• إسرائيل تتعهد بوقف تهريب صادرات النفط الإيرانية

    بقلم الدكتور نبيل العتوم

    قال وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي: إن أي إجراء سيتخذ بحق الملاحة الإيرانية فإن الرد الإيراني سيكون قاسيًا ومحكمًا ومدمرًا، فردّة فعل وزير الدفاع الإيراني جاءت على إثر التهديدات الإسرائيلية بالحدّ من تهريب صادرات إيران النفطية، ويذكر بأنه في وقت سابق تعهد بنيامين نتنياهو بأن البحرية الإسرائيلية قد تتخذ إجراءات غير مسبوقة لوقف تهريب إيران للنفط، وقال: إن القوات الإسرائيلية يمكنها إذا ما اقتضت الحاجة أن تمنع إيران من تهريب النفط ، داعياً القوى العالمية لإحباط أي محاولة من طهران لتفادي العقوبات الأميركي،وأبلغ نتنياهو ضباط البحرية بأن إيران لا تزال تتبع إجراءات سرية لشحن الوقود مثلما كانت تفعل قبل إبرامها الاتفاق النووي عام 2015، في الوقت الذي تحاول فيه إيران التحايل على العقوبات من خلال تهريب النفط خفية عبر مسارات بحرية. وبناء على مدى تلك المحاولات، سيكون للبحرية دور أكثر أهمية في وقف هذه الأفعال الإيرانية داعياَ المجتمع الدولي كلّه إلى وقف محاولات الالتفاف من إيران على العقوبات بأي وسيلة ممكنة.

    وفي ردّة فعله على تلك التهديدات الإسرائيلية المتعلقة بموضوع الصادرات الإيرانية من النفط، قال وزير الدفاع الإيراني "أمير حاتمي": إن هذا الأمر يعتبر نوعًا من قطع الطريق، وسيؤدي إلى خلق حالة من التوتر الدولي. 

    ولكن ما مدى جديّة هذه التهديدات الإسرائيلية التي تهدف إلى الوقوف في وجه الصادرات الإيرانية من النفط؟ وإذا وقعت هذه التهديدات كيف سيكون الرد الإيراني؟

    من المؤكد بأن التهديدات الإسرائيلية تتزامن مع زيادة وتيرة المساعي الأمريكية الهادفة إلى زيادة رقعة العقوبات المفروضة على إيران لتشمل موضوع التأمين على السفن الملاحية الإيرانية، وإذا ما أثمرت هذه المساعي، فإن شركات التأمين العالمية لن يعد بمقدورها التأمين على السفن الإيرانية، وبالنتيجة فإن السفن الإيرانية ستبحر دون أن يكون هناك تأمين عالمي عليها، وهذا الأمر في الحقيقة سيمهّد لإسرائيل بأن تقوم باستهداف ناقلات النفط الإيرانية وربما تغامر إسرائيل بضرب السفن الإيرانية، فالبحرية الإسرائيلية التي تمتلك طرادات للسفن، كما تملك أسطولاً صغيراً من الغواصات، وأغلب نشاط البحرية الإسرائيلية في البحرين: (المتوسط والأحمر).

    بموازاة ذلك، تتضمن وسائل تهريب النفط الإيراني أساليب معروفة مثل تغيير أسماء السفن، أو تسجيلها لدى دول أخرى، ورفع أعلام تلك الدول عليها، وإيقاف أجهزة تحديد مواقع السفن، ونظام الاتصالات ونقل الشحنات من سفينة إلى أخرى في عرض البحر بعيداً عن الأنظار، وهذه الاستراتيجيات والأساليب الإيرانية سيكون لها تداعيات خطيرة على حركة الملاحة العالمية خاصة في حال أصبحت ناقلات الشبح الإيرانية غير موجودة على مسارات وخطوط الملاحة الدولية.

    وقد تلجأ إيران إلى محاولة إعاقة حركة الملاحة العالمية في مضيق هرمز في حال اتخاذ أية خطوات تصعيدية وفي إزائها قد دعم خامنئي اقتراح الرئيس حسن روحاني بأن تمنع إيران صادرات النفط الخليجية إذا تمّ إيقاف صادرات النفط الإيرانية.

    فمن الواضح بأن التصعيد الإسرائيلي باستهداف شحنات النفط الإيراني عرقلتها لم تواجه أي اعتراض أميركي مما يشي بأن هذه الخطوة قد تلقى ترحيب واشنطن وربما انخراطها مع تل أبيب بشكل مباشر لتبني هذه الخطوة.

