي اتخذتها تركيا بشأن هذه المسألة كان لها وقع مهم.

    “من خلال ممارسة الضغوط على أوروبا؛ لم تكن تركيا تهدف إلى التخلص من اللاجئين الذين تستضيفهم على أراضيها، وإنما أرادت دفع أوروبا لممارسة المزيد من الضغط على الأسد وحاميته روسيا، من أجل وقف المذابح التي تنتج موجات اللاجئين. فسيول اللاجئين لن تتوقف دون إيقاف الأسد، بينما تُركت تركيا وحيدة في سعيها لإيقاف الأسد”

    على الطرف المقابل؛ إن نهاية هذا الطريق -الذي سلكه اللاجئون الراغبون في الوصول إلى أوروبا- مغامرة على الأرجح ستنتهي بخيبة أمل كبيرة. فلو افترضنا أنهم استطاعوا الوصول إلى وجهتهم؛ فإن أوروبا -التي تملك اللازم من الإمكانات المادية وما يمكن تقديمه للاجئين- لن تتصرف بكرم معهم ولن تقدّم لهم الكثير، خاصة أنها لا تفعل ذلك الآن.

    وعلى كل حال؛ فإن هؤلاء اللاجئين غير مستعدين للتخلي عن أمل في مستقبل لم يجرّبوه بعدُ. وهم لن يدركوا الحقيقة دون خوض التجربة، ولن يفهموا دون أن يروا نتيجتها بأمّ أعينهم.

    إن أوروبا تواجه اليوم التآكل الذاتي بسبب عداء الأجانب. لندع ما يمكن أن تقدمه أوروبا للأجانب جانبا؛ فإن الوجود الأجنبي يضع كل ما يسمى بالقيم الأوروبية في مأزق لا يمكن الخروج منه. وأولئك الذين يمنعون استقبال اللاجئين ذوي الحق الإنساني هم ذاتهم ممثلو كراهية الأجانب، وقد أضحى وجود اللاجئين في أوروبا وازدياد أعدادهم يوما بعد يوم بمثابة امتحان يصعب النجاح فيه.

    إن نجاح الاتحاد الأوروبي في الامتحان دون تلقي المساعدة والمساندة التركية أمر غير ممكن. لكن يمكن لهذا الامتحان أن يتحول إلى فرصة جيدة حتى يجدّد الاتحاد الأوربي العمل على حل الأزمة الإنسانية التي يغض الطرف عنها، ويبدأ الحوار بين مختلف الأطراف، والشروع في عمليات تعاون مشترك مبنية على حسن النية المتبادلة.