  • الذكرى الـ 17 لاحتلال العراق وإرهاصاته على الأمن العربي

    د.ناجي خليفة الدهان – مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

       كان يوم التاسع من أبريل/ نيسان من العام 2003 يومًا فارقًا في تاريخ العراق، عندما دخلت قوات الاحتلال الأمريكي إلى العاصمة بغداد، وفككت الجيش وكل مقومات الدولة، وتركت البلاد تعيش فوضى عارمة وفسادا سياسيا وانهيارا اقتصاديا لم تشهده البلاد طوال تاريخها الحديث.

         تمر الذكرى السابعة عشر للاحتلال الأمريكي وبريطانيا وحلفائهما بالتعاون مع إيران لاحتلال العراق ، ويستذكر العراقيون هذا التاريخ كل عام بمرارة، لاسيما وأن أثار الغزو وتداعياته لاتزال قائمة بل وتتفاقم يومًا بعد يوم.

         ففي مثل هذا اليوم من عام 2003 أعلنت الولايات المتحدة سيطرتها على العاصمة بغداد وباقي المدن العراقية وانتشرت قواتها بشكل غير مسبوق على طول الأراضي العراقية ضاربة عرض الحائط بقرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية، وقامت بتسليم العراق لإيران على طبق من ذهب.

         وبعد مرور سبعة عشر سنة على الاحتلال الغاشم، لايزال العراق يعيش في ظلّ حكم الميليشيات والأحزاب التابعة لإيران، فضلا عن التدهور الاقتصادي والخروقات الأمنية، وغياب القوانين، والفساد المالي والإداري، والخلافات والتناحر السياسي للحصول على المناصب العليا في الدولة…

          لقد تسبّب الاحتلال بسقوط الكثير من الضحايا، والتي تقدّر بأكثر من مليون عراقي، مخلفا وراءه جيشا من الأرامل والفقراء والمشردين وعشرات الآلاف من المعتقلين والمغيبين، فضلا عن ملايين النازحين والمهجرين داخل العراق وخارجه.

          كما تسبب الاحتلال الأمريكي بدمار شامل في المنشآت الصناعية والعمرانية والبنية التحتية، وساهم في استشراء الفساد المالي والاداري الذي أخذ ينخر جميع مؤسسات الدولة، يرافقه تردٍّ في الخدمات مما انعكس سلبا على حياة المواطن الذي كان وما زال المتضرر الأكبر.

          وفي ذكرى الاحتلال، أكدّت اللجنة المنظمة لتظاهرات ثورة تشرين العراقية أن الـغـزو الأمـريـكي  الايراني أثبت غياب القانون الدولي وسيادة شريعة الغاب.

    ماذا حققت أمريكا في العراق؟

         في التاسع من نيسان (يوم احتلال بغداد)، سقطت الأمة العربية وانتهى ما يسمى (الوطن العربي)”،  ذلك اليوم يمثل “يوم انتقال العالم إلى مرحلة جديدة من الفوضى”. لم يسقط النظام الوطني فقط، بل سقطت أنظمة المنطقة عامة والعرب خاصة، فاحتلال العراق كان نقطة فاصلة في تاريخ المنطقة كلها، وتغيير النظام أدى إلى تغيير مفاهيم المجتمع، بعد محاولة “بلقنة العراق” وفق رؤيا تم إقرارها منذ عقود”.

        فأمريكيا كانت تدرك أن بقاء النظام الوطني -ما قبل 2003- يشكل خطرا حقيقيًا على الكيان الصهيوني، والأطراف الصديقة لأمريكا، وهو ما قاد لاحتلال العراق وإنهاء دوره وتأثيره الإقليمي ليصبح خارج التوازن الإقليمي على كل الأصعدة.

         إن العراق لم يتم احتلاله لتغيير نظام الحكم، بل احتل من أجل تدمير مجتمعه وبنيته ونهضته والأهم من ذلك تدمير الفكر الوطني فيه وقتل الانتماء للوطن عند العراقيين، ومن ثم تدمير قدراته العلمية والعسكرية، فما أشبه احتلال أمريكا للعراق باجتياح المغول للعراق سنة 658 ميلادية.

         وكان ردّ الشعب العراق هو انطلاق المقاومة العراقية بشراسة لتسجل في التاريخ الحديث أنها أسرع مقاومة للمحتل، بعد أن كذّب الشعب العراقي الأصيل ادعاءات الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، بأن جنود بلاده سيستقبلون بالورود.

          وبعد انهيار الجيش الأمريكي في الأنبار وبغداد وصلاح الدين والموصل ونينوى وكركوك وديالى أطلق عليها المحتل (مثلث الموت)، وتفكك على إثرها تحالف الاحتلال وانهارت أسطورة الجيش الأمريكي. ورغم الدمار الذي أحدثه في “العراق”، وما تسبب به من كوارث اقتصادية، إلا أنه فشل في تطويع الواقع السياسي لإرادته، وإقامة نظام يُنفذ أجندته، وهو ما دفعهم لتأسيس عملية سياسية تحت الحماية الأمريكية في استخدام أحزاب ومليشيات مأجورة للقضاء على المقاومة العرقية.

          وبقيت قوتان تتحكمان في المشهد العراقي؛ المحتلون ومن معهم من الأدوات السياسية من جهة، وإيران وعملاؤها ومليشياتها من جهة أخرى.

    إيران ودورها في العراق

          بعد الانسحاب الأمريكي من العراق وإطلاق يد إيران في السيطرة السياسية والعسكرية عليه، انطلقت إيران من العراق، لتعيث في الأرض فسادا في كلّ من (سوريا، ولبنان، واليمن) لتجعل دول مجلس التعاون الخليجي في مأزق حقيقي.

          لقد أمسى الشعب العراقي ضحية الانهيار المستمر في مؤسسات الدولة بسبب السياسات الحكومية الفاشلة، فانهيار القطاع الصحي أمام جائحة كورونا وانتهاك السيادة العراقية وتحكم الميليشيات الموالية لإيران بالقرار السياسي والاقتصادي والأمني وممارستها الإجرام والتهجير والتغيير الديمغرافي لصالح إيران في المنطقة يُظهر حجم النفوذ الإيراني والفساد المستشري في العراق؛ وهو ما دفع الشعب العراقي للخروج بتظاهرات كبيرة منذ ستة أشهر للمطالبة بإسقاط العملية السياسية المُتهالكة وبناء عملية سياسية وطنية راشدة لإعادة السيادة للعراق.

    الدور الإيراني في المجال العربي

         لا شك أن الدور الإيراني الأبرز في المجال العربي قبل الغزو الأمريكي للعراق كان يمكن ملاحظته في سورية وكان محدودا. وبالرغم من ذلك لم يكن النفوذ الإيراني في سوريّا بالقوة التي وصلت إليه بعد وصول بشار الأسد إلى السلطة، وفتحه البلاد على مصرعيها أمام الوجود الإيراني فأصبحت إيران تتدخل في كل مفاصل الدولة، وخاصة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، إذ باتت سوريا تشهد نشاطا إيرانيا غير مسبوق في جميع المحافظات السورية، وسرعان ما انتقلت إلى التدخل المباشر في القرار السياسي الداخلي والخارجي.

          لقد ازداد التدخل الإيراني في لبنان بعد بسط نفوذه على العراق بشكل واضح، مستغلاً بشكل ذكي، المشاعر الشعبية العربية الملتهبة ضدّ الاحتلال الأمريكي من جهة، وضدّ العدو الإسرائيلي من جهة أخرى في تلك المرحلة، الأمر الذي خدم إيران و ساهم في إبراز “حزب الله”  وزيادة شعبيته بين الشعوب العربية، بوصفه “قوّة مقاومة” آنذاك، وبقيت هذه الصورة دون أن يتم اكتشاف حقيقتها إلا مع بداية الثورة السورية.

          أما على الصعيد اليمني فقد زاد الوضع تعقيداً، واستثمرت إيران الحراك الشعبي لدعم جماعة الحوثي، واستطاعت تزويدهم  بالأسلحة والخبراء والأموال، وبدأت شوكتهم تزداد بالتحالف مع الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، للإسهام في زعزعة أمن الخليج  واستقراره عن طريق استهداف أكبر وأقوى دولة في الخليج. الأمر الذي دفع التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية للتدخل العسكري المباشر، لإجهاض المشروع الإيراني، رغم مضي خمسة سنوات لم يتمكن التحالف من تحيد هذا التمرد أو القضاء عليه.

          أما دول مجلس التعاون الخليجي، فقد توسع التغلغل الإيراني  في معظمها بعد بسط سيطرتم على العراق وزاد التغول الإيراني حتى أصبح يهدد الأنظمة من خلال الأذرع النائمة داخل هذه الدول، حيث توسع ديمغرافيا واقتصاديا من خلال توظيف رؤوس الأموال في قسم من هذه الدول، وأصبح يتحكم بها اقتصاديا فضلا عن تحريكه لخلاياه النائمة متى شاء لتهديد هذه الأنظمة ولزعزعة الاستقرار.

          لا شك أن الدور العربي الذي كان ضعيفا في العراق، وعكس عدم وجود أمن قومي عربي حقيقي، استمر بنفس الوتيرة في سورية، إذ اقتصر الدور العربي فيها على تقديم مساعدات غذائية ومساعدات عسكرية في سنوات الثورة الأولى، دون أي تواجد فعلي حقيقي عربي على الأرض، وإذا ما استثنينا التدخل العربي المباشر في اليمن، وبعض محاولات التأثير في سياق الأحداث في ليبيا، فأننا سنجد بأن الدول العربية نأت بنفسها عن إحداث فارقة في مجريات ما يحدث، وتركت المجال مفتوحا أمام الجيوش والقوات الأجنبية (روسيا، أمريكا، تركيا، فرنسا، إيران …).

    وبعد مرور 17 عام على الاحتلالين الامريكي الايراني يتضح المشهد من خلال :

    1 . لقد فشل الأميركيون في العراق لأن صانعي السياسة الكبار لم يكونوا مدركين للكثير من الحقائق عن طبيعة الشعب العراقي.

    2 . كان المبرر التي قدمته أمريكيا الاحتلال العراق، أن يكون الشرق الأوسط أكثر إنسانية وليبرالية، لذلك بدأت الإطاحة بالنظام العراقي لتحقيق هدفها، ولكن الحقيقة أظهرت تحول منطقة الشرق الأوسط الى مسرح للصراع المستمر.

    3 . تصاعد أحداث العنف في العراق، كانت نتيجة لتوافق سياسات الاحتلال الأمريكي والإيراني، في ترسيخ العنف الطائفي في العراق، كما كان له أثره في عدم الاستقرار السياسي، وظهور بعض الجماعات المتطرفة التي استغلت أحداث الطائفية في خدمة مصالحها. ومن أهم مؤشرات العنف الطائفي في العراق زيادة عدد القتلى على أساس الهوية، تقتل المواطنين على أساس انتمائهم العرقي والمذهبي، وتفجير دور العبادة للطوائف المختلفة.

    4 . ظاهرة التهجير القسري، التي تخدم في النهاية مخطط تقسيم العراق إلى كيانات عرقية وإثنية، وهذه الظاهرة التي تعني إجبار أتباع طائفة معينة إلى ترك المناطق التي بها أغلبية من أتباع الطائفة الأخرى حتى لا تتعرض للقتل، ونتيجة للعنف الطائفي الذي اشتعل بعد تفجيرات سامراء، فر آلاف من مناطقهم إلى مناطق أخرى، مما أحدث تغيّر ديمغرافي في العراق لصالح مشروع التقسيم.

         بدأت أمريكا تدرك خطورة النفوذ الإيراني، وعزمت على تقليصه وبالتحديد في العراق، للحد الذي تعجز فيه إيران عن الانطلاق إقليميا، بعد تقاطع المصالح، لكن الموضوع أصبح معقدا بعد أن بسطت إيران نفوذها على كل مفاصل الدولة بفضل أمريكا من خلال الدستور الطائفي وإطلاق يدها في البلاد.

          إن انعكاسات الغزو الأمريكي ستستمر طويلا، رغم أن العراقيون يحاولون ترميم ما تركه الاحتلال الأمريكي لكنهم ضائعون بسبب المحاصصة العرقية والطائفية، وولاء السطلة الحاكمة لإيران، التي تأسست بعد الاحتلال والتي ما يزالون يدفعون ثمنها وسوف تستمر إلى فترة طويلة لأن المحاصصة تكرست.

           المستفيد الأكبر وعلى المدى الاستراتيجي هو الكيان الصهيوني. كان غزو العراق  وعدم استقراره، بمثابة الزلزال الاستراتيجي الثاني في التوازن الاستراتيجي في المنطقة. وكانت كامب ديفيد هي الزلزال الأول، وبفعل ما جرى أصبحت المنطقة العربية والشرق الأوسط جميعها تعيش عدم استقرار ومهددة  بالتغيّر.

         رغم مرور ما يقارب عقدين من الزمان، مازال الدم العراقي ينزف وأوصال البلاد مقطعة بين الإرهاب والفساد والطائفية والأطماع الدولية والإقليمية…

          في الذكرى الـ17 للغزو الأمريكي ندعو الولايات المتحدة الأمريكية إلى التحلي بالواجب القانوني والأخلاقي بالانسحاب المسؤول من العراق وتسليمه لشعبه وإنهاء الدور الإيراني الذي دخل بموافقتهم ودعمهم.

          وليعلموا جيدا أن الظالمين لن يعيشوا طويلا فوق أرض العراق، والظالمون بكل جنسياتهم سوف يرحلون، فليقرؤوا التاريخ جيدا، فقد مرّ على العراق إمبراطوريات كثيرة أين هي اليوم؟ كلها اندثرت ورحلت إلى غير رجعة، وبقي العراق صامدا شامخا حرا … وسيبقى العراق العربي كما كان حاملًا لواء الحرية، مدافعا عن حقه وعن أمته العربية، محافظا على هويته حتى يكتب له النصر بإذن الله.

  • درعاستان سلاح إيران القادم لتهديد الأردن والسعودية ... د. نبيل العتوم

        د.نبيل العتوم                       

    رئيس وحدة الدراسات الإيرانية            

    مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

    ما هي  مصادر التهديد التي يمكن أن يتعرض لها الأمن الأردني والسعودي والخليجي   في الفترة القادمة جراء سيطرة إيران ومليشياتها على درعا ؟ قد تتزايد بعد انتشار الحرس الثوري الإيراني ، ومليشيا حزب الله ، ، كما تتزايد مع احتمال وصول تنظيم داعش إلى جنوبي سورية ،و تزايد  عمليات نزوح  اللاجئين السوريين ، ودخول إسرائيل على الخط  بعد تلاشي فكرة  استكمال المسيرة السلمية ، و إبعاد فرص بناء الدولة الفلسطينية عن طريق إشغال الدول الإقليمية والكبرى عن دعم تحقيق هذا الهدف ،وصعود أصوات وتوجهات متعددة تطالب بحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن ،أو من خلاله- بعد إضعافه طبعاً-، بعد أن تبدّت مصادر تهديد خطيرة على الأردن من جانب إيران ومحورها ، إلى جانب ضبابية الموقف الأمريكي والروسي إزاء هذه التطورات ، مما يوحي  بوجود مسار جديد لإعادة رسم التوازنات السياسية والعسكرية في المنطقة .

    هذه المتغيرات بمجملها تُمثل تهديداً للمملكتين الأردنية والسعودية على حد سواء ، لكن كيف ؟؟ .

    لا شك بأن هذه  التطورات الدراماتيكية المتسارعة لا بد من  أن ترفع من مستوى التهديد ؛و في هذا السياق لا بد من إجراء تحليل علمي وواقعي و منطقي واستشرافي لتبعات ما يجري على حدود الأردن الشمالية ، والتي باتت  تشكل مصدر تهديد غير مسبوق  .

    سيناريو  درعاستان و خطرها على الأمن الأردني والسعودي

     حتى نفهم  ما يجري لابد من تحليل  المتغيرات التالية  :

    المتغير  الأولهو الانتصارات التي حققتها إيران وحلفاؤها على الأرض في محافظة درعا ، حيث  باتت  طهران ومن خلفها في وضع شبه مسيطر ؛ حيث  دعم ذلك فرص تركيز نفوذ ها  في درعا ، بعد  تقهقر المعارضة المسلحة السورية على الأرض .

      المتغير الثاني :حسابات صانع القرار السياسي والعسكري والأمني  الإيراني والسوري في كيفية استغلال هذا الحدث المهم  لإحداث ضغط أكبر على الأردن والسعودية  ومنطقة الخليج عموماً ، واستراتيجيات تحقيق ذلك وأدواته  الفعلية على الأرض .

    المتغير الثالث :كيف يُمكن توظيف أرض درعا  لتصدير الأزمات والمشاكل للمحور الأردني السعودي الخليجي  ليصبح الأمر في نهاية الأمر  في وضع أسوأ مما كانت عليه ، واستنزاف قدرات هذه الدول وإمكاناتها ، بهدف ثنيها عن دعم المعارضة السورية ، والضغط على هذا المحور لإجباره على الابتعاد عن فكرة تغيير النظام  السوري ، فضلا عن توجيه البوصلة السعودية والخليجية عن القضية اليمنية عن طريق استنزافها بأزمة جديدة .

    المتغير  الرابع :القضاء على الأردن اقتصادياً واستنزاف طاقاته السياسية والعسكرية وتشويه القاعدة الذهبية  التي تعتمد على فكرة مفادها أن الأردن وفي ظل التغيرات الجيوسياسية في المنطقة بات أكثر قدرة  وأهمية   من ذي قبل بالنسبة لدول المنطقة ، حيث بات يُمثل المثال والساحة  الوحيدة التي تحتفظ بمقومات الأمن والاستقرار ليس لشعبها فقط ؛ بل بالنسبة لدول المنطقة  ، وبيئة  آمنة جالبة للاستثمار.

    المتغير الخامسالتأثير على الأردن اقتصاديًا في ظل وجود مجموعة من العوامل يأتي في مقدمتها تقتير دول مجلس التعاون الخليجي عن دعم الأردن ، وانكفاء المجتمع الدولي عن تقديم مساعدات مجزية له ، ومحاولات إيران المتكررة من خلال أدوات النظام السوري نقل الفوضى للأردن ، وتهديد اقتصاده  عن طريق التلاعب  بأمنه الداخلي .

    لا شك بأن  كل هذه  العوامل ليست  في مصلحة الأردن ، وسوف تسهم في نهاية المطاف في تعقيد الظروف المعيشية للشعب الأردني ، مما سيخلق – حسب رؤية النظامين الإيراني والسوري – أرضية خصبة لنمو التيارات الراديكالية المتطرفة ، وسيُسهل مهمة بناء الخلايا النائمة التي يطمح تنظيم داعش فرع المخابرات السورية والإيرانية بالتواصل معها لنقل الفوضى إلى الأردن ، ودول الجوار وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية .

    المتغير السادستأجيج إيران وحلفائها  للأوضاع الأمنية  في سوريا عموماً ، وفي محافظة درعا على وجه الخصوص سوف يسهم في تكثيف عمليات اللجوء السوري للأردن ، ومحاولة استغلال موجات اللجوء لزرع خلاياه النائمة ، وهو ما تنبه له صانع القرار الأمني بصورة مبكرة .

    المتغير السابع:ما تُمثله محافظة درعا من أهمية استراتيجية بالنسبة لإيران بعد أن اتضح هذا الأمر بشكل جلي من خلال تصريحات المسئولين الإيرانيين المتكررة وكان أخرها ما صرح به مساعد قائد الحرس الثوري  بعد الانتصارات التي حققتها ايران وحلفاؤها هناك بأن ” الحرس الثوري الإيراني بات على مشارف عمان، وقريباً من عاصمة آل سعود أكثر من أي وقت مضى” .

     المؤكد أن   إيران تسعى للنفوذ  إلى الأردن  بشكل دائم ومتكرر  من خلال توظيف المعادلة السياسية الداخلية؛ وتحديداً  متغير علاقات الدولة الأردنية  المضطرب مع الإسلاميين، التي ينبغي لصانع القرار الأمني والسياسي التنبه لخطورتها ، وتفويت الفرصة على طهران  لتحقيق ذلك من خلال نسج علاقة جديدة، وعلى أسس واضحة مع الإسلاميين ، إلى جانب ذلك تحاول إيران استغلال  متغير أخر وهو المتمثل بفرصة الجفاء بين إيران وحماس ،من هنا على الأردن تبني إستراتيجية جديدة تتمثل  بالسعي لتوظيف هذا المتغير  لصالحه بدلاً من أن يكون ضده ، لأن هذه الحركة ستبقى في نهاية المطاف ورقة رابحة  للوقوف ضد المشروع الإيراني والإسرائيلي على حد سواء اللذين باتا يتقاطعان معاً، مع رفع احتمالية الحوار مع حركة الجهاد الإسلامي أيضاً  ، وهو ما نجحت  الرياض في تخطيه .  

    من هنا تبرز الحاجة إلى ضرورة وأهمية  إعادة تشكيل مؤسسات صنع القرار الوطني الأردني ، ورفد مطبخ القرار بنخب قادرة ومؤهلة وغير معتلة  بما ينسجم مع المرحلة الجديدة  ، لأن هذه التحولات ترتبط، بلا شك بوجود نخب قادرة على النهوض بأعباء المسؤولية ، وأن لا تسهم في خلق بيئة تصادمية مع الأحزاب والقوى  السياسية ، وأن تكون قادرة على المساهمة الفعالة لتخفيف الأعباء عن صانع القرار السياسي والأمني على حد سواء ، والدفع باتجاه انتخابات نيابية مُمثلة لكل الأطراف وبعيداً عن ممارسة سياسة الإقصاء والتهميش .

    إيران تتلاعب بورقة درعاستان : البناء والتفكيك

    تلعب الجغرافيا دوراً مهماً في تشكيل المصالح الإيرانية في درعا ؛ فهي ستعطي طهران وحلفاءها ميزات كثيرة تجعلها متحكمة في عدد متزايد من ملفات المنطقة ؛ ومن أبرزها التأثير على الأوضاع الداخلية  في كل من  الأردن والسعودية ، وهو ما يعني مزيداً من النفوذ وتنامي الدور الإقليمي، ولكن من ناحية أخرى فإن الجبرية الجغرافية  السورية مع الأردن  ، ستضع عمان والرياض على شفير عدد من الأزمات المعقدة والمتشابكة  بسبب هذا الموضوع .

    أولاً : الاستراتيجية الأولى لإيران في التعامل مع موضوع درعا  أنهلا يوجد تقدم فعلي على الارض   لمشروعها هناك دون  التوسل لتكون الطائفية أحد أهم أدوات  السياسة الإيرانية كونها منطلقاً أساسياً له، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لدولة ولي الفقيه ، لأن هذا المنطلق مرتبط بالأمن القومي الإيراني والمصالح الاقتصادية والسياسية المختلفة، وعلى ضوء ذلك من المتوقع أن تلعب طهران ب بورقة  السكان داخل محافظة درعا  ومحاولة تفريغها من سكانها السنة الأصليين بعد سيناريو عمليات الذبح والتهجير ، حيث من المتوقع أن تتبنى إيران  سيناريو عملية  الإحلال الديموغرافي عن طريق نقل وتوطين  سكان شيعة من سوريا ، ولبنان والعراق وأفغانستان وباكستان وتوطينهم في درعا بحجج وذرائع  الشحن المذهبي؛ وفي مقدمتها سياسة إيران للتمدد ألقبوري بعد أن يخرج علينا أحد مراجع التقليد الشيعة الإيرانيين ويبشرنا باكتشاف أضرحة لآل البيت في محافظة درعا ، أو في أحد قراها المتناثرة ، مما يُسهل ذريعة التعبئة المذهبية للتوطين، و تسهيل عملية الحج نحوالمزارات المفترضة في  درعاستان المقدسة .

    ثانياً:ستعمل إيران على تشكيل واجهات عسكرية ومن ثم سياسية  في حال نجحت في تحقيق هدفها  السابق ، لتعبر عن هذه الأقليات الشيعية في درعا ، والعمل  على توحيد عملها  لكي تتمكن من ترجمة أهميتها الديموغرافية إلى نفوذ سياسي، وبالتالي تعزيز السيادة الشيعية في دمشق الجديدة  المقبلة ، بعد أن تنشط فيها مؤسسات الثورة الإيرانية تحت غطاء العمل الخيري والاجتماعي والدعوي وإنشاء الحوزات … .

    والتأسيس للطائفية والمذهبية، سعياً وراء تقسيم الشعب السوري .

    ثالثاًالتطورات في درعا  سُتسهم في النهاية في تغيير معادلة الجغرافيا السياسية لتكتسب إيران وضعاً تفاوضياً قوياً  مع الأردن والسعودية ،وبالتالي تتمكن من  إمتلاك نفوذ كبير في المنطقة؛ بعد أن  تدخلت روسيا لصالحها ؛ وبعد أن  سقِط النظام السُّني غرب إيران ممثلاً بالعراق الذي كان يُشكل العمق الجيوبولتيكي للأردن والسعودية على حد سواء ، وهو أفضل مما كانت تحلم به إيران؛ مع حرية مطلقة للدخول والخروج من وإلى الدولتين العراق وسوريا للنفوذ لدول المنطقة وفي مقدمتها الأردن والسعودية ، بعد أن تبنت طهران  إستراتيجية مذهبية خيالية شعارها الأساس  أن لدولة أم القرى “إيران” الحق بالاستيلاء على الجغرافيا التي تراها ضرورية لبناء مجالها الحيوي المذهبي، وبعد أن  رفعت أيضاً شعار” أن الوصول لمكة عبر البوابة السورية سوف يكون من خلال بوابة دولة وادي اليابس ” الأردن” .  وتمكنت من تعبئة شيعة الشتات ، وحقنهم بهذه الفكرة  .

    رابعًا :  تفعيل  إيران وحلفائها للمزايا الجيوبوليتيكية التي تتمتع بها من خلال التوسل ببوابة درعا من خلال دعم عمل مليشياتها وتقديم الدعم ألاستخباراتي والعسكري والاقتصادي والسياسي للنفوذ والعبور إلى الأردن، حيث تمتلك طهران تحكُّماً في عدد من الاستراتيجيات الخطيرة والمؤثرة  للتأثير مستقبلاً على الأردن والسعوديه  ، حيث ستوكل  لقيادة الحرس الثوري الإيراني  تنفيذ أجندته التخريبية مثل:زراعة  المخدرات التي كان للحرس الثوري دوراً في جعل أرض أفغانستان وجنوب لبنان أكبر مكان لزراعة المخدرات وصنوفها  في العالم ، لهذا سينشط في مهمة جعل أرض درعا مكاناً خصباً لزراعة المخدرات والتفنن بها ، تمهيداً لتهريبها  للأردن ودول المنطقة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ، إضافة إلى تسهيل الحرس الثوري لعمليات تهريب الأسلحة للأردن ودول المنطقة من خلال بوابة درعا  ، و التحكم في مسار ملف  اللاجئين، وإعادة رسم  الخارطة السكانية من خلال دعم توطين الشيعة فيها ، كذلك التحكم في ملف التبادل التجاري مع الأردن الذي كان يعتبر درعا شريانه البري الحيوي للتواصل مع سوريا ولبنان وتركيا ، إلى جانب تقديم الدعم العسكري لمجموعات قد تقوم بالتحالف معها من بعض عشائر درعا إذا لم يتم التواصل معها ودعمها وتسليحها قبل فوات الأوان ، لتكون أحد المصدات للوقوف بوجه النفوذ الإيراني ” نموذج الصحوات ”  ، إضافة إلى موضوع استغلال إيران لفكرة الحرب على الإرهاب لتسهيل مهمة نفوذ داعش وأخواتها إلى الأردن والسعودية بعد توفير الدعم اللوجستي والتسليحي والاستخباري لها .

      خامسًاترويج وافتعال إيران  لخلق حالة  من الفوضى في درعا ، عن طريق سياسة تفريخ المليشيات من مختلف العشائر والمناطق التابعة لمحافظة درعا ، واستدراج بعضها من خارج المنطقة ، واللعب على وتر الخلافات العشائرية وتناقضاتها كما فعلت في العراق وأفغانستان ،  بحيث تكون سهلة  التوجيه والانقياد إضافة إلى محاولة الاستثمار في سلسلة واسعة من العشائر  المتنوعة القاطنة هناك ، الذين كثيرا ما يكونون  مستعدين لتقديم الخدمات نتيجة للظروف الاقتصادية والسياسية المزرية ، حيث ستسعى طهران لتوظيفهم كمنافسين لتقليل المخاطر عنها  إلى الحد الأدنى ،وذلك  لضمان استمرار نقل الفوضى  وبثها على مقياس متعدد الدرجات ، ولكن قابل للسيطرة عليه من جانب إيران ، على اعتبار أنها  مفتاح الحل ، مما يجعل صانع القرار السياسي والأمني الأردني في حالة قلق دائم . ومن هنا فإنه من المحتمل أن تنظر إيران إلى توظيف ملف درعا  كجزء من منافستها الأوسع مع مخاوفها تجاه  الأردن والسعودية   وإلى قلقها المتعاظم بعد تشكيل التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب الذي اعتبرته موجهاً ضدها ، إضافة إلى التحالف السعودي التركي والتهديد بحرب برية ضد  النظام السوري من جهة تركيا ، وبالتالي فإن طهران ستكون مستفيدة بشكل أوسع من خلال إنتاج حالة عدم استقرار أكبرمن جبهة جنوب سوريا ” درعا ” للتأثير على خصومها .

    سادساً : تزامن  تعاظم التأثير الإيراني من خلال الأزمة السورية وموضوع درعا  مع تغير الرؤى في الولايات المتحدة  بالنسبة لموضوع بقاء حالة الاقتتال على ما هي عليه، دون السماح  لتغيير الموازين  على الأرض لصالح المعارضة السورية ، مع الدعم غير المعلن للإستراتيجية الروسية والإيرانية الماضية في تقدمها وسحق المعارضة والشعب السوري معاً  ، مما سيشجع طهران على   محاولة «أقلمة» القضية  السورية  حسب مقاسها ؛ خاصة مما يتعلق بموضوع درعاستان ، واستغلال فكرة انشغال أميركا بانتخاباتها الرئاسية  لتحقيق أهدافها، لتصفية حساباتها مع الخصوم  .